حضرت مع امتداد وارتداد جائحة كورونا نظرية نهاية التاريخ التي أطلقها الياباني الأمريكي الجنسية (فرنسيس فوكوياما) والتي عزا فيها نهاية التاريخ الأبدية إلى سقوط الاتحاد السوفيتي واكتساح الديموقراطية الليبرالية أرجاء العالم، وانهيار الأنظمة الشمولية، وانتصار فكرة الأسواق الحرة، مؤكداً أنه لن يبرز في أفق الكون أي معطى جديد يستحق أن يبدأ معه التاريخ مجدداً إلا أن سيرورة التاريخ تلد وتحبل بالمتجدد من الأفكار والرؤى والنظريات واستمرار الحياة.
ويرى ممثل المملكة السابق في اليونسكو الدكتور زياد الدريس أن الكثير توقع مع كورونا أن يتبدّل العالم ويتغير الناس ليصبحوا أكثر إنسانية وحكمة ونظافة وترشيداً وروحانية، فيما يحكم آخرون بأن يكونوا أكثر وحشية وانتهازية ومادية ولا مبالاة. أما البقية من غير الكثيرين ومن غير الآخرين فخرجوا عن سياق أولئك، إذ لا يتوقعون أن يتغير شيء ذو بال في هذا العالم الصلب، وأن الإنسان كائن اجتماعي قادر على التكيف مع التحولات المناخية المتناقضة، والتأقلم مع البيئات الاجتماعية المتناحرة. ولفت الدريس إلى أن كل التخمينات السابقة تنبثق من فرضية مثالية مبنية على أن الناس جميعاً لديهم القيم نفسها في مسالك الحياة، وردّات الفعل إزاء أي تجديد أو تهديد يطال برنامج حياتهم المعهود!، مؤكداً اختلاف آثار الصدمة الوبائية على المكونات من الأسرة إلى المؤسسات السياسية أو بيوت التجارة أو مراكز الترفيه أو حتى دور العبادة إلى الأفراد المستقلّين إلى المجموعات المهنية إلى الشعوب المتفاوتة في طباعها والدول المتفاوتة في قدراتها.
وتحفظ الدريس على التخمينات التي ترجح انضباط الناس في الأيام الأولى لما بعد رفع الحجر، بحكم ما فرضته المساحة المحدودة للمنزل والبرنامج المحدود في تنوّعه. وتوقع حدوث العكس تماماً، مستعيراً وصف (غوستاف لو بون) للجماهير بالقطيع، إذ سيركضون مع فتح باب (الحوش) بغير اتجاه ويأكلون من المراعي بنَهَم العابث لا الجائع، ويصرخون للتعبير عن احتجاجهم ضد أيام الحوش المغلق وللتعبير عن فرحهم بحرية الانطلاق. وقال: «يبدو توصيفي هذا قاسياً، لكنه في الحقيقة ألطف من الرأي الأول الذي يظن بأن الإنسان سيكون منضبطاً في أيامه الأولى ثم يعود لاحقاً إلى همجيته، بينما أفترض أن الإنسان سيكون همجياً في أيامه الأولى ثم يعود لاحقاً إلى طبيعته». وتساءل: «هل سيفعل كل الناس هذا الانطلاق الهمجي من الحظر؟ قطعاً لا، لأننا مرة أخرى يجب أن نمتنع عن استسهال إطلاق تخمينات شمولية لا تلائم أفراد أسرة واحدة فكيف بشعوب الأرض؟!». ويرى أن المثقف والمشهد الثقافي الأقل ضرراً أو تغيّراً من بين الآخرين، بحكم أنه لم يخسر أو يكسب شعبيةً شأن السياسي، ولم يغنم مزيداً من الأرباح حال التاجر. ولكونه ما زال هو نفسه ذلك المشغول بمراقبة الحدث وتقييم ردود فعل الفئات الإنسانية حياله، لينطلق إثر نهاية الحجر إلى أقرب مطبعة!
الرميحي: التاريخ انتقائي
يرى أستاذ علم الاجتماع الدكتور محمد الرميحي أن الجنس البشري لا يتعلم من أخطاء الماضي فيسرف في التفاؤل أو التشاؤم ولا يصدق تفاؤله ولا تشاؤمه. مستعيداً التفاؤل بمطلع القرن العشرين إثر حروب أوروبا السابقة في قرون مضت وسرعان ما بددت الحرب العالمية الأولى التفاؤل، وأعقبتها الإنفلونزا الإسبانية ثم الحرب العالمية الثانية، وراهن الرميحي على العلم في تأسيس الوعي في المواطن وفي المسؤول ما يعزز إصلاح الخلل والانفتاح بعلاقات كونية جديدة والعمل على التطور والاعتماد على الذات والخروج من التفسير التراثي للأحداث، مؤكداً أن العولمة ستتخذ شكلاً جديداً بتبادل الخبرات والسلع واستثمار البعض لما بعد كورونا فيما ستعاني بعض الأقطار العربية وتطالبها شعوبها بوضع اقتصادي أفضل.
