في عام 1985 حدث ما يمكن اعتباره ثورة علمية غير مسبوقة في مجال البحث الجنائي وعلم الوراثة واختبارات النسب وصلات القرابة، وذلك حينما سجل عالم الوراثة الأستاذ في جامعة ليستر البريطانية الدكتور أليك جيفريز براءة اكتشاف البصمة الوراثية (DNA)، التي تسمى أيضا «بصمة الحمض النووي». وكان الدكتور جيفريز نشر قبل ذلك بعام بحثا قال فيه إنّ المادة الوراثيّة قابلة للتكرار أكثر من مرّة، بحيث لا يمكن لها أن تتشابه إلا في حالة التوائم المتماثلة فقط، وتشكل احتمالية تشابه بصمتين وراثيتين بين شخصين واحدا من تريليون، أي أمراً مستحيلاً، خصوصا وأن عدد سكان الأرض لا يتجاوز الستة مليارات نسمة.
وباكتشاف الرجل للبصمة الوراثية للإنسان والكائنات الحية دخل التاريخ من أوسع الأبواب وصار اكتشافه هو الأكثر والأسرع تطبيقا في العالم، بل أحد أهم الوسائل المستخدمة في عالم اليوم لجهة التعرف على الأشخاص، وبالتالي محاربة الجرائم أو التقليل منها، حيث يتمّ ذلك بإيجاد عنصر أو دليل بشري في المكان الذي وقعت فيه الجريمة، مثل: الشعر، أو اللعاب، أو قطرة من العرق أو الدم، إضافةً للسائل المنوي وذلك من خلال مقارنة مقاطع للحمض النووي. ومن ناحية أخرى سهل هذا الاكتشاف معرفة الأمراض الوراثية المختلفة، لاسيما تلك التي تنتقل من السلف إلى الخلف بنسبة نجاح تصل إلى 99.9999%، كما ساهم في التعرف على هوية الجثث والقتلى والمفقودين من ضحايا الحروب.
وتفتخر دولة الإمارات العربية المتحدة بابنها الرائد الدكتور راشد حمدان الغافري رئيس قسم البيولوجي والحمض النووي، ورئيس مجلس علماء شرطة دبي، كونه طور «البصمة الوراثية الذكورية» التي باتت معتمدة في عدة مختبرات جنائية عالمية، خصوصا عند التحقيق في قضايا الاعتداءات الجنسية والاغتصاب من خلال فحص العينات المتحللة والضعيفة، علما بأن الغافري حصل على براءة اكتشافه هذا من مكتب الملكية الفكرية البريطاني، وتم تسجيل الاكتشاف باسمه في جامعة لانكشير البريطانية، ونشره في عدد من المجلات العلمية المتخصصة. كما تم تكريمه لهذا السبب بميدالية فضية من قبل رئيس منظمة الابتكار في كوريا الجنوبية في عام 2019، ناهيك عن تكريمه ضمن أوائل الإمارات في عام 2014.
وتشير السيرة الذاتية المختصرة للغافري إلى أنه من مواليد العام 1985 بإمارة دبي، وأنه تخرج في جامعة الإمارات وحصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في العلوم الجنائية من بريطانيا، ثم التحق بالإدارة العامة للأدلة الجنائية بشرطة دبي حيث ترأس قسم البيولوجي والحمض النووي. وإلى جانب عمله هذا فهو باحث وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمارات لمساق الحمض النووي، وعضو في اللجنة الاستشارية العالمية للأمن البيولوجي في بلده، وفريق الإمارات للبصمة الوراثية، وعضو هيئة تدريس في 6 جامعات على مستوى العالم، في تطبيقات العلم الجنائي، وباحث ومشرف على مشروع متعلق بالأمن البيولوجي مع جامعة بوند الأسترالية، وباحث متعاون مع المختبر الجنائي في جمهورية سلوفينيا في مجال تحليل عينات الحمض النووي لضحايا الحرب العالمية الثانية.
الأب الروحي للبصمة الوراثية
غير أن دولة الكويت تفتخر أيضا بابنها الدكتور بدر خالد عبداللطيف الخليفة الذي سيكون محور حديثنا في هذا المبحث، كونه أول كويتي وخليجي ينال درجة الدكتوراه في البصمة الوراثية، وهو ما جعله معروفا باسم «الأب الروحي للبصمة الوراثية والأدلة الجنائية في الكويت». وهذا اللقب يستحقه بجدارة ليس لأنه أول من نال الدكتوراه في علم البصمة الوراثية فقط، وإنما أيضا لأنه أول من أدخل الأدلة الجنائية كمادة تدرّس لطلبة الحقوق بجامعة الكويت، وأول من استخدم البصمة الوراثية في قضايا الجنسية والأسرى والمفقودين، والبدون، والتعرف على الضحايا في بلده، طبقا لصحيفة النهار الكويتية التي نشرت تحقيقا عن مسيرته الدراسية والمهنية في عددها الصادر يوم 23 أبريل 2017.
