البلاستيك خطر يتسلل إلى بيوتنا ويدخل أجسامنا ليهدد صحتنا ويتلف بيئتنا!إلى متى الانتظار؟
إلى متى الصمت؟
البلاستيك مادة نستخدمها يوميا ولكن لا نعرف ما هي ومن ماذا تتكون؟
منذ أن عرف العالم الثورة الصناعية والمجتمعات تشهد التطور المستمر بداية من عصر الفحم الحجري، وصولا إلى عصر الذهب الأسود (النفط)، كل ذلك ساهم في ظهور صناعات جديدة وكثيرة يحتاجها البشر تطورت بمرور الأيام. وظهرت الصناعة البلاستيكية وازدهرت وأصبحت اليوم تحتل الصدارة بالنسبة للصناعات الحالية؛ نظرا لاستخداماتها العديدة في الحياة اليومية.
البلاستيك (Plastic):
هو عبارة عن مادة يتم تصنيعها من المواد المستخرجة من النفط، وهي (البتروكيماويات)، إضافة للعديد من المواد الأخرى التي تختلف حسب نوع البلاستيك، والتي يهدف استخدامها للمساعدة في تحسين خواص البلاستيك.
ومن أهم الخواص التي يتميز بها البلاستيك هي:
إمكانية وسهولة تشكيله وصبه في القوالب المختلفة المخصصة لتصنيعه، وقابلية بعض أنواعه لإعادة التدوير، وعزله للكهرباء.
ومن عيوبه:
أن صناعته تسبب تأثيرا سلبيا على الصحة وتلوثا كبيرا للبيئة إضافة إلى صعوبة التحلل؛ لذلك نجد هناك صعوبة كبيرة في التخلص من المخلفات البلاستيكية.
المنتجات البلاستيكية على سبيل المثال لا الحصر:
للبلاستيك منتجات عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر قوارير الماء والعصائر والصودا وعلب الأغذية المعبأة وبعض منتجات الألبان والأكواب والأطباق والملاعق والسكاكين والشوك، وعلب الوجبات السريعة، ومنتجات الشامبو والمنظفات ولعب الأطفال وأكياس البلاستيك ومواسير السباكة وستائر الحمام، والمواد الشفافة المستخدمة في تغطية الأغذية بأنواعها اللحوم والخضار والأجبان.. إلخ، والأخيرة نجد أنها تمثل أخطر أنواع البلاستيك وأرخصها وأكثرها استخداما.
مكونات البلاستيك الكيميائية:
إن المواد الأساسية التي تدخل في صناعة البلاستيك هي مادة تسمى بـ(المبلمر)، أو (البوليمر)، وهذه المادة هي عبارة عن سلاسل طويلة من المركبات التي لها كتلة جريئة كبيرة، والتي يتم تصنيعها في مصانع البتروكيماويات، حيث يتم تحويل البترول الخام إلى هذه المادة بعد إدخاله في مراحل إنتاجية عدة. ومن المواد البتروكيميائية الأساسية الأخرى التي تستخدم في صناعة البلاستيك هي: مادة الإيثيلين وهي عبارة عن غاز عضوي يتم الاستفادة منه في هذه الصناعة بعد تحويله إلى (بوليمر)، يعرف باسم (البولي إيثيلين، أو البولي إيثين، أو البوليثين)، وهو أكثر أنواع البلاستيك شيوعا واستخداما، ولو نظرنا إلى المنتجات البلاستيكية المختلفة، نجد أن منها ما يتكون من مادة البولي إيثيلين، وهي مادة تتكون من ذرات الكربون والهيدروجين وتحتاج البيئة إلى مئات السنين لتفكيك هذه المواد طبيعيا، أو تتكون من مادة الفينيل أو الـPVC، أو تتكون من مادة البوليستايرين أو الستايروفورم (وهذه الأخيرة منعت في عدد من دول العالم منذ أكثر من 20 سنة، نظرا لخطورتها على الصحة والبيئة. بينما هذه المادة لاتزال تباع وتستخدم في المطاعم السريعة والبوفيهات الشعبية لدينا.
