كم هو خطبٌ جللٌ أن تفقد عزيزاً عليك، ولكنها سنة الله في الكون: موت وميلاد، حياة وفقد، حزن وفرح، فكيف إذا كان الفقيد هو العم، والعم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «صنو الأب». وقد تجددت منذ بداية رمضان ذكريات فقد والدي الحبيب خلف حمدان، الذي كان محباً للشهر الفضيل والإحسان، وكان فيه من العابدين الناسكين، ولنا فيه ذكريات كثيرة جداً، ومنهج حياة ووصايا نعيش بها، وها هو الشهر الفضيل يترك لي ذكرى لا تنسى، هي رحيل عمي العزيز (عاصم حمدان)، الذي وصلني نبأ وفاته عصر السبت الموافق 23 من رمضان. يغادر عمي كبير القدر، والمقام (عاصم حمدان) بهدوء كبير، نائماً صائماً بعيداً عن الأجهزة الطبية -بفضل الله- رغم مرضه الذي اشتد عليه في الآونة الأخيرة، وقد كنت من القلائل الذين حظوا بسماع صوته الحنون الطيب للمرة الأخيرة يوم الخميس؛ أي قبل وفاته بليلتين، حيث هاتفنا متحدثاً مع ابن أخته رقية الحبيبة لقلبه- يرحمها الله- زوجي د. محمد يوسف الغامدي في استشارة طبية، وأسمع صوت دعواته عبر الهاتف لعمتي ووالدي- يرحمهما الله - ودعائه الطيب لنا الذي يختم به أي حديث له.
في رثائك عمي تساءلت نفسي هل أكتب عن المفكر الرصين: الوسطي، الوطني، ذي الفكر النير؟ أو الأكاديمي الفذ صاحب المؤلفات الخالدة- إن شاء الله؟ أو عن محب اللغة العربية؟ أو المثقف العالم في الشأن الثقافي المحلي والعالمي؟ أو الأديب صاحب القلم الرشيق؟ أو العالم المتواضع الذي لا يهوى الظهور، ولا ينفرد بذكر نسبه، وأصله؟ أو المؤرخ الكبير لأعظم مدينتين: المدينة المنورة، ومكة المكرمة، عمي الحبيب لقد تتلمذت على كتبك ومقالاتك منذ طفولتي عندما كان والدي -يرحمه الله- يتأبط جريدة (المدينة) فخوراً بما خطته يمينك في عمودك «رؤية فكرية» الذي كان تارة تحليلاً سياسياً، وتارة سرداً لتاريخ حارات المدينة المنورة، وتارة أخرى رثاءً لأحد رجالها العظماء، أو في شأن اجتماعي عام، وكنت أتعجب ولم يفتني يوماً مقال من مقالاتك من رشاقة قلمك وغزارة فكرك، كيف تنتقل من وادٍ إلى وادٍ أعمق في الكتابة في مواضيع شتى باحترافية عالية؟! لكنها سعة اطلاع كبيرة، وثقافة عالية، شكلت ذائقتي في القراءة لأفضل الكتابات الصحفية، وقد تجلت لدي قيم الجمال والحكمة واختيار المفردات بعناية كبيرة في كتاباتك الصحفية. لكنني كنت أبدأ بعمودك وإليه أعود حتى ظننته تحيزاً مني، واعتداداً بالمثقف الكبير والكاتب البارع (عمي).
وآثرت أن أكتب في هذا المقام عن عمي (عاصم) الإنسان البسيط البعيد عن التكلف ذي الخلق الرفيع، والأدب الجم، العم اللطيف الذي لم أسمع منه إلا كل خير، ولم يُختم أي حديث معه إلا بالدعاء لي ولوالدي، وإخوتي. وأكاد أجزم أن العم المثقف الأكاديمي الذي اجتمعت فيه خصال المحسنين والعلماء ترك أثراً عظيماً في شباب الأسرة كافة، وبالأخص جيلا رأى فيه قدوة ومثلاً أعلى وفي مسيرته العلمية وقلمه وكتاباته نبراساً، فأصبح كل منا يعده معياراً للنجاح والتفوق.
