لا ينكر الروائي والقاص والإعلامي المصري حسن عبدالموجود أنّ قراره الذي اتخذه بإيقاف طباعة عمله القصصي الأول كان من القرارات الجيدة القليلة التي اتخذها في حياته، لأنّ هذا القرار جنّبه أن يكون في سيرته الكتابيّة عمل رديء. ويضيف حسن المولود في صعيد مصر 1976، وصاحب «حروب فاتنة» قصص قصيرة، و«السهو والخطأ» قصص قصيرة، و«ذئاب منفردة» رواية، و«ناصية باتا» رواية، و«عين القط» رواية، و«ساق وحيدة» رواية، و«البشر والسحالي» قصص؛ أنّ جمال الغيطاني كان أستاذه ومعلّمه، فقد كان رجلاً يتميز بالتواضع الشديد، وأنه تعلّم منه الدأب والصبر والبحث والإخلاص سواء في الصحافة أو الكتابة.
حسن عبدالموجود الفائز بالمركز الثاني في جائزة ساويرس للرواية 2005، وجائزة يوسف إدريس للقصة 2019، في هذا الحوار يتحدث عن القصّة والرواية والصحافة الثقافية، وعن رموز الثقافة والكتابة التي لا يتذكرها أحد.. فإلى الحوار:
• دعنا نبدأ من مجموعتك القصصية التي صدرت أخيراً «البشر والسحالي» وكانت ضمن الكتب الأكثر مبيعاً في الدار المصرية اللبنانية، خلال معرض القاهرة الدولي للكتاب.. ماذا يعني لك هذا؟
•• يعني أنه لا صحة لمقولة راجت لفترة، وهي أن القصة لا يمكنها منافسة الرواية. القراء يبحثون عن أدب يحترمهم، ويقدم لهم شيئاً ما، في شكل جذاب، وبطريقة ممتعة، وفي قالب لا يتعالى على الحكاية، أو يحتقرها، خوفاً من تهمة «الكلاسيكية». هذه المقروئية الكبيرة التي حدثت للمجموعة في شهر ونصف فقط من لحظة صدورها أسعدتني، خاصة أن كثيراً من ردود الأفعال وصلتني من أشخاص لا تربطني بهم علاقة ولا أعرفهم. القصة القصيرة تقف على أرض ثابتة، ولها محبوها، كما أنها تجذب قطاعاً من قراء الرواية، وهذا معناه أن كثيراً منهم يبحثون عن السرد في جميع أشكاله.
• هل كانت الحيوانات في مجموعتك القصصية «البشر والسحالي» قناعاً عملت على توظيفه لتعرية الواقع الإنساني؟
•• كل كائن في المجموعة عبَّر عن نفسه فقط. بعض البشر وبعض الحيوانات ظهروا بوجه واحد وقناع واحد، ولكن هؤلاء قلَّة، وبعضهم ظهر بأكثر من قناع، وهؤلاء أغلبية. الكلاب مثلاً ارتدت صباحاً المسوح، وظهرت ككائنات لطيفة تحتمي بالكبار من بطش الصغار، لكنها ليلاً ارتدت قناع الشرير، وتنمرت على البشر والحيوانات وحتى على نفسها.
المجموعة لا تقول إن الحيوانات كائنات مظلومة، ولا تقول كذلك إن البشر أشرار بشكل مطلق، لكن كل طرف يمتلك الحجة والدليل على أن الآخر حقير وأناني وقاتل. كل من الطرفين يسعى للسيطرة على الأرض والطعام، ويحدث أن تنصر الأسطورة أحدهما على الآخر. السحلية مثلاً بسبب الاعتقاد بأن في بطنها مفتاحاً للجنّة نجت من مصير كائنات أخرى، وأصبحت ملكة متوجة على مجتمع البشر أنفسهم.
