يتناول الأستاذ الدكتور عبدالله الغذامي في كتابه الأخير بعنوان: العقل المؤمن/العقل الملحد: كيف لعقول البشر أن تؤمن أو تلحد. الرياض: العبيكان (1441هـ/2020م، 168 صفحة من القطع الصغير)، قضية إلحاد عالِمين معاصرين متخصصين في الرياضيات والفيزياء الكونية هما ستيفن هاوْكِنج وبرتراند راسل. ويبين الدكتور الغذامي أن إلحاد الرجلين ليس له مسوِّغ من العلوم التي يشتغلان بها. وربما يوحي هذا بأن سبب إلحادهما أن عقليهما لم يكونا مهيأين للإيمان أو ربما ساقهما «الغرور» بما حصلاه من شهرة إلى الموقف الإلحادي الذي تبنياه. ولا ريب أن من حق الدكتور عبدالله الغذامي أن يَستنكر، انطلاقاً من هويته الإسلامية الإيمانية، على الرجلين إلحادهما. لكن هذا يتطلب أن يبين أن نظرياتهما لا تقود بالضرورة إلى الإلحاد، بل إلى الإيمان حتماً. وكان الأجدر بالدكتور الغذامي ألا يهوِّن من نظريات هاوْكِنج إلا إن صدر عن معرفة وافية بتلك النظريات. وهذا ما لا يتبين من نقاش الدكتور الغذامي وهو ما يمكن أن يجعل النقاش مجرد استنكار لإلحاده وحسب.
وقد نشر كثير من المتخصصين في علوم الفيزياء وغيرها من العلوم الطبيعية مراجعات كثيرة لكتاب هاوْكِنج وشريكه. وكانت بعض تلك المراجعات إيجابية وبعضها ينتقد بعض الآراء التي يحويها الكتاب. لكن لم يقل أحد في ما قرأتُ من تلك المراجعات إن كتاب هاوْكِنج يقوم على «الوهم»، و«العلموية»، و«الرغبوية»، كما قال الدكتور الغذامي.ومن المراجعات المهمة التي كُتبت عن الكتاب ما كتبه ستيفين واينبرج Steven Weinberg، أستاذ الفيزياء النظرية المشهور في جامعة تكساس في أوستن، الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء النظرية، سنة 1979م. وكانت مراجعته بعنوان: («The Universes We Still Don’t Know,»The New York Review of Books, February 10, 2011) «الأكوان التي ما زلنا نجهلها» ويشير واينبرج إلى أن المراجعات التي رآها لكتاب هاوْكِنج وشريكه كانت تُركز على غياب «الرب» من وجهة نظر هاوْكِنج في هذا الكتاب. ويصف نقد هذه المراجعات بناء على هذا السبب بأنه «ساذج إلى حد بعيد».وبما أن الدكتور الغذامي ليس متخصصاً في العلوم التي كتب عنها هاوْكِنج كتابيه «تاريخ موجز للزمن» (1977م)، و«التصميم العظيم: إجابات جديدة عن أسئلة الحياة القصوى» (2010م، بالاشتراك مع ليونيارد ملوديناو، وتُرجم الكتابان كلاهما إلى اللغة العربية)، فربما اعتمد في ما كتبه عن كتاب هاوْكِنج على بعض المراجعات التي كتبها من يهتمون بما رأوه إلحادًا في الكتاب الأخير.ومما يؤكد هذا أن الدكتور الغذامي اقتصر في دعم موقفه المستنكِر لإلحاد هاوْكِنج على بعض العلماء المشهورين المتخصصين في العلوم الطبيعية الدقيقة ممن لهم ميول «إيمانية» ليقول إن موقف هاوْكِنج الإلحادي ليس ضربة لازب لأن هؤلاء العلماء المشهورين لم تدفعهم تلك العلوم إلى الإلحاد كما هي حال هاوْكِنج.