ولفت الرميحي إلى تعدد النظريات التي تتجاوز (نهاية التاريخ) بحكم أن العقل البشري لن يتوقف عن تقديم معطيات أحدث للتطور الاقتصادي وإقامة علاقات جديدة، ويرى أن التاريخ انتقائي وليس حقيقياً وأميناً في نقله للمسيرة البشرية، وأبدى تحفظه على آليات ومناهج التعليم كون بناء الأمم يحتاج إلى إستراتيجيات تأخذ في الحسبان جميع المخاطر والاحتمالات الحادثة والمتوقعة، متطلعاً لتعليم يعتمد الفلسفة ويتحرر من الخرافة والكهنوت ويعتمد المنطق والتفسير العقلاني.
ويذهب إلى أن الصين لا تستطيع فرض ثقافتها على العالم بحكم غياب الديمقراطية وصعوبة اللغة والابتكار الخارجي.
وعدّ الرميحي التحولات الناجحة ثمرة من ثمار القيادة الناجحة والواعية، مستعيداً تجربة المملكة التي وصفها بعمود الخيمة الخليجية والمتطورة في قراراتها والمؤهلة بثرواتها وشعبها للمزيد من النجاحات في ظل تماسك التركيبة السكانية، مشيراً إلى استمرار التحديات متمثلة في الفساد واجتياح التقنية التي يمكن ترشيدها باليد العاملة البسيطة كما قال، مؤملاً ألا تقوقع الدول على نفسها كون العالم مترابطاً والعولمة تأخذ أنماطاً جديدة يرى أنها ستكون أفضل خصوصاً على المستوى الاجتماعي.
المحمود: لا أجناس أدبية مغايرة
يرى الناقد الثقافي محمد علي المحمود أن ما بعد كورونا لن يشهد انقلابات فكرية واسعة المدى، ولا تخلّق أجناس أدبية أو فنية مغايرة للأجناس الأدبية والفنية المعهودة. إلا أن الثقافة بطبيعتها ذات علاقة عضوية بالواقع، فاعلة ومنفعلة، ما يرجح حدوث متغيرات كمية ونوعية مترتبة على متغيرات الواقع. ويرى أن مستوى ونوع هذه المتغيرات في المجال الثقافي مرتبط بمستوى ونوع المتغيرات التي ستحدث على الأرض.
وعدّ المحمود ما يشهده العالم على المستوى الاقتصادي والسياسي والمعرفي مقدمة لترتيب عديد من المجالات، والمقولات المعرفية والثقافية، ما سيتجلى في عالم الفكر والثقافة وينعكس على الروايات والسير والأشعار والأفلام المتناولة الكارثة الكونية والأعمال التي ستتحدث عن المتغيرات المُسبَّبة بالكارثة، دون أن تكون الكارثة موضوعها. ويؤكد أنه لا أحد يعرف موقع كورونا في سياق دورة حياته، والمهتمون يتساءلون بحيرة بالغة: هل لا يزال الوباء في البداية، ما يعني أنه يعد بالكثير ـ لا سمح الله ـ أم هو في أقصى حدود تمدده، ما يعني أنه في طور الاستعداد للرحيل، ومن ثم زوال هذا الكابوس. ما جعل العالم كما يرى ينقسم بين أقصى اليمين وأقصى الشمال، بين التفاؤل والتشاؤم وبينهما مساحة استشراف المعطيات التي ستسهم في تشكيل المشهد الثقافي، وأضاف: لا يمكن التنبؤ ـ على وجه التحديد ـ بهذه المتغيرات الواقعية/ المادية؛ من حيث لا يمكن ـ التنبؤ بمسارات الوباء العالمي، ما يجعلها أقرب إلى التخمين، منها إلى المقاربة المعرفية. وذهب المحمود إلى أن مقولات الثقافة الغربية ستقع تحت مجهر النقد، وستحد كثيراً من المراجعات كون الوعود التي تحملها تتعرض اليوم للاختبار. ما يؤثر على تسويقها، خصوصاً أن المنجز الحضاري الغربي المادي المبهر كان أكبر مسوق لها في الماضي.