• لماذا لم تقبل بنشر مجموعتك القصصية الأولى «أجيال جديدة من المدن الرمادية» بعدما كان مقرراً لها أن تصدر عن قصور الثقافة؟
•• هذا من القرارات الجيدة القليلة التي اتخذتها في حياتي. لو كانت هذه المجموعة قد صدرت كان سيصبح في سيرتي كتاب رديء، لغته غنائية، وعوالمه خاضعة لوعي القديم بالكتابة. لحسن الحظ أنني أدركت في لحظة ما أنني تجاوزت هذا الكتاب، وصرت كاتباً آخر، يكتب بلغة مختلفة، ووعيه ينتمي إلى الحاضر، أكثر من انتمائه للماضي. كان قراراً شديد الصعوبة، لأنه أول كتاب، ومعناه تأجيل نشر أول عمل لي إلى وقت غير معلوم، فلحظة اتخاذ القرار لم أكن قد كتبت سوى قصة «ساق وحيدة» التي أصبحت القصة الرئيسية وعنوان مجموعتي الأولى المنشورة بعد ذلك.
• دخولك إلى عالم الرواية من خلال «عين القط» كانت له حكاية سبقت كتابتها.. حدثنا عنها؟
•• كنت في زيارة إلى قريتي في صعيد مصر، وقابلت جاري ويُدعى «قط». كنت قد نسيت حكايته هو وشقيقه حسين. وتذكرت الأسطورة التي تقول إن الأصغر في التوأم تغادره روحه ليلاً وتحل في جسد قط. جلست معه، وحكى لي ما كان يمر به. حكاياته أضاءت ذاكرتي بمشاهد مدهشة وغريبة. لم أكن أصدق ما يحدث، لكنني رغم هذا شاهدت جدته صباح ذات يوم توقظ الجيران لتريهم ما يُشبه الكدمة في ظهره، متهمة إحدى الجارات بأنها ألقت عليه حذاء، حينما كان يتجول في جسد قط في بيتها، معتقدة أنه يحاول الوصول إلى آنية اللحم. في هذه اللحظة قررت كتابتها في رواية.
• هناك من يرى أنّ لك صوتاً خاصاً في الكتابة الإبداعية، فما الذي ميّز نصوصك القصصية، لتكون كما يقال عنك إنك صاحب صوت منفرد إبداعياً؟
•• هذا السؤال يجيب عنه النقاد، وربما القراء، لكن يمكنني أن أحدثك عن تحديات أضعها لنفسي، وأولها هو أن أستمتع بما أكتبه لتصل تلك المتعة إلى القارئ. على مستوى الشكل قصصي تتميز بالطول، وهذا تحد آخر من زاويتين؛ الأولى إيجاد أفكار تصلح للكتابة في مساحات كبيرة، وثانياً أن تدفع القصص قارئها لإكمالها حتى النهاية. على مستوى العوالم هناك جديد في كل مرة. في «السهو والخطأ» هناك العالم الغريب لأشخاص يعيشون بيننا ويتخيلون أنهم غير موجودين. في «حروب فاتنة» السخرية من كل شيء في عالم السياسة. في «البشر والسحالي» العودة إلى القرية التي ظهرت في روايتيّ «عين القط» و«ناصية باتا» وإن كانت اللغة مختلفة كلياً.
• من خلال قراءتي لنصوصك القصصية في «البشر والسحالي» لاحظت أنك تميل إلى التفاصيل في كتابة نصك القصصي، ولا تلتفت إلى لغة يركن لها كثير من كتّاب القصة، فهل وجدت في التفاصيل والحكي الأداة الحقيقة لعودة النص القصصي إلى الواجهة بعيداً عن فذلكة اللغة؟
•• التفاصيل تبدو مثل الفروع الصغيرة ومياه الأمطار التي تغذي النهر، أقصد نهر الكتابة. هذه التفاصيل تمنح العالم عمقاً وجاذبية ما. كتب الناقد محمد سليم شوشة عن مجموعة «حروب فاتنة» وقال ما معناه إن هناك غابة من الحكايات تغذي حكاية رئيسية في كل قصة، لكن الأمر يحتاج إلى خبرة لتضفير كل الحكايات في نسيج واحد. الحكاية عموماً هي ما يبقي ذهن القارئ متقداً، ومشاعره مشدودة لإكمال القصة حتى نهايتها، بدلاً من امتحانه في ألغاز اللغة.
