عبدالرحمن موكلي
عبدالرحمن موكلي




أحمد التيهاني
أحمد التيهاني




فارس الهمزاني
فارس الهمزاني
-A +A
علي الرباعي (الباحة) okaz_online@
يندهش المراقب للوسط الثقافي عندما يستشعر حساسية المثقفين العالية من بعضهم وقابليتهم للعداء وفصم عرى الصداقة والكفر بالعيش والملح، وربما تخفف حدة الدهشة السياقات التاريخية لعلاقات المثقفين الوطيدة الآيلة دوماً للانهيار لأسباب غير موضوعية، تغلب عليها الذاتية لتتحول المحبة إلى نفور، والصداقة إلى عداوة. وربما يستعصي على النسيان ما ربط بين الكاتبين الفرنسيين (سارتر، وكامو) من علاقة مثالية سرعان ما أخذت منحى عدائيا، إلا أن سارتر قبل وفاته تحدث عن علاقته بكامو وقال «كان كامو على الأرجح آخر أصدقائي الحميمين». وهنا محاولة لاستقراء أسباب خسارة المثقفين صداقاتهم عبر عدد من الآراء.

في البداية، يؤكد الشاعر عبدالرحمن موكلي أن رموز الثقافة خلقوا فضاءات لجدليات جديدة للصراع ومنها ما هو بين المثقفين أنفسهم، ولفت إلى أن الصداقات الواعية والقائمة على الأخلاقيات تعزز الحوار وترتقي بالصراع الفكري وتبقى راسخة وإن اهتزت لسبب أو لآخر. وعد الإشكال في الصداقات المرتبطة بمصالح كونها تنتكس بالصدام الشخصي، ويراها ظاهرة في كل الأمم والثقافات، كون الصراع جزءا من تكوين الحياة المدنية، وقال لن أستغرب تغير مواقف البعض بسبب نيل أصدقاء جوائز ودعوات ومناصب.


فيما عزا القاص الدكتور فارس الهمزاني انعدام الانسجام وغياب الوئام إلى عوامل عدة؛ منها كون المثقفين ينتمون لفئات اجتماعية مختلفة في ميولها ومرجعياتها المعرفية وخلفياتها الثقافية وبنائها الأيديولوجي، مشيراً إلى خطورة متلازمة النرجسية وتضخم الذات على الثقافة بحكم ما تحدثه من استعلاء وانتقاص من الآخرين وتشويه السمعة عن الاختلاف في وجهات النظر، وذهب إلى أن المثقف بطبعه مرهف الشعور عالي الحساسية وكل ذلك من مقومات التميز، إلا أنه ليس بحاجة للمفاخرة والتباهي وفرد العضلات أمام المتلقين أو زملائه المثقفين ما يحدث الصدع في العلاقات. وحذر من الاستهانة بالآخرين كونها مدعاة لاستهانة الآخرين بالمثقف، ولفت إلى أن من لوازم الثقافة التنازل والتواضع ودرء الخلافات والترفع عن الانتقام للذات والبعد عن الشخصنة والحد من الانفعال في المواقف، تفادياً لتعطيل الفعل الثقافي، وتلافياً لتشويه الصورة الذهنية المثالية التي يحتفظ بها المجتمع للنخب الثقافية.

فيما تحفظ الناقد الدكتور أحمد التيهاني على صيغة السؤال الموحية بنذالة المثقف، وعدم احترامه المبادئ، وتخليه عن الالتزام الأخلاقي والقيمي، وأوضح أنه بحكم المعايشة للمثقفين عن قرب مرت به شريحة تنتسب للثقافة إلا أنها لا تحترم الصداقة باعتبارها قيمة عليا في الوعي الجمعي. وعدّ التيهاني المتصفين بهذه الصفة أشباه مثقفين ممن يشاركون في غزوات ثقافية ضد المؤسسات من منطلقات حزبية، ولتحقيق مصالح ذاتية وطمعاً في الشعبوية ما يدفعهم للتنمر باسم الثقافة. ويرى أن المثقف المستقل النافر من الفكرة العصابية أكثر إنسانية وتمسكاً بصداقاته ومحافظة على مبادئه.

وذهب التيهاني إلى أن المثقف المتمثل الثقافة وعياً وسلوكاً أقدر على حفظ توازنه والاهتمام بمنجزه وتجاوز أدلجة التشكل العصابي الذي يعصف بالإنسان ويضعف قواه العقلية، ويحيله إلى ترس في آلة التنظيمات الحركية المغرقة في عدائها ومساندة بعضها والتصدي لكل مثقف مستقل لا ينتمي للفكرة المؤدلجة.