ومن هؤلاء عالمُ فيزياء الكون البريطاني مارتن ريس الذي أورد الدكتور الغذامي قوله (19) في مقابلة معه إن «هاوْكِنج ضعيف في الفلسفة». ومع أن ريس يُنكر على هاوْكِنج إلحاده فهو يشير في تلك المقابلة نفسها إلى أنه هو نفسه: «لا يعتقد بأي اعتقادات دينية». ويقول إنه يذهب إلى الكنيسة مشارَكةً منه في الطقوس التقليدية العامة التي تمثل مظهراً من مظاهر ثقافته. وللدقة فلم يقل ريس إن «هاوْكِنج ضعيف في الفلسفة»، بل قال:«... [إنه] لم يقرأ إلا قليلًا في الفلسفة وأقل من ذلك في علوم العقائد...».كما أجاب ريس على سؤال في تلك المقابلة عن سبب عدم إيمانه بالرب بقوله: «أيُّ ربٍّ [تَعني]؟»، وفي إجابة على سؤال آخر عن عدم قدرته على الإجابة عن السؤال عن «الرب» يقول:«... إن اشتغالي بالعلوم [الطبيعية] جعلني أعرف أنه حتى أبسط الأشياء صعبٌ جدًّا على الفهم وهذا ما يجعلني أتشكك في مَن يعتقدون أن لديهم أيَّ شيء يزيد على كونه فهمًا غير كامل ومجازيًّا عن أي مظهر من مظاهر الحقيقة».ويبيِّن هذا أن «إيمان» ريس لا يشبه إيمان المؤمنين الخالصين، بل هو نوع من «التدين الطقوسي» رغبة في الانسجام مع محيطه الاجتماعي. وهذا «إيمان» ظاهري يجعل موقفه من «إلحاد» هاوْكِنج لا يقوم على أي أساس فلسفي أو ديني أو علمي مقنِع.وخصص الدكتور الغذامي صفحات كثيرة لعرض آراء عالم الأحياء الأمريكي فرانسيس كولينز (ص ص 57-81) الذي يدافع عن وجهة نظره الإيمانية بوجود «الرب» الخالق التي وصل إليها من خلال معرفته بالإنجازات العلمية في مجال الأحياء (واعتمد الدكتور الغذامي على كتاب كولينز: The Language of God 2006. لكن ما يلفت النظر أنه على رغم الحجج الكثيرة التي عرضها كولينز على صحة وجهة نظره الإيمانية، وأوردها الدكتور الغذامي، فقد انتهى مبكراً في حياته إلى نتيجة عبَّر عنها بقوله (وهي ترجمتي): «... إن وسائل العلوم الطبيعية ليست الوسائل الملائمة لكي نعرف [الرب]. إذ ربما يلزم أن تأتي الأدلة على وجود [الرب] من اتجاهات أخرى، وإن القرار النهائي [عن ذلك] ربما سيقوم على الإيمان، لا على دليل [علمي]»(ص 30).العلومالطبيعية تقود إلى الإيمان ويكفي قوله هذا لرد كلامه كله الذي كرره في كتابه هذا وفي كتبه الأخرى مما يقضي بأن «العلوم الطبيعية تقود إلى الإيمان» بشكل لازم.ويجدر بالملاحظة أن كولينز لا يؤمن بـ «الرب» كما يؤمن المؤمنون العاديون. بل يؤمن بأن هذا الرب خلق الكون وأودعه القوانين التي تسيِّره ثم «تنحى» لتعمل تلك القوانين وحدها من غير تدخُّل منه! كما أورد الدكتور الغذامي دعمًا لاستنكاره «إلحاد» هاوْكِنج قولًا نسبه فرانسيس كولينز إلى عالم الفيزياء البريطاني فريمان دايسون نَصُّه: «كلما ازددتُ فحصا للكون ازددت يقيناً بأن تصميم الكون وتفاصيله الدقيقة تشير إلى أن المصمم كان يعرف أن البشر قادمون» (ص66).وقد ورد هذا النص بصورة مختلفة في كتاب كولينز (ص76) وهو: «The more I examine the universe and the details of it architecture, the more evidence I find that the universe must in some sense have known we were coming,» والملاحظ هنا ورود كلمة «الكون» بدلًا من «المصمِّم»، الذي يعني الرب. والسؤال الآن: هل ورد كلام دايسون الذي ترد فيه كلمة «المصمم» في مصدر آخر؟ أم أن أحدًا غيَّر كلمة universe «الكون» إلى «المصمم» لغرض ما؟! ويوحي عدم ورود كلمة «المصمم» في كلام دايسون باحتمال أنه «لا يؤمن بوجود رب» لأنه نسب الانتظام في الكون إلى «الكون» لا إلى «رب»! ومما يوحي بعدم ورود كلمة «المصمم» في هذا النص المنسوب إلى دايسون ما يقوله دايسون نفسه عن طبيعة «تديُّنه» (كما ورد عنه في مقال تأبيني له نشرتْه مجلةPhysicsworld, 20 March 2020، إذ يقول إنه «يمارس الطقوس المسيحية إلى حد ما لكنه ليس مؤمنًا مسيحيًّا»، وإنه «لا يؤمن بعودة المسيح، ولا يستعمل كلمة God ليصف «كيانًا متعاليًا»[بمعنى الرب].ويقول في مقابلة مسجلة معه إنه يمارس الدين بصفته طقسًا اجتماعيًّا يمثل رابطًا مجتمعيًّا، وإنه يسعده أن يرى أحفاده يقرؤون الإنجيل ويذهبون إلى الكنيسة لتعزيز انتمائهم للمجتمع.والعالم الثالث الذي استشهد به الدكتور الغذامي ضد «إلحاد» هاوْكِنج هو جون لينوكس (ص34، ص37، ص39).ولم يعترض لينوكس، في المقال الذي أشار إليه الدكتور الغذامي، على نظريات هاوْكِنج ولم يشكك في كفايتها لتفسير ظواهر الكون الفيزيائية بل كان اعتراضه منصباً على رأي هاوْكِنج بأن افتراض وجود خالق للكون ليس لازماً وأن بعض القوانين الفيزيائية قادرة بنفسها على إيجاد الكون.ومما يكشف عن طبيعة «تدين» لينوكس حقًا ما ورد في مقاله هذا من مقولات غريبة لا تجعله أهلًا للثقة في ما يقول. ويكفي أن نقرأ الفقرات الأربع التالية (وهي ترجمتي لكلام لينوكس في مقاله الذي استشهد به الدكتور الغذامي بعنوان: «بروفيسور جون لينوكس، بصفتي العلمية فأنا واثق جدًا بأن ستيفن هاوْكِنج على خطأ. لا يمكنك تفسير الكون من غير الرب»، صحيفة ديلي ميل البريطانية، 3 سبتمبر 2010م). يقول لينوكس: «كان السبب الرئيسي الأدق الذي جعل العلم يزدهر بشكل قوي جدًّا في القرنين السادس عشر والسابع عشر [في أوروبا] هو على وجه الدقة الاعتقادُ بأن قوانين الطبيعة التي كانت تُكتَشف آنذاك وتعرَّف تَعكس فِعل خالقٍ واهب للقوانين [الفيزيائية]».«وتتمثل إحدى القضايا الأساسية في المسيحية في أن الكون خُلق بحسب تصميم ذكي عقلاني. وبدلًا من أن يكون الاعتقاد المسيحي مناهضًا للعلم فهو في الحقيقة يكشف عن تلاؤم دقيق مع الحس العلمي».«وكان العالم جوزيف نيدهام أجرى قبل سنوات دراسة مهمة للتطور التقني في الصين. وكان يريد أن يكتشف سبب تأخر الصين على رغم مواهب اختراعاتها المبكرة، مما جعلها تتخلف تخلفًا كبيرًا عن أوروبا في مجال العلوم المتقدمة».«وقد وصل [نيدهام] بعد تردد إلى نتيجة تتمثل في أن العلم الأوروبي تقدَّم نتيجة للاعتقاد الواسع بالقوة العقلانية المبدعة، المعروفة بالرب، وهي التي جعلت فهم القوانين الطبيعية كلها ممكنًا».ولا تؤكد هذه الفقرات الأربع عدم موضوعية لينوكس «المسيحي المتدين» في قضية تتعلق بالرب الذي يعتقد أنه خالق الكون فقط، بل تكشف كذلك عن عدم موضوعيته وتعصبه وعنصريته وجهله بتاريخ أوروبا «المسيحية» نفسها. فقد ظلت أوروبا منذ دخول المسيحية إليها في القرن الرابع الميلادي حتى القرن الخامس عشر «متدينة» جدًّا لكنها لم تحقق أي إنجازات علمية. كما يُغفل كلامه أن العلوم، في أوروبا، أسهم فيها علماء يهود كذلك، وازدهرت العلوم في العالم الإسلامي قبل أن تنهض أوروبا بقرون.