كان سيناريو «داعش» اكتساح مناطق الأكراد والتمدد بعمق نحو الشرق السوري وربط الحسكة والرقة ودير الزور مع الأراضي العراقية لتكون «أرض الخلافة»، وقد أعلن التنظيم في يونيو (تموز) من العام 2014 فعلا تحطيم حدود «سايكس بيكو»، وفتح الحدود السورية ــ العراقية على مصراعيها، ليكون الأكراد في وجع المدفع.
في أواخر يونيو العام 2013؛ بدأ «داعش» حرب إلغاء وجود الأكراد في تل أبيض، عندما فجر كل منازل الأكراد، حينها انتهى بشار الأسد من كونه العدو الأول للأكراد في سورية وظهر أعداء جدد على الخريطة. حاول الأكراد التفاهم مع «داعش» عبر وسطاء، لكن مطالب «داعش» كانت قاسية منها «مبايعة دولة الخلافة والتسليم بحكمهم». لم يكن الأكراد ليقبلوا بهذه الشروط، وقرروا المواجهة حتى الموت، ليحمل الشباب والأطفال والنساء السلاح من أجل البقاء. وقد كانت التكلفة باهظة جدا، لعل المقابر أكثر من يعبر عنها؛ آلاف القتلى من الأطفال والنساء الذين حملوا السلاح دفاعا عن الأرض.
تغير الأكراد تماما بعد شبح «داعش»، حتى أن وحدات حماية الشعب ذات البعد الماركسي والمتأثرة بأفكار عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني، باتت متحالفة مع رأس الرأسمالية العالمية «الولايات المتحدة الأمريكية»، وقبل الأكراد تغيير قوانين اللعبة في الشرق الأوسط، حتى أنهم دخلوا عبر حزب الشعوب الديموقراطي الذي يتزعمه صلاح ديمرتاش، الحلبة السياسية في تركيا، لكن لم يكتب لهم النجاح، تحت سقف أفكار عبدالله أوجلان الذي على ما يبدو هو المحرك الأساسي للكرد، على الأقل في سورية.
«عكاظ» وقفت على هذه التحولات الكردية في ما يسمى بـ«روج آفا» (غرب كردستان الكبرى)، لتنقل الصورة الحقيقية لمناطق الأكراد، مع الأخذ بعين الاعتبار انتشار العرب وبقية العرقيات الأخرى في هذه المناطق.
بدا عبدالله أوجلان المعتقل في سجن إمرالي حاضرا في المشهد الكردي بكل تفاصيله، فلا يخلو شارع أو مكتب أو بيت من صورة ذلك الرجل الذي بات الملهم الأول والأخير للأكراد، وشهدت أفكاره إعادة إحياء من جديد، خصوصا مفهوم أخوة الشعوب وهو المشروع البديل عن الدولة القومية، التي أعلنت الفيديرالية منذ ولادتها هدم «الدولة القومية» والعيش وفق المنظومة الأوجلانية التي أعادت التفكير بطبيعة المناطق، والأخذ بعين الاعتبار التنوع العرقي، وتعمل ما يسمى بحركة المجتمع الديموقراطي على تأصيل ثقافة أوجلان في هذه المجتمعات، حتى أن العرب باتوا أيضا يفكرون على الطريقة الأوجلانية، رغم أنهم لا يعرفون الرجل وربما لا يعرفون من فلسفته سوى أخوة الشعوب.
من مفارقات سطوة أوجلان الفكرية على الوسط الكردي، أن جميع النخب السياسية التي التقتها «عكاظ» في عين العرب (كوباني) وفي القامشلي وبقية المناطق الأخرى، قالت في إطار تبريرها للتحالف مع الولايات المتحدة، إن أوجلان كتب في «مرافعاته» الأخيرة قبل سبع سنوات أنه «سيأتي اليوم الذي تتحالف فيه الولايات المتحدة مع الأكراد».. لقد تكررت هذه الجملة في أكثر من موقع وعلى لسان أكثر من قيادي، ما يشير إلى المنبع الفكري الوحيد لفكرة الفيديرالية والمنهج الكردي الجديد.
الهوس الأكبر في مناطق الأكراد هو الفيديرالية؛ إذ يرى على سبيل المثال القيادي في حركة المجتمع الديموقراطي بدران جياكرد في تصريح لـ«عكاظ» أن الخيار الفيديرالي بات الملجأ الوحيد للأكراد، مؤكدا أن هذا المشروع انطلق ولا يمكن إيقافه، والأكراد جاهزون لدفع الثمن للدفاع عن هذا المشروع.
واعتبر أن التجربة الفيديرالية، حالت دون الفوضى بعد هزيمة تنظيم داعش، إلا أن بدران أشار إلى أن الحصار الاقتصادي على مناطقهم من قبل إقليم كردستان العراق، يعيق التجربة الفيديرالية، فضلا عن الضريبة المالية الباهظة على القوافل التجارية.
