هذا العام، يجيء شهر رمضان المبارك والعالم بأكمله تحت وطأة جائحة كورونا، وكون المملكة جزءا من العالم فإن رمضان هذا العام سيكون مختلفا عن العقود الماضية، نتيجة الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها للحفاظ على صحة الإنسان وسلامته؛ سواء كان مواطنا أومقيما أو زائرا أوحتى مخالفا للقوانين أو قاصدا للحرمين الشريفين. يجيء رمضان والجميع قابعون في منازلهم والقيادات التنفيذية يعملون كلٌ فيما يخصه عبر الاجتماعات الافتراضية؛ بسبب الإجراءات الاحترازية لمكافحة فايروس كورونا الذي انتشر في العالم، وأصاب الكثير من البشر، وفرض على الجميع عدم الخروج ومنع التجمعات.
منذ اليوم الأول، اتخذت المملكة سلسلة من الإجراءات المدروسة لمنع تفاقم الأزمة؛ منها تعليق أداء العمرة ومنع زيارة المسجد النبوي. ومع دخول شهر رمضان يستمر إغلاق المساجد وتعليق الصلاة في الحرمين الشريفين أمام المصلين؛ لمنع الاختلاط ومنع خطر الإصابة حفاظا على صحة قاصدي الحرمين في إطار الاستجابة السريعة والإجراءات الوقائية التي اتخذتها الحكومة حفاظاً على النفس، هذه الإجراءات التي ستتيح مزيدا من الوقت للتعبد والصلاة في الشهر الكريم في المنازل والتباعد الاجتماعي الذي حتما سيكون صعبا في هذا الشهر الكريم، إلا أن صحة الإنسان وسلامته هما الأولى والأهم، وفقاً لتعاليم الشريعة الإسلامية السمحة التي تدعو للحفاظ على النفس البشرية. وباعتبار أن الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي هي الجهة المناط إليها مهمات الحرمين، فقد أعدت خطة تشغيلية تتضمن 4 تصورات تحت مسمى (الوضع الحالي والتشغيل الجزئي والتشغيل النسبي والتشغيل الكامل)، وجهزت كافة الإجراءات والمتطلبات لكل تصور من أنواع التشغيل المستهدفات الأربعة.
جاهزون لجميع السيناريوهات
وبحسب ما وصف الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس في تصريحات لـ«عكاظ»، فإن التصورات الأربعة التي وضعت للتعامل مع الجائحة في شهر رمضان «مرنة وقابلة للتنفيذ والتطبيق» وفق المعطيات على الأرض. وقال «إنه تمت تهيئة كل الطاقات وحشد كل الإمكانات لتنفيذها نصا وروحا». وأضاف: مستعدون لتوجيهات ولاة الأمر وتوصيات اللجان المتخصصة وإجراءات الجهات المعنية ليتمتع الحرمان الشريفان بالمرونة في التشغيل حسب التعليمات الصادرة. وأكد السديس أن خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يتابعان أوضاع الحرمين الشريفين أولاً بأول للحفاظ عليهما وتعقيمهما. وأردف قائلا: إن الرئاسة أعدت خطة متكاملة لموسم شهر رمضان المبارك1441هـ، وفق أعلى الإجراءات الاحترازية بالتعاون مع الجهات الأمنية والصحية، وتتضمن الخطة التي سيتم تطبيقها في اليوم الأول من الشهر الفضيل استمرار تعليق حضور الزوار والمصلين للمسجد الحرام والمسجد النبوي وتكثيف عمليات التعقيم وإجراء الكشف الحراري على جميع العاملين وذوي الجنائز. وتعتبر هذه هي المرة الأولى التي يتم خلالها تطبيق مثل هذه الإجراءات وفق الاحترازات العالية في الحرمين الشريفين على ضوء أزمة كورونا.
برّاً بمكة.. وخير المدينة
ومن العادات القديمة في الحرمين الشريفين إعداد سفر رمضان للصائمين، إلا أنه نظرا للجائحة فقد تم إحالة جميع سفر إفطارالصائمين التي كانت تعد بالمسجد الحرام والمسجد النبوي إلى مبادرة إمارة مكة المكرمة (برًّا بمكة) ومبادرة إمارة المدينة المنورة (خيرالمدينة)، بحسب ما ذكره المتحدث الرسمي للرئاسة هاني حيدر لـ«عكاظ»، مضيفا: وفقاً للإجراءات الاحترازية فلن يكون هناك اعتكاف في الحرمين الشريفين في رمضان، ويستمر تعليق الحضور للموظفين والعاملين إلا من تقتضي الضرورة حضورهم، وستستمر أعمال التشغيل والصيانة حسب الأهمية ووفق الإجراءات الاحترازية.
