العبدلي يعرض «الحنش» أحد أكبر أنواع المساويك.
العبدلي يعرض «الحنش» أحد أكبر أنواع المساويك.
-A +A
حسام الشيخ (جدة)
كالمستجير من الرمضاء بالنار، اتخذ حسين عبدالله العبدلي من رصيف شارع قابل في جدة، مكانا لبسطته، يعرض فيها مساويكه، بعدما سدت أنفاسه من العمل في طاحون الدخن والذرة، وأغلق الضمان الاجتماعي في وجهه باب الإعانة، حين أخرج رخصة البسطة لتكون نظامية.

35 عاما قضاها ابن الستين خريفا على الرصيف.. لم يتململ من بيع المساويك، فالثلاثة آلاف ريال حصيلته الشهرية، إلى جانب 2100 ريال من الضمان، كانت بالكاد تكفي لمصاريف أسرته الكبيرة، بأولاده الأربعة وبناته الثلاث، وزوجة لا يخلو جسدها من الأمراض المزمنة، إلا أن انقطاع إعانة الضمان قبل شهرين، كانت ضربة قاصمة، فكر على إثرها أن يعود من حيث أتى، بيد أن تضاؤل مكاسب الزراعة في قريته الصغيرة التابعة للقنفذة ألغت الفكرة، خصوصا أنه هجرها منذ فترة طويلة، قبل أن يتجه وأسرته إلى جدة باحثا عن رزقه في أرض الله الواسعة.


وتفر دمعة من عينه، لتستقر على أحد الأخاديد التي حفرها الزمن على وجهه، حين فتح الدرج الصغير الذي صنعه أيام «العز». أخرج ما به من ريالات، لم تتجاوز الـ30 ريالا، هي كل دخله منذ الصباح، رغم أن الساعة تعدت التاسعة مساء. استجمع قواه، ثم قال: كيف أواجه التزامات أسرتي بـثلاثة آلاف ريال، ألا يكفي أننا نتزاحم في بيت صغير بأحد أحياء جدة الشعبية، إيجاره الشهري 1500 ريال، ناهيك عن فواتير الكهرباء والهاتف ومصاريف الأولاد والبنات.!

يشيح بنظره عن عدسة «عكاظ»، فهو لا يصدق أنها ستنشر حكايته، ليتذكر أنه لم يعرف طريق السوبر ماركت سوى من أشهر قليلة، فمقاضي البيت كان يحصل عليها من جمعية المظيلف، ليسد بها أفواه الثمانية أنفس التي يتحمل مسؤوليتها، لتقفز إلى ذاكرته فجأة أحداث وفاة ابنه الأكبر، بعدما أجمع الأطباء على حاجته إلى عملية جراحية عاجلة، لم يملك تكاليفها. سافر إلى قريته، ليدبر المبلغ من أقاربه، وحين عاد بعد يومين، كان ابنه قد لفظ أنفاسه الأخيرة.

ولا يخفي محاولات أبنائه في البحث عن عمل، قائلا: أتمنى أن يجدوا أي عمل مهما كان بسيطا، ليساعدوني في مواجهة الحياة، فهم رجال على صغر أعمارهم.. يبتسم رغم آلامه، فتظهر إحدى أسنانه الذهبية، يترحم على الأيام الخوالي، وقتما كانت مبيعاته اليومية تصل إلى 500 ريال، لدرجة أنه استغنى عن أحد أسنانه، ليضع مكانها سنا مطلية بالذهب، فلم يتخيل أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن.