«ليس من رأى كمن سمع».. مقولة أدركنا حقيقتها في أحياء النكاسة، وزهرة كدي، والتائبين وحارات شعبية بالية تسكنها جاليات عدة، فالشاهد على أرض الواقع والميدان يوقن بأن ما يسمعه أقل بكثير مما يراه، وأن المطلوب في حالة كهذه فرض مزيد من الانضباط على هذه الأحياء «العفوية» التي نبتت قبل عقود ثم تطاولت وتمددت واستقبلت الآلاف من الوافدين الذين اتخذوها ملاذا آمنا، ومركزا لأنشطتهم. ففي هذه الأحياء يباع كل شيء، قبل أن تصل إليها أذرع التحديث والمعالجة. إذن حي النكاسة وإخوانه في انتظار تعجيل مشروع التطوير، ومع بروز الجائحة بدا الوضع أكثر حاجة إلى النهوض بالعشوائيات، خصوصا مع غياب الوعي وما نتح عنه من ارتفاع حالات كورونا خصوصا في الحارات العفوية. كل ما تبحث عنه تجده بين خبايا الأزقة والشوارع الضيقة والمنعرجة، هنا في منحنيات حي النكاسة روائح النفايات تنبعث من كل ركن، ومياه الصرف تتدفق في نهيرات صغيرة تحيط بها الحشائش والطفيليات والأعشاس والحشرات. واللافت عند الولوج إلى عمق الحي احتشاد الشرفات والممرات والأسطح بعشرات من العمال الغرباء وأبناء الجاليات المختلفة، ولا يأمن العابر أن يسقط عليه من أعلى ما يجرح، أو يسمع ما يشين. ربما قارورة مياه يلقيها عامل على غرباء اقتحموا خلوتهم المجيدة في الحي، أو كلمة مسيئة تلتقطها الآذان، هنا في حي النكاسة حارة الغرباء.. لا أحد يطيق أن ينافسهم في الغرابة!.
مدير «تاريخ مكة»: الجاليات حرّفت الأسماء والأمانة وافقتهم !
أكد المدير العام لمركز تاريخ مكة المكرمة، التابع لدارة الملك عبدالعزيز، الدكتور فواز الدهاس، أن جائحة كورونا أعادت تسليط الأنظار على قضية الجاليات والأحياء العشوائية التي تكتظ بها العاصمة المقدسة، فهناك أمور تحتاج إعاده نظر ومراجعة، إذ ظلت عشوائيات الجاليات مؤرقة للمجتمع وساهم التساهل من البعض في إقامة مثل هذه المناطق العشوائية في مناطق حيوية. وكان الأولى ألا يحدث ذلك، إذ أصبحت هذه الأحياء العشوائية علامة غير مقبولة ومشوهة للعاصمة المقدسة. وأضاف الدهاس أن الجاليات التي استوطنت هذه الأحياء لم تكتف بذلك، بل عمدت إلى تغيير مسمياتها التاريخية وحرفوها، فمثلاً قوز النكاسة محرف فالاسم التاريخي لهذا الحي هو قوز (المكاسة) وليس (النكاسة) فهو من المكس أي الضريبة. وكان هذا الحي هو مدخل مكة المكرمة من الجنوب فيمر التجار من الحي ويدفعون الضرائب عند دخولهم، وهو عبارة عن كثيب من الرمل يطلق عليه القوز ويقابله الجبل فيمر التجار القادمون لمكة المكرمة بين الجبل والقوز ويسمى قوز المكاسة. وحرفته الجاليات حالياً إلى قوز النكاسة، ومع الأسف، كما يقول الدهاس، أمانة العاصمة المقدسة سارت مع الجاليات وكتبت الأسماء على لوحاتها وكان الأجدر أن تعود للتاريخ والأسماء من مصادرها.
وأضاف الدهاس أن أحياء شارع المنصور التي استوطن به الكثير من الأفارقة نالها التحريف كذلك، فمثلاً حي التنضباوي، الذي سمي بهذا الاسم نسبة إلى أشجار التنضب، التي كانت تكثر بالحي حرفته الجاليات الأفريقية إلى الطندباوي، وكذلك حوش بكر نسبة إلى الحارس الذي كان يحرسه من الجالية الأفريقية وغير ذلك من الأحياء، والمطلوب من الأمانة إعادة الأحياء إلى أسمائها التاريخية.