صلاة التراويح
وحول صلاة التراويح، أفاد المتحدث الرسمي، أنه وحسب مرئيات الرئاسة والإجراءات الاحترازية، اقترح الرئيس العام اختصار صلاة التراويح في الحرمين الشريفين إلى 5 تسليمات بدلا من 10.. وقال: نعمل وفق أرقى المعايير لتحقيق التطلعات الكريمة بمنع انتشار العدوى، وتهيئة الحرمين لأداء الصلاة في بيئة آمنة وصحية.
وكما يحظى المسجد الحرام باهتمام القيادة الرشيدة، فإن المسجد النبوي يحظى أيضاً بنفس الاهتمام بهدف الحيلولة من اتساع دائرة انتشار الفايروس، بإغلاقه مؤقتاً وتعليق الدخول له حفاظاً على صحة وسلامة قاصديه، بالإضافة إلى تركيب عدد من المعقمات وتكثيف برامج الغسيل والتعقيم والتطهير داخل المسجد النبوي بمعدل (6) مرات يومياً، وتطهير وتعقيم فتحات التكييف بمكائن شفط خاصة وساحات المسجد النبوي (6) مرات يومياً، ورش مناهل الساحات بمضخات مزودة بمواد تطهير وتعقيم خاصة للقضاء على جميع الحشرات. إلى جانب تطهير وتعقيم مرافق المسجد النبوي (دورات المياه) (10) مرات يومياً قبل الصلاة وبعدها، وتعقيم سجاد الروضة والحرم القديم (6) مرات يومياً بمعدل (50) لترا. وكما كانت جاهزية المملكة في التعامل مع الجائحة على كل شبر من الأراضي السعودية وعلى كل فرد يعيش فيها، فإن القيادة الحكيمة جاهزة أكثر للحفاظ على كل ركن وشبر من الحرمين الشريفين.
لقد وضعت الرئاسة عدة سيناريوهات لمواجهة الجائحة في رمضان.. إعادة تموضع فوري.. فتح نسبي.. أو كامل.
«سلال رمضان» بدلاً من سُفَر الحرمين
ليس هناك رأيان أن سُفر رمضان في الحرمين تعتبر أحد الجوانب الروحانية والحيوية في تاريخ الحرمين الشريفين لضيافة الصائمين وقاصدي الحرمين، وهي عادة رمضانية دُرِجَ عليها منذ عقود طويلة، حتى أصبحت علامة فارقة امتاز الحرمان بها.. إلا أنه نظراً لأزمة كورونا التي اجتاحت العالم، ولحرص القيادة الرشيدة على سلامة وصحة قاصدي الحرمين، أوقفت رئاسة الحرمين الشريفين مؤقتاً مشروع سُفر رمضان في الحرمين وأطلقت مبادرة توزيع «سلال الإفطار الرمضانية»، وذلك بالتعاون مع إمارتي مكة المكرمة والمدينة المنورة؛ لتوزيعها على المستحقين.
وسيجري توزيع سلال الإفطار بالتعاون مع حملة «بِرّاً بمكة» التابعة لإمارة منطقة مكة المكرمة، وحملة «خير المدينة» التابعة لإمارة المدينة المنورة؛ بهدف توحيد الجهود وتحقيق الأهداف الإنسانية المنشودة لهذه المبادرات. تعليق مشروع سُفر رمضان في الحرمين الشريفين وجميع مساجد المملكة هو إجراء مؤقت ريثما تنتهي الجائحة بإذن الله، وتعود الأمور الى طبيعتها.
