باراشانت ساران.
باراشانت ساران.
-A +A
بقلم: باراشانت ساران - مدير العمليات في أمازون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

تمضي المملكة العربية السعودية في رحلتها نحو التحديث والتنويع الاقتصادي، واضعةً التحول الرقمي في صميم طموحاتها على المدى الطويل. ومما لا شك فيه أن نجاح كافة الشركات الصغيرة والمتوسطة اليوم بات متوقفاً على مدى مواكبتها لهذا التحول، ومواءمة نماذج أعمالها مع آخر المستجدات في العالم الرقمي. ورغم وضوح متطلبات المرحلة الراهنة، إلا أن غالبية هذه الشركات الصغيرة والمتوسطة تتساءل عن كيفية التحول إلى العالم الرقمي بنجاحٍ وسرعة وسلاسة، وذلك من أجل ضمان تنافسيتها والمحافظة على مكانتها في السوق.

تتزايد تطلعات العملاء بوتيرةٍ أسرع من أي وقتٍ مضى، إذ إنه في خضم التطور السريع الذي نشهده على مستوى المستهلكين وقطاعي الأعمال والتكنولوجيا، نجد أن الأولويات باتت مختلفة. وفي حين يتوجه أكثر من نصف المستهلكين في المملكة إلى التسوق عبر الإنترنت مرةً واحدةً على الأقل أسبوعياً، ونحو ربعهم يقومون بذلك مرتين أو ثلاث مراتٍ في الأسبوع، تحتاج الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تتطلع قدماً إلى تحقيق خطط الاستدامة والنمو والازدهار لديها، إلى التنبه سريعاً إلى واقع الاقتصاد الرقمي الجديد ومواكبة موجة التغيرات في هذا المجال. ورغم كونها تمثل جزءاً صغيراً من رحلة المنتج، قد تلعب تجربة العملاء المتواضعة أو غير المرضية في هذه المرحلة دوراً كبيراً في تحديد ثقة العملاء وولائهم، الأمر الذي لا يمكن تجاهله. هذا، وتتجه العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى معالجة هذه المعضلة عبر توسيع مواردها، ومحاولة السيطرة على كافة جوانب عملياتها بدءاً من المنتج وحتى إتمام عملية التوصيل، معتبرةً أن رهانها الأكثر أماناً هو تعدد القطاعات التي تعمل بها وإتقان فرقها للعديد من المواهب والمهارات، ولكنها تتجاهل افتقارها إلى التخصصات المعينة.

لنضع في اعتبارنا بعض الحقائق الرئيسية. أولاً: تُعَد الشركات الصغيرة والمتوسطة عاملاً أساسياً في تحقيق النمو الاقتصادي، إذ إنها تشكل ما نسبته 99% من الشركات الخاصة العاملة في المملكة، كما تسعى للاستفادة من تأثيرها في السوق لتعويض ما قد تفتقر إليه من حيث حجم أعمالها. ثانياً: يُعَد التحول الرقمي أمرا حتميا، وهو سمة المستقبل، إذ يتوجب على الشركات والمستهلكين التعامل مع هذه المرحلة على هذا الأساس، في حين أن الشركات التي تسعى إلى ضمان استمراريتها ونموها والحفاظ على ولاء عملائها، ليس لديها خيار آخر وعليها مواءمة توجهاتها وجهودها لتتناسب مع المتغيرات التي تفرضها هذه المرحلة. ثالثاً: إن الشركات الصغيرة والمتوسطة لا تعمل بمفردها، وهي محاطة بشبكة واسعة من مزودي الخدمات والشركاء الذين يتفوقون في المجالات غير الأساسية التي تحتاجها الشركات الصغيرة والمتوسطة. فمن هذا المنطلق، على الشركات المستعدة لخوض التحدّي والمنافسة بشكل منفرد في السوق، الاستثمار في البنية التحتية اللوجستية وفق أفضل المعايير العالمية. وضمان توفير خدمة عملاءٍ سريعة الاستجابة، وإيصال المنتج أو الخدمة خلال مدة زمنية قصيرة؛ بمعنى آخر، القيام باستثمارٍ وتوظيفه للاستخدام الأمثل، وقد لا يكون ذلك دائماً مجدياً بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة.

وفي هذا السياق، من المهم دراسة بعض الإمكانات المهمة التي تحتاجها الشركات الصغيرة والمتوسطة لضمان تحقيق نجاحها في بيئة الأعمال الجديدة، والنظر في كيفية قدرتها على تطوير هذه الإمكانات بوتيرةٍ سريعةٍ لتحقق لنفسها الميزة التنافسية المنشودة.

خدمات وحلول تسليم الميل الأخير

تسليم الميل الأخير هو مصطلح يُستخدم لوصف الخطوة النهائية والأساسية في سلسلة التوريد لرحلة المنتج، وذلك بدءاً من انطلاقه من محطة التسليم ووصولاً إلى العميل. وتُعَد هذه الخطوة واحدة من أهم التحديات الكبيرة التي تواجه الشركات المعاصرة التي تعتمد على البيع الإلكتروني، إذ يتطلع العملاء للحصول على الاستقرار والسرعة والموثوقية في عمليتي تسليم المنتج أو إرجاعه. كما أن الولاء للعلامة التجارية والنجاح على المدى الطويل هما من العناصر الحساسة جداً.