لا يمكن تجاهل الحالة الأمنية المتقدمة في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، ولا يمكن أيضا تجاهل عملية بناء القانون والمؤسسات، رغم الأخطاء الفردية والإجراءات الروتينية في بعض الممارسات. لقد استطاعوا بناء جهاز أمني قوي بعد التجربة المرة مع تنظيم داعش، كما أنه لا يمكن تجاهل مبدأ تقسيم العمل بين السياسي والعسكري، فبينما تعمل الإدارة الذاتية في ما يسمى بمقاطعة الجزيرة وعين العرب (كوباني) وفق خبرات أولية ما زالت قيد التشكيل، وفي الوقت ذاته ترى قوات ي بي جي في مسارها العسكري.
الرهان الكردي على نجاح الفيديرالية كبير، وربما هي الصفقة الأخيرة والوحيد في جيب الأكراد في سورية، وفي كل يوم تبدو هذه التجربة مغرية بالنسبة لهم، بعد أن باتت النشوة العسكرية والأمنية واضحة عليهم في مناطق سيطرتهم، باعتبارهم القوى الأكثر موثوقية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في قتال «داعش».
لكن في الوقت ذاته، ثمة مآخذ عديدة على التجربة الفيديرالية، أبرزها أن قرار هذه الفيديرالية اتخذ في حالة الحرب والصراع وغياب رؤية المستقبل السوري، إلا أن الأكراد أرادوا أن يرسموا مستقبلهم دون أن ينتظروا الآخرين.
أما المأخذ الثاني، فهو عسكرة المجتمع الكردي، من خلال فرض التجنيد الإجباري الذي تعتبره الإدارة الذاتية واجبا أخلاقيا إجباريا وليس اختياريا، الأمر الذي أدى إلى هروب نسبة كبيرة من الأحزاب السياسية الأخرى إلى كردستان العراق، ذلك أن الطرف الكردي الآخر غير مؤمن أصلا بـ«الأوجلانية».. وسنتحدث بشكل مفصل في التحقيق اللاحق عن الوجه الكردي الآخر.
كواليس
- يتمركز الأكراد شرقي نهر الفرات، وريف حلب
- عددهم في سورية من 3 - 3.5 مليون
- يتوزع الأكراد بين (سورية، تركيا، إيران، العراق)
- المجلس الوطني الكردي ينافس حزب الاتحاد الديموقراطي
- السيطرة العسكرية تميل لوحدات حماية الشعب
في أواخر يونيو العام 2013؛ بدأ «داعش» حرب إلغاء وجود الأكراد في تل أبيض، عندما فجر كل منازل الأكراد، حينها انتهى بشار الأسد من كونه العدو الأول للأكراد في سورية وظهر أعداء جدد على الخريطة. حاول الأكراد التفاهم مع «داعش» عبر وسطاء، لكن مطالب «داعش» كانت قاسية منها «مبايعة دولة الخلافة والتسليم بحكمهم». لم يكن الأكراد ليقبلوا بهذه الشروط، وقرروا المواجهة حتى الموت، ليحمل الشباب والأطفال والنساء السلاح من أجل البقاء. وقد كانت التكلفة باهظة جدا، لعل المقابر أكثر من يعبر عنها؛ آلاف القتلى من الأطفال والنساء الذين حملوا السلاح دفاعا عن الأرض.
تغير الأكراد تماما بعد شبح «داعش»، حتى أن وحدات حماية الشعب ذات البعد الماركسي والمتأثرة بأفكار عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني، باتت متحالفة مع رأس الرأسمالية العالمية «الولايات المتحدة الأمريكية»، وقبل الأكراد تغيير قوانين اللعبة في الشرق الأوسط، حتى أنهم دخلوا عبر حزب الشعوب الديموقراطي الذي يتزعمه صلاح ديمرتاش، الحلبة السياسية في تركيا، لكن لم يكتب لهم النجاح، تحت سقف أفكار عبدالله أوجلان الذي على ما يبدو هو المحرك الأساسي للكرد، على الأقل في سورية.
«عكاظ» وقفت على هذه التحولات الكردية في ما يسمى بـ«روج آفا» (غرب كردستان الكبرى)، لتنقل الصورة الحقيقية لمناطق الأكراد، مع الأخذ بعين الاعتبار انتشار العرب وبقية العرقيات الأخرى في هذه المناطق.