كاميرات حرارية لضمان السلامة
لم تقم الدولة باتخاذ الإجراءات الاحترازية التي تتعلق بالتعقيم والتنظيف على مدار الساعة في الحرمين الشريفين فحسب؛ بل تم تفعيل كاميرات حرارية كاشفة لدرجات الحرارة للأشخاص أثناء الدخول للمسجد الحرام والمسجد النبوي، التي تعمل على تحديد قياس 25 شخصاً في نفس الوقت وبدقة عالية على بعد مسافة 9 أمتار تلقائياً بلا توقف، إضافة إلى إعطاء تقارير مباشرة مرئية ومسموعة لكل فرد. وفي هذا السياق، قال وكيل الرئيس العام المساعد في المسجد النبوي عبدالعزيز الأيوبي إن تفعيل الكاميرات الحرارية لفحص مرتادي الحرمين الشريفين يمثل نقلة نوعية في مستوى الإجراءات الاحترازية ويجسد اهتمام القيادة بصحة مرتادي الحرمين الشريفين ومن أجل زيادة الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية. وتعمل الكاميرات الكاشفة على حفظ وتخزين صور الأشخاص وحرارتهم في ذاكرة التخزين المخصصة لها لمدة شهر من التقاطها، بحيث يمكن الرجوع لها عند الحاجة، مع إمكانية ربطها مباشرة مع المتخصصين ومتابعتها عن بعد عبر الشاشات وأجهزة الجوال.
المسجد النبوي.. تدشين وحدة الطوارئ والأزمات
منذ اللحظة الأولى لصدور التوجيهات بالإغلاق المؤقت للحرمين الشريفين أمام المصلين والمعتمرين والقاصدين بعد إعلان أزمة كورونا، تحركت وكالة الرئاسة لشؤون المسجد النبوي للتعامل مع جائحة كورونا، وأعلنت حالة التأهب وتم تدشين وحدة الطوارئ والكوارث والأزمات بالمسجد النبوي لمواكبة المستجدات وتركيب عدد من المعقمات في مبنى الوكالة لموظفي الوكالة وتكثيف برامج الغسيل والتعقيم والتطهير داخل المسجد النبوي بمعدل 6 مرات يومياً، يتم من خلالها استخدام 15 ماكينة مزودة بمواد غسيل وتعقيم وتطهير، إلى جانب تطهير وتعقيم فتحات التكييف بمكائن شفط خاصة وتطهير وتعقيم ساحات المسجد النبوي 6 مرات يومياً ورش مناهل الساحات بمضخات مزودة بمواد تطهير وتعقيم خاصة للقضاء على جميع الحشرات، وفتح 250 مظلة بالساحات لتجديد الهواء.
وتعقيم محطتي مراوح الرذاذ بشكل دوري ومستمر لتشغيل 436 مروحة رذاذ بساحات المسجد النبوي، فضلا عن تعقيم فلاتر مراوح الشفط ومراوح التزويد بالهواء النقي لعدد 475 في المرافق الخاصة بالمسجد النبوي.. رغم الإغلاق المؤقت للحرم النبوي.. الخدمات والتعقيم مستمران على مدار الساعة.
WHO: التباعد.. رمضان أكثر إلحاحا
لم تكن منظمة الصحة العالمية بعيدة عن أجواء رمضان، باعتباره شهر التجمعات الأسرية والاجتماعية؛ وأصدرت إرشادات خاصة تُعنى بالقيام «بممارسات رمضانية آمنة في سياق جائحة كوفيد-19».. في الوقت الذي تتواصل فيه الجهود الدولية لإيجاد لقاح للمرض، لاسيما أن العدوى تنتشر بسبب المخالطة اللصيقة وعبر الرذاذ التنفسي وملامسة الأسطح الملوثة. وأوصت منظمة الصحة العالمية بأهمية اتباع الأفراد في أي تجمّع إجراءات التباعد الجسدي، والحفاظ على التباعد الاجتماعي في جميع الأوقات، والالتزام بالتسليم عن بُعد دون ملامسة الأيدي أو التقبيل.
وشددت المنظمة على أهمية منع أي تجمعات مرتبطة بشهر رمضان في الأسواق وموائد الإفطار والسحور واللقاءات الأسرية والاجتماعية والتعويض عنها ببدائل افتراضية مثل التلفزيون والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي واتخاذ الحيطة والحذر وكافة التدابير الممكنة للحد من انتقال كوفيد-19. وأكدت المنظمة أهمية دور العلماء في توعية ونصح الأفراد والمجتمعات بأهمية التباعد الجسدي للحفاظ على صحة الجميع، وإبلاغهم بآخر المستجدات المتعلقة بتعليق الأنشطة أو طرق تطبيق التدابير المخففة خلال التجمعات في شهر رمضان. ودعت المنظمة إلى التغذية الصحية السليمة خلال فترة الصيام وشرب كميات كافية من الماء بين فترة الإفطار والسحور وتناول الأغذية الطازجة وغير المعالجة.
وعلى ضوء هذه التوصيات، المطلوب من الجميع الالتزام بها للحفاظ على الصحة العامة.
