محمد علي علوان
محمد علي علوان
-A +A
علي الرباعي (الباحة) Al_ARobai@
ضيف هذه المساحة مثقف منتمٍ وكاتب نوعي وقاص آسر بحكم أنه يمتلك مخزوناً قرائياً، وشخصية «أبو غسان» تجمع العفوية، وعباراته لا تخلو من ومضات ساخرة. يعد الكاتب محمد علي علوان من جيل الحداثة الأول، ويكتب بعشق، ويتعامل مع الناس بطيبة، وبإتاحة الفرصة لنا أن نجوب معه في فضاء استرجاعي وآني وافتراضي أكرمنا بالتجاوب مع الأسئلة والإجابة عنها برحابة صدر معهودة، وهنا حصيلة الحوار:

• نود التعرف على أسباب روح «أبوغسان» الإيجابية والساخرة في آن معا؟


•• أصدقك القول: ترتكز على معيار واحد محبتي للناس، واحترامي لكل الأصدقاء، وتحاشي التصادم، ويمكن الانسحاب من مجابهة بسبب رأي أو وجهة نظر، لدي حساسية مفرطة تجاه الآخر خصوصاً إذا تألم، وأحزن لفقد أصدقائي فقداً مادياً بالموت أو معنوياً. كما أني مرضتُ بالقلب وعمري 12 سنة وأجريت عملية قلب مفتوح، ورافقت والدي -رحمه الله- في الأسفار من مصر إلى سورية، وعشنا زمنا في لبنان، وكانت له مكتبة رائعة، والقُرب من المجتمع والاطلاع على الأحوال والآراء تربي الوجدان وتعزز إنسانية الموقف حتى وإن اختلفنا في وجهات النظر، لذا أتصل بمن يغيب عني وأسأل عمن يمرض، وأعزي من يفقد، وهذه واجبات تمليها عليك ثقافتك وفطرتك الأولى، والتسامح مطلب والحياة قصيرة جداً ولا تحتمل التشاحن والتباغض، فليس هناك ما يستدعي كل هذا، نحن في رحلة وعلينا الاستمتاع بها. أما الحس الساخر فهو من باب تلطيف الأجواء مع المعارف والأصدقاء وأحيانا أسخر من نفسي.

• هل تشعر أنه لا يزال لديك ما تقول في ظل التجربة الكتابية؟

•• لا مشقة في الكتابة أبداً. المشقة ألا تكتب ولا تقرأ، للكتابة أثرها النفسي والروحي، فالحياة ومتطلباتها اليومية تستدعي مساراً موازياً للبوح بما في الذات والوعي مما تختزن الذاكرة من حكايات وقصص وتجربة، فالحياة ثقافة، والكتابة فن.

• ما غايتك من الكتابة؟

•• مداواة ومعالجة. أصاب بالرعب عندما لا أكتب ولا أتفاعل، ولكني لا أطمح في جوائز ولا أبحث عن مكاسب، هناك جانب الكتابة المسؤولة بما أن الكاتب ينتظر منه القارئ الإسهام في الوعي وإبداء وجهات النظر. ولكن الكتابة حالة عشق متبادل مع الكلمات لا يحتمل أقل من الوفاء.

• ما مدى رضاك عما كتبت من مجاميع قصصية؟

•• بالطبع راضٍ عن المجاميع القصصية الخمس التي صدرت. وهذا تقييم ذاتي. ما يعني أن للقارئ والناقد مساحته ليبدي وجهة نظره وينتقد ويحكم على العمل باستقلالية تامة، وذلك في مصلحة الكاتب.

• ما قصة مقالة «أيها الأطفال لا تتعلموا الكتابة»؟

•• هذا نموذج لما ينبغي أن تكون عليه من رحابة صدر عندما لا يجاز لك مقال. وتتفهم وجهة نظر رئيس التحرير، وكان في جريدة الرياض زاوية بعنوان غرابيل يتناوب على كتابتها مجموعة من الزملاء فكتبتُ مقالي للزاوية ولم يجزه الراحل تركي السديري، وأصر أن أكتب مقالاً بديلاً، فكتبت مقالة بعنوان «أيها الأطفال لا تتعلموا الكتابة»، وفي ذلك الزمن كنا نذهب للصحيفة ومعنا المقال نسلمه مناولة، ونلتقي بالمحررين ومسؤولي الصحيفة ويدور الحوار والتفاعل ونشارك في رحلات صحفية داخل المملكة وخارجها، قبل أن تفرض التقنية الفاكس والإيميل فتذهب مقالاتنا ونحن (عن بُعد). قبل كورونا.

• كيف تقيّم منجز جيل الرواد مقارنة بتجارب الشباب لاحقاً؟

•• لكل مرحلة ظروفها، وتعاقب الأجيال امتداد طبيعي، ربما ينقطع التواصل بسبب عدم التعارف والجهل بالأعمال وكتابها، وأتصور أن النشر والتوزيع يحتاج مؤسسة مختصة لإيصال المطبوعات لكل المناطق وتمكين الشباب من معرفة المثقفين والاطلاع على نتاجهم. التعليم خطى خطوات موفقة بإدراج النصوص الإبداعية السعودية في المقررات ونتمنى أن يتنامى التوجه ويستمر. لدينا كتب وربما البعض لا يعلم عنها. ولذلك اقترحت أن نجمع الكتب ونبني بها كوخاً ثقافياً لتكون مزاراً جمالياً.