ولد الخليفة بمنطقة المرقاب سنة 1952 ابنا لعائلة كريمة مقتدرة ماديا. وبحسب موقع تاريخ الكويت الإلكتروني، سكنت عائلة الخليفة الكويت منذ أواسط القرن 13 الهجري، قادمة من موطنها الأصلي في شرق السعودية، وتحديدا من وسط المبرز بالأحساء، فسكنت في بادئ الأمر في منطقة الوسط ثم انتقلت منها إلى المرقاب، قبل أن تنتقل في عام 1962 إلى منطقة الخالدية. أما لجهة المهنة التي عملت بها، فقد أورد محمد عبدالهادي جمال في الصفحة 260 من كتابه الموسوم «الحرف والمهن والأنشطة التجارية القديمة في الكويت» الصادر عن بنك الكويت الصناعي عام 2003 اسم عائلة الخليفة ضمن العائلات التي اشتهرت بالعمل في ذبح الأغنام وبيع لحومها في الكويت منذ القدم. ومن هنا اشتهرت العائلة بين الأسر الكويتية بالاسم الدارج «بيت الخليفة.. القصاصيب»، تمييزا لهم عن عائلات كويتية أخرى تحمل الاسم نفسه. وكان ذلك في زمن لم يكن فيه أهل الكويت يقبلون على هذه المهنة بسبب مردودها القليل، حيث كانت أسعار اللحوم مرتفعة قياسا بالدخول المتواضعة لأغلب الأسر إلى درجة أن شراء الذبائح كان يرهق ميزانية الشيوخ طبقا لسيف مرزوق الشملان في كتابه «من تاريخ الكويت».
النشاط السياسي
أكمل الدكتور الخليفة مراحل دراسته بمدرسة المرقاب الابتدائية وصلاح الدين الإعدادية والشويخ الثانوية، قبل أن يسافر كغيره من أصدقائه وزملائه إلى القاهرة في مطلع السبعينات لمواصلة تعليمه الجامعي، وهناك التحق بكلية العلوم التابعة لجامعة القاهرة وتخصص في علمي الكيمياء والحيوان. وفي حوار أجرته معه المذيعة أمل عبدالله من تلفزيون الكويت ذكر أن لمصر فضلا كبيرا عليه، فهي التي صقلت شخصيته وعرفته على العالم الأوسع وزودته بالمعارف العامة. كما أن نشاطه الاجتماعي والسياسي في تلك المرحلة من خلال فعاليات الاتحاد الوطني لطلبة الكويت أضاف إليه الكثير. وبحصوله على درجة البكالوريوس من جامعة القاهرة عام 1976 عاد إلى الكويت ليبدأ مشواره الوظيفي، حيث حدثت نقطة التحول الأولى والأهم في حياته كما ذكر في حديثه إلى «النهار» (مصدر سابق).
فبسبب نشاطه السياسي خلال مرحلته القاهرية، توقع الكثيرون أن يستثمر الخليفة ذلك في دخول المعترك الانتخابي ليصبح نائبا في مجلس الأمة، غير أن ما حدث هو تحوله للحياة العسكرية، وبالتالي امتناعه عن الاشتغال بالسياسة لأن القانون يحظر ذلك على العسكريين. ومختصر القصة أنه كغيره من العائدين من دراستهم الجامعية في الخارج واجه تحديا لجهة اختيار العمل المناسب، على الرغم من توفر فرص عمل كثيرة في تلك الفترة. لكنه مرّ ذات يوم بطريق الصدفة أمام مبنى المعمل الجنائي والطب الشرعي بوزارة الداخلية فشعر أن ذلك المكان هو الأنسب له لتحقيق ذاته وخدمة بلده. وبالفعل دخل المبنى وقابل المسؤولين الذين رحبوا بتوظيفه فورا.
الدراسة في بريطانيا
في ذلك المكان أمضى ثلاث سنوات، كان خلالها مترددا بين مواصلة العمل أو البحث عن بديل، إلى أن حدثت نقطة التحول الثانية في حياته، وذلك حينما ابتعثته جهة عمله إلى المختبر الجنائي البريطاني بجامعة برمنغهام البريطانية من أجل استكمال التدريب وتحضير البرنامج التمهيدي لنيل درجة الماجستير، وهو البرنامج الذي أتمه بالفعل في عام 1978. وعن هذا المنعطف من مسيرته التعليمية قال إنه في بريطانيا بدأ يفهم جيدا معنى الأدلة الجنائية وعالمها الواسع، ما جعله يقرر البقاء في وظيفته واستكمال دراساته العليا بحماس، بل دفعه أيضا إلى التحول من موظف مدني إلى موظف عسكري بوزارة الداخلية.
ثم جاءت نقطة التحول الثالثة في حياته بانتقاله من مدينة برمنغهام إلى مدينة غلاسغو في اسكوتلندا لتحضير رسالة الدكتوراه بجامعة ستراث كلايد، حيث واجه تحديا تمثل في اختيار موضوع الرسالة. فآنذاك لم يكن علم البصمة الوراثية قد ظهر بعد، ما جعله يختار مكافحة المخدرات من الناحية العلمية موضوعا لبحثه. وأثناء اشتغاله على الدكتوراه بدأ علم البصمة الوراثية في الظهور، فتساءل لماذا لا يستخدم هذا العلم الجديد في بحثه؟ وحينما عرض الفكرة على أساتذته رحبوا بها وشجعوه عليها مع لفت نظره إلى قلة المراجع المتوفرة، ما شكل له تحديا جديدا، معطوفا على تحد آخر تمثل في احتمال عدم موافقة جهة الابتعاث على فكرته بسبب عدم وجود تطبيقات عملية للبصمة الوراثية في الكويت في تلك الفترة. لكن الرجل شق طريقه وقابل التحدي بالعزيمة والإصرار والمثابرة إلى أن نال درجة الدكتوراه من الجامعة الأسكتلندية عام 1989، ودخل بالتالي التاريخ كأول مواطن كويتي وخليجي يحصل على الدكتوراه في علم البصمة الوراثية.