رمضان والجائحة.. عادات معلقة للموائد لسلامة الصائمين
لا يزال العالم يمر بوضع استثنائي كوارثي غير مسبوق بسبب تفشي وباء كورونا، وجمود الحياة، ليست الاجتماعية فحسب بل نشاطات البشرية برمتها، وباعتبارنا جزءا من العالم، ونحن على مقربة من شهر رمضان، ومع استمرار منع التجول والإغلاق للمجمعات وتعليق العمل الحكومي والقطاع الخاص والإغلاق المؤقت للمساجد والحرمين، ومنع الاعتكاف وتعليق العمرة، وحيث إن الوضع يتجه لنفس المسار في شهر رمضان، وفي إطار التفكير بصوت عالٍ، نسأل ونتساءل: ما المطلوب من المجتمع السعودي في رمضان مع استمرار الوضع كما هو عليه، كون الجميع يعلم أن الشهر الفضيل هو شهر الجمْعات والتزاور الأسري والتقارب الاجتماعي وأداء صلاة التراويح وصلاة التهجد في المساجد التي توقفت مؤقتا بسبب الجائحة.. ماذا ستغير أزمة كورونا في رمضان أكثر الشهور قدسية لنا والذي يأتي في ظروف استثنائية بشكل غير مسبوق وسيوقف مظاهر الحياة العامة والاختلاط بين البشر.
فقبل ظهور كورونا لم يكن أحد يتصور أن شهر الصيام قد يكون خاليا من أهم مميزاته وهي اللقاءات وصلوات التراويح وسفر الإفطار في المساجد.. لقد أكرمنا الله بالدين الإسلامي وهو دين يسر وتسامح، وصوم رمضان هو من الأركان الخمسة للإسلام، والمعلوم أن الدين الإسلامي أكد على حفظ الأنفس وصيانتها والحفاظ على صحة الإنسان وسلامته، وعلى ضوء استمرار الوضع كما هو عليه وتعليق الصلوات في الحرمين والمساجد فيجب وضع صحة الإنسان وسلامته فوق كل اعتبار والتدبر والتفكر بالتجاوز مؤقتاً للعادات المصاحبة للشهر الفضيل والاستمرار بالالتزام بالتباعد الاجتماعي، والجلوس في المنزل وأداء الصلوات في البيوت لتحقيق هدف أسمى بتجاوز هذه الأزمة بسلام وصحة وأمان، ورغم أن الشهر سيفقد أبرز ما يميزه وسيقتصر الأمر على الأسرة داخل البيت إلا أنها ستكون تجربة جيدة أن يستشعر روحانية الفرد الشهر الكريم بعيدا عن التجمعات لمصلحة الحفاظ على صحة الإنسان والاستمرار في الإجراءات الاحترازية لمنع تفشي كوفيد ١٩؛ مع الدعوات القلبية بأن ينتهي الوباء في أسرع وقت ممكن حتى قبل رمضان. صحيح سنفتقد الكثير من العادات والتقاليد المتجذرة منذ عقود.. صحيح سنفتقد صلوات التراويح والتهجد في المساجد، وشارع قابل وبرحة نصيف والعادات الرمضانية فيه، إلا أن الأكثر صحة هو أن جلوسنا في بيوتنا والالتزام بالإجراءات الاحترازية هي الأفضل، ليس فقط لنا بل ولمستقبل أجيالنا. لقد أوضح المتحدث الرسمي لوزارة الصحة الدكتور محمد عبدالعالي، أن أزمة كورونا ستستمر وأن شهر رمضان سيتأثر بالجائحة، محذرا من أنه «إذا لم يلتزم الناس خلال الأشهر القادمة سوف يكون مئات الآلاف عرضة للإصابة، وسوف ينهار النظام الصحي». لقد وضع وزير الصحة توفيق الربيعة، المجتمع في حقائق مهمة مفادها أن الدراسات تشير إلى أن عدد الإصابات بفايروس كورونا في المملكة خلال الأسابيع القليلة القادمة سيتراوح ما بين 10 آلاف و200 ألف، مؤكدا أن وعي المواطنين والمقيمين سيؤثر بشكل كبير على عدد الإصابات بالفايروس في المملكة.