• كيف تنظر إلى علاقة الوسط الثقافي اليوم بالرواد؟
•• كل مجموعة تحنُّ إلى أستاذٍ وتُنكر الأساتذة الآخرين. يعيش الناس في المجتمع الثقافي في «جيتوهات»، ويصرون على تقسيم الموتى في «جيتوهات» أخرى، وباستثناءات طفيفة لا أحد يتحرك لاستعادة رموز الثقافة والكتابة، باستثناء ندوات باهتة وإطلاق أسمائهم على دورات معرض الكتاب، ومجموعة من المقالات تبدو أقرب إلى واجب. أتمنى أن تتبنى الدولة المصرية -وهي تهتم لحسن الحظ بهم- باستعادة هؤلاء الرواد، على مدار العام، وطباعة كتبهم، وإتاحتها في مكتبات القرى، وتوزيعها على طلبة المدارس، وإطلاق أسمائهم على الشوارع والحارات.
• عملك في الصحافة الثقافية هل كان له تأثير في كتابتك الإبداعية؟
•• استفدت من الصحافة الثقافية، أنها وضعت يدي في تمرين دائم، وحسَّنت لغتي، وخلصتني من الزوائد والإكليشيهات والبلاغة الفاقعة، لكنها تُشبه وحشاً يلتهم كثيراً من الوقت والعمر. لكن بعد صراع معها ربما يصل الآن لأكثر من عشرين عاماً صرنا صديقين، حينما تزمجر في وجهي وتشهر أسنانها الكثيرة المدببة، أمنحها قليلاً من الاهتمام فتهدأ وتتركني فترة في حالي.
• حدِّثنا عن علاقتك بجمال الغيطاني رحمه الله؟
•• كان أستاذي ومعلمي. قامة كبرى في الثقافة المصرية، رجل يتميز بالتواضع الشديد. تعلمت منه الدأب والصبر والبحث والإخلاص لما أفعله، سواء في الصحافة أو الكتابة. كان منظماً، يكتب المقالات بقلم، والأدب بقلم مختلف. يكتب الصحافة في مكتبه، والأدب في بيته. لا يمر يوم دون أن يكتب شيئاً. كان إدارياً عظيماً وأظن أنني ورثت شيئاً عنه من كل ذلك.
• هل أنت مع الجوائز الأدبية؟ ولماذا؟
•• طبعاً أنا مع الجوائز الأدبية، لأنها تُعين الكتّاب وأغلبهم يواجه ظروفاً معيشية صعبة، وتقول لهم أنتم على الطريق الصحيح، لكن لا يجب إعطاء الجوائز أكبر من حجمها، فهناك كتَّاب لم يحصلوا عليها وهذا لا يعني أنهم ليسوا جيدين، وبعض من حصلوا عليها ليسوا الأفضل.
حسن عبدالموجود الفائز بالمركز الثاني في جائزة ساويرس للرواية 2005، وجائزة يوسف إدريس للقصة 2019، في هذا الحوار يتحدث عن القصّة والرواية والصحافة الثقافية، وعن رموز الثقافة والكتابة التي لا يتذكرها أحد.. فإلى الحوار:
• دعنا نبدأ من مجموعتك القصصية التي صدرت أخيراً «البشر والسحالي» وكانت ضمن الكتب الأكثر مبيعاً في الدار المصرية اللبنانية، خلال معرض القاهرة الدولي للكتاب.. ماذا يعني لك هذا؟
•• يعني أنه لا صحة لمقولة راجت لفترة، وهي أن القصة لا يمكنها منافسة الرواية. القراء يبحثون عن أدب يحترمهم، ويقدم لهم شيئاً ما، في شكل جذاب، وبطريقة ممتعة، وفي قالب لا يتعالى على الحكاية، أو يحتقرها، خوفاً من تهمة «الكلاسيكية». هذه المقروئية الكبيرة التي حدثت للمجموعة في شهر ونصف فقط من لحظة صدورها أسعدتني، خاصة أن كثيراً من ردود الأفعال وصلتني من أشخاص لا تربطني بهم علاقة ولا أعرفهم. القصة القصيرة تقف على أرض ثابتة، ولها محبوها، كما أنها تجذب قطاعاً من قراء الرواية، وهذا معناه أن كثيراً منهم يبحثون عن السرد في جميع أشكاله.
