-A +A
حوار: عبدالله عبيان Abdullah_Obian@
شغفه بالكتاب فتح أمامه المسارات ليسبر أغوار قطاع النشر، ويتعرف على أبرز العقبات والتحديات في هذا القطاع الذي يرى أن سوء التوزيع أبرز مشكلاته.

الروائي والقاص إبراهيم سنان قال إن صناعة النشر في السعودية حالياً تتقدم بخطوات جيدة، لافتاً إلى أن المسافة بين المؤلف والكتاب شائكة ومعقدة.


وأوضح سنان أن الكتاب الورقي هو سيد الموقف، مشيراً إلى أن مبيعات الكتب الإلكترونية لم تتجاوز 20 % في أمريكا. وقال سنان إن العرب متأخرون في الترجمة العكسية لكتبهم، ولفت إلى أن قلة الربحية وراء انسحاب «دور عربية» كثيرة من قطاع النشر. فإلى نصِّ الحوار:

• متى بدأت علاقتك بالنشر؟

•• كنتُ قارئاً أتابع جديد الكتب والإصدارات، وأقضي وقتاً طويلاً في المكتبات وفي الحديث مع بائعي الكتب أثناء دراستي بالأردن، ولا أفوت معارض الكتب المتاحة، حتى بدأت أعرف الكتاب عن مسافة من خلال أغلفتها وتصميماتها وعناوينها لأي دار تنتمي، وعلى سبيل المثال كانت دارا التقدم ورادوغا تقدمان كل ما ينتمي للأدب الروسي والفكر الماركسي، ودور أخرى مثل الطليعة والفارابي تهتم بكتب الفلسفة وتنحاز للماركسية، بينما المؤسسة العربية للدراسات والنشر اشتهرت بسلسلة ذاكرة الشعوب التي قدمت من خلالها روايات عالمية رائعة بترجمات جيدة، وقد يطول المقام بتعداد الدور وتوجهاتها وإصداراتها. بعد ذلك حاولت نيابة عن أحد المنتديات نشر مجلة ورقية بالتعاون مع جريدة الرأي الأردنية عام 2004، ثم عام2007 خضت تجربة النشر الشخصي من خلال روايتي الأولى (برزخ بين قلب عذب وعقل أجاج) مع المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وبفضل الأستاذ ماهر الكيالي تعرفت على آلية قبول الكتب وأنواع العقود مع الكتّاب والطباعة وأنواع الورق والأغلفة، وحصلت على دعم صندوق المئوية وتصريح دار نشر عام 2008 ولكن توقف المشروع، ومن ثم تجربة نشر أخرى عام 2009 لمجموعتي القصصية (خمس دقائق آثمة) مع دار الفارابي والأستاذ قاسم بركات وبدأت أعرف أكثر عن النشر وتفاصيله غير أني قابلت رؤساء تحرير لبعض الصحف وناشرين وكان يدفعني فضول واهتمام شديدين لسبب لا أعرفه بالسؤال عن صناعة النشر ومراحلها التقنية والمطابع، ومن ثم لأسباب وظروف خاصة انتقلت إلى مدينة نجران وانضممت لنادي نجران الأدبي ورأست تحرير مجلة رقمات التي كانت تصدر عن النادي، وبعد ذلك انتقلت للرياض وعملت مع دار مدارك مديراً للنشر، ومنحني فيها الأستاذ تركي الدخيل الثقة والفرصة كاملة للإنجاز واكتساب كثير من الخبرة والعلاقات على المستوى العربي والعالمي في هذا المجال الذي أحبّه وأنتمي إليه.

• ما رأيك في دور النشر السعودية حالياً؟

•• صناعة النشر في السعودية حالياً تتقدم بخطوات جيدة، ولديها إمكانات لا تتوفر للدور الأخرى العربية، وهي قادرة على منافسة مؤسسات النشر العربية العريقة وتجاوزها أيضاً، بشرط أن تتوفر لهذه الدور إدارة ناجحة تكون علاقتها متينة بالقراءة والثقافة، وألا تكون علاقات عابرة كما رأينا بعض الدور التي قدمت أعمالاً جيدة ثم أُقفلت. هناك دور سعودية حجزت اسمها لدى القارئ العربي مثل جداول وطوى - التي أقفلت أخيراً- ومدارك وأثر وأخرى صاعدة وتقدم أعمالاً جيدة مثل دار ميلاد وتشكيل ومركز الأدب العربي وغيرها، فضلاً عن إصدارات العبيكان المهمة والنوعية، وكذلك جرير التي اختارت مساراً للنشر اشتهرت به وأصبحت مرجعاً في كتب الإدارة والتنمية الذاتية.