إضافة إلى أن صناعة هذه المادة تعد من أحد الأسباب في نقص طبقة الأوزون، لأنها تصنع باستخدام غاز CFC كما يمكن أن يمزج الإيثيلين مع البنزين، لإنتاج أحد أنواع البلاستيك المهمة الأخرى، وهو ما يعرف باسم (البوليستيرين)، الذي يستخدم في الكثير من المجالات.
هناك عوامل عديدة ساعدت على زيادة استخدامه وبالتالي زيادة الخطر الناتج عن الاستخدام وهي:
أولا: الطلب المتزايد على منتجات البلاستيك في حياتنا اليومية.
ثانيا: قلة تكلفة الصناعة والاستيراد وزيادة هامش الربح أدى إلى اتجاه القطاع التجاري إلى الاستثمار في صناعة وتجارة منتجات البلاستيك وخصوصا الأكياس البلاستيكية الرقيقة التي تزن بضعة غرامات، ويتم إنتاجها بأعداد هائلة، فالمصانع حول العالم تنتج كل سنة ما بين 4 و5 تريليونات كيس (التريليون يساوي ألف مليون) من أكياس القمامة الكبيرة إلى أكياس التسوق السميكة وأكياس البقالة الدقيقية.
ثالثا: الاستهلاك الجائر لأفراد المجتمع والمحلات التجارية ومحلات الأغذية والمطاعم، وذلك لرخص ثمنها ولعدم وجود البدائل.
رابعا: غياب البرامج التوعوية للمستهلك لتعريفه بطريقة الاستخدام الصحيح والاختيار الأفضل لها، وفهم معاني المثلث المرفق على كل منتج ونوع المواد وخطورتها على الصحة العامة والبيئة.
خامسا: غياب منظومة وقوانين الحماية البيئية والصحية والتجارية عن وضع مواصفات وشروط بموجب النظام تقنن هذه الصناعة، ما أدى إلى إنتاجها محليا واستيرادها دون قيود أو شروط، وبالتالي نتجت مخاطر عن ذلك الاستخدام الجائر لتلك المنتجات.
مخاطر البلاستيك الصناعي:
خطر التلوث البيئي:
لو تحدثنا عن التأثير البيئي للمنتجات البلاستيكية لوجدنا أن دورة استهلاك تلك المواد البلاستيكية بمختلف أنواعها تنتهي في مرادم النفايات مختلطة مع التربة، وتظل بها مئات السنين دون أن تتحلل، ما يؤدي إلى تفاعل مركباتها الكيميائية وإنتاج غازات ومواد ضارة مثل الديكسون والمعادن الثقيلة تعمل على تلوث التربة والهواء، وتتسرب تلك المواد الضارة من خلال التربة إلى المياه الجوفية وتسبب تلوثا كيميائيا خطيرا.
إضافة على أن رميها عشوائيا في غير الأماكن المخصصة لذلك، يؤدي إلى انتشارها على الشواطئ والبر والشوارع والحدائق، ما يؤدي إلى التلوث البصري، ووصولها بواسطة الرياح فوق الأشجار يؤدي إلى تقليل عملية البناء الضوئي اللازم لنمو النباتات، ونفوق الكائنات البحرية والبرية التي تتغذى عليها نتيجة لانسداد القصبة الهوائية أو المعدة لتلك المواد، إذ أن وجود البلاستيك في التربة يعمل على خلل في توزيع الكائنات الدقيقة الحية والتنوع الحيوي الموجودة بشكل طبيعي، وعمليات تحلل وخصوبة التربة.
وبالتالي يؤثر كل ما سبق على النظام البيئي العام، الذي لا يمكن على الإطلاق تعويض الخسائر التي تنتج عنه.