بدا عبدالله أوجلان المعتقل في سجن إمرالي حاضرا في المشهد الكردي بكل تفاصيله، فلا يخلو شارع أو مكتب أو بيت من صورة ذلك الرجل الذي بات الملهم الأول والأخير للأكراد، وشهدت أفكاره إعادة إحياء من جديد، خصوصا مفهوم أخوة الشعوب وهو المشروع البديل عن الدولة القومية، التي أعلنت الفيديرالية منذ ولادتها هدم «الدولة القومية» والعيش وفق المنظومة الأوجلانية التي أعادت التفكير بطبيعة المناطق، والأخذ بعين الاعتبار التنوع العرقي، وتعمل ما يسمى بحركة المجتمع الديموقراطي على تأصيل ثقافة أوجلان في هذه المجتمعات، حتى أن العرب باتوا أيضا يفكرون على الطريقة الأوجلانية، رغم أنهم لا يعرفون الرجل وربما لا يعرفون من فلسفته سوى أخوة الشعوب.
من مفارقات سطوة أوجلان الفكرية على الوسط الكردي، أن جميع النخب السياسية التي التقتها «عكاظ» في عين العرب (كوباني) وفي القامشلي وبقية المناطق الأخرى، قالت في إطار تبريرها للتحالف مع الولايات المتحدة، إن أوجلان كتب في «مرافعاته» الأخيرة قبل سبع سنوات أنه «سيأتي اليوم الذي تتحالف فيه الولايات المتحدة مع الأكراد».. لقد تكررت هذه الجملة في أكثر من موقع وعلى لسان أكثر من قيادي، ما يشير إلى المنبع الفكري الوحيد لفكرة الفيديرالية والمنهج الكردي الجديد.
الهوس الأكبر في مناطق الأكراد هو الفيديرالية؛ إذ يرى على سبيل المثال القيادي في حركة المجتمع الديموقراطي بدران جياكرد في تصريح لـ«عكاظ» أن الخيار الفيديرالي بات الملجأ الوحيد للأكراد، مؤكدا أن هذا المشروع انطلق ولا يمكن إيقافه، والأكراد جاهزون لدفع الثمن للدفاع عن هذا المشروع.
واعتبر أن التجربة الفيديرالية، حالت دون الفوضى بعد هزيمة تنظيم داعش، إلا أن بدران أشار إلى أن الحصار الاقتصادي على مناطقهم من قبل إقليم كردستان العراق، يعيق التجربة الفيديرالية، فضلا عن الضريبة المالية الباهظة على القوافل التجارية.
لا يمكن تجاهل الحالة الأمنية المتقدمة في المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، ولا يمكن أيضا تجاهل عملية بناء القانون والمؤسسات، رغم الأخطاء الفردية والإجراءات الروتينية في بعض الممارسات. لقد استطاعوا بناء جهاز أمني قوي بعد التجربة المرة مع تنظيم داعش، كما أنه لا يمكن تجاهل مبدأ تقسيم العمل بين السياسي والعسكري، فبينما تعمل الإدارة الذاتية في ما يسمى بمقاطعة الجزيرة وعين العرب (كوباني) وفق خبرات أولية ما زالت قيد التشكيل، وفي الوقت ذاته ترى قوات ي بي جي في مسارها العسكري.
الرهان الكردي على نجاح الفيديرالية كبير، وربما هي الصفقة الأخيرة والوحيد في جيب الأكراد في سورية، وفي كل يوم تبدو هذه التجربة مغرية بالنسبة لهم، بعد أن باتت النشوة العسكرية والأمنية واضحة عليهم في مناطق سيطرتهم، باعتبارهم القوى الأكثر موثوقية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في قتال «داعش».
لكن في الوقت ذاته، ثمة مآخذ عديدة على التجربة الفيديرالية، أبرزها أن قرار هذه الفيديرالية اتخذ في حالة الحرب والصراع وغياب رؤية المستقبل السوري، إلا أن الأكراد أرادوا أن يرسموا مستقبلهم دون أن ينتظروا الآخرين.
أما المأخذ الثاني، فهو عسكرة المجتمع الكردي، من خلال فرض التجنيد الإجباري الذي تعتبره الإدارة الذاتية واجبا أخلاقيا إجباريا وليس اختياريا، الأمر الذي أدى إلى هروب نسبة كبيرة من الأحزاب السياسية الأخرى إلى كردستان العراق، ذلك أن الطرف الكردي الآخر غير مؤمن أصلا بـ«الأوجلانية».. وسنتحدث بشكل مفصل في التحقيق اللاحق عن الوجه الكردي الآخر.
كواليس
- يتمركز الأكراد شرقي نهر الفرات، وريف حلب
- عددهم في سورية من 3 - 3.5 مليون
- يتوزع الأكراد بين (سورية، تركيا، إيران، العراق)
- المجلس الوطني الكردي ينافس حزب الاتحاد الديموقراطي
- السيطرة العسكرية تميل لوحدات حماية الشعب