• كيف ترى صناعة النشر في ظل التراجع في مبيعات الكتب والقراءة؟

•• صناعة النشر في المملكة العربية السعودية تتبع في التأثر ما يحدث لصناعة النشر في العالم العربي، وبعكس الشائع حالياً عن ضعف صناعة النشر لدي اعتقاد أن هذا انطباع خاطئ نشأ قبل السنوات العشر الأخيرة لاعتماد ذلك الاستنتاج على فترة ذروة نجحت من خلالها الدور على رفع حجم مبيعاتها حين قدمت للقراء عناوين جذابة وخارجة عن التوجهات السائدة حينها، فكان هناك الكثير من الإعلاميين والمشاهير الذين قدموا كتباً تعارض في أفكارها التوجه المحافظ والمتشدد، كما أن القراء حينها كانوا متورطين في متابعة تلك الصراعات الفكرية بين التيارات ويبحثون عن المختلف والذي ساعده انفتاح كبير بسبب برنامج الابتعاث، وتوفر الكتب على الإنترنت واطلاع الناس بشكل أكبر على حركة النشر في العالم العربي بمختلف توجهاته. ورغبة الكثير لمعرفة التجارب الفكرية لدى العالم الخارجي، كما أن معارض الكتب منذ بدايات عهد الملك عبدالله كانت مكاناً رائجاً للحضور لما فيه من أحداث وهي أيضاً أحد أهم أوجه الترفيه حينها، أما في السنوات الخمس الأخيرة هدأت تلك الذروة وتشبع الناس وطفأت الكثير من القضايا الفكرية ولم يعد الأدب غير المتحفظ يجد معارضة في ظل وجود ما هو أكثر سوءاً منه على القنوات الفضائية والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت مصدراً معرفياً أيضاً وثقافياً. كما أصبحت الفعاليات الترفيهية الكثيرة بديلاً لمعارض الكتب، وربما لو سألنا دور نشر عن مبيعاتها قبل عشر سنوات مقارنة بالسنتين الأخيرتين سيقولون إنها متقاربة، هناك شريحة القراء الدائمة والمستقرة التي لا تدفعها ظرفية الثقافة العامة والبيئة الفكرية والاجتماعية للقراءة كنوع من الاهتمام المؤقت والفضول. تلك الشريحة هي القياس الحقيقي لقوة النشر. ونحن هنا نتكلم عن النشر الثقافي العام وليس المتخصص الأكاديمي والتعليمي والأطفال، وتلك شرائح ثابتة ومستمرة لوجود الطلب عليها باستمرار لا تتغير أيضاً بالظروف.

• لم تذكر النشر الإلكتروني عنصراً مؤثراً في صناعة النشر الورقي! إذا لم يكن هو المؤثر.. فما المؤثرات؟