العودة في 1990
وتشاء الأقدار أن يتزامن عودته إلى وطنه مع حدوث الغزو العراقي للكويت سنة 1990، الأمر الذي عطل مسيرته وطموحاته الوظيفية، وبدّل أولوياته. وهكذا فـُرض عليه أن يبقى داخل الكويت خلال أشهر الاحتلال السبعة. وعن هذه الفترة الحرجة من حياته قال (بتصرف): «كان بداخلي يقين رهيب أن الكويت ستعود، وقضيت الشهور السبعة بكل مراراتها وهذا اليقين يكبر بداخلي، دون أن أشعر لحظة واحدة أن هذه النهاية وأن الكويت لن تعود، وفي نفس الوقت كان يتضخم بداخلي اليقين بأنه لا داعي للخروج من الكويت لأن الأمر مؤقت وسوف ينتهي قريبا، وشاركت في أعمال المقاومة البسيطة بحكم كوني عسكرياً ومسؤولاً عن عائلة، لكن من دون التعرض لمخاطر كبيرة لأن العقل كان يحكم الأمور آنذاك وليس من الحكمة أن تواجه جيشاً مسلحاً محتلاً وأنت مجرد فرد أعزل».
وحينما زاح كابوس الغزو وتحررت الكويت وجد أن الغزو العراقي خدمه على صعيد تحقيق بعض من طموحاته. وفي هذا السياق سجل عنه ما مفاده أن ظروف الغزو خدمته لأسباب منها اختياره كمستشار في اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى والمفقودين، حيث كانت دراسة البصمة الوراثية ذات أهمية قصوى لجهة التعرف على من تمّ أسرهم أو فقدوا، ومنها حاجة وزارة الداخلية للاستعانة بعلم البصمة الوراثية لحسم حصول البدون على الجنسية الكويتية ووضع حد لمعاناتهم الإنسانية، وأيضا لحسم دعاوى النسب.
مشاكل بيروقراطية
وبقدر ما واجه تحديات في مشواره الدراسي، فإنه واجه مثلها في مشواره الوظيفي. فقد واجهته أولا مشكلة تحديد الجهة الرسمية التي تتبعها البصمة الوراثية، بمعنى هل تتبع اللجنة الوطنية للأسرى والمفقودين أم وزارة الداخلية أم لجنة الدعاوى والنسب؟ ومن بعد مداولات ومشاورات وجهود تمّ الاتفاق على أن تتبع وزارة الداخلية وتقدم خدماتها لمختلف الجهات الأخرى. وحينما أراد تطبيق استخدام البصمة الوراثية في دعاوى النسب وإثبات أو نفي علاقة الطفل بأبيه وأمه، ووجه بمن يقول إن ذلك ضد الشرع. يقول الخليفة حول هذه الإشكالية: «استطعنا الرد عليهم بهدوء انطلاقا من الحديث الشريف أن الولد للفراش وللعاهر الحجر، وأوضحنا أن الخلاف هو خلاف مفهوم، وأقنعتُ المختلفين أن البصمة الوراثية تحدد فقط الابن البيولوجي، ولكم أنتم مسألة تحديد الابن الشرعي من عدمه، بمعنى أن البصمة الوراثية تحدد أن هذا ابن فلان وليس لنا دخل إن كان هذا الابن جاء بشكل شرعي من عدمه فتفهموا وآمنوا بضرورة وأهمية استخدام البصمة الوراثية في دعاوى النسب على ألا نتطرق للابن الشرعي». وعندما أرادت الحكومة تطبيق البصمة الوراثية للتعرف على الأسرى والمفقودين جراء الغزو العراقي، كانت الإشكالية متمثلة في عدم وجود قاعدة بيانات جاهزة لكل هؤلاء، فقام الخليفة وزملاؤه بتجهيز قاعدة البيانات هذه قبل الذهاب إلى العراق للبحث. يقول الخليفة حول عمله في العراق: «كانت أولى المحطات في مدينة السماوة وجلبنا 147 رفاتا، وعن طريق أخذ عينة من الهيكل العظمي في ما يسمى التصنيف الجيني الفردي وعن طريق التطابق تم التعرف عليهم جميعا من خلال بيانات عائلاتهم الموجودة سلفا».
نجاح البصمة الوراثية
ويضيف ما مفاده أن ما تحقق من نجاحات من خلال تطبيقات البصمة الوراثية شجع وزارة الداخلية الكويتية على استخدامها في قضايا عديدة أخرى، فقد طبقت للتعرف على الضحايا المتفحمين من جراء حريق خيمة عرس الجهراء عام 2009، وضحايا تفجير مسجد الإمام الصادق عام 2015، وفك لغز مقتل الطفلة آمنة ذات الست سنوات باعتداء جسدي وجنسي، وهي الحادثة التي هزت المجتمع الكويتي في عام 2002.
