تزامن تأسيس أول جمعية فلسفية مرخصة في تاريخ المملكة في 12 نوفمبر الماضي مع حدث آخر لا يقل عنه أهمية، وهو وجود 4 سيدات ضمن الأعضاء المؤسسين، وهي مسألة جديرة بالنقاش حول تأثير دور المرأة المبدعة في هذا المجال رغم ما ظلت تعانيه عبر التاريخ من حالة متواصلة من التمييز العنصري والكراهية، أو ما يطلق عليها اصطلاحاً «الميسوجينية»، ومجملاً لم تكن هذه التطورات المهمة التي تشهدها المملكة حالياً مواكبة فقط لمتطلبات العصر من حيث أهمية وضرورة الفلسفة كأحد أذرع التنمية الفكرية وإثراء الوعي الجمعي، فرغم أن دخول «أم العلوم» ضمن أطر منظومة الرؤية السعودية 2030 وأهدافها النهضوية في شتى المجالات، بعد تغييبها المجحف لعقود نتيجة العديد من الملابسات وحالة متجذرة من التشويه والتضليل حمّلتها العديد من الآثام والخطايا التي لا تتحملها، إلا أن الأمر الرائع في هذا السياق هو أن إحياء دور الفلسفة في المملكة وأهميتها وأثرها الإيجابي على المجتمع لم يأتِ وفقاً لمبدأ «أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل أبداً»، ولا من منطلق «أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون»، بل إن هذه التوجهات تسعى لأن تنطلق منذ البداية - حتى وإن كانت متأخرة - بمسار تصحيحي للمفاهيم والقيم الفلسفية يتخطى الترهات والشوائب التي أخلت بالغايات السامية لـ «أم العلوم» عبر التاريخ، والتي أخرجتها كثيراً عن سياقاتها وأثرها الإيجابي على الفكر وتقدم العلم والحضارة الإنسانية، ودفعت بها إلى دوائر الجدل المفرغة، ما أدى إلى مآلات أبعدتها عن السياق الذي أوجدت من أجله.ورَّث مجتمع فلاسفة اليونان الكراهية والعدائية ضد النساء عبر مؤلفاتهم إلى المدارس الفلسفية الأخرى، وظلت هذه «الميسوجينية» تتناسل من جيل إلى آخر
الفلاسفة النساء ظهرن منذ نشأة الفلسفة في القرن السادس قبل الميلاد، ولكن ساهمت عوامل ثقافية واجتماعية ودينية في سحق إسهاماتهن عبر التاريخ
انتقلت «الميسوجينية» من الحضارة اليونانية إلى العالمين المسيحي والإسلامي على هيئة «تراث فلسفي»
الصورة السيئة عن العرب وموقفهم من المرأة منشؤها الفلاسفة اليونانيون
العقاد اعتبر المرأة حيواناً تحركه الفطرة والغريزة وشبهها بالكلب
توفيق الحكيم كاد أن يفقد وظيفته بسبب «كراهية المرأة» ولازمه لقب «عدو المرأة» حتى وفاته
سقطت أسماء الفلاسفة النساء من الكتب والمراجع والهوامش
الانطلاقة الحقيقية لهذا التوجه في المملكة بدأت منذ العام الماضي حين تم إقرار تدريس الفلسفة ضمن المناهج الدراسية لطلبة الثانوية، وهي البداية العملية لتفعيل دور وأهمية الفلسفة وانعكاساتها الإيجابية على الطلاب والطالبات، من خلال تأصيل أهمية طرح التساؤلات لتنمية ديناميكية التفكير النقدي لدى الفرد، فالفلسفة في الأصل هي سلوك فطري يولد مع الإنسان ويبقى يلازمه طيلة حياته عبر سلسلة متواصلة من التساؤلات إلى آخر العمر، لذلك يقول أرسطو «لا نستطيع التوقف عن التفلسف إلا إذا توقفنا عن التنفس»، ولأنها عبارة عن تفكير وتساؤل مستمر فهي تساعد الإنسان على تنمية قدراته العقلية وتوسع خياله وتنمي ذكاءه، وكذلك تحثه على الإبداع وترفع سقف آفاق وطموحات العقل البشري وتجعله في بحث مستمر عن الحقيقة، ولهذا يقول برتراند راسل «إن الفلسفة توسع عقولنا وتحررها من عقال العرف والتقاليد»، وهو ما كان أمراً ترفضه بعض الفئات التي سعت لفرض إجابات معلبة، ما جعل السمة السائدة لفكر المجتمع يسير بقطبية أحادية قائمة على التلقي والتلقين لا التأمل والتدبر، ولكن مع تفعيل الأنشطة الفلسفية سيتطور الوعي الجمعي، وإنجاح هذا التوجه يأتي من خلال إزالة الضبابية حول مفهوم الفلسفة لدى المجتمع وإخراجها من الإطار النخبوي والدوائر المغلقة والمساحات الضيقة العالقة فيها، لترتبط مفاهيمها وأهدافها وتطبيقاتها بشكل أوسع اجتماعياً وبحياتنا اليومية.
في الماضي حجبت الفلسفة عن مناهج التعليم ولم تكن هناك أي حاضنة رسمية لها، وعلى النقيض كانت كتب الفلسفة متداولة في المكتبات العامة، حيث تركت حرية الاطلاع للأفراد، وكان الاهتمام بالفلسفة محصوراً في طبقات نخبوية محدودة من خلال بعض التجمعات في الأندية الأدبية، لذلك ظلت الأنشطة والنقاشات الفلسفية تسير في إطار الجهود الفردية وليس العمل المؤسساتي، ولم يكن لها أي تأثير فاعل على المجتمع رغم أهميتها، أما الآن فقد مهدت رؤية المملكة 2030 الطريق أمام الانفتاح على علوم الفلسفة وتوظيفها إيجابيا لخدمة أهدافها التنموية.