لم يكن عمي عاصم قدوة في علمه وكتاباته الأكاديمية فحسب، ولكنه يذهلنا جميعاً باحترامه الكبير وتقديره قولاً وفعلاً لكل فرد في العائلة، وكم أدهشني تقبيله رأس أخيه (والدي) الذي أحبه حباً عظيماً، وفخر به أيما فخر. ولكنه مذهل حقاً لنا أبناء الأسرة أن يقبل كبير القدر والمقام (عاصم حمدان) أخاه الأكبر منه ببضع سنوات رأسه ويده ويناديه كعادة أهل الحجاز «سيدي خلف»، بل وأخته، الأكبر رقية يرحمها الله وزوج أخته ابن عمه يوسف يحفظه الله لا لكبر سنهم عنه -كما هو العرف- ولكنه اعتراف منه بقدرهم الكبير وفضلهم العظيم عليه وهو تواضع الكبار. منذ وفاتك وحتى اللحظة التي أكتب فيها هذه السطور لم تكف التغريدات ولا الأعمدة الصحفية من علية القوم وعامتهم ومحبيك وزملائك وطلابك عن الثناء عليك والدعاء لك، والناس شهود الله في أرضه، وقد قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّمَا مُسْلِمٍ، شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّة فَقُلْنَا: وَثَلاَثَةٌ، قَالَ: وَثَلاَثَةٌ فَقُلْنَا: وَاثْنَانِ، فكيف بهذه الجموع الغفيرة من البشر تشهد لك بالخير وتثني عليك، كيف لا وقد كنت صائماً في واحدة من أعظم أيام شهر المغفرة والرحمة هي ليلة يرجى أن تكون من ليالي القدر،عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ فمن مات صائماً دَخَلَ الْجَنَّةَ، ومن مات بعد إفطاره وكان صائماً دَخَلَ الْجَنَّةَ، إذا خُتِمَ لَهُ بِالصِّيَامِ». عماه.. إن وفاء الأوفياء الذي تعلمته في مدرسة والدي -يرحمه الله- واستشعرته واقعاً في حياة أسرتنا منذ طفولة الزاهدية مروراً بالابتعاث، وحتى حطت بي الرحال في الساحل الشرقي، ذاك الوفاء الذي قرأته كثيراً في مداد قلمك أخرجني من صمتي الباكي، ورثاء النفس الذي خطته يمينك في وفائك لوالدي -يرحمه الله- ووفائك الجميل لكل من رحل بذكر محاسنه، وحث الناس على تذكر من رحل بالإحسان؛ أثارني لأكتب وفاء لك ولروح أبي التي عشقتها فيك ولأني ابنتكما التي تقتفي خطاكما. رحلت عمي (عاصم) وتركت في أنفسنا جميعا أهلك ومحبيك أثراً عظيماً، رحلت رحيل العظماء المتواضعين الذين لا يسعون إلى المنابر ولا الأضواء لكنها تسعى إليهم، رحلت وفي النفس ذكريات كثيرة جداً لن تنمحي برحيلك. لكننا سنغلف اسمك في طيات دعواتنا. ذلك العم الشهم، طيب الذكر طيب المعشر، نقي السريرة: المدني، المكي، البدوي، الحضري الغامدي، الذي أثرى مكتبة كلٍّ منا أبناء الأسرة بمؤلفاته، وكتبه، وإهداءاته وسيرته العطرة، كما أثرى المكتبة العربية والإسلامية بمؤلفاته، وكتبه وتوثيقه لأقدس تاريخ ومكان، تاريخ المدينتين المدينة المنورة ومكة المكرمة، لن ننساك من الدعاء أبداً والذكر الحسن (إنّا على العهد باقون).
في رثائك عمي تساءلت نفسي هل أكتب عن المفكر الرصين: الوسطي، الوطني، ذي الفكر النير؟ أو الأكاديمي الفذ صاحب المؤلفات الخالدة- إن شاء الله؟ أو عن محب اللغة العربية؟ أو المثقف العالم في الشأن الثقافي المحلي والعالمي؟ أو الأديب صاحب القلم الرشيق؟ أو العالم المتواضع الذي لا يهوى الظهور، ولا ينفرد بذكر نسبه، وأصله؟ أو المؤرخ الكبير لأعظم مدينتين: المدينة المنورة، ومكة المكرمة، عمي الحبيب لقد تتلمذت على كتبك ومقالاتك منذ طفولتي عندما كان والدي -يرحمه الله- يتأبط جريدة (المدينة) فخوراً بما خطته يمينك في عمودك «رؤية فكرية» الذي كان تارة تحليلاً سياسياً، وتارة سرداً لتاريخ حارات المدينة المنورة، وتارة أخرى رثاءً لأحد رجالها العظماء، أو في شأن اجتماعي عام، وكنت أتعجب ولم يفتني يوماً مقال من مقالاتك من رشاقة قلمك وغزارة فكرك، كيف تنتقل من وادٍ إلى وادٍ أعمق في الكتابة في مواضيع شتى باحترافية عالية؟! لكنها سعة اطلاع كبيرة، وثقافة عالية، شكلت ذائقتي في القراءة لأفضل الكتابات الصحفية، وقد تجلت لدي قيم الجمال والحكمة واختيار المفردات بعناية كبيرة في كتاباتك الصحفية. لكنني كنت أبدأ بعمودك وإليه أعود حتى ظننته تحيزاً مني، واعتداداً بالمثقف الكبير والكاتب البارع (عمي).