ومن القضايا الأخرى التي ساهم فيها الخليفة بعلمه وتخصصه الفريد، قضية تهريب المخدرات ومافياتها التي تستهدف الشباب الكويتي، خصوصا وأنه كان قد أجرى بحثا على 11 نبتة ماريغوانا من 11 دولة مختلفة بالتعاون مع الأمم المتحدة خلال تحضيره لرسالة الدكتوراه. وفي هذا السياق أخبرنا أنه أجرى اختبارات استخدم فيها البصمة الوراثية للتعرف على بلد منشأ النبتة المهربة لحسم مسألة توجيه التهمة في حالة كون الباخرة الحاملة للشحنة المهربة إيطالية الجنسية مثلا وانطلقت من مرفأ فرنسي، وركابها يونانيون، وضبطت في عرض البحر.
الجنسية حق سيادي
كما عمل الخليفة في قضايا تزوير الجنسية، وبخصوص هذا الملف أكد أن منح الجنسية حق سيادي للدولة، وأن سحبها يكون لأسباب، والمفترض في الدولة ممثلة في وزارة الداخلية أن تكون لديها الوسائل التي تشرح فيها أسباب سحب الجنسية، وبالتالي، فمن دون اللجوء للقضاء تستطيع الحكومة بقرار إداري حسم الأمر بالمنح أو بالسحب. وأضاف أنه إذا طلب منه إجراء الفحوصات والأدلة الوراثية في قضية تزوير الجنسية فإن ما يهمه حينذاك كخبير أدلة جنائية أن يعرف أي نوع من التزوير قد تم. فإذا كان التزوير في الأنساب فإن البصمة الوراثية ستخدم القضية، أما إذا كان التزوير في الأوراق فلا تخدمه، وهناك التزوير بالتدليس الذي يمكن معرفته عن طريق الأدلة الجنائية وخبير الخطوط والمعلومات.
أثناء بحثه في قضية الأسرى والمفقودين، علم أن منظمة الانتربول لديها لجنة اسمها لجنة الاستعراف عن الكوارث، فسافر إلى مقرها بباريس بصحبة اللواء أسامة التركيت، وهناك تمّ ترشيحه لمنصب نائب رئيس لجنة الاستعراف عن الكوارث في المنظمة، فاستمر يعمل في هذه الوظيفة لمدة عامين سافر خلالها برفقة اللواء ناصر البناي الى تونس للمشاركة في اجتماعات مجلس وزراء الداخلية العرب، حيث ألقى محاضرات في موضوع الأدلة الجنائية والبصمة الوراثية.
لاحقا طلب من وزارة الداخلية الكويتية أن تسمح له بالتفرغ العلمي لمدة نصف عام، قضاه في سراييفو بالبوسنة. أما لماذا اختار سراييفو بالذات فلأنها كانت تطبق البصمة الوراثية للكشف عن نحو 23 ألف مفقود من ضحايا الحرب البوسنية ــ الصربية. ويقول الخليفة إن تفرغه العلمي هذا أضاف إليه الكثير ومكنه من تحقيق قفزات هائلة في مجال بحثه عن الأسرى والمفقودين الكويتيين.
3 مآثر للخليفة
عدا ما أسردناه آنفا، تُذكر للرجل ثلاثة مآثر أخر. أولاها: قيامه بتدريس «الأدلة الجنائية» كمادة لطلبة الحقوق بجامعة الكويت، حيث انتدبته وزارة الداخلية في عام 1992 للقيام بهذه المهمة بترشيح من الخبير الدستوري الدكتور عثمان عبدالملك والدكتور مبارك النويبت، خصوصا وأنه خلال سنوات تحضيره للدكتوراه كان متعاونا مع جامعة الكويت في مسائل العلاقات الدولية والاتفاقيات بين الدول كجزء خاص من أطروحته. وثانيها: تزويد المكتبة العربية بأربعة مؤلفات هي: «توظيف العلوم الجنائية لخدمة العدالة» (1996)، «القواعد والأنظمة العالمية للاستعراف على ضحايا الكوارث والمفقودين» (2003)، «العلوم الجنائية بين النظرية والتطبيق» (2012)، و«إجراءات التحقيق الجنائي العملي» (2012). وثالثها: قيامه، بعد تقاعده من العمل الحكومي سنة 2003، بالمشاركة مع آخرين بإنشاء أول كلية قانون خاصة في الكويت (كلية القانون الكويتية العالمية) لتدريس مادة القانون باللغتين العربية والانجليزية، ومنح درجات البكالوريوس والماجستير والدبلوم، وهي الكلية التي أنشئ فيها لاحقا مركز الدراسات والبحوث ومختبر الأدلة الجنائية بالتعاون مع جامعة كوينز البريطانية، لخدمة الطلبة والباحثين والمهتمين بالبحث الجنائي والأدلة الجنائية والقانون في مختلف وزارات الدولة. وكي يضمن الخليفة مخرجات جيدة لكليته، فقد وضع شروطا صارمة للقبول مثل الحضور الإلزامي والإتقان التام للغتين العربية والإنجليزية.
