وصلت الصدمة القادمة من الولايات المتحدة حيث سجلت وول ستريت مساء الاثنين تراجعا حادا، إلى الأسواق الأوروبية صباح الثلاثاء بعدما عمت الأسواق الآسيوية.
وظهر توجه البورصات جلياً منذ فتح الأسواق في أوروبا حيث بلغ التراجع -3.43% في بورصة باريس و-3.5% في لندن و-3.3% في مدريد و-3.6% في أمستردام.
وقال المحلل لدى مجموعة «لندن كابيتال غروب» جاسبر لولر إن «أوروبا تجد نفسها بمواجهة موجة حمراء بعد حمام الدم في الأسواق الأمريكية بعد أقل من أسبوعين على ذروة تاريخية» سجلتها وول ستريت.
ويتساءل الجميع في أوروبا الثلاثاء عما إذا كان هذا التراجع بداية أزمة أم مجرد نوبة ضعف عابرة.
ويرى الخبراء في «ميرابو سيكيوريتيز» بجنيف أن «جلسة اليوم ستكون في غاية الأهمية (ربما الأهم منذ بداية العام) لأنها ستختبر أعصاب المستثمرين وتثبت (أم لا) إن كنا دخلنا» مرحلة تراجع في السوق مضيفين "لا نعتقد ذلك".
وتساءل محللو شركة «أوريل بي جي سي» «إلى أين سيصل التراجع؟» وإن اعتبروا أن «التراجع قد يستمر لبعض الوقت، حتى نهاية الأسبوع»، إلا أنهم يرون أن «السيولة من جهة أخرى وافية ولا بد أن يدرك المستثمرون بدون إبطاء أن هذا الهبوط سليم أكثر مما هو وخيم»، وهو يفسح المجال لإحلال الاستقرار في السوق.
وتابعوا "بالطبع، إن جاءت مؤشرات جديدة لتؤكد أن التضخم يتسارع فعليا في الولايات المتحدة، فإن تقلبات الأسواق قد تبقى قوية على الدوام".
والمخاوف بشأن التضخم هي تحديدا ما أشعل وضع الأسواق بعدما بدأ العام 2018 بشكل إيجابي، مع تسجيل مؤشرات البورصات مستويات قياسية متتالية في نيويورك.
لكن الوضع تبدل بشكل مفاجئ مع نشر التقرير الشهري حول الوظائف في الولايات المتحدة الجمعة.
فإن كان الإعلان عن زيادة كبيرة في الأجور في يناير شكل نبأ سارا للاقتصاد الأمريكي، إلا أنه انعكس بشكل مدمر على الأسواق حيث أحيا المخاوف من حصول تضخم، ما سيؤدي إلى تشديد السياسة النقدية الأميركية بوتيرة أسرع مما هو متوقع.
وفي أعقاب ذلك، ارتفعت معدلات عائدات سندات الخزينة، ما أدى إلى تعثر وول ستريت.
والاثنين تزايدت الخسائر وانخفض مؤشر داو جونز بنحو 1600 نقطة خلال الجلسة، قبل أن يغلق على تراجع بنسبة 4.60%.
وتأثرت الأسواق المالية الآسيوية بـ«وول ستريت» وفي طليعتها طوكيو التي تراجعت بنسبة 4.73% الخميس، وهي نسبة غير مسبوقة منذ انتخاب دونالد ترمب في البيت الأبيض، فيما أغلقت هونغ كونغ على خسارة تزيد على 5% وتراجعت شانغهاي بأكثر من 3%.
وقال ستيفن اينيس مسؤول الصفقات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى مجموعة واندا، ردا على سؤال لوكالة فرانس برس إن "المستثمرين مقتنعون بأن التضخم يعود وأن معدلات الفائدة سترتفع أكثر مما كان مقدرا".
وفي سوق السندات، بقيت معدلات الفائدة الأمريكية على القروض خاضعة للضغوط مع ارتفاع عائدات السندات لـ10 سنوات إلى مستوى 2.758% بالمقارنة مع 2.706% عند الإغلاق الاثنين.
في المقابل، كان الطلب قويا على السوق الأوروبية التي تلعب دور الملاذ. وعند فتح أسواق القارة، تراجعت نسبة الفوائد على «البوند»، سندات الخزينة الألمانية لعشر سنوات التي لها قيمة مرجعية في الأسواق، إلى 0.699% مقابل 0.763% الاثنين.
أما الين والذهب اللذان يزداد الطلب عليهما في الفترات المضطربة، فعززا موقعيهما أيضا.
وقال المحلل في «إس إم بي سي نيكو سكيوريتيز» توشيهيكو ماتسونو لوكالة فرانس برس إنه بعد الحمى التي سيطرت على الأسواق في الأسابيع الأخيرة، فإن "هذا التراجع المفاجئ يشكل صدمة".
وطاول الانخفاض أيضا العملة الافتراضية بتكوين التي واصلت الثلاثاء هبوطها بعد أسابيع من التراجع، وتدنت حتى عن عتبة ستة آلاف دولار لوقت وجيز بعدما قاربت 20 ألف دولار في ديسمبر.
وتم التداول بهذه العملة بمستوى 6137 دولارا قرابة الساعة 8:30 ت.غ.
لكن على الرغم من كل هذه التراجعات، يبدو المراقبون مطمئنين. وقال المحلل لدى مجموعة «ساكسو بنك» بيتر غارنري "نعتقد أنه تصحيح سليم خلال فترة قصيرة".
كما قال ستيفن اينيس إن «الوقت حان لإجراء تصحيح»، مؤكدا هو أيضا أنه لا يرى مؤشرات تدل على "انهيار".