• هل كانت الحيوانات في مجموعتك القصصية «البشر والسحالي» قناعاً عملت على توظيفه لتعرية الواقع الإنساني؟
•• كل كائن في المجموعة عبَّر عن نفسه فقط. بعض البشر وبعض الحيوانات ظهروا بوجه واحد وقناع واحد، ولكن هؤلاء قلَّة، وبعضهم ظهر بأكثر من قناع، وهؤلاء أغلبية. الكلاب مثلاً ارتدت صباحاً المسوح، وظهرت ككائنات لطيفة تحتمي بالكبار من بطش الصغار، لكنها ليلاً ارتدت قناع الشرير، وتنمرت على البشر والحيوانات وحتى على نفسها.
المجموعة لا تقول إن الحيوانات كائنات مظلومة، ولا تقول كذلك إن البشر أشرار بشكل مطلق، لكن كل طرف يمتلك الحجة والدليل على أن الآخر حقير وأناني وقاتل. كل من الطرفين يسعى للسيطرة على الأرض والطعام، ويحدث أن تنصر الأسطورة أحدهما على الآخر. السحلية مثلاً بسبب الاعتقاد بأن في بطنها مفتاحاً للجنّة نجت من مصير كائنات أخرى، وأصبحت ملكة متوجة على مجتمع البشر أنفسهم.
• لماذا لم تقبل بنشر مجموعتك القصصية الأولى «أجيال جديدة من المدن الرمادية» بعدما كان مقرراً لها أن تصدر عن قصور الثقافة؟
•• هذا من القرارات الجيدة القليلة التي اتخذتها في حياتي. لو كانت هذه المجموعة قد صدرت كان سيصبح في سيرتي كتاب رديء، لغته غنائية، وعوالمه خاضعة لوعي القديم بالكتابة. لحسن الحظ أنني أدركت في لحظة ما أنني تجاوزت هذا الكتاب، وصرت كاتباً آخر، يكتب بلغة مختلفة، ووعيه ينتمي إلى الحاضر، أكثر من انتمائه للماضي. كان قراراً شديد الصعوبة، لأنه أول كتاب، ومعناه تأجيل نشر أول عمل لي إلى وقت غير معلوم، فلحظة اتخاذ القرار لم أكن قد كتبت سوى قصة «ساق وحيدة» التي أصبحت القصة الرئيسية وعنوان مجموعتي الأولى المنشورة بعد ذلك.
• دخولك إلى عالم الرواية من خلال «عين القط» كانت له حكاية سبقت كتابتها.. حدثنا عنها؟
•• كنت في زيارة إلى قريتي في صعيد مصر، وقابلت جاري ويُدعى «قط». كنت قد نسيت حكايته هو وشقيقه حسين. وتذكرت الأسطورة التي تقول إن الأصغر في التوأم تغادره روحه ليلاً وتحل في جسد قط. جلست معه، وحكى لي ما كان يمر به. حكاياته أضاءت ذاكرتي بمشاهد مدهشة وغريبة. لم أكن أصدق ما يحدث، لكنني رغم هذا شاهدت جدته صباح ذات يوم توقظ الجيران لتريهم ما يُشبه الكدمة في ظهره، متهمة إحدى الجارات بأنها ألقت عليه حذاء، حينما كان يتجول في جسد قط في بيتها، معتقدة أنه يحاول الوصول إلى آنية اللحم. في هذه اللحظة قررت كتابتها في رواية.
• هناك من يرى أنّ لك صوتاً خاصاً في الكتابة الإبداعية، فما الذي ميّز نصوصك القصصية، لتكون كما يقال عنك إنك صاحب صوت منفرد إبداعياً؟
•• هذا السؤال يجيب عنه النقاد، وربما القراء، لكن يمكنني أن أحدثك عن تحديات أضعها لنفسي، وأولها هو أن أستمتع بما أكتبه لتصل تلك المتعة إلى القارئ. على مستوى الشكل قصصي تتميز بالطول، وهذا تحد آخر من زاويتين؛ الأولى إيجاد أفكار تصلح للكتابة في مساحات كبيرة، وثانياً أن تدفع القصص قارئها لإكمالها حتى النهاية. على مستوى العوالم هناك جديد في كل مرة. في «السهو والخطأ» هناك العالم الغريب لأشخاص يعيشون بيننا ويتخيلون أنهم غير موجودين. في «حروب فاتنة» السخرية من كل شيء في عالم السياسة. في «البشر والسحالي» العودة إلى القرية التي ظهرت في روايتيّ «عين القط» و«ناصية باتا» وإن كانت اللغة مختلفة كلياً.