وحتى تحقق أول جمعية وطنية لعلوم الفلسفة أهدافها المرجوة كإحدى الأذرع العملية الفاعلة التي تساهم في توسيع رقعة تأثير المفاهيم الإيجابية للفلسفة على المجتمع وبحيث أن لا يكون وجودها أمراً «شكلياً» فقط، سيظل الركّ على التطبيق العملي الصحيح والمعالجات الموضوعية الفاعلة للقضايا الفلسفية بعيداً عن السقوط في فخ الجدليات العقيمة التي وقعت فيها العديد من المجتمعات عبر التاريخ.
وكما تقول الحكمة: «البداية الجيدة تغوي بنهاية جيدة»، في هذا التقرير نسلط الضوء على أحد محاور البداية التي ستنطلق منها «الجمعية السعودية للفلسفة»، وهي مشاركة المرأة السعودية كحجر أساس في هذا المشروع الهام، فهذا المجال لطالما كان حقلاً شائكاً للمرأة عبر التاريخ إلى يومناً هذا، تمثّل في انتقاص القدرة الفكرية للمرأة وحجب إسهاماتها في حقول الفلسفة وهَمّش منجزاتها عبر التاريخ لأسباب مختلفة ومتعددة، منها ما هو متعلق بالموروث والجوانب الاجتماعية والعقائدية، ومنها ما يتعلق بجوانب وأبعاد نفسية لدى الكثير من الفلاسفة المؤثرين، فكان السائد عبر التاريخ هو تفوق الجنس الذكوري على الأنثوي في التعاطي مع الفلسفة، وهناك من الفلاسفة من سعى لإضفاء سمات موضوعية حول عدم أهلية المرأة في مناقشة القضايا الفلسفية لإقصائها، وهو ما خلق فجوة وأزمة وإشكالات مرتبطة بالتمييز العنصري على أساس الطبيعة «الجندرية» أو «الجنسانية» والكراهية العميقة ضد المرأة (الميسوجينية) عبر مختلف الأزمان؛ لذلك نبحث في هذه الإشكالية وخلفياتها التاريخية وأبعادها، وكذلك نطرح على الأعضاء المشاركات في تأسيس جمعية السعودية للفلسفة عدداً من التساؤلات التي تدور في فلك معرفة الرؤى والأهداف التي يسعين إلى تحقيقها ومدى قدرتهن على تجاوز هذه الإشكالات المتجذرة بين المرأة والفلسفة.
غياب النساء الفيلسوفات من الذاكرة المجتمعية
في سبتمبر 2018 أجرت الباحثتان في علوم الفلسفة ريبيكا بكستون من جامعة أكسفورد وليزا ويتينغ من جامعة لندن، استطلاعا ميدانيا في ساحة الحرم الجامعي بأكسفورد، سألتا خلاله المارة من الطلاب والطالبات والأساتذة عن أسماء فلاسفة يعرفونهم، فكانت الإجابات جميعها محصورة في أسماء شهيرة لفلاسفة من الجنس الذكوري مثل أفلاطون وسقراط وأرسطو ونيتشه وكانط، وحين سألوهم عن أسماء النساء الفيلسوفات لم يستطع أيٌّ منهم ذكر أي اسم، وهذا هو الواقع، إذ أشارت الكثير من الاستطلاعات والتقارير إلى أن المجتمعات والذاكرة الجماهيرية لا تعرف شيئاً يذكر عن النساء الفيلسوفات مقارنة بالرجال، وتبقى المعرفة بأسماء وتاريخ ومنجزات النساء الفيلسوفات محصورة بين المتخصصين والباحثين والمهتمين، وداخل بطون المراجع، التي أيضاً ذكرت المرأة الفيلسوفة بين السطور باستحياء وربما على مضض.
وكانت أستاذة الفلسفة بجامعة برينستون الأمريكية تانيا لومبروزو، نشرت تقريراً استقصائياً لافتاً في 2013 بعنوان: «قم بتسمية 5 نساء فلاسفة.. أراهن أنك لن تستطيع»، حللت من خلاله جملة من الأسباب التي أدت لانحسار دور النساء في الشأن الفلسفي والذي وصفته بأنه «التمثيل الناقص للمرأة» في مجالات الفلسفة، وأوضحت بأنه توجد فرضيات عدة افتقرت إلى الأسس العملية لمعرفة الأسباب الفعلية لابتعاد النساء عن الفلسفة عبر التاريخ، مشيرة إلى أن علماء الاجتماع لم يؤدوا دورهم في تحليل الأسباب عبر الأزمان المختلفة، أو لم يكونوا مستعدين للخوض في هذا الشأن، وأفادت أن إنتاج النساء في تأليف الكتب الفلسفية لا يتجاوز 6%، وأن هذا الأمر يلعب دوراً محورياً في اختفاء إسهامات المرأة في الفلسفة، وأدى إلى خلق انطباع بين طلاب علوم الفلسفة بأن الرجال يمارسون الفلسفة وأن النساء لا يفعلن ذلك، كما أشارت إلى أنها لم تكن جازمة حول الأسباب الفعلية لغياب ونقص تمثيل المرأة في الفترة الراهنة في مجال الفلسفة، مثل وجود تحرش جنسي في المنتديات الفلسفية أو عدم وجود فرص وظيفية محفزة للدخول في هذا المجال أو أنها تأتي في سياق موقف الفيلسوف هيغيل: «لا تتكيف عقول النساء مع العلوم العليا، أو الفلسفة، أو بعض الفنون».