بدر الخليفة:
- أول كويتي وخليجي ينال درجة الدكتوراه في البصمة الوراثية
- الأب الروحي للبصمة الوراثية والأدلة الجنائية في الكويت
- أول من أدخل الأدلة الجنائية كمادة تدرّس بجامعة الكويت
- أول من استخدم البصمة الوراثية في قضايا الجنسية والأسرى
وباكتشاف الرجل للبصمة الوراثية للإنسان والكائنات الحية دخل التاريخ من أوسع الأبواب وصار اكتشافه هو الأكثر والأسرع تطبيقا في العالم، بل أحد أهم الوسائل المستخدمة في عالم اليوم لجهة التعرف على الأشخاص، وبالتالي محاربة الجرائم أو التقليل منها، حيث يتمّ ذلك بإيجاد عنصر أو دليل بشري في المكان الذي وقعت فيه الجريمة، مثل: الشعر، أو اللعاب، أو قطرة من العرق أو الدم، إضافةً للسائل المنوي وذلك من خلال مقارنة مقاطع للحمض النووي. ومن ناحية أخرى سهل هذا الاكتشاف معرفة الأمراض الوراثية المختلفة، لاسيما تلك التي تنتقل من السلف إلى الخلف بنسبة نجاح تصل إلى 99.9999%، كما ساهم في التعرف على هوية الجثث والقتلى والمفقودين من ضحايا الحروب.
وتفتخر دولة الإمارات العربية المتحدة بابنها الرائد الدكتور راشد حمدان الغافري رئيس قسم البيولوجي والحمض النووي، ورئيس مجلس علماء شرطة دبي، كونه طور «البصمة الوراثية الذكورية» التي باتت معتمدة في عدة مختبرات جنائية عالمية، خصوصا عند التحقيق في قضايا الاعتداءات الجنسية والاغتصاب من خلال فحص العينات المتحللة والضعيفة، علما بأن الغافري حصل على براءة اكتشافه هذا من مكتب الملكية الفكرية البريطاني، وتم تسجيل الاكتشاف باسمه في جامعة لانكشير البريطانية، ونشره في عدد من المجلات العلمية المتخصصة. كما تم تكريمه لهذا السبب بميدالية فضية من قبل رئيس منظمة الابتكار في كوريا الجنوبية في عام 2019، ناهيك عن تكريمه ضمن أوائل الإمارات في عام 2014.
وتشير السيرة الذاتية المختصرة للغافري إلى أنه من مواليد العام 1985 بإمارة دبي، وأنه تخرج في جامعة الإمارات وحصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في العلوم الجنائية من بريطانيا، ثم التحق بالإدارة العامة للأدلة الجنائية بشرطة دبي حيث ترأس قسم البيولوجي والحمض النووي. وإلى جانب عمله هذا فهو باحث وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمارات لمساق الحمض النووي، وعضو في اللجنة الاستشارية العالمية للأمن البيولوجي في بلده، وفريق الإمارات للبصمة الوراثية، وعضو هيئة تدريس في 6 جامعات على مستوى العالم، في تطبيقات العلم الجنائي، وباحث ومشرف على مشروع متعلق بالأمن البيولوجي مع جامعة بوند الأسترالية، وباحث متعاون مع المختبر الجنائي في جمهورية سلوفينيا في مجال تحليل عينات الحمض النووي لضحايا الحرب العالمية الثانية.
الأب الروحي للبصمة الوراثية
غير أن دولة الكويت تفتخر أيضا بابنها الدكتور بدر خالد عبداللطيف الخليفة الذي سيكون محور حديثنا في هذا المبحث، كونه أول كويتي وخليجي ينال درجة الدكتوراه في البصمة الوراثية، وهو ما جعله معروفا باسم «الأب الروحي للبصمة الوراثية والأدلة الجنائية في الكويت». وهذا اللقب يستحقه بجدارة ليس لأنه أول من نال الدكتوراه في علم البصمة الوراثية فقط، وإنما أيضا لأنه أول من أدخل الأدلة الجنائية كمادة تدرّس لطلبة الحقوق بجامعة الكويت، وأول من استخدم البصمة الوراثية في قضايا الجنسية والأسرى والمفقودين، والبدون، والتعرف على الضحايا في بلده، طبقا لصحيفة النهار الكويتية التي نشرت تحقيقا عن مسيرته الدراسية والمهنية في عددها الصادر يوم 23 أبريل 2017.