الخطر الصحي على الإنسان:
إن استخدام البلاستيك الصناعي له تأثير خطير جدا على صحة الإنسان، من خلال انطلاق تلك المواد الكيميائية الضارة الناتجة من تفاعلات البلاستيك إلى الهواء أو المياه أو الغذاء لتدخل أجسامنا، إضافة إلى أن عملية النقل والتخزين للمنتجات البلاستيكية دون ضوابط وشروط يجعلها عرضة لحرارة الشمس، ما يؤدي إلى تفاعل المادة البلاستيكية نتيجة للحرارة وإنتاج مواد ضارة تتسرب إلى المواد الغذائية أو المياه المعبأة في تلك المنتجات. استخدامات المنتجات البلاستيكية داخل المنازل أو المطاعم أو محلات بيع الأغذية يؤدي إلى إنتاج مواد ضارة نتيجة لتفاعل المواد البلاستيكية الممتلئة بالأغذية أو المياه الساخنة أو الباردة، إضافة إلى أن تخزين الغذاء داخل الثلاجات أو الفريزرات يؤدي إلى تفاعل تلك المواد الغذائية مع المركبات الكيميائية المنطلقة من المواد البلاستيكية مثل الديكسون، التي تذوب وتصل إلى الغذاء أو المياه، ما ينتج عنه احتواء الغذاء أو المياه على مواد كيميائية مسرطنة خطيرة جدا، ينتج عنها أمراض عديدة مثل «أمراض الكبد والرئة والجهاز الهضمي» وتزيد من نسبة الإضافة بالأمراض الخبيثة مثل مرض السرطان، إذ نشرت جامعة جان هوبكنز أخيرا بحثا في دوريتها العلمية وتناقلها أيضا مركز والتر ريد الطبي العسكري بولاية تكساس الأمريكية مفاده أن مادة الدايوكسين المتحررة من تفاعل المنتجات البلاستيكية تسبب السرطات خصوصا سرطان الثدي، وأن هذه المادة شديدة السمية على خلايا الجسم!!
ولكن.. نحن لا ننكر أهمية البلاستيك في حياتنا اليومية، والتطور السريع في المواد والمنتجات المحيطة بنا، لذلك فإن الحل لا يكون بالاستغناء عن منتجات وصناعة البلاستيك! بل الحل: هو تحويل صناعة البلاستيك إلى صناعة جديدة يطلق عليها «صناعة البلاستيك الحيوي القابل للتحلل» التي تمتاز بأنها صناعة صديقة للبيئة والإنسان، إذ يتم في هذه الصناعة استخدام نشويات أو بوليميرات خالية من البولي اثيلين تماما، أو تمثل ما نسبته 99% من تركيبه، وعليه فإن هناك ضرورة حتمية لإطلاق مبادرة وطنية للتحول من صناعة ومنتجات البلاستيك الصناعي التقليدي، وتطويره إلى صناعة وإنتاج البلاستيك الحيوي صديق البيئة والإنسان، خصوصا أن هناك دولا كثيرة في العالم بدأت في صناعة وإنتاج هذا النوع من البلاستيك الحيوي، وحققت نجاحات كبيرة إضافة إلى أنه يمكن لهذه الصناعة الحيوية إنتاج أنواع عديدة من المنتجات البلاستيكية المختلفة والمستخدمة في حياتنا اليومية.
وتعتبر المملكة من الدول الرائدة على المستوى المحلي والدولي في حماية البيئة والصحة، وما يحتاجه المجتمع الآن لمواجهة المشكلات الناتجة من استخدام البلاستيك الصناعي، هو التحول إلى صناعة البلاستيك الحيوي من خلال إطلاق المبادرة الوطنية لتحويل صناعة البلاستيك إلى منظومة مطورة متكاملة لصناعة بلاستيكية حيوية صديقة للبيئة والإنسان، وعدم الاكتفاء فقط (كما هو الوضع الآن) بعمل مواصفات ومقاييس لكيفية التخلص من نفايات البلاستيك الصناعي أثناء دفنها.