والمثير في الأمر، أنه حتى في المراجع الحديثة، ومن بينها العمل الموسوعي الضخم للفيلسوف البريطاني أنتوني جريلينج «تاريخ الفلسفة»، الذي صدر العام الماضي 2019، سلط المؤلف الضوء على 64 فيلسوفاً بينما كانت هناك امرأة واحدة في القائمة وهي الفيلسوفة الإنجليزية هارييت تايلور، وتم الإشارة إليها من منطلق أنها زوجة الفيلسوف المعروف جون ستيوارت ميل، في حين خلت هوامش الكتاب من مراجع ومؤلفات لفيلسوفات.
وبالرغم من ضعف وخلل الثقافة الاجتماعية السائدة حول الفلاسفة الإناث إلا أنهن كن موجودات منذ نشأة الفلسفة في القرن السادس قبل الميلاد، ولكن ساهمت عوامل ثقافية واجتماعية ودينية متعددة في تهميشهن وأخفت إسهاماتهن عبر التاريخ، ولذلك ألفت الباحثتان ريبيكا بكستون وليزا ويتينغ كتابا صدر في يونيو الماضي بعنوان «الفلاسفة الملكات»، لمواجهة هذه الظاهرة وسلطتا الضوء على منجزات نحو 20 فيلسوفة من بين الأكثر تأثيراً والأبرز عبر التاريخ، من هيباتيا في القرن الرابع قبل الميلاد إلى عزيزة الهبري وهي فيلسوفة أمريكية معاصرة من أصل لبناني. وأوضحت الباحثتان «بكستون» و«ويتينغ»، أن تأليف هذا الكتاب ناتج عن الإحباط من النقص التام في الاعتراف بالمرأة في الفلسفة ليس فقط في الحقب التاريخية السابقة ولكن حتى في وقتنا الراهن.
البداية من اليونان القديمة
شهد تاريخ الفلسفة، قديماً وحديثاً، وجود علاقة عدائية شديدة من قبل الفلاسفة الرجال تجاه النساء، وكان في مقدمة هؤلاء كبار الفلاسفة على مر التاريخ وفي مختلف العصور، ومنبع هذه الظاهرة جاء من قبل قدامى فلاسفة اليونان في حقب بدايات نشأة الفلسفة، وكان المعتقد السائد في المجتمع اليوناني القديم هو أن المرأة رمز للجسد والملذات والشهوات، وورَّث مجتمع فلاسفة اليونان الكراهية والعدائية ضد النساء عبر مؤلفاتهم إلى المدارس الفلسفية الأخرى، وظلت هذه «الميسوجينية» تتوارث وتتناسل من جيل إلى آخر، وانتقلت على هيئة «تراث فلسفي» إلى العالمين المسيحي والإسلامي (إمام عبدالفتاح، أفلاطون والمرأة، ط2).
ولكن في الحقيقة، شهدت اليونان القديمة ظهور عدد كبير من الفلاسفة النساء البارزات، أولهن «أرستوكلي» معلمة فيثاغورس، و«ثيانو» التي تعلمت فلسفة الأخلاق على يد معلمها وزوجها فيثاغورس وأصبحت من المعلمات الشهيرات للمدرسة الفيثاغورية، و«إسبيشيا» صديقة «بريكليس» أحد أعظم الساسة في اليونان القديمة وحاكم أثينا «بريكليس»، وكذلك «ديوتيما» معلمة سقراط التي سقط اسمها من المراجع التاريخية لنحو 5 قرون إلى أن تم اكتشافها عبر المخطوطات الأثرية ومراجعة كتابات أفلاطون التي أكدت أنّ سقراط تعلم منها فلسفة الحكمة والحب، ومع كل ذلك تكرّست دونية المرأة في مجتمع اليونان القديمة من خلال أطروحات كبار الفلاسفة في ذلك الزمن، وفي مقدمتهم سقراط وأفلاطون وتلميذه أرسطو، والذين اشتركوا في موقف واحد يصب تجاه دونية مكانة المرأة، ولهذا كان الفيلسوف الأمريكي وليام جيمس ديورانت (1885-1981) في حالة من الذهول نتيجة التحضر الذي كان عليه مجتمع اليونان القديمة دون أن يكون للمرأة فيه دور، وفي مؤلفه «قصة الحضارة»، الذي اشتركت معه زوجته أريل في تحريره، قال ديورانت: «كأن الأقدار قد أرادت أن تدحض حجة القائلين بأن ثمة ارتباطاً بين مستوى الحضارة في بلد ما ومركز المرأة فيه».
ورغم أن سقراط اكتسب قدراً كبيراً من معرفته في فلسفة الحكمة والحب على يد معلمته «ديوتيما» إلا أنه كان يقول لتلامذته: «تزوجوا، فإما أن تكونوا سعداء، أو تصبحوا فلاسفة مثلي»، وقبل إعدامه بتهمة المعصية وإفساد الشباب، وصف خلال محاكمته أولئك المدافعين عن حياتهم في المحكمة أنهم «ليسوا بأفضل من النساء»، وكان يرى أن النساء لا بد وأن يخضعن لسلطة الرجال، مؤكداً في الكثير من طروحاته على تفوق الرجال على النساء في جميع المهام التي قد تسند إلى الجنسين، وفي «الكتاب الثامن» ضمن أقسام كتاب «الجمهورية» لأفلاطون، قال سقراط، إن سبب الانحطاط الأخلاقي للديمقراطية هو أنها تسعى إلى تحقيق المساواة بين الجنسين.