ولد الخليفة بمنطقة المرقاب سنة 1952 ابنا لعائلة كريمة مقتدرة ماديا. وبحسب موقع تاريخ الكويت الإلكتروني، سكنت عائلة الخليفة الكويت منذ أواسط القرن 13 الهجري، قادمة من موطنها الأصلي في شرق السعودية، وتحديدا من وسط المبرز بالأحساء، فسكنت في بادئ الأمر في منطقة الوسط ثم انتقلت منها إلى المرقاب، قبل أن تنتقل في عام 1962 إلى منطقة الخالدية. أما لجهة المهنة التي عملت بها، فقد أورد محمد عبدالهادي جمال في الصفحة 260 من كتابه الموسوم «الحرف والمهن والأنشطة التجارية القديمة في الكويت» الصادر عن بنك الكويت الصناعي عام 2003 اسم عائلة الخليفة ضمن العائلات التي اشتهرت بالعمل في ذبح الأغنام وبيع لحومها في الكويت منذ القدم. ومن هنا اشتهرت العائلة بين الأسر الكويتية بالاسم الدارج «بيت الخليفة.. القصاصيب»، تمييزا لهم عن عائلات كويتية أخرى تحمل الاسم نفسه. وكان ذلك في زمن لم يكن فيه أهل الكويت يقبلون على هذه المهنة بسبب مردودها القليل، حيث كانت أسعار اللحوم مرتفعة قياسا بالدخول المتواضعة لأغلب الأسر إلى درجة أن شراء الذبائح كان يرهق ميزانية الشيوخ طبقا لسيف مرزوق الشملان في كتابه «من تاريخ الكويت».
النشاط السياسي
أكمل الدكتور الخليفة مراحل دراسته بمدرسة المرقاب الابتدائية وصلاح الدين الإعدادية والشويخ الثانوية، قبل أن يسافر كغيره من أصدقائه وزملائه إلى القاهرة في مطلع السبعينات لمواصلة تعليمه الجامعي، وهناك التحق بكلية العلوم التابعة لجامعة القاهرة وتخصص في علمي الكيمياء والحيوان. وفي حوار أجرته معه المذيعة أمل عبدالله من تلفزيون الكويت ذكر أن لمصر فضلا كبيرا عليه، فهي التي صقلت شخصيته وعرفته على العالم الأوسع وزودته بالمعارف العامة. كما أن نشاطه الاجتماعي والسياسي في تلك المرحلة من خلال فعاليات الاتحاد الوطني لطلبة الكويت أضاف إليه الكثير. وبحصوله على درجة البكالوريوس من جامعة القاهرة عام 1976 عاد إلى الكويت ليبدأ مشواره الوظيفي، حيث حدثت نقطة التحول الأولى والأهم في حياته كما ذكر في حديثه إلى «النهار» (مصدر سابق).
فبسبب نشاطه السياسي خلال مرحلته القاهرية، توقع الكثيرون أن يستثمر الخليفة ذلك في دخول المعترك الانتخابي ليصبح نائبا في مجلس الأمة، غير أن ما حدث هو تحوله للحياة العسكرية، وبالتالي امتناعه عن الاشتغال بالسياسة لأن القانون يحظر ذلك على العسكريين. ومختصر القصة أنه كغيره من العائدين من دراستهم الجامعية في الخارج واجه تحديا لجهة اختيار العمل المناسب، على الرغم من توفر فرص عمل كثيرة في تلك الفترة. لكنه مرّ ذات يوم بطريق الصدفة أمام مبنى المعمل الجنائي والطب الشرعي بوزارة الداخلية فشعر أن ذلك المكان هو الأنسب له لتحقيق ذاته وخدمة بلده. وبالفعل دخل المبنى وقابل المسؤولين الذين رحبوا بتوظيفه فورا.
الدراسة في بريطانيا
في ذلك المكان أمضى ثلاث سنوات، كان خلالها مترددا بين مواصلة العمل أو البحث عن بديل، إلى أن حدثت نقطة التحول الثانية في حياته، وذلك حينما ابتعثته جهة عمله إلى المختبر الجنائي البريطاني بجامعة برمنغهام البريطانية من أجل استكمال التدريب وتحضير البرنامج التمهيدي لنيل درجة الماجستير، وهو البرنامج الذي أتمه بالفعل في عام 1978. وعن هذا المنعطف من مسيرته التعليمية قال إنه في بريطانيا بدأ يفهم جيدا معنى الأدلة الجنائية وعالمها الواسع، ما جعله يقرر البقاء في وظيفته واستكمال دراساته العليا بحماس، بل دفعه أيضا إلى التحول من موظف مدني إلى موظف عسكري بوزارة الداخلية.
ثم جاءت نقطة التحول الثالثة في حياته بانتقاله من مدينة برمنغهام إلى مدينة غلاسغو في اسكوتلندا لتحضير رسالة الدكتوراه بجامعة ستراث كلايد، حيث واجه تحديا تمثل في اختيار موضوع الرسالة. فآنذاك لم يكن علم البصمة الوراثية قد ظهر بعد، ما جعله يختار مكافحة المخدرات من الناحية العلمية موضوعا لبحثه. وأثناء اشتغاله على الدكتوراه بدأ علم البصمة الوراثية في الظهور، فتساءل لماذا لا يستخدم هذا العلم الجديد في بحثه؟ وحينما عرض الفكرة على أساتذته رحبوا بها وشجعوه عليها مع لفت نظره إلى قلة المراجع المتوفرة، ما شكل له تحديا جديدا، معطوفا على تحد آخر تمثل في احتمال عدم موافقة جهة الابتعاث على فكرته بسبب عدم وجود تطبيقات عملية للبصمة الوراثية في الكويت في تلك الفترة. لكن الرجل شق طريقه وقابل التحدي بالعزيمة والإصرار والمثابرة إلى أن نال درجة الدكتوراه من الجامعة الأسكتلندية عام 1989، ودخل بالتالي التاريخ كأول مواطن كويتي وخليجي يحصل على الدكتوراه في علم البصمة الوراثية.
