-A +A
«عكاظ» (النشر الإلكتروني)

كشف البيان التمهيدي للميزانية العامة للدولة، الذي أطلقته وزارة المالية، بدء الاقتصاد الوطني جَنْي بعض ثمار الإصلاحات الاقتصادية، ويتوقع زيادة العائدات الإيجابية منا على المدى المتوسط.

وطبَّقت الحكومة خلال السنوات الثلاث الماضية العديد من الإصلاحات المالية والاقتصادية والهيكلية ضمن رؤية المملكة 2030، كما بدأت الحكومة العمل على تنفيذ عدد من المشاريع الكبرى التي تستهدف البنية التحتية ومشاريع في قطاعات وأنشطة متنوعة.

أرقام إيجابية

وأظهرت الأرقام الرسمية تحقيق الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي معدلات نمو إيجابية بنحو 1.1% خلال النصف الأول من العام 2019 مدعومة بنمو القطاع غير النفطي الذي نما بنحو 2.5% للفترة نفسها، ما أدى إلى تحسن في معدلات البطالة للسعوديين التي شهدت انخفاضاً خلال النصف الأول من العام الحالي بنحو 0.4 نقطة مئوية مقارنة بنهاية العام 2018 لتصل إلى 12.3%.

من ناحية أخرى، استمرت معدلات التضخم في التراجع منذ بداية العام حيث سجل متوسط مؤشر أسعار المستهلك انخفاضاً بنسبة 1.6% حتى نهاية شهر سبتمبر 2019، متأثراً بتلاشي أثر تطبيق بعض الإصلاحات المالية والاقتصادية مثل تصحيح أسعار الطاقة وضريبة القيمة المضافة خلال العام الماضي، إضافة إلى تراجع مجموعة الإيجار المدفوع للسكن خلال الفترة ذاتا.

القطاع الخاص وتنويع الاقتصاد

واستمرت الحكومة في تنفيذ حزمة الإصلاحات المالية والاقتصادية والمبادرات لتنويع النشاط الاقتصادي وتمكين دور القطاع الخاص شريكا أساسيا في التنمية ومصدرا رئيسيا للتوظيف.

وكان من أبرز هذه المبادرات، مبادرة تحفيز القطاع الخاص، والاستمرار في تنفيذ بعض المشاريع الكبرى التي أدت إلى تحسن أداء عدة قطاعات أهمها قطاع التشييد والبناء الذي عاد لمعدلات النمو الإيجابية خلال العام 2019 بعد تراجع لمدة ثلاثة أعوام متتالية.

كما حققت الأنشطة الاقتصادية بشكل عام معدلات نمو حقيقي إيجابية ومرتفعة، حيث سجل نشاط تجارة الجملة والتجزئة والمطاعم والفنادق، ونشاط خدمات المال والتأمين والعقارات وخدمات الأعمال معدلات نمو بلغت 3.8% و5.1% على التوالي خلال النصف الأول من عام 2019 مقارنة بالفترة المماثلة من العام السابق، كذلك سجل نشاط النقل والتخزين والمعلومات والاتصالات، ونشاط الخدمات الجماعية والاجتماعية والشخصية (يتضمن أنشطة كالفنون والترفيه) معدلات نمو مرتفعة خلال النصف الأول من عام 2019 بلغت 5.6% و5.9% على التوالي مقارنة بالفترة المماثلة من العام السابق.

وفي السياق ذاته، شهد القطاع الخاص غير النفطي نمواً إيجابياً خلال النصف الأول من العام 2019 بمعدل 2.9% مدعوماً بسياسات تحفيز القطاع الخاص، فيما استمرت معدلات الاستهلاك الخاص لنفس الفترة في النمو الإيجابي لتبلغ 4.4% مقارنة بمعدل نمو قدره 2.6% للفترة نفسها من العام السابق مدعومة بالمبادرات التي نفذتا الحكومة لمساندة قطاع الأسر والقطاع الخاص.

مؤشرات دولية

وانعكست خطط وجود تطوير وتحسين مناخ الأعمال وتنمية المحتوى المحلي وتعزيز تنافسية الاقتصاد على تحسن ترتيب المملكة في المؤشرات الدولية، حيث أظهر تقرير ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2020 الذي أصدره البنك الدولي حديثاً قفزة في ترتيب المملكة من ناحية سهولة ممارسة الأعمال بـ30 مرتبة لتصل إلى المرتبة 62 من بين 190 دولة، وذلك مقابل المرتبة 92 في العام السابق.

وقد تم إدراج المملكة ضمن قائمة أفضل 10 دول من حيث التحسن في سهولة ممارسة الأعمال خلال هذا العام.

