طاهر الزارعي
طاهر الزارعي
حماد السالمي
حماد السالمي
سليمان  المعمري
سليمان المعمري




عمرو العامري
عمرو العامري




عبدالله الكعيد
عبدالله الكعيد
-A +A
علي الرباعي (الباحة) Al_ARobai@
قضى مريدو المثقفين زمنا يرسمون فيه صورة مثالية؛ باعتبارهم رموز السلام واللطف ومعززي حرية التعبير واحترام الرأي الآخر، لتصدمهم وسائل التواصل الاجتماعي باختصارها المسافات وعرى «تويتر» و«الفيس بوك» ردود أفعال المثقفين وحدّتهم تجاه بعضهم ومع المعلقين على تغريداتهم إذ استبدلوا اللطف بالعنف، ويحمّل متابعون المثقفين المسؤولية باعتبارهم معنيين بتحجيمه لا التشريع له بكتاباتهم وسلوكهم. وهنا قراءة للإشكالية واعترافات من النخبة ودرء التهم عن أنفسهم بلائحة عنف الأزمنة والتحولات.

ويقر الشاعر محمد محسن بتقاطع عدد من المبدعين مع الشعبويين في ردات فعل تمثلت في دخولهم أنفاقا بلا مخارج ومجاراة أنصاف مثقفين وأطباء وحواة ودعاة وعطارين في الردح عبر رسائل الواتس ووسائل التواصل ما أعطى صورة مغايرة عن صورة المبدع في الأذهان، وأحال البعض إلى هلامي بلا هوية صادقة ومثالية بحكم الارتباط بعقود قران بالإكراه مع توجهات وأيديولوجيات ليس لهم فيها لا ناقة ولا جمل.


ويعزو المستشار الثقافي الدكتور عبدالله الكعيد العنف النخبوي إلى سطوة حقبة عنيفة منذ مطلع القرن الواحد والعشرين فانسحب النمط العنيف بكل محدداته على معظم المناشط الإنسانية ابتداء بالعلاقة مع الآخر وليس انتهاء بالعنف في الفنون؛ ومنها الدراما والغناء وحتى الرياضة التي تصدرت العنف وصدّرته، لافتاً إلى أن الثقافة ليست بمعزل كونها بمثابة عصب جسد المجتمعات فلا غرابة أن يصيبها ما أصاب غيرها، ويؤكد أن بعض المثقفين ينتقي المفردات العنيفة كالجندي الذي يستخدم أعنف أسلحة التدمير. ويؤكد الكعيد أنه مستمر في مقاومة العنف ومقاطعة منتجاته وهو في خريف عمره متسلحاً بالقصيدة الناعمة والرواية الشاعرية والموسيقى الكلاسيكية.

ويرى الروائي عمرو العامري أن الأزمات تعيد ترتيب الأولويات فيتقدم الأمن الصحي والاجتماعي على الثقافي، وعدّ صوت المثقف المبشر مقدساً كوننا نفتش عن الأمل ولكون القلق مربكاً في ظل عولمة لا يمكننا الانفصال عما يحدث بها. وحمّل العامري وسائل التواصل مسؤولية الإرباك من حيث التضخيم والاختلاق والمبالغة، وراهن على المثقف في نشر الوعي والتمسك بالحياة كون الإنسانية قوية وستقدم لنا عالماً بقيم أخرى وربما أقوى، وأشبه بما أنتجته الحرب الكونية الثانية.

ويذهب الإعلامي العماني سليمان المعمري إلى أنه لا يمكن فصل المثقف عن العالَم الذي يعيش فيه، و عمّن يشكّل منظومة حياته من أفراد المجتمع الآخرين، سياسيين كانوا أم عمال مصانع، أم رجال أعمال، أم أميين بسطاء. مؤكداً أن كل هؤلاء يضفون تأثيرهم المباشر وغير المباشر على المثقف الذي ينبغي التوقف عن النظر إليه بمثالية مفرطة، كون الثقافة لا تعني بالضرروة صك نجاة من أمراض المجتمع الذي يعيش فيه النخبوي، فـ«الثقافة لم تمنع أحدا يوماً من أن يكون وغدا» كما يقول فيلسوف. وأوضح أنه في عز شعوره بالمسؤولية تجاه تغيير واقعه لا مناص من التأثر بالعنف المحيط به. وضرب مثلاً بمن يصرخ حولك فيدفعك ضميرك الثقافي والإنساني إلى الصراخ الأعلى لتبلّغ رسالتك. ونعت «عنف» المثقف «بالضجيج» الطامح لإحداث التغيير وإن بأدوات مجتمعه.

فيما ذهب الكاتب حماد السالمي إلى قول الشاعر دريد بن الصمة «وما أنا إلا من غزية إن غوت غويتُ وإن ترشد غزية أرشد» وقال «وهل المثقف إلا من غزية»، «موس وعلى كل الرؤوس».

ويرى الكاتب أسامة يوسف أن عنف المثقف ليس مقتصراً على الأزمات، بل غدا وسماً في وسائل التواصل الاجتماعي بصفة يومية، وعزاه لقلة صبر مثقف يخرج من عزلته فيجد نفسه أمام سيل من المشاكسات الفورية ما يضاعف انفعاله وتوتره في ظل الضغوط، وتطلع لاستيعاب المثقف الحقيقي جنون العالم الافتراضي أو اعتزاله كي لا يظهر بمظهر الإقصائي عبر حظر المتابعين أو التقليل منهم أو تسفيههم كون التحولات منحت للشعبوي وللبسيط وللتافه مساحة زاحم به النخبوي وسلب منه تدريجيا بعض أضواء الشهرة ما أشعره بالغيرة وعدم القدرة على التصالح مع الواقع.

وحمّل القاص طاهر الزارعي الأزمات مسؤولية معاناة المثقف وفرض «العنف الثقافي» عليه، ما شوّش الصورة الحقيقية للمثقف، ويرى إيجاد بديل مناسب يقوم على استعادة الثقة وإيمان الذات الكارهة بالآخر وبمنهجه وبطبعه ما يرسم خطوطا لما يؤول إليه توجهه، ويرى أن اللطافة نتاج العمل والانصراف للكتابة بفن وإبداع ما يعزز مناعة المثقف ضد العنف ويحصّن مشاعره.