للمرّة الأولى في التاريخ يؤثر فايروس على البشرية وحتى على دفن الموتى وتغسيلهم وتكفينهم وعلى واجبات العزاء.. رسالة أخيرة للجميع، اقتصروا في موائد الإفطار على أفراد الأسرة، من دون اختلاط، لاتغادروا منازلكم، تعبدوا الله في منازلكم.. ادعوا الله أن تنجلي الغمة عن بلادنا في أسرع وقت؛ ما نحتاجه اليوم أكثر من أي وقت مضى، هو قليل من التدبر وكثير من التعقل في
التعامل مع رمضان في ظل الجائحة لكي نتجاوز الأزمة بسلام..
منذ اليوم الأول، اتخذت المملكة سلسلة من الإجراءات المدروسة لمنع تفاقم الأزمة؛ منها تعليق أداء العمرة ومنع زيارة المسجد النبوي. ومع دخول شهر رمضان يستمر إغلاق المساجد وتعليق الصلاة في الحرمين الشريفين أمام المصلين؛ لمنع الاختلاط ومنع خطر الإصابة حفاظا على صحة قاصدي الحرمين في إطار الاستجابة السريعة والإجراءات الوقائية التي اتخذتها الحكومة حفاظاً على النفس، هذه الإجراءات التي ستتيح مزيدا من الوقت للتعبد والصلاة في الشهر الكريم في المنازل والتباعد الاجتماعي الذي حتما سيكون صعبا في هذا الشهر الكريم، إلا أن صحة الإنسان وسلامته هما الأولى والأهم، وفقاً لتعاليم الشريعة الإسلامية السمحة التي تدعو للحفاظ على النفس البشرية. وباعتبار أن الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي هي الجهة المناط إليها مهمات الحرمين، فقد أعدت خطة تشغيلية تتضمن 4 تصورات تحت مسمى (الوضع الحالي والتشغيل الجزئي والتشغيل النسبي والتشغيل الكامل)، وجهزت كافة الإجراءات والمتطلبات لكل تصور من أنواع التشغيل المستهدفات الأربعة.
جاهزون لجميع السيناريوهات
وبحسب ما وصف الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالرحمن السديس في تصريحات لـ«عكاظ»، فإن التصورات الأربعة التي وضعت للتعامل مع الجائحة في شهر رمضان «مرنة وقابلة للتنفيذ والتطبيق» وفق المعطيات على الأرض. وقال «إنه تمت تهيئة كل الطاقات وحشد كل الإمكانات لتنفيذها نصا وروحا». وأضاف: مستعدون لتوجيهات ولاة الأمر وتوصيات اللجان المتخصصة وإجراءات الجهات المعنية ليتمتع الحرمان الشريفان بالمرونة في التشغيل حسب التعليمات الصادرة. وأكد السديس أن خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يتابعان أوضاع الحرمين الشريفين أولاً بأول للحفاظ عليهما وتعقيمهما. وأردف قائلا: إن الرئاسة أعدت خطة متكاملة لموسم شهر رمضان المبارك1441هـ، وفق أعلى الإجراءات الاحترازية بالتعاون مع الجهات الأمنية والصحية، وتتضمن الخطة التي سيتم تطبيقها في اليوم الأول من الشهر الفضيل استمرار تعليق حضور الزوار والمصلين للمسجد الحرام والمسجد النبوي وتكثيف عمليات التعقيم وإجراء الكشف الحراري على جميع العاملين وذوي الجنائز. وتعتبر هذه هي المرة الأولى التي يتم خلالها تطبيق مثل هذه الإجراءات وفق الاحترازات العالية في الحرمين الشريفين على ضوء أزمة كورونا.
برّاً بمكة.. وخير المدينة
ومن العادات القديمة في الحرمين الشريفين إعداد سفر رمضان للصائمين، إلا أنه نظرا للجائحة فقد تم إحالة جميع سفر إفطارالصائمين التي كانت تعد بالمسجد الحرام والمسجد النبوي إلى مبادرة إمارة مكة المكرمة (برًّا بمكة) ومبادرة إمارة المدينة المنورة (خيرالمدينة)، بحسب ما ذكره المتحدث الرسمي للرئاسة هاني حيدر لـ«عكاظ»، مضيفا: وفقاً للإجراءات الاحترازية فلن يكون هناك اعتكاف في الحرمين الشريفين في رمضان، ويستمر تعليق الحضور للموظفين والعاملين إلا من تقتضي الضرورة حضورهم، وستستمر أعمال التشغيل والصيانة حسب الأهمية ووفق الإجراءات الاحترازية.