ومن هنا فرأيه لا قيمة له في مسائل الإيمان والإلحاد ويجب ألا يولى أي اهتمام لتعصبه وتحيزه ضد الثقافات الأخرى وأديانها.ويكاد يشبه دايسون لينوكس في ارتباط العلم الحديث بالعالم المسيحي الذي يتميز - كما يقول - بوجود علم العقائد الذي نشأت عنه قضية العلاقة بين العلم والدين. وهو ينفي وجود هذا الظرف عند المسلمين واليهود. لكنه اعترف - بعد أن رد عليه أحد العلماء - بأن معلوماته عن هذا الأمر ليست كافية وإنما وصل إلى هذا الانطباع سماعًا من بعض المسلمين.اعتراضات العلماء ليست مبنية على أسس علمية أو إيمانية ومحصلة القول إن اعتراضات هؤلاء العلماء التي أوردها الدكتور الغذامي على «إلحاد» هاوْكِنج ليست مبنية على أسس علمية أو إيمانية حقيقية بقدر ما هي مبنية على اعتبارات بعضها ثقافي وبعضها اجتماعي وبعضها عنصري.والمسألة الأخرى هي أنه حتى مع احتمال وصف هؤلاء العلماء بــ«المؤمنين» فهم يؤمنون بــ«رب» يختلف تصورهم له عن تصور «المؤمنين» المسيحيين العاديين. بل إن تصورهم «المسيحي» لهذا «الرب» يختلف عن تصورنا نحن المسلمين لله تعالى المتفرد بالوحدانية.ويلجأ الدكتور الغذامي في المحاججة ضد رأي هاوْكِنج ورأي راسل إلى الفلسفة التي يرى أنها تهتم بالبحث عن «السبب الأول» في سلسلة طويلة من الأسباب التي يقود بعضها بعضًا حتى تصل إلى السبب الأخير الذي يُلزم بوجود خالق للكون. ويتهم الدكتور الغذامي هاوْكِنج بأنه «أمات الفلسفة» التي يعدها الطريق الصحيح الذي يقود بخطوات متتالية إلى ضرورة وجود «مسبب» للكون.أما أن هاوْكِنج «أمات الفلسفة» فيرده ما هو معروف من أن العلوم الحديثة تولت التعامل مع الموضوعات التي كانت الفلسفة تتعامل معها في القديم وهو ما جردها من دورها الذي كانت تقوم به منذ الحضارة اليونانية. يضاف إلى ذلك أن الذي قال بـ«موت الفلسفة» هو أشهر فيلسوف في القرن العشرين الميلادي وهو لودفيج فيتجنشتاين، كما أورد هاوْكِنج قولَه في نهاية كتابه «تاريخ مختصر للزمن» (وهي ترجمتي): «ومن ناحية أخرى، فالذين يشتغلون [في العصر الحاضر] بسؤال «لماذا»، أي الفلاسفة، لا يستطيعون متابعة التقدم الذي تحققه النظريات العلمية. أما في القرن الثامن عشر فكان الفلاسفة يعدون المعرفة البشرية كلها، ومنها العلوم الطبيعية، مجالًا لاهتمامهم وكانوا يناقشون أسئلة مثل: هل للكون بداية؟ لكن العلوم الطبيعية، في القرنين التاسع عشر والعشرين، صارت على درجة عالية من التقنية والترويض [الصياغات الرياضية] تتجاوز قدرات الفلاسفة وغيرهم باستثناء عدد قليل من المتخصصين. وقد أنقص الفلاسفة مجال اهتماماتهم البحثية إلى حد بعيد جعل فيتجينشتاين، وهو أشهر فيلسوف [في القرن العشرين] يقول إن:«المهمة الوحيدة الباقية للفلسفة هي تحليل اللغة». فما أعظم ذلك الإنقاص من تقليد الفلسفة بدءًا من أرسطو وانتهاء بكانط!».