وأطلق أفلاطون صاحب «المدينة الفاضلة»، حكمه بعدم رجاحة عقل النساء، قائلاً: «ليس في مقدور أي امرأة أو صبي أو حيوان أن يحدد ما هو صالح له»، وكان مؤمناً بأن المرأة أدنى من الرجل في العقل والفضيلة، ويأسف أن من أنجبته في الدنيا امرأة ويزدري والدته لأنها أنثى، فيما حذر الفيلسوف اليوناني «طيماوس»، الذي كان أحد المؤثرين في فكر أفلاطون، الرجال أنهم إذا لم يتحلوا بالأخلاق الحميدة فقد يعاد خلقهم في الحياة التالية على صورة نساء.
أما مؤسس علم المنطق و«المعلم الأول» الفيلسوف أرسطو فكان يرى أن المرأة كائن ضعيف حساس غير صالح للقيادة أو المناصب العامة حتى قيادة المنزل تكون فيها المرأة غير صالحة ولا تصلح إلا للإنجاب، وأكد على المفهوم السائد لدى أقرانه الفلاسفة في ذلك الزمن بأن «المرأة رجل ناقص»، وكان يرى أيضاً ضرورةً في أن تكون النساء خاضعات للرجال بحيث لا تكون لهنّ سلطة، وأن على الزوج ممارسة «حكم سياسي» على الزوجة، معتبراً أن المرأة أكثر اندفاعاً وأكثر عاطفة وأكثر شكاية بل وأكثر خداعاً، ولا يمكنها أن تمارس الفضائل الأخلاقية مثل الرجل فهي مجرد مخلوق مشوه أنتجته الطبيعة.
أما الأسباب وراء هذه الدونية التي وصمت بها المرأة في العصر اليوناني القديم، فهو مبحث ممتد اختلفت فيه الآراء وتعددت، فهناك من يرى أن السبب يعود إلى «العرف الاجتماعي» السائد في ذلك الوقت وتأثيره على مواقف الفلاسفة، وآراء أخرى ترى أن السبب يعود إلى قوانين الطبيعة وأن هذه الأعراف طبيعية وليست من صنع البشر، وهذا الرأي تبناه سقراط وأفلاطون وأرسطو، وهناك من فسر مسألة ازدراء المرأة من قبل الفلاسفة بأنه يعود إلى طبيعة الفلسفة ذاتها باعتبارها ميداناً لا يمكن للمرأة أن ترتقي إليه لما اختصت به من حس مرهف، وهي أمور تؤثر سلباً على مشاركاتها في العديد من قضايا المعرفة، فيما يرى البعض الآخر أن التجارب العاطفية السيئة والفاشلة التي خاضها بعض هؤلاء الفلاسفة أثرت على آرائهم تجاه المرأة، وهناك أيضاً من يرجع السبب إلى «العامل البيولوجي» المتمثل في ضعف المرأة جسدياً مقارنة بالرجل، إضافة إلى أسباب أخرى مرتبطة بالزواج من المرأة وعزلها عن المجتمع الذكوري لتحصين النسل، وكانت مثل هذه الأعراف الاجتماعية في اليونان القديمة تدفع فلاسفة ذلك الزمن إلى تقديم مبررات عدم أهليتها من نواح عقلية أو طبيعية أو بيولوجية أو سياسية.
التنوير والنهضة الأوروبية.. للرجال فقط
بالرغم أن «أبو الفلسفة الحديثة» الفرنسي رينيه ديكارت، اعتبر أن استخدام الفلسفة وسيلة لتحضر الشعوب وتقدمها فكرياً وعلمياً، بقوله: «هي وحدها تُميزنا من الأقوام المتوحشين والهمجيين، إن حضارة الأمة وثقافتها إنما تُقاس بمقدار شيوع التفلسف الصحيح فيها»، إلا أن سمة التحضر هذه كانت مجرد شعار ورقي لا قيمة له حين يتعلق الأمر بالمرأة، فبالرغم من أن جميع فلاسفة عهد التنوير أجمعوا على تحرير العقل واستخدامه في التفكر والتدبر وتطوير العلوم والتخلص من الخرافات والموروثات الخاطئة، كانت أي امرأة تقرأ عن العقلانية والحداثة تظن أن هذه الأفكار قد حررتها من الإرث الاجتماعي التاريخي الذي كبلها وحطم مقدراتها ومعنوياتها ووضعها في منزلة دونية، إلا أن كبار فلاسفة عهد التنوير في أوروبا باركوا بشكل أو بآخر آراء أرسطو وأفلاطون وسقراط وغيرهم من فلاسفة اليونان حول دونية مكانة المرأة وازدرائها، إذ تواصلت مواقف كبار الفلاسفة المؤثرين في الفكر الإنساني في العصور الوسطى والتنوير واللاحقين في العصر الحديث على الحالة «الميسوجينية» ذاتها وبمختلف صورها كالتمييز الجنسي واحتقار المرأة وتأييد العنف ضدها واستخدامها كأداة جنسية، ومن بين هؤلاء الفلاسفة الذين تبنوا هذه الأفكار جان جاك روسو وجون لوك وكانط وهيغل ونيتشه وشوبنهاور وغيرهم الكثير.
ورغم أن روسو يعد من أهم فلاسفة عصر التنوير، فهو مؤلف رواية «جولي»، التي كان لها أثر بارز في تطوير الحركة ما قبل الرومانسية والرومانسية في الخيال، إلا أنه كان ينظر إلى المرأة بعين أرسطو ويتبنى الرأي ذاته بأنها لم تخلق للعلم ولا الحكمة بل لإشباع غريزة الرجل تجاهها، ويرى أن المكان الذي يتسق مع طبيعة المرأة هو المنزل وإدارة شؤونه بتلبية احتياجات الزوج وتربية الأبناء، ويؤمن بأن «الطبيعة» جعلتها تابعة للزوج، وكان روسو مناقضاً في آرائه حول الزوجة والأبناء والاهتمام بالأسرة، إذ كانت له العديد من العلاقات مع النساء وأنجب 5 أبناء خارج إطار الزواج، جميعهم ماتوا داخل دور الأيتام (ثومبتون ميل، جنون الفلاسفة، ص 21).