صلاة التراويح
وحول صلاة التراويح، أفاد المتحدث الرسمي، أنه وحسب مرئيات الرئاسة والإجراءات الاحترازية، اقترح الرئيس العام اختصار صلاة التراويح في الحرمين الشريفين إلى 5 تسليمات بدلا من 10.. وقال: نعمل وفق أرقى المعايير لتحقيق التطلعات الكريمة بمنع انتشار العدوى، وتهيئة الحرمين لأداء الصلاة في بيئة آمنة وصحية.
وكما يحظى المسجد الحرام باهتمام القيادة الرشيدة، فإن المسجد النبوي يحظى أيضاً بنفس الاهتمام بهدف الحيلولة من اتساع دائرة انتشار الفايروس، بإغلاقه مؤقتاً وتعليق الدخول له حفاظاً على صحة وسلامة قاصديه، بالإضافة إلى تركيب عدد من المعقمات وتكثيف برامج الغسيل والتعقيم والتطهير داخل المسجد النبوي بمعدل (6) مرات يومياً، وتطهير وتعقيم فتحات التكييف بمكائن شفط خاصة وساحات المسجد النبوي (6) مرات يومياً، ورش مناهل الساحات بمضخات مزودة بمواد تطهير وتعقيم خاصة للقضاء على جميع الحشرات. إلى جانب تطهير وتعقيم مرافق المسجد النبوي (دورات المياه) (10) مرات يومياً قبل الصلاة وبعدها، وتعقيم سجاد الروضة والحرم القديم (6) مرات يومياً بمعدل (50) لترا. وكما كانت جاهزية المملكة في التعامل مع الجائحة على كل شبر من الأراضي السعودية وعلى كل فرد يعيش فيها، فإن القيادة الحكيمة جاهزة أكثر للحفاظ على كل ركن وشبر من الحرمين الشريفين.
لقد وضعت الرئاسة عدة سيناريوهات لمواجهة الجائحة في رمضان.. إعادة تموضع فوري.. فتح نسبي.. أو كامل.
«سلال رمضان» بدلاً من سُفَر الحرمين
ليس هناك رأيان أن سُفر رمضان في الحرمين تعتبر أحد الجوانب الروحانية والحيوية في تاريخ الحرمين الشريفين لضيافة الصائمين وقاصدي الحرمين، وهي عادة رمضانية دُرِجَ عليها منذ عقود طويلة، حتى أصبحت علامة فارقة امتاز الحرمان بها.. إلا أنه نظراً لأزمة كورونا التي اجتاحت العالم، ولحرص القيادة الرشيدة على سلامة وصحة قاصدي الحرمين، أوقفت رئاسة الحرمين الشريفين مؤقتاً مشروع سُفر رمضان في الحرمين وأطلقت مبادرة توزيع «سلال الإفطار الرمضانية»، وذلك بالتعاون مع إمارتي مكة المكرمة والمدينة المنورة؛ لتوزيعها على المستحقين.
وسيجري توزيع سلال الإفطار بالتعاون مع حملة «بِرّاً بمكة» التابعة لإمارة منطقة مكة المكرمة، وحملة «خير المدينة» التابعة لإمارة المدينة المنورة؛ بهدف توحيد الجهود وتحقيق الأهداف الإنسانية المنشودة لهذه المبادرات. تعليق مشروع سُفر رمضان في الحرمين الشريفين وجميع مساجد المملكة هو إجراء مؤقت ريثما تنتهي الجائحة بإذن الله، وتعود الأمور الى طبيعتها.
كاميرات حرارية لضمان السلامة
لم تقم الدولة باتخاذ الإجراءات الاحترازية التي تتعلق بالتعقيم والتنظيف على مدار الساعة في الحرمين الشريفين فحسب؛ بل تم تفعيل كاميرات حرارية كاشفة لدرجات الحرارة للأشخاص أثناء الدخول للمسجد الحرام والمسجد النبوي، التي تعمل على تحديد قياس 25 شخصاً في نفس الوقت وبدقة عالية على بعد مسافة 9 أمتار تلقائياً بلا توقف، إضافة إلى إعطاء تقارير مباشرة مرئية ومسموعة لكل فرد. وفي هذا السياق، قال وكيل الرئيس العام المساعد في المسجد النبوي عبدالعزيز الأيوبي إن تفعيل الكاميرات الحرارية لفحص مرتادي الحرمين الشريفين يمثل نقلة نوعية في مستوى الإجراءات الاحترازية ويجسد اهتمام القيادة بصحة مرتادي الحرمين الشريفين ومن أجل زيادة الإجراءات الاحترازية والتدابير الوقائية. وتعمل الكاميرات الكاشفة على حفظ وتخزين صور الأشخاص وحرارتهم في ذاكرة التخزين المخصصة لها لمدة شهر من التقاطها، بحيث يمكن الرجوع لها عند الحاجة، مع إمكانية ربطها مباشرة مع المتخصصين ومتابعتها عن بعد عبر الشاشات وأجهزة الجوال.
