للباحث الأستاذ حسين بافقيه سلسلة مقالات، هي عبارة عن قراءات في السيرة الذاتية، نشرها في كتاب بعنوان (عبروا النهر مرتين)، وقد لفتني اختياره الذكي لهذا العنوان الذي هو عبارة في أساسها للفيلسوف اليوناني هيراقليطس، يقول فيها: «إنّك لن تخطو في النهر نفسه مرتين»، ويعني بذلك حتمية الصيرورة والتغير المستمر، بحيث لا تصبح أنت أنت فيما بين لحظتين، فضلا أن يكون النهر الذي تعبره هو النهر نفسه نظرا لاطراده وصيرورته، بيد أن الأستاذ حسين استعاد هذه العبارة ووظفها لفن السيرة الذاتية، الفن الذي يستطيع به الإنسان أن يعبر النهر مرتين، مرة واقعا ومرة كاتبا، ففي المرة الثانية يستطيع إعادة كتابة حياته من جديد، ولذلك يتاح له أن يعبر النهر مرة ثانية، ويبدو أنّه يستند في ربط العنوان بالسيرة الذاتية على قولٍ لميخائيل نعيمة، الذي افتتح به إحدى مقالات هذا الكتاب تحت عنوان «لذة التذكّر». يقول نعيمة: «إنني إذ أنكبّ على هذا الكتاب فأستعيد ذكريات ما كان من أمري في هذه الدنيا، سأكون كمن يعيش عمره مرتين».
والذي يبدو لي أن السيرة الذاتية ستكون في المستقبل القريب الفن السردي المهيمن على مشهدنا الثقافي السعودي، فقد بدت طلائعه تظهر في عدد من السير التي صدرت هذا العام، لحمزة المزيني وسعيد السريحي ومعجب الزهراني، وفي الأفق تضج أصوات مكائن الطباعة بسير ذاتية أظنها ستترى لجيل السبعينات والثمانينات في عاصوف جديد.
من أهم ما ورد في هذا الكتاب، في نظري، ما ذكره عن أدب الاعتراف والفارق الثقافي حول الموقف من هذا النوع في السيرة الذاتية، ففي ثقافة الغرب تستند فكرة الاعتراف على بعد كنسي يجعلها متوافقة مع السياق الغربي، في حين أن الاعتراف ليس من أدبيات الثقافة الإسلامية، والمقصود بالاعتراف هنا التعرّي الكامل في كتابة الذات من جهة ما يحسن السكوت عنه وعدم مراودته كونه يدخل في ثقافتنا ضمن الجهر بالإثم، وحتى لو تجاوزنا هذا المستوى الأهم، فالثقافة العربية أيضا لا تعزز أدبيات هذا الاعتراف بمفهمومه المسيحي الكنسي، «فمن شرائط المثول في الكنيسة، عندهم، الاعتراف بالخطيئة بين يدي كاهن، وما هكذا يفعل المسلم، فتحدّر إلى أدب السيرة الذاتية في الغرب أثرٌ من الاعتراف الكنسي، على ما شاع في الكتب التي تؤرّخ لترقّيه وتطوّره، من اعترافات القدّيس أوغسطين، قديما، إلى اعترافات الفيلسوف والمصلح الاجتماعي جان جاك روسُّو، حديثا». وبذلك تختلف دوافع كل ثقافة وأدبياتها في ما يتعلق بهذا النوع من السيرة الذاتية، وبالغاية من عبور النهر مرتين!
والذي يبدو لي أن السيرة الذاتية ستكون في المستقبل القريب الفن السردي المهيمن على مشهدنا الثقافي السعودي، فقد بدت طلائعه تظهر في عدد من السير التي صدرت هذا العام، لحمزة المزيني وسعيد السريحي ومعجب الزهراني، وفي الأفق تضج أصوات مكائن الطباعة بسير ذاتية أظنها ستترى لجيل السبعينات والثمانينات في عاصوف جديد.
من أهم ما ورد في هذا الكتاب، في نظري، ما ذكره عن أدب الاعتراف والفارق الثقافي حول الموقف من هذا النوع في السيرة الذاتية، ففي ثقافة الغرب تستند فكرة الاعتراف على بعد كنسي يجعلها متوافقة مع السياق الغربي، في حين أن الاعتراف ليس من أدبيات الثقافة الإسلامية، والمقصود بالاعتراف هنا التعرّي الكامل في كتابة الذات من جهة ما يحسن السكوت عنه وعدم مراودته كونه يدخل في ثقافتنا ضمن الجهر بالإثم، وحتى لو تجاوزنا هذا المستوى الأهم، فالثقافة العربية أيضا لا تعزز أدبيات هذا الاعتراف بمفهمومه المسيحي الكنسي، «فمن شرائط المثول في الكنيسة، عندهم، الاعتراف بالخطيئة بين يدي كاهن، وما هكذا يفعل المسلم، فتحدّر إلى أدب السيرة الذاتية في الغرب أثرٌ من الاعتراف الكنسي، على ما شاع في الكتب التي تؤرّخ لترقّيه وتطوّره، من اعترافات القدّيس أوغسطين، قديما، إلى اعترافات الفيلسوف والمصلح الاجتماعي جان جاك روسُّو، حديثا». وبذلك تختلف دوافع كل ثقافة وأدبياتها في ما يتعلق بهذا النوع من السيرة الذاتية، وبالغاية من عبور النهر مرتين!