واشترك الفيلسوف الألماني فردريك نيتشه مع روسو ومن قبلهم أرسطو في أن المرأة خلقت من أجل راحة الرجل وتلبية احتياجاته الغرائزية، وربط التحضر بزيادة القيود على النساء في مؤلفه (ما وراء الخير والشر، ص 238)، إذ قال «كل نوع أعلى من الحضارة يعني ضوابط أكثر صرامة على النساء»، وله مقولات لاذعة ضد النساء حملت طابع الكراهية والازدراء، ومنها مقولته الشهيرة «هل أنت ذاهب للمرأة؟ لا تنس السوط !»، ورد الفيلسوف البريطاني برتراند راسل على هذه المقولة بسخرية، قائلاً إن نيتشه التقى بـ 10 نساء في حياته، 9 منهن أخذن السوط وقمن بضربه، وفي كتابه «تاريخ الفلسفة الغربية» الذي أسهم في حصوله على جائزة نوبل في الأدب عام 1950، أشار راسل إلى أنه كان من الأفضل لنيتشه أن يعيش في أثينا في عهد بركليس من أن يعيش في العصر الحديث، «كان من الأفضل أن يعيش في الماضي لا الحاضر»، ولكن كانت لنيتشه أيضاً آراء أخرى في مؤلفاته متباينة ومتناقضة حول موقفه من النساء، يتضح منها أنها نتاج حالة مزاجية متقلبة، منها ما هو مرتبط بالإرث الفلسفي في المراجع، ومنها ما هو متعلق بعلاقته الشخصية مع الجنس الآخر، ولكنّ أياً كان الجدل ستبقى مقولاته عن المرأة في مؤلفاته خالدة وشاهدة على موقفه منها، خصوصاً على شاكلة ما قاله في مؤلفه «هكذا تكلم زرادشت» بأن «المرأة كائن غير قادر على الصداقة: فهي لا تزال كالقطط، أو الطيور، أو الأبقار على أفضل الأحوال».
أما شوبنهاور، الذي كان الأستاذ الروحي لنيتشه، وبالرغم من أنه صاحب عقل يبدو مستنيراً في العديد من القضايا الفلسفية، إلا أنه يعد أيضاً من ألد أعداء المرأة في عصره، إذ وصفها بأنها أتت من جنس بشري أدنى من جنس الرجل، وكان كارهاً لوالدته التي ماتت وهو مقاطع لها، ويرى أن النساء منبع الشرور وتجسيداً للخيانة والغدر والحقد ومثالاً لجنون الشهوة، جزء من أسباب تلك العدائية كان مرتبطاً بعلاقته السيئة مع أمه لأنها دخلت في علاقة مع رجل بعد وفاة والده الذي أنهى حياته منتحراً، إضافة إلى علاقاته الفاشلة مع النساء، ووصف المرأة بأنها «إنسان ناقص أشبه ما يكون بالطفل، وبحكم طبيعتها يجب أن تطيع»، وجرد المرأة في آرائه من أي فضيلة ولم يرها سوى أداة للجنس والتكاثر للحفاظ على بقاء الكائن البشري.
إيمانويل كانط، الذي يعد أهم الفلاسفة المؤثرين في الثقافة الأوروبية الحديثة، أحب امرأة وقرر أن يتزوجها ولكنه انشغل بإعداد مؤلفه «نقد العقل الخالص»، وحين انتهى منه ذهب ليطلب يدها للزواج فوجد أنها تزوجت وأصبح لها أبناء، ورغم كل ما حظي به من رجاحة العقل والحكمة في الكثير من مناحي الحياة إلا أنه حين يتعلق الأمر بالمرأة، فهو أيضاً ضمن قائمة طويلة من كبار الفلاسفة الذين اشتهروا بالآراء ذاتها التي تحتقر المرأة، ومنها قوله: «المرأة حيوان أليف، يسير الرجل في المقدمة والسلاح بيده والمرأة تتبعه محمّلة بأدوات الطهي». وبالقدر ذاته من الدونية، وصف رائد نظرية التطور العالم البريطاني داروين المرأة في كتابه الشهير «أصل الإنسان» بأنها «لا تصلح إلا لمهام المنزل وإضفاء البهجة على البيت.. فالمرأة في البيت أفضل من الكلب»، واعتبر أن «المرأة أدنى في المرتبة من الرجل وسلالتها تأتي في درجة أدنى بكثير من الرجل»، وقال أيضاً إنه يعتقد أن هناك «اختلافات في القوى العقلية للجنسين».
هذه المواقف العدائية ضد المرأة من قبل الفلاسفة ليس من السهل استيعاب وتحديد أسبابها الحقيقية كأساس علمي ثابت، ولا يزال يجهل الكثيرون أسرار تلازم هذا الموقف العدائي، حتى الفلاسفة أنفسهم لم يفهموا سبب الكراهية بين الفيلسوف والمرأة، ويكفي أن نستشهد بمقولة سيغموند فرويد مخترع علم التحليل النفسي: «إن أكبر سؤال بقي دون إجابة ولم أستطع حله رغم سنواتي الثلاثين في دراسة نفسية المرأة هو التالي: ماذا تريد المرأة؟».