ويرى أن الصين تمثل نموذجاً ثقافياً، قبل أن تكون نموذجاً سياسياً واقتصادياً، مع ما يتعرض له من هجوم شديد، كونه ـ وفق قراءة كثيرين ـ يقف وراء نشوء وانتشار هذا الوباء. وأضاف: ربما تدخل دول العالم الثالث على الخط، وتتقدم بفروضها الثقافية على المَمَرّ العابر بين الغرب والصين، ولكنها لن تستطيع تقديم شيء ذي بال، بحكم أن مُنْتَجَها الثقافي في هذا السياق لا يعدو تعليقات هامشية على الأحداث.
ويرى ممثل المملكة السابق في اليونسكو الدكتور زياد الدريس أن الكثير توقع مع كورونا أن يتبدّل العالم ويتغير الناس ليصبحوا أكثر إنسانية وحكمة ونظافة وترشيداً وروحانية، فيما يحكم آخرون بأن يكونوا أكثر وحشية وانتهازية ومادية ولا مبالاة. أما البقية من غير الكثيرين ومن غير الآخرين فخرجوا عن سياق أولئك، إذ لا يتوقعون أن يتغير شيء ذو بال في هذا العالم الصلب، وأن الإنسان كائن اجتماعي قادر على التكيف مع التحولات المناخية المتناقضة، والتأقلم مع البيئات الاجتماعية المتناحرة. ولفت الدريس إلى أن كل التخمينات السابقة تنبثق من فرضية مثالية مبنية على أن الناس جميعاً لديهم القيم نفسها في مسالك الحياة، وردّات الفعل إزاء أي تجديد أو تهديد يطال برنامج حياتهم المعهود!، مؤكداً اختلاف آثار الصدمة الوبائية على المكونات من الأسرة إلى المؤسسات السياسية أو بيوت التجارة أو مراكز الترفيه أو حتى دور العبادة إلى الأفراد المستقلّين إلى المجموعات المهنية إلى الشعوب المتفاوتة في طباعها والدول المتفاوتة في قدراتها.
وتحفظ الدريس على التخمينات التي ترجح انضباط الناس في الأيام الأولى لما بعد رفع الحجر، بحكم ما فرضته المساحة المحدودة للمنزل والبرنامج المحدود في تنوّعه. وتوقع حدوث العكس تماماً، مستعيراً وصف (غوستاف لو بون) للجماهير بالقطيع، إذ سيركضون مع فتح باب (الحوش) بغير اتجاه ويأكلون من المراعي بنَهَم العابث لا الجائع، ويصرخون للتعبير عن احتجاجهم ضد أيام الحوش المغلق وللتعبير عن فرحهم بحرية الانطلاق. وقال: «يبدو توصيفي هذا قاسياً، لكنه في الحقيقة ألطف من الرأي الأول الذي يظن بأن الإنسان سيكون منضبطاً في أيامه الأولى ثم يعود لاحقاً إلى همجيته، بينما أفترض أن الإنسان سيكون همجياً في أيامه الأولى ثم يعود لاحقاً إلى طبيعته». وتساءل: «هل سيفعل كل الناس هذا الانطلاق الهمجي من الحظر؟ قطعاً لا، لأننا مرة أخرى يجب أن نمتنع عن استسهال إطلاق تخمينات شمولية لا تلائم أفراد أسرة واحدة فكيف بشعوب الأرض؟!». ويرى أن المثقف والمشهد الثقافي الأقل ضرراً أو تغيّراً من بين الآخرين، بحكم أنه لم يخسر أو يكسب شعبيةً شأن السياسي، ولم يغنم مزيداً من الأرباح حال التاجر. ولكونه ما زال هو نفسه ذلك المشغول بمراقبة الحدث وتقييم ردود فعل الفئات الإنسانية حياله، لينطلق إثر نهاية الحجر إلى أقرب مطبعة!
الرميحي: التاريخ انتقائي
يرى أستاذ علم الاجتماع الدكتور محمد الرميحي أن الجنس البشري لا يتعلم من أخطاء الماضي فيسرف في التفاؤل أو التشاؤم ولا يصدق تفاؤله ولا تشاؤمه. مستعيداً التفاؤل بمطلع القرن العشرين إثر حروب أوروبا السابقة في قرون مضت وسرعان ما بددت الحرب العالمية الأولى التفاؤل، وأعقبتها الإنفلونزا الإسبانية ثم الحرب العالمية الثانية، وراهن الرميحي على العلم في تأسيس الوعي في المواطن وفي المسؤول ما يعزز إصلاح الخلل والانفتاح بعلاقات كونية جديدة والعمل على التطور والاعتماد على الذات والخروج من التفسير التراثي للأحداث، مؤكداً أن العولمة ستتخذ شكلاً جديداً بتبادل الخبرات والسلع واستثمار البعض لما بعد كورونا فيما ستعاني بعض الأقطار العربية وتطالبها شعوبها بوضع اقتصادي أفضل.