ويصدق القول بعدم أهمية الفلسفة في تناول قضية وجود خالق للكون في الحوار بين عالم الرياضيات البريطاني برتراند راسل والقس البريطاني كوبليستون كما أورده الدكتور الغذامي (ص ص 99-109). وهو حوار ردد فيه راسل عبارة «لا أدري» ومرادفاتها في إجاباته على أسئلة القس عن «السبب الأول» الذي تنتهي إليه سلسلة التساؤلات عن خلق الكون. والواقع أن موقف راسل أكثر أمانة وصدقًا من موقف القس؛ ذلك أن القس لا يملك أي دليل محايد مقنِع على اعتقاده الديني ليثبت لراسل وجود «رب». فهو يصدر، بغض النظر عن السفسطة اللفظية المعقدة التي يعبِّر بها عن إيمانه بصحة موروثه الديني. أما راسل فيقف عند حدود ما يعلم من خلال معرفته بالقوانين التي تحكم الكون ولا يدعي معرفة لم يحصلها بصورة متفق عليها علميًا.والواقع أن الفلسفة ليست ضمانة أكيدة ضد اتخاذ مواقف غير مقبولة. ومن أمثلة ذلك اعتناق الفيلسوف الألماني المشهور هايدجر المفاهيم العنصرية التي ترفع الجنس الآري فوق البشر وانضمامه إلى الحركة النازية التي طبقت تلك المفاهيم عمليًا.ومن المفاهيم الكبرى التي يأخذها الدكتور الغذامي على هاوْكِنج (ص ص 14ــ 15) اعتماده على «نموذج (الحقيقة المبنية على نموذج) بمعنى أن ذلك النموذج لا يتطابق مع الحقيقة المدروسة مباشرة بل هو تصور نظري مجرد لها. والواقع أن هذا النموذج هو ما انتهى إليه العلماء منذ القرن الثامن عشر لأنهم اكتشفوا أن دراسة الواقع مباشرة لا تؤدي إلى التفسيرات العلمية المعقولة. ويعلق تشومسكي، مثلًا، على ما سماه بـ «عدم إمكان تصور النتائج» عن العالَم [وهو تصور] «أقض مضاجع معاصري نيوتن العظام، ومضجع نيوتن نفسه كذلك» بقوله: «وأدى ذلك إلى تقييد أهدافِ التقصي العلمي ضمنًا: فقد خُفِّضت مِن [كونها] نوعًا من إمكان التصور الذي كان أحدَ معايير الفهم الصحيح في العلم الحديث المبكر إلى شيء أكثر محدوديةً يتمثل في [فكرة] معقولية النظريات عن العالَم. ومثَّل هذا خطوةً مهمة جدًّا، كما يبدو لي، في تاريخ الفكر البشري والتقصي [العلمي]، وهو أكبر مما أُدرِك عمومًا» (نعوم تشومسكي. أيُّ نوعٍ من المخلوقات نحن؟. ترجمة حمزة بن قبلان المزيني، عمّان: دار كنوز المعرفة، 1438هـ/2017م، ص 91، والفصل الثاني كله عن هذه القضية).«الانفجار الكبير» و«نظرية التطور» ادعاءات محضة ومن جانب آخر، كان الأحرى بالدكتور الغذامي ألا يردد تفسيرات القائلين بـ «الإعجاز العلمي في القرآن» واتخاذها أدلة على «الانفجار الكبير» وقبول «نظرية التطور» لأن هذه التفسيرات ليست إلا ادعاءات محضة.بقي أن أقول إن الإيمان هبة من الله تعالى يمتن به على من يُريد له الهداية. وهو ما يتضح من قصة إبراهيم الخليل عليه السلام الذي قال بعد تجربته في البحث عن الله: {لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} (الأنعام، 77). والملاحظة الأخيرة شكلية لكنها مزعجة! وتتصل بأرقام الصفحات في كتاب الدكتور الغذامي التي يشير بها إلى الصفحات في كتاب هاوْكِنج. فهي غير دقيقة ولم أجد رقم صفحة واحدة منها يتفق مع موضع الاستشهاد في كتاب هاوْكِنج! والنسخة التي لدي هي النسخة التي يبدو أن الدكتور الغذامي يحيل إليها (BANTAM PRESS, 2010، وهي مجلدة تجليدًا فاخرًا وأوراقها صقيلة!). فهل كان الدكتور الغذامي يحيل إلى طبعة أخرى؟!