كما دعم ذلك تحسن ترتيب المملكة في تقرير التنافسية العالمي الذي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي أخيرا، إذ تقدم ترتيب المملكة بثلاثة مراكز إلى المرتبة السادسة والثلاثين في تقرير التنافسية.

العجز والدين العام

وفيما شهدت الميزانية خلال العامين الماضيين انخفاضاً في العجز، بما ينسجم مع التوجه الرئيس للحكومة للحفاظ على الاستقرار والاستدامة المالية على المدى المتوسط وتعزيز وضع المالية العامة، فمن المتوقع استمرار انخفاض العجز في الميزانية في العام 2019 ليبلغ نحو 4.7% من الناتج المحلي الإجمالي مقابل 5.9% في العام السابق، كما يتوقع أن يبلغ الدين العام نحو 24% من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية العام 2019.

تحديات عالمية

وتأتي أهمية هذه الإنجازات التي تحققت في أنها جاءت في الوقت الذي يواجه فيه الاقتصاد العالمي العديد من المخاطر التي تؤثر على مسار نموه وآفاقه المستقبلية، وعلى حركة التجارة الدولية، وتدفق الاستثمار، واستقرار الأسواق العالمية.

ومن أبرز هذه التحديات النزاعات التجارية، التي دفعت لخفض توقعات نمو الاقتصاد العالمي للعامين القادمين، وانعكست هذه المخاطر على استقرار أسواق النفط.

ويمثل تراجع أسعار النفط والالتزام باتفاقيات الإنتاج النفطي بمثابة مؤثرات معاكسة أخرى على التوقعات، كما يُمثل ضعف الطلب الخارجي من الشركاء التجاريين الأساسيين (أمريكا وأوروبا والصين وروسيا) أحد أهم التحديات الرئيسية.

وفرضت تلك التحديات على الحكومات اتباع سياسات تحوطية وبذل جود حثيثة في سبيل تعزيز الضبط المالي والإصلاحات الهيكلية لزيادة صلابة الاقتصاد وقدرته على تحمل الصدمات الخارجية.

توقعات 2020 والمدى المتوسط

وفي ظل هذه المعطيات، تُصّر حكومة المملكة على مواصلة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية متوسطة وطويلة الأجل الهادفة إلى تنويع النشاط الاقتصادي وتحقيق الاستدامة المالية في إطار رؤية المملكة 2030، مع التركيز على دور القطاع الخاص ليكون المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي وخلق فرص العمل.

وتُركز الحكومة على تنمية ورفع معدلات نمو الناتج المحلي غير النفطي باعتباره مقياسا رئيسيا لحركة النشاط الاقتصادي والقدرة على تنمية فرص العمل في الاقتصاد، حيث تنفذ الحكومة خططاً على المدى القصير لتحفيز الناتج المحلي غير النفطي، وكذلك على المدى المتوسط بهدف استدامة معدلات النمو وتنويع مصادره بما يحقق كفاءة أعلى في نوعية النمو الاقتصادي، ويمكّن أداء الاقتصاد من تحقيق تطلعات المواطنين.

ويتوقع أن يسهم إنجاز عدد من المشاريع الكبرى التي تستهدف دعم البنية التحتية، إضافة إلى المشاريع الأخرى التي يجري تنفيذا في قطاعات أخرى في دعم نمو الناتج المحلي غير النفطي خلال العام 2020 وعلى المدى المتوسط.

وتستهدف الحكومة الإسراع في تنفيذ برنامج التخصيص بنقل ملكية الأصول من الحكومة إلى القطاع الخاص، وإسناد تقديم بعض الخدمات الحكومية إليه لتعزيز دوره وبما يُسهم في جذب المزيد من الاستثمارات.

وكذلك تعمل الحكومة على تحفيز الادخار والتمويل والاستثمار من خلال برنامج تطوير القطاع المالي لدعم التنمية الاقتصادية وتنويع مصادر الدخل، ويتم هذا بالتزامن مع المبادرات الأخرى في المالية العامة لدعم النشاط الاقتصادي وتقوية شبكة الحماية الاجتماعية، ومنها: مبادرات حزم تحفيز القطاع الخاص ودعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة وتحفيزها، حيث صدر أخيراً قرار مجلس الوزراء بتحمل الدولة لمدة خمس سنوات المقابل المالي المقرر على العمالة الوافدة في المنشآت الصناعية.

وتهدف السياسة المالية في المملكة بشكل عام إلى تحقيق التوازن بين أهداف الحفاظ على الاستقرار المالي، وتعزيز النمو الاقتصادي المُستدام، ومساندة مرحلة التحول الاقتصادي والاجتماعي التي تمر بها المملكة وفقاً لرؤية المملكة 2030، بما يصب في النهاية في مصلحة المواطن.