ولفت الرميحي إلى تعدد النظريات التي تتجاوز (نهاية التاريخ) بحكم أن العقل البشري لن يتوقف عن تقديم معطيات أحدث للتطور الاقتصادي وإقامة علاقات جديدة، ويرى أن التاريخ انتقائي وليس حقيقياً وأميناً في نقله للمسيرة البشرية، وأبدى تحفظه على آليات ومناهج التعليم كون بناء الأمم يحتاج إلى إستراتيجيات تأخذ في الحسبان جميع المخاطر والاحتمالات الحادثة والمتوقعة، متطلعاً لتعليم يعتمد الفلسفة ويتحرر من الخرافة والكهنوت ويعتمد المنطق والتفسير العقلاني.
ويذهب إلى أن الصين لا تستطيع فرض ثقافتها على العالم بحكم غياب الديمقراطية وصعوبة اللغة والابتكار الخارجي.
وعدّ الرميحي التحولات الناجحة ثمرة من ثمار القيادة الناجحة والواعية، مستعيداً تجربة المملكة التي وصفها بعمود الخيمة الخليجية والمتطورة في قراراتها والمؤهلة بثرواتها وشعبها للمزيد من النجاحات في ظل تماسك التركيبة السكانية، مشيراً إلى استمرار التحديات متمثلة في الفساد واجتياح التقنية التي يمكن ترشيدها باليد العاملة البسيطة كما قال، مؤملاً ألا تقوقع الدول على نفسها كون العالم مترابطاً والعولمة تأخذ أنماطاً جديدة يرى أنها ستكون أفضل خصوصاً على المستوى الاجتماعي.
المحمود: لا أجناس أدبية مغايرة
يرى الناقد الثقافي محمد علي المحمود أن ما بعد كورونا لن يشهد انقلابات فكرية واسعة المدى، ولا تخلّق أجناس أدبية أو فنية مغايرة للأجناس الأدبية والفنية المعهودة. إلا أن الثقافة بطبيعتها ذات علاقة عضوية بالواقع، فاعلة ومنفعلة، ما يرجح حدوث متغيرات كمية ونوعية مترتبة على متغيرات الواقع. ويرى أن مستوى ونوع هذه المتغيرات في المجال الثقافي مرتبط بمستوى ونوع المتغيرات التي ستحدث على الأرض.
وعدّ المحمود ما يشهده العالم على المستوى الاقتصادي والسياسي والمعرفي مقدمة لترتيب عديد من المجالات، والمقولات المعرفية والثقافية، ما سيتجلى في عالم الفكر والثقافة وينعكس على الروايات والسير والأشعار والأفلام المتناولة الكارثة الكونية والأعمال التي ستتحدث عن المتغيرات المُسبَّبة بالكارثة، دون أن تكون الكارثة موضوعها. ويؤكد أنه لا أحد يعرف موقع كورونا في سياق دورة حياته، والمهتمون يتساءلون بحيرة بالغة: هل لا يزال الوباء في البداية، ما يعني أنه يعد بالكثير ـ لا سمح الله ـ أم هو في أقصى حدود تمدده، ما يعني أنه في طور الاستعداد للرحيل، ومن ثم زوال هذا الكابوس. ما جعل العالم كما يرى ينقسم بين أقصى اليمين وأقصى الشمال، بين التفاؤل والتشاؤم وبينهما مساحة استشراف المعطيات التي ستسهم في تشكيل المشهد الثقافي، وأضاف: لا يمكن التنبؤ ـ على وجه التحديد ـ بهذه المتغيرات الواقعية/ المادية؛ من حيث لا يمكن ـ التنبؤ بمسارات الوباء العالمي، ما يجعلها أقرب إلى التخمين، منها إلى المقاربة المعرفية. وذهب المحمود إلى أن مقولات الثقافة الغربية ستقع تحت مجهر النقد، وستحد كثيراً من المراجعات كون الوعود التي تحملها تتعرض اليوم للاختبار. ما يؤثر على تسويقها، خصوصاً أن المنجز الحضاري الغربي المادي المبهر كان أكبر مسوق لها في الماضي.
ويرى أن الصين تمثل نموذجاً ثقافياً، قبل أن تكون نموذجاً سياسياً واقتصادياً، مع ما يتعرض له من هجوم شديد، كونه ـ وفق قراءة كثيرين ـ يقف وراء نشوء وانتشار هذا الوباء. وأضاف: ربما تدخل دول العالم الثالث على الخط، وتتقدم بفروضها الثقافية على المَمَرّ العابر بين الغرب والصين، ولكنها لن تستطيع تقديم شيء ذي بال، بحكم أن مُنْتَجَها الثقافي في هذا السياق لا يعدو تعليقات هامشية على الأحداث.