كراهية النساء عند الأدباء والمفكرين العرب
لقد امتد الإرث الفلسفي اليوناني عبر مؤلفاتهم إلى العرب بما في ذلك النظرة السلبية لدى الفلاسفة عن المرأة، وهذا ما توصل إليه أستاذ الفلسفة والعلوم الإنسانية الراحل إمام عبدالفتاح في محصلة كتابيه «أفلاطون والمرأة»، و«أرسطو والمرأة»، مؤكداً أن الصورة السيئة عن العرب في هذا الشأن منشؤها الفلاسفة اليونانيون، وكان العصر الأموي قد شهد بداية ترجمة المصنفات الطبية والكيميائية والفلكية من اليونانية إلى العربية، ثم اتسعت رقعة تعريب اليونانيات في العهد العباسي، مما ترك أثراً في الثقافة الإسلامية تحدث عنه المفكر المصري أحمد أمين في مؤلفه «ضحى الإسلام» قائلاً: «إن فلاسفة الحضارة العربية الإسلامية من أمثال الفارابي وابن سينا وابن رشد كانوا كالمفوضية اليونانية في البلاد الإسلامية».
ووصف الأديب والمفكر الراحل عباس العقاد بـ «شوبنهاور الشرق» بسبب كتابه «هذه الشجرة» الصادر عام 1945، والذي يعبر عن كراهية شديدة ضد النساء، على الأرجح أنها سبب في عدم زواجه حتى وفاته، وحين تقرأ هذا الكتاب ستشعر بأنه امتداد لطروحات أرسطو ونيتشه وشوبنهاور التي أصّلت لاحتقار المرأة في تاريخ الفلسفة، فالمرأة كما وصفها العقاد في «هذه الشجرة» هي عبارة عن حيوان تحركه الفطرة والغريزة، ولا تمتلك براعة في شيء قدر براعتها في إثارة غريزة الرجل، ويصف المرأة بأنها غشاشة و«أن الغش عند المرأة كالعظمة عند فصائل الكلاب»، فكما يحرص الكلب على قضم العظمة مهما امتلأ جوفه باللحم، كذلك المرأة تحتال وتراوغ وتلعب بمواطن الضعف في الرجال، وفي فصل «تفاوت الجنسين» واصل العقاد انتقاصه للمرأة وإمكاناتها، فيقول: «المرأة لا تبتدئ ولا تبتدع في صناعة من الصناعات أو فن من الفنون، وإن طال عملها فيه وانقطعت له أحقاباً بعد أحقاب، فإذا شاركها الرجل في الطهي أو الخياطة أو النسيج أو التزيين والتجميل - وهي صناعاتها التي غبرت على مزاولتها مئات الأحقاب - كان له السبق بالتجويد والافتنان» (هذه الشجرة، ص 35).
واشتهر أيضاً تلميذ العقاد، الأديب والفيلسوف المصري الراحل أنيس منصور بعداء المرأة ولقب بـ «عدو المرأة الأول»، وله العديد من المقولات اللاذعة ضد المرأة، من بينها ما يشير إلى كراهية الرجل للمرأة بقوله: «لم تنجح المرأة حتى الآن في معرفة مدى كراهية الرجل لها!» و«المرأة لن تعرف إلى أي حد يكرهها الرجل حتى تتزوجه»، ومع ذلك كانت هذه المقولات مناقضة لعلاقته القوية مع زوجته والمبنية على الحب، لكن ربما تقمص تلك الصورة الدونية عن النساء في كتاباته نقلاً عن أستاذه العقاد، وقد أوضح أنيس منصور حجم تأثره بالعقاد في كتابه «في صالون العقاد.. كانت لنا أيام». أما الأديب الراحل توفيق الحكيم فكان يلقب أيضاً بـ «عدو المرأة»، وهو اللقب الذي لازمه طيلة مسيرته حتى وفاته، ونسب إليه بسبب اختلافاته الحادة مع هدى شعراوي التي كانت من الناشطات في مجال حقوق المرأة، وقبل أن يطلق عليه لقب «عدو المرأة» بسنوات، كتب الحكيم مقالاً قال فيه: «أنا أكره المرأة والنظام البرلماني؛ لأن طبيعة كليهما واحدة.. الثرثرة»، وهو ما أثار حفيظة أعضاء البرلمان وكاد أن يفصل من وظيفته في القطاع الحكومي، ولكن أفضت الوساطات في ذلك الوقت إلى الاكتفاء بالخصم من راتبه، وحين كان في الأربعين من عمره، وما زال أعزب، سُئل: لماذا لا تتزوج؟ فأجاب: «لست مجنوناً حتى أفعل ذلك، وإذا حدث المستحيل وجننت، فلن أجد المجنونة التي تتزوجني»، ولكنه تزوج لاحقا بالسر من ذلك العدو اللدود، وبعد اكتشاف أمره أصبحت قصة زواجه مادة دسمة في الإعلام.
الوضع الراهن.. امتداد للسياقات التاريخية
المثير للدهشة هو أن واقع الفلسفة في تاريخنا المعاصر (القرن الواحد والعشرين) لا يستطيع أن يخفي ارتباطه بالإرث «الميسوجيني» للفلسفة منذ أكثر من 2500 عام، فالإحصاءات الديموغرافية الحالية عند أعداد النساء في أقسام الفلسفة في الجامعات الغربية عموماً أقل بكثير من الرجال مقارنة بالعلوم الأخرى، وفي يونيو 2013، أفاد أستاذ علم الاجتماع بجامعة ديوك الأمريكية كارين هيلي بأن «من بين جميع الاقتباسات الحديثة في 4 مجلات فلسفية مرموقة، تشكل الكاتبات 3.6% فقط»، وفي أكتوبر 2014 نشر أستاذا الفلسفة نيفين سيزاردك ورافائيل دي كليرك بحثاً بعنوان: «المرأة في الفلسفة: مشاكل مع فرضية التمييز»، وقالت الدراسة البحثية إن سبب التمثيل الناقص للمرأة في تخصص الفلسفة إلى حد كبير يعود إلى «التحيز ضد المرأة أو لشكل من أشكال التمييز الجائر ضد المرأة»، وتوصلوا إلى هذا الرأي بالاستناد إلى 6 أدلة استشهدوا بها، ومن بينها: «الفوارق بين الجنسين التي تزداد بين طلاب الجامعة وتمتد أيضاً إلى أعضاء هيئة التدريس بدوام كامل»، و«بعض الشهادات عن التمييز في الفلسفة»، و«الأبحاث حول التمييز على أساس الجنس في تقييم المخطوطات والمنح والسيرة الذاتية في التخصصات الأكاديمية الأخرى»، وقالت أستاذة الفلسفة بمعهد ماساشوستس سالي هاسلانغر، في تصريحات سابقة لها في 2008، إنه «من الصعب جداً العثور على مكان في الفلسفة لا يعادي النساء والأقليات بشكل نشط، أو على الأقل يفترض أن الفيلسوف الناجح يجب أن يبدو ويتصرف مثل رجل تقليدي أبيض».