• من خلال قراءتي لنصوصك القصصية في «البشر والسحالي» لاحظت أنك تميل إلى التفاصيل في كتابة نصك القصصي، ولا تلتفت إلى لغة يركن لها كثير من كتّاب القصة، فهل وجدت في التفاصيل والحكي الأداة الحقيقة لعودة النص القصصي إلى الواجهة بعيداً عن فذلكة اللغة؟
•• التفاصيل تبدو مثل الفروع الصغيرة ومياه الأمطار التي تغذي النهر، أقصد نهر الكتابة. هذه التفاصيل تمنح العالم عمقاً وجاذبية ما. كتب الناقد محمد سليم شوشة عن مجموعة «حروب فاتنة» وقال ما معناه إن هناك غابة من الحكايات تغذي حكاية رئيسية في كل قصة، لكن الأمر يحتاج إلى خبرة لتضفير كل الحكايات في نسيج واحد. الحكاية عموماً هي ما يبقي ذهن القارئ متقداً، ومشاعره مشدودة لإكمال القصة حتى نهايتها، بدلاً من امتحانه في ألغاز اللغة.
• كيف تنظر إلى علاقة الوسط الثقافي اليوم بالرواد؟
•• كل مجموعة تحنُّ إلى أستاذٍ وتُنكر الأساتذة الآخرين. يعيش الناس في المجتمع الثقافي في «جيتوهات»، ويصرون على تقسيم الموتى في «جيتوهات» أخرى، وباستثناءات طفيفة لا أحد يتحرك لاستعادة رموز الثقافة والكتابة، باستثناء ندوات باهتة وإطلاق أسمائهم على دورات معرض الكتاب، ومجموعة من المقالات تبدو أقرب إلى واجب. أتمنى أن تتبنى الدولة المصرية -وهي تهتم لحسن الحظ بهم- باستعادة هؤلاء الرواد، على مدار العام، وطباعة كتبهم، وإتاحتها في مكتبات القرى، وتوزيعها على طلبة المدارس، وإطلاق أسمائهم على الشوارع والحارات.
• عملك في الصحافة الثقافية هل كان له تأثير في كتابتك الإبداعية؟
•• استفدت من الصحافة الثقافية، أنها وضعت يدي في تمرين دائم، وحسَّنت لغتي، وخلصتني من الزوائد والإكليشيهات والبلاغة الفاقعة، لكنها تُشبه وحشاً يلتهم كثيراً من الوقت والعمر. لكن بعد صراع معها ربما يصل الآن لأكثر من عشرين عاماً صرنا صديقين، حينما تزمجر في وجهي وتشهر أسنانها الكثيرة المدببة، أمنحها قليلاً من الاهتمام فتهدأ وتتركني فترة في حالي.
• حدِّثنا عن علاقتك بجمال الغيطاني رحمه الله؟
•• كان أستاذي ومعلمي. قامة كبرى في الثقافة المصرية، رجل يتميز بالتواضع الشديد. تعلمت منه الدأب والصبر والبحث والإخلاص لما أفعله، سواء في الصحافة أو الكتابة. كان منظماً، يكتب المقالات بقلم، والأدب بقلم مختلف. يكتب الصحافة في مكتبه، والأدب في بيته. لا يمر يوم دون أن يكتب شيئاً. كان إدارياً عظيماً وأظن أنني ورثت شيئاً عنه من كل ذلك.
• هل أنت مع الجوائز الأدبية؟ ولماذا؟
•• طبعاً أنا مع الجوائز الأدبية، لأنها تُعين الكتّاب وأغلبهم يواجه ظروفاً معيشية صعبة، وتقول لهم أنتم على الطريق الصحيح، لكن لا يجب إعطاء الجوائز أكبر من حجمها، فهناك كتَّاب لم يحصلوا عليها وهذا لا يعني أنهم ليسوا جيدين، وبعض من حصلوا عليها ليسوا الأفضل.