•• لأنه ليس كذلك، الكتاب الإلكتروني ما زال في مهد نشأته ودراسات كثيرة صدرت حتى عام 2019 أثبتت ذلك من جمعية النشر المحلية والدولية وكذلك المعاهد المتخصصة في تتبع صناعة النشر، ففي أمريكا في مقابل أن 45% من السكان يملكون أجهزة قادرة على قراءة الكتب الإلكترونية إلاّ أن مبيعات الكتب الإلكترونية لم تتجاوز 20% من كامل الحصة، وفي آخر دراسة لجمعية الناشرين الأمريكيين عرضتها على تويتر كانت مبيعات الكتب بكل صيغها الورقية والإلكترونية والصوتية تقدر بـ 26 مليار دولار، 22 مليار دولار منها للكتب الورقية، النشر الإلكتروني أثر في الصحافة الورقية لسبب بسيط جدّاً أن الصحف ليست للاقتناء كالكتب، هي للاستخدام مرةً واحدةً. وإن كان لا بد من دراسة أحد أنواع النشر الجديدة التي بدأت تأخذ حصة أكبر هي الكتب الصوتية. وفي فقر القدرة التقنية على تحويل الكتب العربية لكتب إلكترونية سيظل الكتاب الورقي سيد الموقف في العالم العربي. بل إن الكتاب الإلكتروني أصبح وسيلة دعائية وتسويقية للكتب الورقية، والكثير ممن يقرأون الكتب الإلكترونية يعودون لشرائها ورقياً في حال أعجبوا بها، وإن كان لا بد من ذكر مؤثرات قوية على صناعة النشر في العالم العربي فأحدها: المشاريع الثقافية الحكومية والدور المدعومة برؤوس أموال كبيرة في دول الخليج أثرت على صناعة النشر من حيث رفع الأسعار لتكاليف الترجمة وحقوق المؤلفين والبذخ المفرط في تقنيات الطباعة، مما انعكس على قيمة الكتب ونفر القراء من الشراء. تلك المشاريع اعتمدت على المادة أساساً للقوة الثقافية، والآن بعد أن رفع السقف وتوقف الدعم أو الاستثمار في المشاريع الثقافية، نحاول تصحيح حال السوق وإعادتها لسابق عهدها. أما أهم مشكلات النشر التي أرددها دائماً في كل اجتماع أو لقاء مع مسؤولين حكوميين يحاولون إيجاد الحلول ويتفق عليها الناشرون في كل لقاءاتهم وندوات يعقدها المهتمون بصناعة النشر هي سوء التوزيع، بل إن آخر تقرير عن جمعية الناشرين الدولية وضع في دراسة لأثر جائحة كورونا على صناعة النشر في العالم العربي هو توقف معارض الكتب التي تعتبر -نقلاً عن التقرير حرفياً- : «قلب (مصدر الحياة) لهذه الصناعة في ظل عدم وجود شبكات توزيع يمكن الاعتماد عليها». وهذا شيء نعرفه في عالم النشر العربي قبل التقرير لا يوجد شركات توزيع تربط أوصال هذا العالم العربي وتصبح معارض الكتب هي مركز تبادل الشحنات بين الدول لارتفاع تكاليف الشحن بين الدول العربية خارج أوقات المعارض.

• انتقدتَ في تغريدةٍ لك مُسمّى (هيئة الأدب والنشر والترجمة).. هل هذا هو انتقادك الوحيد لها؟

•• لا يوجد للهيئة أي أعمال على الواقع يمكن لي انتقادها غير المسمى فهو الوحيد المعلن، ولأني اعتبر بعض الأعمال التي قامت بها الهيئة كأجهزة القصة القصيرة والمسابقات الأدبية على وسائل التواصل أعمال تسويق وترويج للهيئة، وليست مشاريع تؤدي الغرض المنشود والمباشر على صناعة النشر. وقد أشار لي أحد منسوبي الهيئة في حديث خاص على الهاتف أن الرد على انتقادي سيكون مع إعلان إستراتيجية كاملة للهيئة، والهيئة خطوة كبيرة ويرأسها شخص نثق فيه في عالم النشر الدكتور محمد حسن علوان الذي حضر الكثير من معارض الكتب ويحظى باحترام الكثير من الناشرين العرب ومحبتهم ويستطيع معرفة كل تفاصيل هذه الصناعة من الداخل، والمسمى كان انتقادي عليه هو أنه كان يمكن اختصاره بمسمى هيئة الكتاب أسوة بهيئات عربية وخليجية سبقتنا في هذا المجال، فالكتاب يلخص العملية كلها نشراً وترجمة وتأليفاً، كما أنه لا يتحيّز لأحد تصنيفات الكتب دون غيرها، فالكتب ليست كلها أدبية، فهناك تعليمية ودينية وفلسفية وتاريخية وكتب الأطفال، ألم يكن للهيئة دور في تنظيم عملها ودعمها؟ ولقد لمست اهتمام الهيئة لحجم ما قاموا به من جولات وجلسات ولجان مع الناشرين والمهتمين بالنشر منذ بدايتها حتى اليوم. لذلك أنتظر إعلان الإستراتيجية التي أرجو أن تكون بقدر الجهد والتطلع والانتظار الذي حدث حتى الآن. وكنا قد قاربنا أن نفرح بأن نرى معرض الرياض الدولي للكتاب بنسخة محدثة يشمل فيها صناعة النشر كمؤتمر الناشرين يساعد في تطوير الأعمال وليس فقط للقارئ. وهناك الكثير من المشاريع التي لا تحتاج لإعادة اختراعها مثل منح الترجمة، ودعم المؤلفين بشراء نسخ من دور النشر، وهذا كان موجوداً في وزارة الإعلام قبل هيئة ووزارة الثقافة، هناك آليات وبرامج بسيطة ومعروفة ومتفق عليها عالمياً بين الناشرين يمكن للدولة أن تدعم بها صناع النشر.