وفي يوليو 2015، نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تقريراً بعنوان: «هل للفلسفة مشكلة مع المرأة»، من إعداد الفيلسوفين البريطانيين ماري وارنوك وجوليان جيني، وناقش التقرير مسألة ضعف تمثيل المرأة في أقسام الفلسفة في الجامعات البريطانية، حيث تشكل النساء 25% من إجمالي أعضاء هيئة التدريس، وقال جوليان هناك تمييز ضد المرأة في أقسام الفلسفة في الجامعة، لكن «اللغز هو لماذا يجب أن يكون معدل هذا التمييز أعلى في الفلسفة منه في التخصصات الأخرى؟»، وكانت الغارديان نشرت قبل هذا التقرير بأشهر قليلة تقريراً من إعداد ريبيكا رادكليف وكلير شو، حول أسباب وجود عدد قليل من النساء في تخصصات الفلسفة، وأفادت حينها أستاذة الفلسفة بجامعة شيفيلد جينفر ساول، أن نسبة تمثيل النساء في أقسام الفلسفة بالجامعات الأمريكية لا تتجاوز 17% من إجمالي أعضاء هيئة التدريس، وأضافت بأنها أنشأت مدونة لمناقشة أسباب ضعف تمثيل المرأة في أقسام الفلسفة، وصدمت من طوفان المشاركات اليومية التي تحدثت عن التعرض لتحرش جنسي ممنهج بسبب الحركات النسوية التي تنشأ في مثل هذه الأقسام وهو ما يقابلها رد فعل عنيف من المناهضين.
الفيلسوفة الأمريكية ساول لـ عكاظ: لهذا السبب لم تبرز الفلاسفة النساء
تحدثت رئيسة «جمعية النساء في الفلسفة» بالمملكة المتحدة والفائزة بجائزة المرأة الفلسفية المتميزة في واشنطن عام 2011 الفيلسوفة الأمريكية جنيفر ساول، في تصريحات إلى «عكاظ» حول قضية معاناة المرأة والفلسفة وتأسيس جمعية سعودية متخصصة في علوم الفلسفة، قائلة: «تاريخياً، كان هناك تقليد طويل من التفكير في أن المرأة ليست مناسبة للتعليم، وبالتأكيد ليست مناسبة للعلم أو الفلسفة»، موضحة أن من نتائج ذلك هو أن النساء مُنِعن في الواقع بشكل عام من الحصول على التعليم الذي كان من الممكن أن يسمح لهن بأن يصبحن فلاسفة، وهذا وحده يقطع شوطا ًطويلاً نحو تفسير أسباب التمثيل المنخفض للمرأة في تاريخ الفلسفة.
وتابعت: ومع ذلك، فإن جزءاً مهماً آخر من القصة هو أنه على الرغم من ذلك، فقد برزت بعض النساء في مجال الفلسفة منذ وقت مبكر في التاريخ، مثل الفيلسوفة هيباتيا في العهد اليوناني القديم، وهناك أيضاً العديد من الفلاسفة النساء الأخريات اللاتي برزن - على الرغم من الحواجز - ولكن تم توثيق أعمالهن في أزمان لاحقة في كتب التاريخ وبعضهن لم يذكر بشكل دقيق في المراجع التاريخية، لذلك كنّ في الواقع أكثر تأثيراً مما يدركه معظم الناس، ويعتقد المؤرخون اليوم أنه لفهم تاريخ الفلسفة بشكل صحيح، نحتاج إلى العودة وإعادة اكتشاف فكر هؤلاء النساء.
وحول دور النساء في مجالات الفلسفة السعودية مع تأسيس أول جمعية وطنية للفلسفة أخيراً، قالت ساول إنها تؤمن بأن الفلاسفة هم دائماً صالحون للمجتمع، إذ تعلم الفلسفة التفكير الدقيق والتساؤل وكيفية إجراء نقاشات محترمة، حيث يفهم الناس حقاً وجهة نظر بعضهم البعض. وأضافت يساعدنا ذلك على التفكير في الأسئلة الأخلاقية الملحة، وكلما زاد عدد الأشخاص الذين تم تدريبهم على هذا النوع من التفكير كان ذلك أفضل للمجتمع. وختمت: «تُحدث النساء اللواتي يدرسن الفلسفة اختلافاً كبيراً في التغلب على الصورة النمطية للفلسفة على أنها ذكورية، وإلهام النساء لدراسة هذا الموضوع، لذا من الرائع وجود العديد من النساء الفلاسفة في الجمعية السعودية للفلسفة».
