للعقاد كتابٌ بعنوان (الثقافة العربية أسبق من ثقافة اليونان والعبريين)، وهو يَعتبر السبق دليلاً على التفوق، ولم يدرك أن تعقيدات الأنساق الثقافية تتراكم بمرور الزمن، فاليابان كان تحررها من السوابق جعلها الأسبق لتبني مكونات حضارة العصر فانطلقت بأقل قدر من المعوقات الثقافية، بينما الصين ذات الثقافة العريقة احتاجت إلى ثورة ثقافية مزلزلة لكي تتخفف من أثقال الماضي.
وعلى مستوى الأفراد فإن الفرد يتطبع في طفولته بالنسق الثقافي السائد في مجتمعه ثم تتعزز هذه البرمجة خلال سنوات عمره. ويظل محكوماً بأنماطه الذهنية وفق قانون التنافر المعرفي. بل حتى على المستوى العلمي تكون المعلومات الأسبق عائقاً دون تقبل ما يطرأ من تعديل.
لا يدرك الكثيرون أولوية وتلقائية وأصالة الأحكام المسبقة، فكل فرد تحدد له أنماطه الذهنية الثابتة رؤيته عن المجتمع والناس والحياة، فهو له رأي مسبق عن أي شيء يسمعه ولا يخطر على باله أن آراءه ومواقفه ليست بنت البحث والاستقصاء، وإنما هي نتاجٌ تلقائي لأنماطه الذهنية الثابتة، فالأحكام المسبقة تلقائية، وهي الأصل في كل أحكام الناس التي لم تخضع للدراسة والاستقصاء والمقارنة.
إن عوائق التفكير المستقل تتراكم بمقدار طول الزمن؛ فالسوابق عوائق على مستوى الأمة وعلى مستوى المجتمع وعلى مستوى الأفراد، فرغم تطور العلوم فإن الأمم ما تزال تتحكم بها الأنساق الثقافية المتوارثة.
اختلاف رؤى الأفراد حول الشيء الواحد كان وما يزال يمثل مشكلة بشرية عامة، فكل شخص يعتقد أن رؤيته هي الصواب وأن المخالفين له مخطئون. ولا يتوقف الأمر عند الاختلافات الفردية، وإنما قد يكون الفرد يحرك أمة بأكملها وفق قناعاته التي تختلف عن قناعات كل الآخرين، لكنه لا يدرك أن ذلك يعود إلى أن أنماطه الذهنية تختلف عن الأنماط الذهنية لكل الآخرين، ولو عرف الجميع هذه الحقيقة لكانت النتائج عظيمة، ولتغير نمط التعامل تغيراً جوهرياً.
الآن اكتشف علم الأعصاب أن دماغ كل فرد يُكَوِّن له أنماطاً ذهنية تختلف عن الأنماط الذهنية لكل الآخرين، وهي حقيقة لو استوعبها كل الناس لانتهت مشكلات كثيرة تعكر حياة الجميع سواء على مستوى الأفراد أم على مستوى الأمم، لكن أغلب الناس غير مطلعين على ما توصل إليه العلم.
والشيء المذهل هو أن الفيلسوف اليوناني بروتاجوراس قد توصل إلى هذه النتيجة في القرن الخامس قبل الميلاد. إنه اختراقٌ فلسفي مذهل؛ ففي القرن الخامس قبل الميلاد كان هذا الفيلسوف يقول:
«الإنسان مقياس الأشياء كلها، إنه مقياس الأشياء الموجودة من حيث هي موجودة، مقياس الأشياء غير الموجودة من حيث هي غير موجودة».
كان يقول لا داعي للتشاحن حول الرؤى فما يقوله أي فرد هو قولٌ صحيح بالنسبة له وكان يقول:
«ما يبدو لي على أنه حق فهو حقٌّ بالنسبة لي. وما يبدو لك على أنه حق فهو حق بالنسبة لك»، وهذا يعني أن الرؤى كلها رؤى ذاتية وليست موضوعية مما يستوجب الاستقصاء والتحقق وعدم التسرع في الأحكام.