لجنة وطنيةوعلى ما سبق، نجد ضرورة تشكيل لجنة وطنية لهذه المبادرة تكون مهماتها وضع شروط ومقاييس وآليات جديدة لتطوير وتحويل صناعة البلاستيك التقليدية الحالية إلى صناعة حيوية صديقة للبيئة والصحة، وذلك من خلال وضع خطة عمل متكاملة للمستهلكين والمنتجين والمستوردين، على أن تضم اللجنة الوطنية عضوية عدد من الجهات الحكومية والمتخصصين ممثلة في وزارة الداخلية (لأن هذه المشكلة تشكل خطرا على الأمن الإنساني المفهوم الجديد للأمن الآن)، الذي يشمل الأمن الصحي والبيئي والاجتماعي، ووزارة البيئة والمياه والزراعة (بصفتها الجهة التشريعية لقوانين حماية البيئة)، ووزارة التجارة والاستثمار بصفتها المسؤولة عن نظام المعايير والمقاييس والتراخيص الصناعية والاستيراد، ووزارة الشؤون البلدية والقروية «الأمانات والبلديات» (بصفتها السلطة التفنيذية المانحة للرخص لجميع المحلات التجارية والمانحة الموافقات على تصاريح المصانع والمعامل)، ووزارة الصحة وهيئة الغذاء والدواء (بصفتهما المعنيتين بصحة المجتمع)، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية (بصفتها البحثية)، وجمعية البيئة السعودية (المعنية بالتوعية البيئية وتطوير السلوك الإيجابي البيئي لأفراد المجتمع)، والجمعيات الصحية (المعنية بالتوعية الصحية)، وعضوية الباحثين والمخترعين السعوديين لمادة البلاستيك الحيوي للاستفادة من تلك المواد المنتجة محليا.
وبعد اكتمال المنظومة، يتم إلزام المنتجين والمستوردين تدريجيا للتحول إلى صناعة البلاستيك الحيوي، وذلك من خلال خطة عمل ومواد محددة تساعد على الانحلال الحيوي للمواد البلاستيكية المصنوعة أصلا من (بولي ايثيلين أو بولي بروبولين) يتم اعتمادها من طرف اللجنة الوطنية للمبادرة.
إيجابيات المبادرة
تحويل البلاستيك (من أكياس أو منتجات أخرى) إلى مادة قابلة للتحلل العضوي Biodegradable وتمتاز هذه الأكياس والمنتجات بقوة ومرونة الأكياس التقليدية والمنتجات البلاستيكية الأخرى مع حفاظها على البيئة، إضافة إلى أنها صحية وغير سامة، وبالتالي يمكن استخدامها في تغليف الأطعمة وعبوات الغذاء، كما لا ينتج عنها أي بقايا سامة ذات ضرر على الكائنات الحية سواء في الهواء أو الماء، ما يعني أنها لا تؤذي التربة، إنما تعمل على إثرائها لأن الانحلال الحيوي يعني تحول مواد البلاستيك بعد إضافة 1% من المادة المضافة إلى الماء وغاز ثاني أكسيد الكربون، وتقوم مواد التحلل العضوي بمساعدة الكائنات الدقيقة بتحليل المواد البلاستيكية سواء في وجود الهواء (الأوكسجين) أو عدمه، ويمكن للكائنات الدقيقة استهلاك البلاستيك وتحويل المادة من خلال عمليات عضوية لإنتاج خليط من المنتجات العضوية (مكون من الماء وثاني أوكسيد الكربون) وتبدأ عملية التحلل العضوي للمنتجات البلاستيكية بوجود عوامل التحلل، التي تنتشر عند خلطها مع الحرارة والرطوبة، وتقوم بتحليل الهيكل الجزئي للبلاستيك، وهذه المنتجات لها عمر تخزيني محدد نستطيع التحكم فيه وتحديده.
إضافة إلى أن المبادرة الوطنية ستقلل من ميزانيات الدولة الكبيرة المنصرفة على بناء مرادم النفايات وصيانتها، وعلاج الأمراض الخطيرة الناتجة عن تلوث الغذاء والهواء والمياه بالمواد الكيميائية الضارة الناتجة من تفاعلات المنتجات البلاستيكية.
وأخيرا.. إن تصحيح مسار صناعة البلاستيك في المملكة وتحويله إلى بلاستيك صديق للبيئة والصحة يبدأ بخطوة، ويكون بإمكاننا الحفاظ على البيئة وصحة الإنسان.