رئيس الجمعية السعودية للفلسفة لـ عكاظ: لا محاصصة في العضوية بين الرجال والنساء ولا فروقات
قال الدكتور عبدالله المطيري رئيس الجمعية السعودية للفلسفة التي أعلن تأسيسها أخيراً، إن الجمعية وازنت في اختياراتها للأعضاء المؤسسين بين الشخصيات التي لديها اهتمامات ونشاط فلسفي من خلال التأليف والعمل الأكاديمي والشخصيات التنظيمية التي لديها إلمام بالشأن الثقافي وعملية تنظيم الأنشطة والفعاليات والتواصل مع المجتمع، بحيث تكون هذه التوليفة من الأعضاء فاعلة وقادرة على تحقيق أهداف عملية على أرض الواقع وليست مجرد جمعية نظرية.
وأضاف، في تصريحات إلى «عكاظ»، بأن نسبة الإناث بين أعضاء الجمعية تبلغ 25% (4 سيدات من إجمالي 16 عضواً مؤسساً في الجمعية)، معتبراً أن هذه النسبة تتوافق مع المتوسط العالمي في أقسام الفلسفة في الجامعات الغربية أو الجمعيات المماثلة لنشاطهم. كما أشار إلى أن أعضاء الجمعية لا يمثلون جميع المهتمين والمهتمات بقضايا وموضوعات الفلسفة في السعودية، ولكن عملية تأسيس جمعية سعودية تخضع لإجراءات بيروقراطية معقدة، إذ يتطلب الحصول على الترخيص أن يقوم كل عضو بعدد كبير من الإجراءات تشمل تعبئة النماذج وتوثيق الشهادات؛ ولذلك إذا كان عدد الأعضاء المؤسسين محدوداً تصبح المسألة أسهل في الحصول على الترخيص، مبيناً أن الجهات الرسمية لا تشترط نسبة محاصصة بين الأعضاء النساء والرجال.
وأكد المطيري أنه لا ينظر للفروقات بين الجنسين من حيث ما يتوقعه من إسهامات فلسفية، لافتاً إلى أن الحضور النسائي للحلقات الفلسفية طغى على الرجال.
الأعضاء المؤسسات: نهدف إلى الإثراء المعرفي
تحدثت ثلاث من الأعضاء المشاركات في تأسيس أول جمعية سعودية للفلسفة في تصريحات إلى «عكاظ»، حول دوافع المشاركة في تأسيس الجمعية وأهدافهن كسيدات يخضن في هذا المجال الذي عانت فيه المرأة حول العالم من التمييز والكراهية منذ القدم، إذ ترى عضو الجمعية غادة غوث، بأن الفلسفة حق وسلوك طبيعي للجميع، وأن على المرأة ألا تتوقف بعد اليوم خصوصاً أن الطرق مفتوحة أمامها للمشاركة في أي مجال، مبينة أن فكرة إنشاء جمعية للفلسفة هي الرغبة في توحيد الجهود المبذولة، وهذا يظهر في التنوع الموجود بين الأعضاء الذين يمثلون جهات مختلفة ممارسة لأنشطة ثقافية من مختلف مناطق المملكة يجمعها هدف واحد أسمى. وقالت إنها وجدت أن هناك إقبالاً كبيراً من الشباب الشغوف والمهتم بالفلسفة الذين لديهم الرغبة في الالتحاق ببرامج وأنشطة متنوعة، إضافة إلى أن عدم وجود تخصص أكاديمي جعل الشباب يتناولها بقراءات فردية ولا توجد قاعدة ينطلق منها الجميع، فكلما زاد تفعيل هذه الأنشطة التي ستهتم بها الجمعية بشكل دوري ومنظم فإن هذا سيساعدهم على الاستزادة في الإثراء المعرفي في المجال والمشاركة فيه، وخلق بيئة متفاعلة بالعطاء تحت إشراف أكاديميين ومتخصصين. من جانبها، أبدت أستاذة النقد الأدبي الدكتورة رانية العرضاوي شكرها وامتنانها على منحها الثقة والفرصة في أن تكون من بين الأعضاء المشاركين في تأسيس هذه الجمعية، مؤكدة أنه لا فرق بين أهدافها في الانضمام إلى الجمعية بصفتها امرأة أو رجلاً، فزمن التمييز العنصري بين الجنسين قد أفل وغابت شمسه بلا عودة، والمشهد السعودي الثقافي اليوم في ظل حكومتنا الرشيدة، انتفض محلّقاً كطائر الفينيق من رماد مغلوطات مفاهيمية كثيرة، والمرأة السعودية متمكنة بأدواتها المعرفية والعلمية وتنعم اليوم في وسط ثقافي واجتماعي يقدّرها ويعرف أهمية دورها فرداً فاعلاً في بناء الوطن. وقالت الدكتورة العرضاوي: إن النساء الفيلسوفات قديما عانين كثيراً، ولكن نحن السعوديات سنثبت للعالم أننا سنخالف تاريخ المعاناة للفيلسوفات، وسنصنع تاريخاً فلسفياً مشرقاً للمرأة هنا في المملكة. من جهتها، قالت عضو جمعية الفلسفة سارة الرشيدان، إن الفلسفة كونها أم العلوم، هي منطلق لفهم الآداب والفنون ومختلف المعارف الإنسانية، مشددة على أنه ليست المرأة وحدها من حرم من تعلم وتعليم الفلسفة، موضحة أن الدافع من مشاركتها في تأسيس الجمعية هو المساهمة في ردم الفجوة التي أدت إلى غياب الفلسفة في التعليم والتفكير والتعبير، وتتوقع أن تتمكن الجمعية الوليدة من توسيع دائرة نشر الثقافة الفلسفية ومن ثم توسيع دائرة المساهمة من خلال ربط الجمعية بالمؤسسات التي تسعى لخدمة الفكر والمعرفة والحوار داخل المملكة.