وآثرت أن أكتب في هذا المقام عن عمي (عاصم) الإنسان البسيط البعيد عن التكلف ذي الخلق الرفيع، والأدب الجم، العم اللطيف الذي لم أسمع منه إلا كل خير، ولم يُختم أي حديث معه إلا بالدعاء لي ولوالدي، وإخوتي. وأكاد أجزم أن العم المثقف الأكاديمي الذي اجتمعت فيه خصال المحسنين والعلماء ترك أثراً عظيماً في شباب الأسرة كافة، وبالأخص جيلا رأى فيه قدوة ومثلاً أعلى وفي مسيرته العلمية وقلمه وكتاباته نبراساً، فأصبح كل منا يعده معياراً للنجاح والتفوق.
لم يكن عمي عاصم قدوة في علمه وكتاباته الأكاديمية فحسب، ولكنه يذهلنا جميعاً باحترامه الكبير وتقديره قولاً وفعلاً لكل فرد في العائلة، وكم أدهشني تقبيله رأس أخيه (والدي) الذي أحبه حباً عظيماً، وفخر به أيما فخر. ولكنه مذهل حقاً لنا أبناء الأسرة أن يقبل كبير القدر والمقام (عاصم حمدان) أخاه الأكبر منه ببضع سنوات رأسه ويده ويناديه كعادة أهل الحجاز «سيدي خلف»، بل وأخته، الأكبر رقية يرحمها الله وزوج أخته ابن عمه يوسف يحفظه الله لا لكبر سنهم عنه -كما هو العرف- ولكنه اعتراف منه بقدرهم الكبير وفضلهم العظيم عليه وهو تواضع الكبار. منذ وفاتك وحتى اللحظة التي أكتب فيها هذه السطور لم تكف التغريدات ولا الأعمدة الصحفية من علية القوم وعامتهم ومحبيك وزملائك وطلابك عن الثناء عليك والدعاء لك، والناس شهود الله في أرضه، وقد قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّمَا مُسْلِمٍ، شَهِدَ لَهُ أَرْبَعَةٌ بِخَيْرٍ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّة فَقُلْنَا: وَثَلاَثَةٌ، قَالَ: وَثَلاَثَةٌ فَقُلْنَا: وَاثْنَانِ، فكيف بهذه الجموع الغفيرة من البشر تشهد لك بالخير وتثني عليك، كيف لا وقد كنت صائماً في واحدة من أعظم أيام شهر المغفرة والرحمة هي ليلة يرجى أن تكون من ليالي القدر،عَنْ عَائِشَةَ رَضِي الله عَنهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ فمن مات صائماً دَخَلَ الْجَنَّةَ، ومن مات بعد إفطاره وكان صائماً دَخَلَ الْجَنَّةَ، إذا خُتِمَ لَهُ بِالصِّيَامِ». عماه.. إن وفاء الأوفياء الذي تعلمته في مدرسة والدي -يرحمه الله- واستشعرته واقعاً في حياة أسرتنا منذ طفولة الزاهدية مروراً بالابتعاث، وحتى حطت بي الرحال في الساحل الشرقي، ذاك الوفاء الذي قرأته كثيراً في مداد قلمك أخرجني من صمتي الباكي، ورثاء النفس الذي خطته يمينك في وفائك لوالدي -يرحمه الله- ووفائك الجميل لكل من رحل بذكر محاسنه، وحث الناس على تذكر من رحل بالإحسان؛ أثارني لأكتب وفاء لك ولروح أبي التي عشقتها فيك ولأني ابنتكما التي تقتفي خطاكما. رحلت عمي (عاصم) وتركت في أنفسنا جميعا أهلك ومحبيك أثراً عظيماً، رحلت رحيل العظماء المتواضعين الذين لا يسعون إلى المنابر ولا الأضواء لكنها تسعى إليهم، رحلت وفي النفس ذكريات كثيرة جداً لن تنمحي برحيلك. لكننا سنغلف اسمك في طيات دعواتنا. ذلك العم الشهم، طيب الذكر طيب المعشر، نقي السريرة: المدني، المكي، البدوي، الحضري الغامدي، الذي أثرى مكتبة كلٍّ منا أبناء الأسرة بمؤلفاته، وكتبه، وإهداءاته وسيرته العطرة، كما أثرى المكتبة العربية والإسلامية بمؤلفاته، وكتبه وتوثيقه لأقدس تاريخ ومكان، تاريخ المدينتين المدينة المنورة ومكة المكرمة، لن ننساك من الدعاء أبداً والذكر الحسن (إنّا على العهد باقون).