دائماً يكون الحديث عن السكر، مخاطره، ومضارّه، وكيفية خفض المقادير التي يمكن تناولها منه. وبالطبع يأتي الحديث عن السكر ويتطرق لداء السكري، الذي أعيا المداوين والأطباء منذ العصر الفرعوني إلى اليوم الحاضر.
وأثارت إرشادات أصدرتها هيئة الغذاء والدواء الأمريكية أخيراً، بشأن السماح بتناول بدائل الملح في الأطعة التي يتناولها الفرد كل يوم، اهتماماً بالغاً بقضية شائكة، خصوصاً تضارب النصائح المتعلقة ببدائل الملح، بين من يعتبرونها حلاً لتقليص ما يتناوله الفرد من الملح، ومن يرونها خطراً على الصحة. وكانت هيئة الغذاء والدواء طالبت مصانع الأغذية وسلاسل المطاعم، في سنة 2021، بخفض نسبة الملح في أطعمتها بمعدل 12% بالنسبة إلى الأغذية المعلّبة، والمحفوظة في عبوات.
وحذرت من أن الإفراط في تناول الملح (ويعرف أيضاً بملح الطعام، وملح المائدة) يتسبب في ارتفاع ضغط الدم، الذي يؤدي بدوره إلى النوبات القلبية، والسكتات الدماغية. وقالت الهيئة، الأسبوع الماضي، إنها تقترح أن يُسمح باستخدام بدائل الملح في الأطعمة التي يتناولها الأفراد كل يوم، بما في ذلك الأجبان، والبزيلاء المجمدة، والتونة المعلبة؛ في مسعى يهدف إلى تشجيع خفض تناول السكان للملح العادي. وقالت مديرة قسم سلامة الأغذية والتغذية في الهيئة سوزان ماين: إن الأمريكيين يستهلون كميات كبيرة من الملح. وأضافت أن أكبر الكميات التي يتم استهلاكها من الصوديوم (وهو اسم علمي للملح) تأتي من الأغذية المعلبة والمصنّعة، وليس من الملح الذي يضيفه الناس إلى أطباقهم، ووجباتهم وأكلهم. وتقول جمعية القلب الأمريكية إن نحو 103 ملايين من البالغين في الولايات المتحدة يعانون من ضغط الدم، الذي يعتبر سبباً رئيسياً للوفاة، بحكم أنه يؤدي إلى حدوث نوبات قلبية وسكتات دماغية.
وعلى رغم خطورة ارتفاع ضغط الدم وتبعاته، فإن من الممكن تقليص مخاطره من خلال تغيير جذري في أسلوب حياة الفرد. وتعتبر الوجبات السريعة، و«المقرمشات» الأشد إثارة للمخاطر، لأنها تحتوي على مقادير كبيرة من الملح.
ويقول اختصاصي الباطنة الأمريكي الدكتور صاموئيل فينك إن جزءاً كبيراً من العلاج يتمثل في خفض مقادير الملح التي يتم تناولها في الطعام اليومي. ويفضل كثيرون اتباع حِمْيَة DASH (وهي اختصار لعبارة أساليب الحِمْيَة الهادفة لوقف ارتفاع ضغط الدم)، التي تشمل التشجيع على تناول مزيد من الفواكه، والخضار، واللحوم الطرية، والدهون الصحية، وأقل قدر من السكر والملح. وتشير أبحاث إلى أن من يتبعون حمية DASH ممن يعانون من ارتفاع ضغط الدم يجدون أن مستوى ضغط الدم لديهم بدأ ينخفض بشكل ملموس خلال أسبوعين فحسب من بدئهم العمل بحمية DASH.
ويقول الدكتور فينك، وهو اختصاصي في ولاية كاليفورنيا، على مدوَّنته الإلكترونية: «إذا كانت قراءة ضغط دمك 80/130 أو أكثر، فإن الإقلاع عن تناول الملح سيبدل الحال إلى النقيض تماماً؛ إذ إن الإكثار من الملح يجعل الجسم مثقلاً بقدر كبير من السوائل، ما يجعل القلب عاجزاً عن ضخ الدم في الجسم، وهو ما يعرف بارتفاع ضغط الدم. وإذا خفض الفرد ما يتناوله من الملح إلى 1500 ميلليغرام يومياً، فسيجد أن ضغط دمه بدأ يعود إلى معدلاته الطبيعية». بيد أن الإقلاع عن تناول الملح، أو حتى خفضه ليس أمراً سهلاً لغالبية الناس.