السؤال هنا هو:لماذا لا نتبنى هذه التكنولوجيا التي سبقتنا إليها دول أخرى؟
* أستاذ علم التقنيات الحيوية للملوثات البيئيةنائب رئيس مجلس إدارة جمعية البيئة السعودية
إلى متى الصمت؟
البلاستيك مادة نستخدمها يوميا ولكن لا نعرف ما هي ومن ماذا تتكون؟
منذ أن عرف العالم الثورة الصناعية والمجتمعات تشهد التطور المستمر بداية من عصر الفحم الحجري، وصولا إلى عصر الذهب الأسود (النفط)، كل ذلك ساهم في ظهور صناعات جديدة وكثيرة يحتاجها البشر تطورت بمرور الأيام. وظهرت الصناعة البلاستيكية وازدهرت وأصبحت اليوم تحتل الصدارة بالنسبة للصناعات الحالية؛ نظرا لاستخداماتها العديدة في الحياة اليومية.
البلاستيك (Plastic):
هو عبارة عن مادة يتم تصنيعها من المواد المستخرجة من النفط، وهي (البتروكيماويات)، إضافة للعديد من المواد الأخرى التي تختلف حسب نوع البلاستيك، والتي يهدف استخدامها للمساعدة في تحسين خواص البلاستيك.
ومن أهم الخواص التي يتميز بها البلاستيك هي:
إمكانية وسهولة تشكيله وصبه في القوالب المختلفة المخصصة لتصنيعه، وقابلية بعض أنواعه لإعادة التدوير، وعزله للكهرباء.
ومن عيوبه:
أن صناعته تسبب تأثيرا سلبيا على الصحة وتلوثا كبيرا للبيئة إضافة إلى صعوبة التحلل؛ لذلك نجد هناك صعوبة كبيرة في التخلص من المخلفات البلاستيكية.
المنتجات البلاستيكية على سبيل المثال لا الحصر:
للبلاستيك منتجات عديدة منها على سبيل المثال لا الحصر قوارير الماء والعصائر والصودا وعلب الأغذية المعبأة وبعض منتجات الألبان والأكواب والأطباق والملاعق والسكاكين والشوك، وعلب الوجبات السريعة، ومنتجات الشامبو والمنظفات ولعب الأطفال وأكياس البلاستيك ومواسير السباكة وستائر الحمام، والمواد الشفافة المستخدمة في تغطية الأغذية بأنواعها اللحوم والخضار والأجبان.. إلخ، والأخيرة نجد أنها تمثل أخطر أنواع البلاستيك وأرخصها وأكثرها استخداما.
مكونات البلاستيك الكيميائية:
إن المواد الأساسية التي تدخل في صناعة البلاستيك هي مادة تسمى بـ(المبلمر)، أو (البوليمر)، وهذه المادة هي عبارة عن سلاسل طويلة من المركبات التي لها كتلة جريئة كبيرة، والتي يتم تصنيعها في مصانع البتروكيماويات، حيث يتم تحويل البترول الخام إلى هذه المادة بعد إدخاله في مراحل إنتاجية عدة. ومن المواد البتروكيميائية الأساسية الأخرى التي تستخدم في صناعة البلاستيك هي: مادة الإيثيلين وهي عبارة عن غاز عضوي يتم الاستفادة منه في هذه الصناعة بعد تحويله إلى (بوليمر)، يعرف باسم (البولي إيثيلين، أو البولي إيثين، أو البوليثين)، وهو أكثر أنواع البلاستيك شيوعا واستخداما، ولو نظرنا إلى المنتجات البلاستيكية المختلفة، نجد أن منها ما يتكون من مادة البولي إيثيلين، وهي مادة تتكون من ذرات الكربون والهيدروجين وتحتاج البيئة إلى مئات السنين لتفكيك هذه المواد طبيعيا، أو تتكون من مادة الفينيل أو الـPVC، أو تتكون من مادة البوليستايرين أو الستايروفورم (وهذه الأخيرة منعت في عدد من دول العالم منذ أكثر من 20 سنة، نظرا لخطورتها على الصحة والبيئة. بينما هذه المادة لاتزال تباع وتستخدم في المطاعم السريعة والبوفيهات الشعبية لدينا.
إضافة إلى أن صناعة هذه المادة تعد من أحد الأسباب في نقص طبقة الأوزون، لأنها تصنع باستخدام غاز CFC كما يمكن أن يمزج الإيثيلين مع البنزين، لإنتاج أحد أنواع البلاستيك المهمة الأخرى، وهو ما يعرف باسم (البوليستيرين)، الذي يستخدم في الكثير من المجالات.
هناك عوامل عديدة ساعدت على زيادة استخدامه وبالتالي زيادة الخطر الناتج عن الاستخدام وهي:
أولا: الطلب المتزايد على منتجات البلاستيك في حياتنا اليومية.
ثانيا: قلة تكلفة الصناعة والاستيراد وزيادة هامش الربح أدى إلى اتجاه القطاع التجاري إلى الاستثمار في صناعة وتجارة منتجات البلاستيك وخصوصا الأكياس البلاستيكية الرقيقة التي تزن بضعة غرامات، ويتم إنتاجها بأعداد هائلة، فالمصانع حول العالم تنتج كل سنة ما بين 4 و5 تريليونات كيس (التريليون يساوي ألف مليون) من أكياس القمامة الكبيرة إلى أكياس التسوق السميكة وأكياس البقالة الدقيقية.
ثالثا: الاستهلاك الجائر لأفراد المجتمع والمحلات التجارية ومحلات الأغذية والمطاعم، وذلك لرخص ثمنها ولعدم وجود البدائل.
رابعا: غياب البرامج التوعوية للمستهلك لتعريفه بطريقة الاستخدام الصحيح والاختيار الأفضل لها، وفهم معاني المثلث المرفق على كل منتج ونوع المواد وخطورتها على الصحة العامة والبيئة.
خامسا: غياب منظومة وقوانين الحماية البيئية والصحية والتجارية عن وضع مواصفات وشروط بموجب النظام تقنن هذه الصناعة، ما أدى إلى إنتاجها محليا واستيرادها دون قيود أو شروط، وبالتالي نتجت مخاطر عن ذلك الاستخدام الجائر لتلك المنتجات.
مخاطر البلاستيك الصناعي:
خطر التلوث البيئي:
لو تحدثنا عن التأثير البيئي للمنتجات البلاستيكية لوجدنا أن دورة استهلاك تلك المواد البلاستيكية بمختلف أنواعها تنتهي في مرادم النفايات مختلطة مع التربة، وتظل بها مئات السنين دون أن تتحلل، ما يؤدي إلى تفاعل مركباتها الكيميائية وإنتاج غازات ومواد ضارة مثل الديكسون والمعادن الثقيلة تعمل على تلوث التربة والهواء، وتتسرب تلك المواد الضارة من خلال التربة إلى المياه الجوفية وتسبب تلوثا كيميائيا خطيرا.
إضافة على أن رميها عشوائيا في غير الأماكن المخصصة لذلك، يؤدي إلى انتشارها على الشواطئ والبر والشوارع والحدائق، ما يؤدي إلى التلوث البصري، ووصولها بواسطة الرياح فوق الأشجار يؤدي إلى تقليل عملية البناء الضوئي اللازم لنمو النباتات، ونفوق الكائنات البحرية والبرية التي تتغذى عليها نتيجة لانسداد القصبة الهوائية أو المعدة لتلك المواد، إذ أن وجود البلاستيك في التربة يعمل على خلل في توزيع الكائنات الدقيقة الحية والتنوع الحيوي الموجودة بشكل طبيعي، وعمليات تحلل وخصوبة التربة.
وبالتالي يؤثر كل ما سبق على النظام البيئي العام، الذي لا يمكن على الإطلاق تعويض الخسائر التي تنتج عنه.
