تستضيف السعودية القمة الخليجية الحادية والأربعين، وتحديدا في مدينة العلا شمال غرب المملكة، ويأتي انعقاد مجلس التعاون وهو الكيان الأكثر ثباتا في المنطقة، منذ تأسيسه في 25 مايو 1981، رغم ما مرت وتمر به المنطقة من عواصف، وما يطرأ من خلافات بين أعضاء المجلس.
أتت الدعوة الكريمة من مقام خادم الحرمين الشريفين لقادة دول مجلس التعاون الخليجي لعقد القمة الخليجية في واحة العلا لتمثل تأصيلا كريماً ومستحقاً من قبل الراعي الأول للتراث والتاريخ والحضارة في المملكة العربية السعودية، حيث عرف عنه اهتمامه البالغ وشغفه الدؤوب بالتاريخ.
لذا فاختيار العلا ليس مستغرباً، فقد كانت محطة تتلاقى فيها الحضارات والشعوب منذ أقدم الأزمنة، وذلك بسبب موقعها الإستراتيجي على طريق التجارة البري قبل الإسلام ومن ثم على طرق الحج في الفترة الإسلامية.
كما دلت النقوش المكتشفة في العلا، التي كتبت بخطوط مختلفة تصل إلى ما يقارب عشرة خطوط، على أنها كانت عبر التاريخ مكاناً للتسامح والتبادل التجاري والاقتصادي والثقافي، واتسم سكانها بدرجة عالية من الانفتاح على الثقافات الأخرى، الأمر الذي سمح لهم بالانصهار مع الحضارات الموجودة في ذلك الحين.
إن وجود عشرات الآلاف من النقوش التي كتبت بخطوط عدة منها: الآرامي، الداداني، الثمودي، المعيني، السبئي، النبطي، اللاتيني، الإغريقي والعربي في بقعة جغرافية صغيرة نسبياً يدل على مدى أهمية هذا المكان تاريخياً وأنه كان نقطة التلاقي بين الحضارات في العالم القديم.
ودل محتوى هذه النقوش كذلك على أن هذه المجتمعات تمتعت بدرجة عالية من الرقي والتسامح، حيث تكشف بعض النقوش عن علاقات اجتماعية بين شعوب مختلفة، كما يدل بعضها على وجود كيانات واجتماعات ذات بعد سياسي أو ديني.
كما تمثل العلا اليوم نموذجا في التطور الحضاري المستدام، حيث تلتزم بالتطورالمسؤول الذي يراعي بيئتها الفريدة والخلابة، ويستلهم من ألوان جبالها وأشجارها، وهو ما ارتكزت عليه رؤية سمو ولي العهد للعلا التي أطلقها في فبراير 2019، والتي ارتكزت أيضا على بناء الإنسان قبل المكان.
استشراف مستقبل العلا يكشف عن مشاريع مذهلة، من ضمنها منتجع شرعان وهو من تصميم المهندس العالمي جان نوفيل، الذي ستكون غرفه محفورة في الكتل الصخرية، واستوحى نوفيل تصميمه من العمارة النبطية التي تُميز موقع الحجر، أول موقع سعودي يدرج ضمن قائمة اليونيسكو للتراث العالمي، كما حرص المصمم على تكامل العمارة النبطية مع لمسة من الحداثة.
كما تم تصميم محمية شرعان لحماية أهم المواطن الطبيعية، حيث تضم منطقة شرعان مجموعة متنوعة من المواطن الصحراوية التي كانت في السابق موطناً لعدد لا يُحصى من أنواع النباتات والحيوانات المحلية، وتم إطلاق عدد من الأحياء الفطرية المهددة بالانقراض في المحمية، كما تأسس الصندوق العالمي لحماية النمر العربي، الذي يؤكد التزام المملكة نحو الحفاظ على البيئة الطبيعية.
لذا فإن اختيار العلا لاحتضان القمة الخليجية يأتي استكمالاً وتأصيلاً للدور التاريخي الإستراتيجي الذي لعبته العلا على مر العصور، والمستقبل الواعد الذي ينتظرها كأكبر متحف حي مفتوح.