لكن من حسن الحظ أنه تتوافر بدائل كثيرة جداً للملح. ومعظم بدائل الملح مصنوعة من كلورايد البوتاسيوم، وهي مادة كيميائية طعمها شبيه بالملح الطبيعي. وبالنسبة إلى من لا يطيقون طعم «بدائل الملح»، توجد بدائل للملح أخف كثافة (Lite). وهي غالباً ما يُكتب عليها «منخفضة الصوديوم». وتحتوي على مزيج من كلويد الصوديوم وكلوريد البوتاسيوم. ومع أن هذه البدائل لديها مذاق الملح الطبيعي نفسه؛ إلا أنها تحتوي على أقل قدر من كلوريد الصوديوم مقارنة بملح الطعام الذي تستخدمه كل مائدة. ويعني ذلك أن بدائل الملح تحتوي على قدر ضئيل من كلوريد الصوديوم، لذلك ينبغي الاعتدال في تناولها.
وبما أن بدائل الملح تقوم مكوناتها الرئيسية على كلوريد البوتاسيوم، فإن كل شخص مصاب بمرض الكلى، أو يتناول دواء لخفض ضغط الدم، عليه أن يتفادى الإفراط في تناول البوتاسيوم، ما لم يوافق طبيبه على ذلك. وهناك من لا يطيقون بدائل الملح بكل أنواعها. وهؤلاء ينصحهم الأطباء واختصاصيو التغذية بخلق بدائل خاصة بهم كاستخدام أغذية غنية بالأعشاب والتوابل.
وهناك أطعمة من هذا القبيل متوافرة في الأسواق. لكن الفرد يمكنه خلق «الخلطة» الطبيعية التي يجد فيها طعماً يستطيبه. ومن تلك الأعشاب والتوابل: إكليل الجبل (الروزماري)، والزعتر، ومسحوق البصل، ومسحوق الثوم، والكزبرة، والبقدونس، وبذور الكرفس. ويمكن للباحثين عن طعم حادق أن يضيفوا الليمون. وطبقاً لخبراء مستشفى كليفلاند كلينيك الأمريكي، فإنه على رغم فائدة بدائل الملح، إلا أنها يمكن أن تكون شديدة الخطورة على مرضى الكلى، والقلب، وارتفاع ضغط الدم، ومرض الكبد، والسكري. وتقول خبيرة التغذية الدكتورة ماكسين سميث إن المخاطر كثيرة، لذلك احرص على عدم تناول بدائل الملح قبل استشارة طبيبك.
ويتمسك الأطباء بأن الصوديوم (الملح) والبوتاسيوم ضروريان للجسم، شرط تناولهما بكميات ضئيلة؛ لأنهما يقومان بضخ السوائل من الخلايا وإليها. والمستويات الكافية منهما هي التي تتحكم في أداء العضلات والأعصاب. وقالت الدكتورة سميث إن الكميات المتدنية من البوتاسيوم التي يطلبها الجسم عادة ضرورية لعمل القلب بشكل طبيعي، بما في ذلك الحفاظ على مستوى ضربات القلب. وتتمثل المشلكة في كيفية إيجاد التوازن المطلوب لإعطاء الجسم ما يحتاجه من الملح والبوتاسيوم، دون إفراط ولا تفريط. وعندما يفرط المرء في تناول الملح، تبدأ كميات كبيرة من السوائل في التراكم في مجرى الدم. ولا تستطيع الكلية تصفية تلك الكميات من السوائل، فتبقى في الأوعية الدموية، وتنهك جُدر تلك الأوعية. وبمرور الزمن سيؤدي ارتفاع ضغط الدم إلى فشل الكلى، والنوبات القلبية، والسكتات الدماغية. وتتمسك الجمعية الأمريكية للقلب بأن أقصى حد مسموح للفرد بتناوله من الملح هو 2300 ميلليغرام يومياً. ولكن المثالي أن لا يتجاوز ذلك 1500 ميلليغرام يومياً.