الخطر الصحي على الإنسان:
إن استخدام البلاستيك الصناعي له تأثير خطير جدا على صحة الإنسان، من خلال انطلاق تلك المواد الكيميائية الضارة الناتجة من تفاعلات البلاستيك إلى الهواء أو المياه أو الغذاء لتدخل أجسامنا، إضافة إلى أن عملية النقل والتخزين للمنتجات البلاستيكية دون ضوابط وشروط يجعلها عرضة لحرارة الشمس، ما يؤدي إلى تفاعل المادة البلاستيكية نتيجة للحرارة وإنتاج مواد ضارة تتسرب إلى المواد الغذائية أو المياه المعبأة في تلك المنتجات. استخدامات المنتجات البلاستيكية داخل المنازل أو المطاعم أو محلات بيع الأغذية يؤدي إلى إنتاج مواد ضارة نتيجة لتفاعل المواد البلاستيكية الممتلئة بالأغذية أو المياه الساخنة أو الباردة، إضافة إلى أن تخزين الغذاء داخل الثلاجات أو الفريزرات يؤدي إلى تفاعل تلك المواد الغذائية مع المركبات الكيميائية المنطلقة من المواد البلاستيكية مثل الديكسون، التي تذوب وتصل إلى الغذاء أو المياه، ما ينتج عنه احتواء الغذاء أو المياه على مواد كيميائية مسرطنة خطيرة جدا، ينتج عنها أمراض عديدة مثل «أمراض الكبد والرئة والجهاز الهضمي» وتزيد من نسبة الإضافة بالأمراض الخبيثة مثل مرض السرطان، إذ نشرت جامعة جان هوبكنز أخيرا بحثا في دوريتها العلمية وتناقلها أيضا مركز والتر ريد الطبي العسكري بولاية تكساس الأمريكية مفاده أن مادة الدايوكسين المتحررة من تفاعل المنتجات البلاستيكية تسبب السرطات خصوصا سرطان الثدي، وأن هذه المادة شديدة السمية على خلايا الجسم!!
ولكن.. نحن لا ننكر أهمية البلاستيك في حياتنا اليومية، والتطور السريع في المواد والمنتجات المحيطة بنا، لذلك فإن الحل لا يكون بالاستغناء عن منتجات وصناعة البلاستيك! بل الحل: هو تحويل صناعة البلاستيك إلى صناعة جديدة يطلق عليها «صناعة البلاستيك الحيوي القابل للتحلل» التي تمتاز بأنها صناعة صديقة للبيئة والإنسان، إذ يتم في هذه الصناعة استخدام نشويات أو بوليميرات خالية من البولي اثيلين تماما، أو تمثل ما نسبته 99% من تركيبه، وعليه فإن هناك ضرورة حتمية لإطلاق مبادرة وطنية للتحول من صناعة ومنتجات البلاستيك الصناعي التقليدي، وتطويره إلى صناعة وإنتاج البلاستيك الحيوي صديق البيئة والإنسان، خصوصا أن هناك دولا كثيرة في العالم بدأت في صناعة وإنتاج هذا النوع من البلاستيك الحيوي، وحققت نجاحات كبيرة إضافة إلى أنه يمكن لهذه الصناعة الحيوية إنتاج أنواع عديدة من المنتجات البلاستيكية المختلفة والمستخدمة في حياتنا اليومية.
وتعتبر المملكة من الدول الرائدة على المستوى المحلي والدولي في حماية البيئة والصحة، وما يحتاجه المجتمع الآن لمواجهة المشكلات الناتجة من استخدام البلاستيك الصناعي، هو التحول إلى صناعة البلاستيك الحيوي من خلال إطلاق المبادرة الوطنية لتحويل صناعة البلاستيك إلى منظومة مطورة متكاملة لصناعة بلاستيكية حيوية صديقة للبيئة والإنسان، وعدم الاكتفاء فقط (كما هو الوضع الآن) بعمل مواصفات ومقاييس لكيفية التخلص من نفايات البلاستيك الصناعي أثناء دفنها.