لا ملامح.. بيوت متلاصقة وملاحقة جبلية
في دراسة للباحث وليد الزامل، الأستاذ المساعد بقسم التخطيط العمراني بجامعة الملك سعود في عام 1438 حول الأحياء العشوائية بمكة المكرمة، عد الباحث، حي النكاسة نموذجاً، وهو ذو طبيعة جبلية وتتراوح شوارعه الداخلية بين متر إلى ثلاثة أمتار فيما لا تتجاوز الطرق الصالحة للسير 20% وشيدت المساكن بالطوب الأحمر والخرسانة وسيئة التشطيب ولا تحتوي على أي ملامح معمارية، إذ بنيت على شكل متلاصق وتتراوح المباني من دور إلى سبعة أدوار، سيئة التهوية والإنارة. ويقوم السكان بالبناء الرأسي والملاحق بشكل عشوائي لاستيعاب زيادة العدد السكاني الكبير المتزايد بشكل يومي.
وأشار الباحث إلى أن نسبة الخدمات لاتتجاوز 9% من مساحة الحي، فيما تستحوذ الخدمات الدينية من مساجد ودور للتحفيظ وجمعيات خيرية ومراكز توعوية على قرابة 22% من نسبة الخدمات، فيما تعد نسبة الخدمات الصحية الأقل إذ لا تغطي خُمس الاحتياج الفعلي للسكان. وأوصى الباحث الزامل بضرورة تطوير هذه الأحياء العشوائية وإشراك القطاع الخاص وتوفير بدائل ومساكن مناسبة في الضواحي وتفعيل المشاركة الاجتماعية في التطوير مع رفع مستوى التعليم والتدريب للسكان.
إزالة 600 منزل.. خطوة نحو التحديث
إن صدور توجيهات مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، بتطوير حي النكاسة والأحياء الأخرى في العاصمة المقدسة، جاء إدراكاً منه بمخاطر العشوائيات وآثارها السالبة على مختلف الأصعدة؛ الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، فضلاً عن التأثير المباشر على حياة الأهالي وتشويهها للمشهد الحضري وطبيعة مكة المكرمة وجغرافيتها وتاريخها. لذا كان حرص الأمير على معالجة اختلالات الأحياء العشوائية خصوصاً في مكة المكرمة مهوى قلوب ملايين الزوار والمعتمرين من أنحاء العالم لتبقى مكة المكرمة لوحة عاكسة لجمال العاصمة المقدسة والجهود التي تبذلها الحكومة لتطوير مدنها. وجاءت ضربة البداية بإزالة 600 منزل في الحي تمهيداً لتطويره وتحديثه وإلحاقه بركب الأحياء الفخيمة في العاصمة المقدسة.
كيف العبور من هنا ؟
كيف الوصول إلى عمق النكاسة، فالطريق منعرج وضيق ولا يخلو من خطورة، وزاد الأمر صعوبة تعليمات منع الخروج والدخول ما استدعى إغلاق المداخل والمخارج بسبب تدابير الجائحة، حاولنا العبور إلى داخل الحي إلا أن الالتزام بالتوجيهات فرضت علينا البقاء في ذات الموقع أمام اللجان المختصة. وفي رأي المواطن لؤي سليمان، أنه لابد من توعية المجتمع بلغة بلدانهم عن مخاطر كورونا؛ لأن أكثر الناس هنا يجهلون مخاطر انتشاره، والمأمول أيضاً تطوير البنية التحتية للحي لتتم السيطرة على المخالفات التي تحدث ومع التخطيط العمراني السليم ستختفي كل البثور والعلامات السيئة. الشوارع تحتاج إلى توسيع فالواقع، كما يرى لؤي، أن هذه الطرقات الضيقة لا تسمح بعبور عربة إطفاء لو اشتعل حريق، كما لا تتسع لسيارات إسعاف تنقل المرضى والمصابين.
مدير «تاريخ مكة»: الجاليات حرّفت الأسماء والأمانة وافقتهم !
أكد المدير العام لمركز تاريخ مكة المكرمة، التابع لدارة الملك عبدالعزيز، الدكتور فواز الدهاس، أن جائحة كورونا أعادت تسليط الأنظار على قضية الجاليات والأحياء العشوائية التي تكتظ بها العاصمة المقدسة، فهناك أمور تحتاج إعاده نظر ومراجعة، إذ ظلت عشوائيات الجاليات مؤرقة للمجتمع وساهم التساهل من البعض في إقامة مثل هذه المناطق العشوائية في مناطق حيوية. وكان الأولى ألا يحدث ذلك، إذ أصبحت هذه الأحياء العشوائية علامة غير مقبولة ومشوهة للعاصمة المقدسة. وأضاف الدهاس أن الجاليات التي استوطنت هذه الأحياء لم تكتف بذلك، بل عمدت إلى تغيير مسمياتها التاريخية وحرفوها، فمثلاً قوز النكاسة محرف فالاسم التاريخي لهذا الحي هو قوز (المكاسة) وليس (النكاسة) فهو من المكس أي الضريبة. وكان هذا الحي هو مدخل مكة المكرمة من الجنوب فيمر التجار من الحي ويدفعون الضرائب عند دخولهم، وهو عبارة عن كثيب من الرمل يطلق عليه القوز ويقابله الجبل فيمر التجار القادمون لمكة المكرمة بين الجبل والقوز ويسمى قوز المكاسة. وحرفته الجاليات حالياً إلى قوز النكاسة، ومع الأسف، كما يقول الدهاس، أمانة العاصمة المقدسة سارت مع الجاليات وكتبت الأسماء على لوحاتها وكان الأجدر أن تعود للتاريخ والأسماء من مصادرها.
