رغم أن الأجهزة الحكومية السعودية قطعت شوطاً كبيراً في هجرة التعاملات الورقية، وصدور أمر سامٍ بتوجيه الوزارات والأجهزة الحكومية الأخرى بإيقاف التعامل الورقي المتعلق بالإجراءات والأعمال المالية، وإتمام استخدام الخدمات الإلكترونية عبر منصة «اعتماد»، إلا أن بعض المنشآت لا تزال تعاني ممّا يسميه الناقدون بـ«الأمية التقنية» أو «الأمية الحديثة»، فيما يرى آخرون ارتفاعاً كبيراً في استخدام التقنية مقارنة بالأعوام الماضية، وبالدول الأخرى.* متخصص في الأدلة الرقمية: المؤشرات تثبت حاجة المجتمع بشكل كبير للتثقيف بالتقنية ومخاطرها
* أستاذ تحليل البيانات: قصور التقنية ليس إلا بوابة لضعف المعلومة وغيابا للشفافية
ووفقاً لمسح أجرته الهيئة العامة للإحصاء عن استخدام تقنية المعلومات والاتصالات في المنشآت للعام الماضي (اطلعت عليه «عكاظ»)، فإن الأرقام تشي بوجود قطعية لبعض المنشآت والقطاعات الاقتصادية، ويبدو أن أنشطة الزراعة وصيد الأسماك من أكثر القطاعات جهلاً بالتقنية.
وتجاوزت نسبة المنشآت المستخدمة لتقنية المعلومات والاتصالات خلال 2016 حاجز الـ 60%؛ إذ تستخدم 68.23% من المنشآت الإنترنت، و64.05 الحاسوب الآلي، وحضرت المنشآت في المنطقة الشرقية كأكثر المنشآت استخداماً لأجهزة الحاسب الآلي عام 2016، وتليها منطقة الرياض، فيما تقبع منطقة الجوف في المركز الأخير في قائمة استخدام المنشآت للحاسب الآلي بحسب المناطق؛ إذ لا تتجاوز نسبة المنشآت التي تستخدم الحاسب الآلي 41.5% من إجمالي المنشآت في المنطقة.
ولا تؤمن 26.92% من المنشآت التي لا تستخدم الحاسب الآلي بضرورة استخدامه، فيما تتفق 47.28% من تلك المنشآت على أن أعمالها لا تتطلب استخدامه، ويقف حاجز «عدم قدرة المشتغلين على استخدام الحاسوب» أمام أكثر من 15% من تلك المنشآت، ويرى 10.27% أن تكلفة استخدام الحاسب الآلي مرتفعة.
ويرفض تاجر يبيع المواد الغذائية بالجملة من أمام محله الذي يشهد إقبالاً كبيراً رغم تهالك أركانه وتقليدية عرضه وبيعه للسلعة في حي شعبي جنوب جدة، إحلال أجهزة الحاسب الآلي مكان المحاسبين في كتابة الفواتير وجمع المبالغ، معتبراً أن خطوة كتلك تتطلب تكاليف عالية من موظفين وأجهزة، وأن «المسألة غير مجدية، بهذه الطريقة بنيت تجارتي».
كما أن المنشآت في المنطقة الشرقية جاءت على صدارة المنشآت السعودية استخداماً للإنترنت، وتليها منشآت منطقة عسير، فيما تسجل النسبة الأقل في منشآت منطقة جازان بواقع 46.33%.
ولا تتجاوز «المخاوف الأمنية» في عدد استخدام منشآت للإنترنت نسبة 3.80% من إجمالي المنشآت التي تعيش قطيعة مع الإنترنت، فيما تفضل 41.72% من تلك المنشآت الحفاظ على نموذج العمل الحالي (على سبيل المثال وجهاً لوجه)، ولا تتجاوز سبب «مخاوف الخصوصية» نسبة الـ 6.52% من تلك المنشآت، فيما يحضر سبب «عدم المعرفة بشأن الإطار القانوني والتنظيمي للبيع عبر الإنترنت عند 11.61% من تلك المنشآت، وترى 4.08% منها ارتفاع تكلفة التطوير والصيانة، فيما تعاني 12.79% من الشركات التي لا تستخدم الإنترنت من افتقارها إلى الموظفين المهرة لتطوير التكنولوجيا أو صيانتها أو استخدامها.
ولا تمتلك 36.27% من المنشآت عنوان بريد إلكتروني خاصاً بنشاطها، فيما تتجاوز نسبة المنشآت التي لا تمتلك موقع ويب على شبكة الإنترنت حاجز الـ 74.5%.
وفيما اعتبر عضو الأكاديمية العلمية الأمريكية للطب الشرعي- الأدلة الرقمية (AAFS)، الدكتور عبدالرزاق المرجان، المؤشرات تأكيداً على نجاح الحكومة الإلكترونية في البدء بتغير ثقافة المنشآت السعودية في استخدام الإنترنت للتعامل مع الحكومة الإلكترونية.
وقال المرجان لـ «عكاظ» إن المؤشرات تشير في الوقت ذاته إلى ضعف كبير في التجارة الإلكترونية بتسجيل معدلات منخفضة، مضيفاً: بلغت نسبة المنشآت التي قدمت خدماتها خلال التطبيقات الإلكترونية 13.39%، فيما وصلت نسبة المنشآت التي قامت بطلب أو شراء سلع وخدمات باستخدام الإنترنت 17.10%، وبلغت نسبة المنشآت التي تلقت طلبات شراء عن طريق الإنترت 19.79%.