هكذا تحقق الومضات العبقرية اختراقات مذهلة لا يتوصل إليها العلم إلا بعد قرون.
وعلى مستوى الأفراد فإن الفرد يتطبع في طفولته بالنسق الثقافي السائد في مجتمعه ثم تتعزز هذه البرمجة خلال سنوات عمره. ويظل محكوماً بأنماطه الذهنية وفق قانون التنافر المعرفي. بل حتى على المستوى العلمي تكون المعلومات الأسبق عائقاً دون تقبل ما يطرأ من تعديل.
لا يدرك الكثيرون أولوية وتلقائية وأصالة الأحكام المسبقة، فكل فرد تحدد له أنماطه الذهنية الثابتة رؤيته عن المجتمع والناس والحياة، فهو له رأي مسبق عن أي شيء يسمعه ولا يخطر على باله أن آراءه ومواقفه ليست بنت البحث والاستقصاء، وإنما هي نتاجٌ تلقائي لأنماطه الذهنية الثابتة، فالأحكام المسبقة تلقائية، وهي الأصل في كل أحكام الناس التي لم تخضع للدراسة والاستقصاء والمقارنة.
إن عوائق التفكير المستقل تتراكم بمقدار طول الزمن؛ فالسوابق عوائق على مستوى الأمة وعلى مستوى المجتمع وعلى مستوى الأفراد، فرغم تطور العلوم فإن الأمم ما تزال تتحكم بها الأنساق الثقافية المتوارثة.
اختلاف رؤى الأفراد حول الشيء الواحد كان وما يزال يمثل مشكلة بشرية عامة، فكل شخص يعتقد أن رؤيته هي الصواب وأن المخالفين له مخطئون. ولا يتوقف الأمر عند الاختلافات الفردية، وإنما قد يكون الفرد يحرك أمة بأكملها وفق قناعاته التي تختلف عن قناعات كل الآخرين، لكنه لا يدرك أن ذلك يعود إلى أن أنماطه الذهنية تختلف عن الأنماط الذهنية لكل الآخرين، ولو عرف الجميع هذه الحقيقة لكانت النتائج عظيمة، ولتغير نمط التعامل تغيراً جوهرياً.
الآن اكتشف علم الأعصاب أن دماغ كل فرد يُكَوِّن له أنماطاً ذهنية تختلف عن الأنماط الذهنية لكل الآخرين، وهي حقيقة لو استوعبها كل الناس لانتهت مشكلات كثيرة تعكر حياة الجميع سواء على مستوى الأفراد أم على مستوى الأمم، لكن أغلب الناس غير مطلعين على ما توصل إليه العلم.
والشيء المذهل هو أن الفيلسوف اليوناني بروتاجوراس قد توصل إلى هذه النتيجة في القرن الخامس قبل الميلاد. إنه اختراقٌ فلسفي مذهل؛ ففي القرن الخامس قبل الميلاد كان هذا الفيلسوف يقول:
«الإنسان مقياس الأشياء كلها، إنه مقياس الأشياء الموجودة من حيث هي موجودة، مقياس الأشياء غير الموجودة من حيث هي غير موجودة».
كان يقول لا داعي للتشاحن حول الرؤى فما يقوله أي فرد هو قولٌ صحيح بالنسبة له وكان يقول:
«ما يبدو لي على أنه حق فهو حقٌّ بالنسبة لي. وما يبدو لك على أنه حق فهو حق بالنسبة لك»، وهذا يعني أن الرؤى كلها رؤى ذاتية وليست موضوعية مما يستوجب الاستقصاء والتحقق وعدم التسرع في الأحكام.
هكذا تحقق الومضات العبقرية اختراقات مذهلة لا يتوصل إليها العلم إلا بعد قرون.