المسجد النبوي.. تدشين وحدة الطوارئ والأزمات
منذ اللحظة الأولى لصدور التوجيهات بالإغلاق المؤقت للحرمين الشريفين أمام المصلين والمعتمرين والقاصدين بعد إعلان أزمة كورونا، تحركت وكالة الرئاسة لشؤون المسجد النبوي للتعامل مع جائحة كورونا، وأعلنت حالة التأهب وتم تدشين وحدة الطوارئ والكوارث والأزمات بالمسجد النبوي لمواكبة المستجدات وتركيب عدد من المعقمات في مبنى الوكالة لموظفي الوكالة وتكثيف برامج الغسيل والتعقيم والتطهير داخل المسجد النبوي بمعدل 6 مرات يومياً، يتم من خلالها استخدام 15 ماكينة مزودة بمواد غسيل وتعقيم وتطهير، إلى جانب تطهير وتعقيم فتحات التكييف بمكائن شفط خاصة وتطهير وتعقيم ساحات المسجد النبوي 6 مرات يومياً ورش مناهل الساحات بمضخات مزودة بمواد تطهير وتعقيم خاصة للقضاء على جميع الحشرات، وفتح 250 مظلة بالساحات لتجديد الهواء.
وتعقيم محطتي مراوح الرذاذ بشكل دوري ومستمر لتشغيل 436 مروحة رذاذ بساحات المسجد النبوي، فضلا عن تعقيم فلاتر مراوح الشفط ومراوح التزويد بالهواء النقي لعدد 475 في المرافق الخاصة بالمسجد النبوي.. رغم الإغلاق المؤقت للحرم النبوي.. الخدمات والتعقيم مستمران على مدار الساعة.
WHO: التباعد.. رمضان أكثر إلحاحا
لم تكن منظمة الصحة العالمية بعيدة عن أجواء رمضان، باعتباره شهر التجمعات الأسرية والاجتماعية؛ وأصدرت إرشادات خاصة تُعنى بالقيام «بممارسات رمضانية آمنة في سياق جائحة كوفيد-19».. في الوقت الذي تتواصل فيه الجهود الدولية لإيجاد لقاح للمرض، لاسيما أن العدوى تنتشر بسبب المخالطة اللصيقة وعبر الرذاذ التنفسي وملامسة الأسطح الملوثة. وأوصت منظمة الصحة العالمية بأهمية اتباع الأفراد في أي تجمّع إجراءات التباعد الجسدي، والحفاظ على التباعد الاجتماعي في جميع الأوقات، والالتزام بالتسليم عن بُعد دون ملامسة الأيدي أو التقبيل.
وشددت المنظمة على أهمية منع أي تجمعات مرتبطة بشهر رمضان في الأسواق وموائد الإفطار والسحور واللقاءات الأسرية والاجتماعية والتعويض عنها ببدائل افتراضية مثل التلفزيون والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي واتخاذ الحيطة والحذر وكافة التدابير الممكنة للحد من انتقال كوفيد-19. وأكدت المنظمة أهمية دور العلماء في توعية ونصح الأفراد والمجتمعات بأهمية التباعد الجسدي للحفاظ على صحة الجميع، وإبلاغهم بآخر المستجدات المتعلقة بتعليق الأنشطة أو طرق تطبيق التدابير المخففة خلال التجمعات في شهر رمضان. ودعت المنظمة إلى التغذية الصحية السليمة خلال فترة الصيام وشرب كميات كافية من الماء بين فترة الإفطار والسحور وتناول الأغذية الطازجة وغير المعالجة.
وعلى ضوء هذه التوصيات، المطلوب من الجميع الالتزام بها للحفاظ على الصحة العامة.