• متى نقرأ مجموعتك السادسة؟

•• جاهزة وجمعت فيها نحو 20 قصة، ورشحت لها اسم «طائر العشاء» ولعل صدورها يكون قريبا.

• لماذا تأخرت في إصدار الرواية التي سبق وأعلنت عنها؟

•• الرواية ليست مثل القصة، القصة أسهل وأجمل، والرواية تحتاج صبرا وقعدة طويلة وهدوءا، وإذا حضر أحفادي للمنزل أنسى الكتابة ويتلخبط البرنامج، وهذه الرواية زي ما يقول المثل «خرزة الغُمرية».

• ما سبب اندفاع القُصاص للكتابة الروائية؟

•• لعله التجريب. وهناك من كتاب القصة من كتب الرواية بلغة جميلة ومهارة عالية.

• هل نجحت في إتمام قراءة رواية سعودية معاصرة؟

•• بعض الأعمال تستحق ويمكن أن نقرأها أكثر من مرة. وبعضها لا تملك إلا أن تضعها جانباً. والعمل السردي الذي لا يأسرك من صفحاته الأولى فليس بالضرورة أن تكمله. كما أن للعمر أحكامه، وقراءة 700 صفحة مرهقة.

• أما زالت إنسانية القُرى تسكنك؟

•• جداً وهي معين لا ينضب، الذاكرة الحقيقية هي ما يتبقى من وحي القرية، اللبنة الأولى في الحياة، لن أنسى الأدبيات والطقوس، كنا نعرف الفتاة التي تزوجت بلبسها الشرشف، والعزباء بالمعصب المستدير عصابة على رأسها، الفنون، الغناء، الرعي للحلال معاً، الاشتراك في الحقل لإنجاز المهام دون تمييز أو تفريق بين رجل وامرأة، كانت القرية نابضة بالحياة والتنافس في الإنتاج، وجاءت موجات التزمت الديني فأطفأت الشمعة، حتى حل زمن الأمير محمد بن سلمان فأشعل مصابيح النور والتنوير.

• بماذا تداوي الحنين؟

•• باستعادة كل ما خلفته القرية في ذاكرتي من وشم الطفولة الفطري، وكتابته، فالكتابة صيانة لكل ما تحب من الموت والنسيان، صوت الأغنام وهي سارحة، تحايا الرعيان لبعضهم، خرير المياه في الأودية والشعاب، الرائحة العطرية، الاستعادة مداواة بحد ذاتها ولو عن بُعد.

• كيف تقرأ التحولات الاجتماعية؟

•• أشعر بطمأنينة كون الزمن اليوم يعمل لصالح الأولاد والأحفاد، ونحن نستفيد منها بحكم أن الشباب يعرفوننا على التقنية ويساعدوننا كما يساعد الأساتذة التلاميذ. نحن تلاميذ أحفادنا.

• ما سبب حساسية البعض وانفعاله الحاد؟

•• عدم الوعي بحجم نفسه وقدره. يتوهم البعض أنه أنجز ما لم يستطعه الأوائل، والعملية الكتابية تهذب الكاتب ويفترض أن المثقف أكثر الناس ضبطاً لأعصابه وتصرفاته ولديه قابلية للتفاعل مع التحولات. ولو قلتُ عن عملك ما أعجبني فليست نهاية الدنيا. الرابح من النقد هو الكاتب.

• ما شرط نجاح العمل السردي؟

•• النضج الفني. من الأعمال التي لا تغادرني متعة قراءتها «العطر والحمامة» للكاتب الألماني باتريك زوسكيند.

• متى يتجاوز الكاتب الغبن؟

•• الكتابة ليست بيعاً وشراء، والثقافة ليست مضماراً للمنافسة والسباق، للبعض مطامح لكنها لا تصل عند الذي يعرف قيمة ما يكتب إلى الغبن.

• كيف يستعاد تكتل القوة الناعمة بعدما فككته التقنية؟

•• لم ننقطع عن التواصل الواقعي مع الأصدقاء بالزيارات والاتصالات، وكل لقاء يجمعك بصديق يترتب عليه فكرة جديدة تستحق النقاش والحوار والكتابة. والفضاء الإلكتروني تواصل وتكتل أيضاً.

• ما أثر نقاد المراحل وهل أضاف النقاد للتجربة الإبداعية وأبرزوا مكامن الجمال في تجاربنا المحلية؟

•• الناقد الذي يكتب في كل فن وكل يوم وكل أسبوع لا ينجز نقداً معتبراً بل يوزع كليشات مكررة ومسبقة الصنع.

• بماذا تصف حضور جيل الآباء في مواقع التواصل؟

•• أضاف للحياة حياة متجددة وأتاح فرص التواصل عربياً وعالمياً.

• هل تتأثر تجربة الكاتب بسبب تعدد اهتماماته؟

•• بالطبع التجربة تحتاج الإخلاص ليتحقق التراكم خصوصاً إذا لديك مشروع كتابي.

• إلام تعزو انشغال المثقف بالسياسة؟

•• الكتابة السياسية لها أهلها المتخصصون فيها، والفن لا يحتمل الأدلجة ولا التسييس.

• أين تكمن قوة الثقافة المحلية؟

•• في التعريف بالثقافة والقيام بالأدوار وتبني المبادرات دون انتظار القرارات، خصوصاً الملحقيات الثقافية، ونتطلع إلى يوم تتمثل فيه برامج ومشاريع الثقافة واقعاً معاشا.