لجنة وطنيةوعلى ما سبق، نجد ضرورة تشكيل لجنة وطنية لهذه المبادرة تكون مهماتها وضع شروط ومقاييس وآليات جديدة لتطوير وتحويل صناعة البلاستيك التقليدية الحالية إلى صناعة حيوية صديقة للبيئة والصحة، وذلك من خلال وضع خطة عمل متكاملة للمستهلكين والمنتجين والمستوردين، على أن تضم اللجنة الوطنية عضوية عدد من الجهات الحكومية والمتخصصين ممثلة في وزارة الداخلية (لأن هذه المشكلة تشكل خطرا على الأمن الإنساني المفهوم الجديد للأمن الآن)، الذي يشمل الأمن الصحي والبيئي والاجتماعي، ووزارة البيئة والمياه والزراعة (بصفتها الجهة التشريعية لقوانين حماية البيئة)، ووزارة التجارة والاستثمار بصفتها المسؤولة عن نظام المعايير والمقاييس والتراخيص الصناعية والاستيراد، ووزارة الشؤون البلدية والقروية «الأمانات والبلديات» (بصفتها السلطة التفنيذية المانحة للرخص لجميع المحلات التجارية والمانحة الموافقات على تصاريح المصانع والمعامل)، ووزارة الصحة وهيئة الغذاء والدواء (بصفتهما المعنيتين بصحة المجتمع)، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية (بصفتها البحثية)، وجمعية البيئة السعودية (المعنية بالتوعية البيئية وتطوير السلوك الإيجابي البيئي لأفراد المجتمع)، والجمعيات الصحية (المعنية بالتوعية الصحية)، وعضوية الباحثين والمخترعين السعوديين لمادة البلاستيك الحيوي للاستفادة من تلك المواد المنتجة محليا.
وبعد اكتمال المنظومة، يتم إلزام المنتجين والمستوردين تدريجيا للتحول إلى صناعة البلاستيك الحيوي، وذلك من خلال خطة عمل ومواد محددة تساعد على الانحلال الحيوي للمواد البلاستيكية المصنوعة أصلا من (بولي ايثيلين أو بولي بروبولين) يتم اعتمادها من طرف اللجنة الوطنية للمبادرة.
إيجابيات المبادرة
تحويل البلاستيك (من أكياس أو منتجات أخرى) إلى مادة قابلة للتحلل العضوي Biodegradable وتمتاز هذه الأكياس والمنتجات بقوة ومرونة الأكياس التقليدية والمنتجات البلاستيكية الأخرى مع حفاظها على البيئة، إضافة إلى أنها صحية وغير سامة، وبالتالي يمكن استخدامها في تغليف الأطعمة وعبوات الغذاء، كما لا ينتج عنها أي بقايا سامة ذات ضرر على الكائنات الحية سواء في الهواء أو الماء، ما يعني أنها لا تؤذي التربة، إنما تعمل على إثرائها لأن الانحلال الحيوي يعني تحول مواد البلاستيك بعد إضافة 1% من المادة المضافة إلى الماء وغاز ثاني أكسيد الكربون، وتقوم مواد التحلل العضوي بمساعدة الكائنات الدقيقة بتحليل المواد البلاستيكية سواء في وجود الهواء (الأوكسجين) أو عدمه، ويمكن للكائنات الدقيقة استهلاك البلاستيك وتحويل المادة من خلال عمليات عضوية لإنتاج خليط من المنتجات العضوية (مكون من الماء وثاني أوكسيد الكربون) وتبدأ عملية التحلل العضوي للمنتجات البلاستيكية بوجود عوامل التحلل، التي تنتشر عند خلطها مع الحرارة والرطوبة، وتقوم بتحليل الهيكل الجزئي للبلاستيك، وهذه المنتجات لها عمر تخزيني محدد نستطيع التحكم فيه وتحديده.
إضافة إلى أن المبادرة الوطنية ستقلل من ميزانيات الدولة الكبيرة المنصرفة على بناء مرادم النفايات وصيانتها، وعلاج الأمراض الخطيرة الناتجة عن تلوث الغذاء والهواء والمياه بالمواد الكيميائية الضارة الناتجة من تفاعلات المنتجات البلاستيكية.
وأخيرا.. إن تصحيح مسار صناعة البلاستيك في المملكة وتحويله إلى بلاستيك صديق للبيئة والصحة يبدأ بخطوة، ويكون بإمكاننا الحفاظ على البيئة وصحة الإنسان.
السؤال هنا هو:لماذا لا نتبنى هذه التكنولوجيا التي سبقتنا إليها دول أخرى؟
* أستاذ علم التقنيات الحيوية للملوثات البيئيةنائب رئيس مجلس إدارة جمعية البيئة السعودية