العودة في 1990
وتشاء الأقدار أن يتزامن عودته إلى وطنه مع حدوث الغزو العراقي للكويت سنة 1990، الأمر الذي عطل مسيرته وطموحاته الوظيفية، وبدّل أولوياته. وهكذا فـُرض عليه أن يبقى داخل الكويت خلال أشهر الاحتلال السبعة. وعن هذه الفترة الحرجة من حياته قال (بتصرف): «كان بداخلي يقين رهيب أن الكويت ستعود، وقضيت الشهور السبعة بكل مراراتها وهذا اليقين يكبر بداخلي، دون أن أشعر لحظة واحدة أن هذه النهاية وأن الكويت لن تعود، وفي نفس الوقت كان يتضخم بداخلي اليقين بأنه لا داعي للخروج من الكويت لأن الأمر مؤقت وسوف ينتهي قريبا، وشاركت في أعمال المقاومة البسيطة بحكم كوني عسكرياً ومسؤولاً عن عائلة، لكن من دون التعرض لمخاطر كبيرة لأن العقل كان يحكم الأمور آنذاك وليس من الحكمة أن تواجه جيشاً مسلحاً محتلاً وأنت مجرد فرد أعزل».
وحينما زاح كابوس الغزو وتحررت الكويت وجد أن الغزو العراقي خدمه على صعيد تحقيق بعض من طموحاته. وفي هذا السياق سجل عنه ما مفاده أن ظروف الغزو خدمته لأسباب منها اختياره كمستشار في اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى والمفقودين، حيث كانت دراسة البصمة الوراثية ذات أهمية قصوى لجهة التعرف على من تمّ أسرهم أو فقدوا، ومنها حاجة وزارة الداخلية للاستعانة بعلم البصمة الوراثية لحسم حصول البدون على الجنسية الكويتية ووضع حد لمعاناتهم الإنسانية، وأيضا لحسم دعاوى النسب.
مشاكل بيروقراطية
وبقدر ما واجه تحديات في مشواره الدراسي، فإنه واجه مثلها في مشواره الوظيفي. فقد واجهته أولا مشكلة تحديد الجهة الرسمية التي تتبعها البصمة الوراثية، بمعنى هل تتبع اللجنة الوطنية للأسرى والمفقودين أم وزارة الداخلية أم لجنة الدعاوى والنسب؟ ومن بعد مداولات ومشاورات وجهود تمّ الاتفاق على أن تتبع وزارة الداخلية وتقدم خدماتها لمختلف الجهات الأخرى. وحينما أراد تطبيق استخدام البصمة الوراثية في دعاوى النسب وإثبات أو نفي علاقة الطفل بأبيه وأمه، ووجه بمن يقول إن ذلك ضد الشرع. يقول الخليفة حول هذه الإشكالية: «استطعنا الرد عليهم بهدوء انطلاقا من الحديث الشريف أن الولد للفراش وللعاهر الحجر، وأوضحنا أن الخلاف هو خلاف مفهوم، وأقنعتُ المختلفين أن البصمة الوراثية تحدد فقط الابن البيولوجي، ولكم أنتم مسألة تحديد الابن الشرعي من عدمه، بمعنى أن البصمة الوراثية تحدد أن هذا ابن فلان وليس لنا دخل إن كان هذا الابن جاء بشكل شرعي من عدمه فتفهموا وآمنوا بضرورة وأهمية استخدام البصمة الوراثية في دعاوى النسب على ألا نتطرق للابن الشرعي». وعندما أرادت الحكومة تطبيق البصمة الوراثية للتعرف على الأسرى والمفقودين جراء الغزو العراقي، كانت الإشكالية متمثلة في عدم وجود قاعدة بيانات جاهزة لكل هؤلاء، فقام الخليفة وزملاؤه بتجهيز قاعدة البيانات هذه قبل الذهاب إلى العراق للبحث. يقول الخليفة حول عمله في العراق: «كانت أولى المحطات في مدينة السماوة وجلبنا 147 رفاتا، وعن طريق أخذ عينة من الهيكل العظمي في ما يسمى التصنيف الجيني الفردي وعن طريق التطابق تم التعرف عليهم جميعا من خلال بيانات عائلاتهم الموجودة سلفا».
نجاح البصمة الوراثية
ويضيف ما مفاده أن ما تحقق من نجاحات من خلال تطبيقات البصمة الوراثية شجع وزارة الداخلية الكويتية على استخدامها في قضايا عديدة أخرى، فقد طبقت للتعرف على الضحايا المتفحمين من جراء حريق خيمة عرس الجهراء عام 2009، وضحايا تفجير مسجد الإمام الصادق عام 2015، وفك لغز مقتل الطفلة آمنة ذات الست سنوات باعتداء جسدي وجنسي، وهي الحادثة التي هزت المجتمع الكويتي في عام 2002.