وأضاف الدهاس أن أحياء شارع المنصور التي استوطن به الكثير من الأفارقة نالها التحريف كذلك، فمثلاً حي التنضباوي، الذي سمي بهذا الاسم نسبة إلى أشجار التنضب، التي كانت تكثر بالحي حرفته الجاليات الأفريقية إلى الطندباوي، وكذلك حوش بكر نسبة إلى الحارس الذي كان يحرسه من الجالية الأفريقية وغير ذلك من الأحياء، والمطلوب من الأمانة إعادة الأحياء إلى أسمائها التاريخية.
لا ملامح.. بيوت متلاصقة وملاحقة جبلية
في دراسة للباحث وليد الزامل، الأستاذ المساعد بقسم التخطيط العمراني بجامعة الملك سعود في عام 1438 حول الأحياء العشوائية بمكة المكرمة، عد الباحث، حي النكاسة نموذجاً، وهو ذو طبيعة جبلية وتتراوح شوارعه الداخلية بين متر إلى ثلاثة أمتار فيما لا تتجاوز الطرق الصالحة للسير 20% وشيدت المساكن بالطوب الأحمر والخرسانة وسيئة التشطيب ولا تحتوي على أي ملامح معمارية، إذ بنيت على شكل متلاصق وتتراوح المباني من دور إلى سبعة أدوار، سيئة التهوية والإنارة. ويقوم السكان بالبناء الرأسي والملاحق بشكل عشوائي لاستيعاب زيادة العدد السكاني الكبير المتزايد بشكل يومي.
وأشار الباحث إلى أن نسبة الخدمات لاتتجاوز 9% من مساحة الحي، فيما تستحوذ الخدمات الدينية من مساجد ودور للتحفيظ وجمعيات خيرية ومراكز توعوية على قرابة 22% من نسبة الخدمات، فيما تعد نسبة الخدمات الصحية الأقل إذ لا تغطي خُمس الاحتياج الفعلي للسكان. وأوصى الباحث الزامل بضرورة تطوير هذه الأحياء العشوائية وإشراك القطاع الخاص وتوفير بدائل ومساكن مناسبة في الضواحي وتفعيل المشاركة الاجتماعية في التطوير مع رفع مستوى التعليم والتدريب للسكان.
إزالة 600 منزل.. خطوة نحو التحديث
إن صدور توجيهات مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، بتطوير حي النكاسة والأحياء الأخرى في العاصمة المقدسة، جاء إدراكاً منه بمخاطر العشوائيات وآثارها السالبة على مختلف الأصعدة؛ الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، فضلاً عن التأثير المباشر على حياة الأهالي وتشويهها للمشهد الحضري وطبيعة مكة المكرمة وجغرافيتها وتاريخها. لذا كان حرص الأمير على معالجة اختلالات الأحياء العشوائية خصوصاً في مكة المكرمة مهوى قلوب ملايين الزوار والمعتمرين من أنحاء العالم لتبقى مكة المكرمة لوحة عاكسة لجمال العاصمة المقدسة والجهود التي تبذلها الحكومة لتطوير مدنها. وجاءت ضربة البداية بإزالة 600 منزل في الحي تمهيداً لتطويره وتحديثه وإلحاقه بركب الأحياء الفخيمة في العاصمة المقدسة.
كيف العبور من هنا ؟
كيف الوصول إلى عمق النكاسة، فالطريق منعرج وضيق ولا يخلو من خطورة، وزاد الأمر صعوبة تعليمات منع الخروج والدخول ما استدعى إغلاق المداخل والمخارج بسبب تدابير الجائحة، حاولنا العبور إلى داخل الحي إلا أن الالتزام بالتوجيهات فرضت علينا البقاء في ذات الموقع أمام اللجان المختصة. وفي رأي المواطن لؤي سليمان، أنه لابد من توعية المجتمع بلغة بلدانهم عن مخاطر كورونا؛ لأن أكثر الناس هنا يجهلون مخاطر انتشاره، والمأمول أيضاً تطوير البنية التحتية للحي لتتم السيطرة على المخالفات التي تحدث ومع التخطيط العمراني السليم ستختفي كل البثور والعلامات السيئة. الشوارع تحتاج إلى توسيع فالواقع، كما يرى لؤي، أن هذه الطرقات الضيقة لا تسمح بعبور عربة إطفاء لو اشتعل حريق، كما لا تتسع لسيارات إسعاف تنقل المرضى والمصابين.