وتعتمد قدرة الشركات الصغيرة والمتوسطة على عوامل متعددة من أجل ضمان توفير تجربة توصيل مميزة حتى آخر خطوة، وتشمل في المقام الأول التركيز على سلامة العملاء وفرق العمل بما في ذلك اتباع بروتوكولات السلامة العالمية وتوفير خيارات التوصيل بدون تلامس.

ثانياً: ضمان توفير الراحة الفائقة للعملاء وتجنب مصادر القلق من خلال توفير ميزة تتبع الطلبات في الوقت الفعلي، وعرض تقديراتٍ موثوقةٍ للتسليم، واقتراح خيارات لتاريخ ووقت التسليم.

ثالثاً: التطوير المستمر للكفاءة ونجاح التسليم عبر اعتماد أفضل التقنيات لتحسين الجودة وكفاءة الخدمة.

رابعاً: توفير خيارات تسليمٍ أسرع عبر عوامل جيوغرافية محسّنة أو شبكة تنفيذ وتسليم. وأخيراً، هناك عملية الإرجاع والاسترداد ومعالجة مخاوف العميل على الفور، مدعومة بخدمة عملاء سريعة الاستجابة تضعهم في مقدمة الاهتمامات.

ومع أخذ هذه العوامل في الاعتبار، من الواضح أن تنفيذ الخطوة الأخيرة من رحلة المنتج يُعَد تحديا رئيسيا للشركات في الوقت الراهن، باعتباره عاملاً حاسماً للشركات الكبيرة والصغيرة والمتوسطة على السواء. وفي حين تملك الشركات الكبيرة هذه الإمكانية، فلن يكون واقعياً أن نتوقع توفير الشركات الصغيرة والمتوسطة خدمة تسليم الميل الأخير عالمية المستوى بمفردها، إذ يتطلب إنشاء هذا المحور الأساسي تأسيس شراكات مع مزودين آخرين لضمان تكامل الخدمات.

الشراكات.. عامل أساسي في نمو الأعمال

تتميز الشركات الصغيرة والمتوسطة بقدرتها على التحرّك بسهولة والمرونة في الاستجابة للمتطلبات، كما أنها أكثر قدرةً على التكيف مع المتغيرات وفهم احتياجات العمل بتعمق في مجالها الأساسي. وفي بعض الأحيان، تتمتع هذه الشركات بميزة التخصص، إذ أسست أعمالها من خلال تحديد ومعالجة الثغرات الرئيسية في احتياجات العملاء بشكلٍ أفضل من منافسيها. لذلك، من المنطقي بالنسبة لهذه الشركات الاستمرار في التركيز على نقاط القوة الأساسية التي تمنحها الميزة التنافسية. وتتيح عمليات التنفيذ والتسليم مع الاستعانة بمصادر خارجية، للشركات الصغيرة والمتوسطة، الانتقال إلى العالم الرقمي بانسيابية والاستفادة من شبكة مراكز التنفيذ، والفرز، ومحطات التسليم، فضلاً عن أسطولٍ حديث مدعوم بأحدث الابتكارات التقنية.

هذا، وحرصت الشركات المتخصصة في عمليات التنفيذ والتسليم على استثمار الموارد المطلوبة والوقت الكافي في الابتكارات التقنية وتبسيط العمليات، وذلك بهدف التغلب على عددٍ من تحديات البنية التحتية والتنظيمية في المنطقة. ففي المملكة العربية السعودية، يبلغ متوسط تكلفة توصيل الحزمة أكثر من ثلاثة أضعاف التكلفة العالمية الأفضل في فئتها. كما أن أنظمة العناوين في المملكة لا تزال في طور التحديث، الأمر الذي يشكل صعوبة في خدمة تسليم الميل الأخير بمعدلٍ يصل إلى 40%. فمن هذا المنطلق، تلعب الابتكارات التقنية والذكاء الاصطناعي الخاص بالخرائط والترميز الجغرافي وتوحيد هياكل العناوين دوراً رئيسياً في تحقيق قفزة نوعية في ما يخص الكفاءة والسرعة. وبينما يجري تطوير عددٍ من الحلول الواعدة لمواجهة التحديات المتعلقة بعملية التوصيل، فالجدير بالذكر أن معظمها محدودٌ بعامل الجغرافيا أو النطاق أو السعة. ولتحقيق النجاح في هذا المجال، من الضروري للشركات الصغيرة والمتوسطة أن تجد الشريك المناسب، بالمقياس الصحيح، والسجل الحافل بالمنجزات، فضلاً عن المعرفة اللازمة، من أجل خوض هذا السباق بشكلٍ أسرع وأكثر فعالية.

وبعد الأخذ بعين الاعتبار التطورات السريعة التي يشهدها عالمنا من تحول رقمي وتقنيات تفرض تحدّيات جديدة على الشركات الصغيرة والمتوسطة، يتوجب على هذه الشركات مواكبة موجة التحول الرقمي بسرعةٍ وفاعلية للحفاظ على دورها المحوري بصفتها العمود الفقري للاقتصاد، وتعزيز قدرتها على تلبية متطلبات العملاء المتزايدة باستمرار. إن الشركات الصغيرة والمتوسطة قادرةٌ على مواصلة التركيز على إسعاد العملاء في مجالات قوتهم الأساسية، وتطوير قدرتهم على التنفيذ وتسليم الميل الأخير، وذلك من خلال التعاون مع الشركاء المناسبين، ما يتيح لكلا الطرفين إنجاز عملياتهما بأفضل صورةٍ ممكنة، ومواصلة الوفاء بوعودهما للعملاء في المملكة.