محمد شحرور
محمد شحرور
-A +A
علي الرباعي (الباحة) okaz_online@
لم يبعد المهندس محمد شحرور عن مفهوم العَالِم الشامل. إذ وقف عمره على التأملات في الكون المنظر والكتاب المسطور ليقتنص من المنجزات التطبيقية ما يعزز خطابه النظري لكسر رتابة الفهم النمطي للتراث. وسعى في الزمن الفضائي إلى تأصيل إعادة القراءة المتجددة للنص بمعطيات معصرنة وعقلانية تعزز منهج التأويل الأصيل في تاريخنا عبر علماء المعتزلة في القرون الأولى.

فتح الراحل آفاقا من تجليات القرآن الكريم ما أدهش المجددين وأغضب القلقين على قداسة آي الذكر. وصرف 50 عاماً من عمره في استنطاق مغاليق ما يسمى بـ«المُسلّمات» ونجح في نقضها وإعادة تركيب المعنى المواكب للزمن التكنولوجي والحائل دون الانسداد التاريخي للحضارة الإسلامية التي أسهم العقل المعتزلي في بلوغها ذروة مجدها بمجازات ثرية ومتنوعة، أضاءت سياقات مجهولة من التراث، وصححت الأفكار المترسخة في الذهنية بالتلقين ليكون أحد رموز تحرير الفكر من سُلطة النص. وبما أن القرآن أسهم في تشكيل الوعي بالتاريخ والأديان وأسس بين الشعوب أرضيةً قامت عليها الثقافة الإسلامية التقليدية المرتكنة إلى الماضوية وأقوال السلف ما أسَرَ الأفهام في رحم المرويات دون إيلاء العقل دوراً في فهم وتحليل النصوص، تبنى شحرور الاستفادة من المناهج الفلسفية واللغوية باعتبار الإنسان المقصود بالخطاب، وعدّ سياقات المعرفة للخروج بمنجز قرائي متجدد ساعده عليه المنطق الرياضي. وعزا الصراع الأيديولوجي العربي إلى تسلط البعض باعتباره يملك حقيقة النص ما أحال المعرفة إلى ملكية خاصة تُستنطق بما يؤيد مصالح الجماعات المتصارعة. واستشعر التقليديون عبر أعوام خطورة طرح المهندس المدني فتصدوا له بالتشويش والتشويه كونه يرى الفكر تعبيراً موازياً ومميزاً عن التاريخ الاجتماعي، وسيطرة اتجاه فكري واحد لا تعني أن البقية ضالة أو كافرة، وبهذا فكك مركزيتهم التي بنوها على نص منفتح على كل الاحتمالات العقلانية. ويرى الناقد علي الشدوي أن شحرور بنى أكوانا من كلمات، باجتهاد بشري. ويقول: رغم أني لا أتفق مع منهجه في استنطاق اللغة، إلا أن ما فعله أثار الجدل وحرك راكد مياه، وهذا في حد ذاته جيد ولا مبرر لكل الفرح الذي صاحب موته، فيما قال الكاتب شايع الوقيان: «قد لا نتفق معه إلا أنه كان حريصاً على تطهير الإسلام من غلواء الإرهاب والتخلف واللاعقلانية، فلينم قرير العين، وليعلم أن رحلته لم تنته».