كتبه:
عبدالرحمن الطريري
كاتب سعودي
د. عبدالرحمن السحيباني
أستاذ الآثار المشارك بجامعة الملك سعود مستشار الآثار والتراث الثقافي بالهيئة الملكية لمحافظة العلا
أتت الدعوة الكريمة من مقام خادم الحرمين الشريفين لقادة دول مجلس التعاون الخليجي لعقد القمة الخليجية في واحة العلا لتمثل تأصيلا كريماً ومستحقاً من قبل الراعي الأول للتراث والتاريخ والحضارة في المملكة العربية السعودية، حيث عرف عنه اهتمامه البالغ وشغفه الدؤوب بالتاريخ.
لذا فاختيار العلا ليس مستغرباً، فقد كانت محطة تتلاقى فيها الحضارات والشعوب منذ أقدم الأزمنة، وذلك بسبب موقعها الإستراتيجي على طريق التجارة البري قبل الإسلام ومن ثم على طرق الحج في الفترة الإسلامية.
كما دلت النقوش المكتشفة في العلا، التي كتبت بخطوط مختلفة تصل إلى ما يقارب عشرة خطوط، على أنها كانت عبر التاريخ مكاناً للتسامح والتبادل التجاري والاقتصادي والثقافي، واتسم سكانها بدرجة عالية من الانفتاح على الثقافات الأخرى، الأمر الذي سمح لهم بالانصهار مع الحضارات الموجودة في ذلك الحين.
إن وجود عشرات الآلاف من النقوش التي كتبت بخطوط عدة منها: الآرامي، الداداني، الثمودي، المعيني، السبئي، النبطي، اللاتيني، الإغريقي والعربي في بقعة جغرافية صغيرة نسبياً يدل على مدى أهمية هذا المكان تاريخياً وأنه كان نقطة التلاقي بين الحضارات في العالم القديم.
ودل محتوى هذه النقوش كذلك على أن هذه المجتمعات تمتعت بدرجة عالية من الرقي والتسامح، حيث تكشف بعض النقوش عن علاقات اجتماعية بين شعوب مختلفة، كما يدل بعضها على وجود كيانات واجتماعات ذات بعد سياسي أو ديني.
كما تمثل العلا اليوم نموذجا في التطور الحضاري المستدام، حيث تلتزم بالتطورالمسؤول الذي يراعي بيئتها الفريدة والخلابة، ويستلهم من ألوان جبالها وأشجارها، وهو ما ارتكزت عليه رؤية سمو ولي العهد للعلا التي أطلقها في فبراير 2019، والتي ارتكزت أيضا على بناء الإنسان قبل المكان.
استشراف مستقبل العلا يكشف عن مشاريع مذهلة، من ضمنها منتجع شرعان وهو من تصميم المهندس العالمي جان نوفيل، الذي ستكون غرفه محفورة في الكتل الصخرية، واستوحى نوفيل تصميمه من العمارة النبطية التي تُميز موقع الحجر، أول موقع سعودي يدرج ضمن قائمة اليونيسكو للتراث العالمي، كما حرص المصمم على تكامل العمارة النبطية مع لمسة من الحداثة.
كما تم تصميم محمية شرعان لحماية أهم المواطن الطبيعية، حيث تضم منطقة شرعان مجموعة متنوعة من المواطن الصحراوية التي كانت في السابق موطناً لعدد لا يُحصى من أنواع النباتات والحيوانات المحلية، وتم إطلاق عدد من الأحياء الفطرية المهددة بالانقراض في المحمية، كما تأسس الصندوق العالمي لحماية النمر العربي، الذي يؤكد التزام المملكة نحو الحفاظ على البيئة الطبيعية.
لذا فإن اختيار العلا لاحتضان القمة الخليجية يأتي استكمالاً وتأصيلاً للدور التاريخي الإستراتيجي الذي لعبته العلا على مر العصور، والمستقبل الواعد الذي ينتظرها كأكبر متحف حي مفتوح.
كتبه:
عبدالرحمن الطريري
كاتب سعودي
د. عبدالرحمن السحيباني
أستاذ الآثار المشارك بجامعة الملك سعود مستشار الآثار والتراث الثقافي بالهيئة الملكية لمحافظة العلا