وأشار إلى ما وصفه بـ «ضعف التواجد عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بتسجيل معدلات منخفضة»، موضحاً أن نسبة المنشآت التي لديها موقع إلكتروني عبر الإنترنت لم تتجاوز الـ 25%، ولم تتجاوز نسبة المنشآت التي لديها حساب في مواقع التواصل الاجتماعي 28.60%.
ورأى المرجان أن المؤشرات ثبت حاجة المجتمع السعودي بشكل كبير للتثقيف بالتقنية ومخاطرها.
وشدد على أن «الفجوات في التقنية» التي أظهرتها المؤشرات تؤكد أهمية قرار اللجنة الأوليمبية السعودية باستحداث الاتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرون بشهر أكتوبر 2017 الذي يهدف إلى بناء قدرات محلية واحترافية في مجالي الأمن السيبراني وتطوير البرمجيات بناءً على أفضل الممارسات والمعايير العالمية للوصول بالمملكة إلى مصاف الدول المتقدمة في صناعة التقنية، كما أنشأ كلية الأمير محمد بن سلمان للأمن السيبراني وعقد شراكات مع شركات لتطوير القدرات المحلية على البرمجة وخلق بيئة للمنافسات لخدمة المجتمع السعودي.
وأضاف: «وللتدليل على ذلك ما أعلن عنه هذا الاتحاد بمسابقة هاكثون الحج التي أقيمت في شهر أغسطس 2018 لتقديم حلول لتحديات كبيرة تصاحب موسم الحج كالمواصلات، وإدارة الحشود، وترتيبات السفر والإقامة. ليس ذلك فحسب بل ستسهم في تحويل الأفكار إلى مشاريع استثمارية ربحية. وهو ما سيسهم مساهمة فعالة بسد الفجوة الرقمية في المملكة».
وأشار المرجان إلى وضع برنامج جودة الحياة في تطلعاته لتحقيق الرؤية في مجال قابلية العيش وتحت مجال الأمن والبيئة الاجتماعية وزيادة عروض الحكومة الإلكترونية للارتقاء إلى مستويات البلدان الأفضل عيشاً. ويهدف برنامج جودة الحياة 2020 لاستخدام المعلومات وتقنيات الاتصال من أجل تقديم الخدمات العامة؛ إذ أشار مؤشر الحكومة الإلكترونية من الأمم المتحدة بوصول المملكة إلى المركز 44 عالمياً وتهدف المملكة للوصول إلى المركز 24 في 2020 ثم الخامس عالمياً في 2030. ويرجح المرجان أن برنامج جودة الحياة المتعلق بالحكومة الإلكترونية سيجبر المنشآت إلى الإسراع إلى التحول الرقمي للاستفادة من الخدمات الحكومية «لأنها ستكون عاملاً مهماً».
من جهته، وصف أستاذ تحليل البيانات والقرار بجامعة الملك فيصل الدكتور ملفي الرشيدي، نتائج هذه الإحصاءات بـ«مؤسفة»، مضيفاً: «وربما تشرح كثير من المُمارسات والتجاوزات في القطاع الخاص مثل التستر والفساد المالي، في الوقت الذي تجاوز به العالم مفهوم الأمية التقنية إلى أنواع أخرى من الأمية (مثل محو الأمية المرتبط بالبيانات)، فإن وجود هذه الأرقام المنخفضة من استخدامات التقنية والإنترنت برأيي يرتبط بـ3 نقاط جوهرية».
وأوضح أن النقاط الجوهرية تكمن في غياب مبادرة أو برنامج حاكم على ماهو موجود في الأجهزة العامة وأعني به الحكومة الإلكترونية.. وبالتالي غياب المعيارية والحوكمة في القطاع الخاص، إضافة إلى عدم وجود دعم ورؤية واضحة للعمليات التقنية والرقمية من قبل أغلب الإدارات العليا؛ أي غياب الثقافة التقنية أو الرقمية، وهذا قطعا مؤسف في عالم لم تعد فيه التقنية والإنترنت خيارا ضمن الخيارات، بل أصبحت ضرورة ويستوجب تقديم خدمات إلكترونية ذات جودة عالية وتفاعل بين الشركة والعميل.
وأضاف «ربما كان عدم وضوح الفائدة الاقتصادية المباشرة والاستثمار في التقنية سببا قبل عقد من الزمن لكنه الآن لم يعد مقنعا، فالعائد على الاستثمار والإبقاء على الزبون واستقطاب عملاء جدد أصبحت ظاهرة للعيان وواضحة في عصر الاقتصاد الرقمي والثورة الصناعية الرابعة».
واعتبر الرشيدي أن غياب أو قصور التقنية ليس إلا بوابة لقصور المعلومة وغيابا للشفافية، وهذا لم يعد له مكانا في ظل رؤية ٢٠٣٠ العصرية، قائلاً «إنني لا أعرف حقيقة كيف سيساهم القطاع الخاص المعطل للتقنية والإنترنت في التنمية وكيف سيتعامل مع مشاريع المدن الذكية التي ستصبح واقعا لا محالة».
وختم، الحديث هنا ليس عن مجرد غياب في المشاركة بالرؤية وبرامجها ومبادراتها بل نتحدث عن تعطيلها وإعاقتها.