ومن القضايا الأخرى التي ساهم فيها الخليفة بعلمه وتخصصه الفريد، قضية تهريب المخدرات ومافياتها التي تستهدف الشباب الكويتي، خصوصا وأنه كان قد أجرى بحثا على 11 نبتة ماريغوانا من 11 دولة مختلفة بالتعاون مع الأمم المتحدة خلال تحضيره لرسالة الدكتوراه. وفي هذا السياق أخبرنا أنه أجرى اختبارات استخدم فيها البصمة الوراثية للتعرف على بلد منشأ النبتة المهربة لحسم مسألة توجيه التهمة في حالة كون الباخرة الحاملة للشحنة المهربة إيطالية الجنسية مثلا وانطلقت من مرفأ فرنسي، وركابها يونانيون، وضبطت في عرض البحر.
الجنسية حق سيادي
كما عمل الخليفة في قضايا تزوير الجنسية، وبخصوص هذا الملف أكد أن منح الجنسية حق سيادي للدولة، وأن سحبها يكون لأسباب، والمفترض في الدولة ممثلة في وزارة الداخلية أن تكون لديها الوسائل التي تشرح فيها أسباب سحب الجنسية، وبالتالي، فمن دون اللجوء للقضاء تستطيع الحكومة بقرار إداري حسم الأمر بالمنح أو بالسحب. وأضاف أنه إذا طلب منه إجراء الفحوصات والأدلة الوراثية في قضية تزوير الجنسية فإن ما يهمه حينذاك كخبير أدلة جنائية أن يعرف أي نوع من التزوير قد تم. فإذا كان التزوير في الأنساب فإن البصمة الوراثية ستخدم القضية، أما إذا كان التزوير في الأوراق فلا تخدمه، وهناك التزوير بالتدليس الذي يمكن معرفته عن طريق الأدلة الجنائية وخبير الخطوط والمعلومات.
أثناء بحثه في قضية الأسرى والمفقودين، علم أن منظمة الانتربول لديها لجنة اسمها لجنة الاستعراف عن الكوارث، فسافر إلى مقرها بباريس بصحبة اللواء أسامة التركيت، وهناك تمّ ترشيحه لمنصب نائب رئيس لجنة الاستعراف عن الكوارث في المنظمة، فاستمر يعمل في هذه الوظيفة لمدة عامين سافر خلالها برفقة اللواء ناصر البناي الى تونس للمشاركة في اجتماعات مجلس وزراء الداخلية العرب، حيث ألقى محاضرات في موضوع الأدلة الجنائية والبصمة الوراثية.
لاحقا طلب من وزارة الداخلية الكويتية أن تسمح له بالتفرغ العلمي لمدة نصف عام، قضاه في سراييفو بالبوسنة. أما لماذا اختار سراييفو بالذات فلأنها كانت تطبق البصمة الوراثية للكشف عن نحو 23 ألف مفقود من ضحايا الحرب البوسنية ــ الصربية. ويقول الخليفة إن تفرغه العلمي هذا أضاف إليه الكثير ومكنه من تحقيق قفزات هائلة في مجال بحثه عن الأسرى والمفقودين الكويتيين.
3 مآثر للخليفة
عدا ما أسردناه آنفا، تُذكر للرجل ثلاثة مآثر أخر. أولاها: قيامه بتدريس «الأدلة الجنائية» كمادة لطلبة الحقوق بجامعة الكويت، حيث انتدبته وزارة الداخلية في عام 1992 للقيام بهذه المهمة بترشيح من الخبير الدستوري الدكتور عثمان عبدالملك والدكتور مبارك النويبت، خصوصا وأنه خلال سنوات تحضيره للدكتوراه كان متعاونا مع جامعة الكويت في مسائل العلاقات الدولية والاتفاقيات بين الدول كجزء خاص من أطروحته. وثانيها: تزويد المكتبة العربية بأربعة مؤلفات هي: «توظيف العلوم الجنائية لخدمة العدالة» (1996)، «القواعد والأنظمة العالمية للاستعراف على ضحايا الكوارث والمفقودين» (2003)، «العلوم الجنائية بين النظرية والتطبيق» (2012)، و«إجراءات التحقيق الجنائي العملي» (2012). وثالثها: قيامه، بعد تقاعده من العمل الحكومي سنة 2003، بالمشاركة مع آخرين بإنشاء أول كلية قانون خاصة في الكويت (كلية القانون الكويتية العالمية) لتدريس مادة القانون باللغتين العربية والانجليزية، ومنح درجات البكالوريوس والماجستير والدبلوم، وهي الكلية التي أنشئ فيها لاحقا مركز الدراسات والبحوث ومختبر الأدلة الجنائية بالتعاون مع جامعة كوينز البريطانية، لخدمة الطلبة والباحثين والمهتمين بالبحث الجنائي والأدلة الجنائية والقانون في مختلف وزارات الدولة. وكي يضمن الخليفة مخرجات جيدة لكليته، فقد وضع شروطا صارمة للقبول مثل الحضور الإلزامي والإتقان التام للغتين العربية والإنجليزية.
بدر الخليفة:
- أول كويتي وخليجي ينال درجة الدكتوراه في البصمة الوراثية
- الأب الروحي للبصمة الوراثية والأدلة الجنائية في الكويت
- أول من أدخل الأدلة الجنائية كمادة تدرّس بجامعة الكويت
- أول من استخدم البصمة الوراثية في قضايا الجنسية والأسرى