رمضان والجائحة.. عادات معلقة للموائد لسلامة الصائمين
لا يزال العالم يمر بوضع استثنائي كوارثي غير مسبوق بسبب تفشي وباء كورونا، وجمود الحياة، ليست الاجتماعية فحسب بل نشاطات البشرية برمتها، وباعتبارنا جزءا من العالم، ونحن على مقربة من شهر رمضان، ومع استمرار منع التجول والإغلاق للمجمعات وتعليق العمل الحكومي والقطاع الخاص والإغلاق المؤقت للمساجد والحرمين، ومنع الاعتكاف وتعليق العمرة، وحيث إن الوضع يتجه لنفس المسار في شهر رمضان، وفي إطار التفكير بصوت عالٍ، نسأل ونتساءل: ما المطلوب من المجتمع السعودي في رمضان مع استمرار الوضع كما هو عليه، كون الجميع يعلم أن الشهر الفضيل هو شهر الجمْعات والتزاور الأسري والتقارب الاجتماعي وأداء صلاة التراويح وصلاة التهجد في المساجد التي توقفت مؤقتا بسبب الجائحة.. ماذا ستغير أزمة كورونا في رمضان أكثر الشهور قدسية لنا والذي يأتي في ظروف استثنائية بشكل غير مسبوق وسيوقف مظاهر الحياة العامة والاختلاط بين البشر.
فقبل ظهور كورونا لم يكن أحد يتصور أن شهر الصيام قد يكون خاليا من أهم مميزاته وهي اللقاءات وصلوات التراويح وسفر الإفطار في المساجد.. لقد أكرمنا الله بالدين الإسلامي وهو دين يسر وتسامح، وصوم رمضان هو من الأركان الخمسة للإسلام، والمعلوم أن الدين الإسلامي أكد على حفظ الأنفس وصيانتها والحفاظ على صحة الإنسان وسلامته، وعلى ضوء استمرار الوضع كما هو عليه وتعليق الصلوات في الحرمين والمساجد فيجب وضع صحة الإنسان وسلامته فوق كل اعتبار والتدبر والتفكر بالتجاوز مؤقتاً للعادات المصاحبة للشهر الفضيل والاستمرار بالالتزام بالتباعد الاجتماعي، والجلوس في المنزل وأداء الصلوات في البيوت لتحقيق هدف أسمى بتجاوز هذه الأزمة بسلام وصحة وأمان، ورغم أن الشهر سيفقد أبرز ما يميزه وسيقتصر الأمر على الأسرة داخل البيت إلا أنها ستكون تجربة جيدة أن يستشعر روحانية الفرد الشهر الكريم بعيدا عن التجمعات لمصلحة الحفاظ على صحة الإنسان والاستمرار في الإجراءات الاحترازية لمنع تفشي كوفيد ١٩؛ مع الدعوات القلبية بأن ينتهي الوباء في أسرع وقت ممكن حتى قبل رمضان. صحيح سنفتقد الكثير من العادات والتقاليد المتجذرة منذ عقود.. صحيح سنفتقد صلوات التراويح والتهجد في المساجد، وشارع قابل وبرحة نصيف والعادات الرمضانية فيه، إلا أن الأكثر صحة هو أن جلوسنا في بيوتنا والالتزام بالإجراءات الاحترازية هي الأفضل، ليس فقط لنا بل ولمستقبل أجيالنا. لقد أوضح المتحدث الرسمي لوزارة الصحة الدكتور محمد عبدالعالي، أن أزمة كورونا ستستمر وأن شهر رمضان سيتأثر بالجائحة، محذرا من أنه «إذا لم يلتزم الناس خلال الأشهر القادمة سوف يكون مئات الآلاف عرضة للإصابة، وسوف ينهار النظام الصحي». لقد وضع وزير الصحة توفيق الربيعة، المجتمع في حقائق مهمة مفادها أن الدراسات تشير إلى أن عدد الإصابات بفايروس كورونا في المملكة خلال الأسابيع القليلة القادمة سيتراوح ما بين 10 آلاف و200 ألف، مؤكدا أن وعي المواطنين والمقيمين سيؤثر بشكل كبير على عدد الإصابات بالفايروس في المملكة.
للمرّة الأولى في التاريخ يؤثر فايروس على البشرية وحتى على دفن الموتى وتغسيلهم وتكفينهم وعلى واجبات العزاء.. رسالة أخيرة للجميع، اقتصروا في موائد الإفطار على أفراد الأسرة، من دون اختلاط، لاتغادروا منازلكم، تعبدوا الله في منازلكم.. ادعوا الله أن تنجلي الغمة عن بلادنا في أسرع وقت؛ ما نحتاجه اليوم أكثر من أي وقت مضى، هو قليل من التدبر وكثير من التعقل في
التعامل مع رمضان في ظل الجائحة لكي نتجاوز الأزمة بسلام..