• الترجمة تشغل الكثير من اهتمامات دور النشر.. كيف تراها في العالم العربي؟

•• نحن متأخرون جدّاً في الخليج العربي، ولكننا بدأنا اللحاق بركب العالم العربي وربما وصلنا لمرحلة منافسته، ورغم أني لا أحبذ المنافسة في صناعة النشر، إلاّ أنها موجودة كحال أي قطاع تجاري، وما يعيب الدور العربية هو تزاحمها في نطاق ضيق من العناوين والمؤلفين الأجانب وربما المؤلفات التي تصدر من العالم الغربي، في حين أن العالم ينتج سنوياً ما يقارب 2 مليون عنوان، إلاّ أن الناشرين العرب يتجهون بشكل جماعي تجاه نفس الوكالات ودور النشر الأجنبية الغربية وفي مجالات شائعة من الكتب كالروايات، وهذا ناتج عن الخوف من المغامرة والتجربة كون القارئ العربي أيضاً يتحكم بصناعة النشر من خلال متابعته وإبداء اهتمامه بتلك العناوين والأسماء والمناطق الجغرافية. نحن متأخرون أيضاً في الترجمة العكسية لكتبنا العربية، وأتمنى لو أن الهيئات والمؤسسات الحكومية تقوم بدورها مثل الكثير من مثيلاتها في العالم، والتي تقدم ما يقارب 70% من قيمة الترجمة لأي عمل يتم نقله من لغة الدولة المنشأ له لأي لغة أخرى.

• ما فائدة القارئ من دعم صناعة النشر؟

•• ما لا يعرفه القارئ أن المسافة بين المؤلف والكتاب في يديه مسافة شائكة ومعقدة تكثر فيها المشكلات والمصاعب، وفيها الكثير من البذل بالمال والجهد، وكل الحلول التي نبحث عنها وأوجه الدعم التي نرغبها من المؤسسات الحكومية في الأخير لتسهيل عملية الإنتاج وإثراء مكتبة القارئ بالكتب الجيدة في محتواها والمناسبة في سعرها، تظل مؤسسات النشر مؤسسات ربحية تخضع لموازين الربح والخسارة، ولا تستطيع الاستمرار بما يكفل لها على أقل تقدير التكلفة التشغيلية دون أرباح، وفي ظل شح وسائل التوزيع تخضع دور النشر لنسب خصم مرتفعة يحصل عليها الموزع تصل إلى 60% من سعر الكتاب، ولا يعود للدور إلا 40% وبشكل آجل ومتقطع لعدم إحكام آليات التحصيل والسداد بين الدور والموزعين. وكثير من الدورالعربية حالياً بدأت تفكر بالانسحاب والخروج من هذا القطاع، كان آخرها طوى وقبلها شرقيات المصرية بعد عمر 30 عاماً من النشر. وما يدفع الناشرين الآن ليس الربح ولكن شغفهم وحبهم لهذه المهنة وإلا لخرج الجميع واتجهوا لفرص أكثر ربحية، ولكن يقع الناشر في شباك حبه لهذه الصنعة وعدم قدرته على رؤية نفسه في مجال آخر، ولم أدرك ذلك إلاّ بعد أن عملت في مجالات عدة مثل الإعلام والعلاقات العامة والتسويق، والآن استقر في النشر متجاهلاً كل الفرص الممكنة خارجه، منتظراً العودة إليه عنصراً فعالاً ومنتجاً.