كشفت الهيئة العامة للإحصاء، عن زيادة غير مسبوقة في معدل حالات الطلاق خلال 2022م، وصلت لـ168 حالة يومياً، بواقع سبع حالات طلاق في كل ساعة، وبمعدل يفوق الحالة الواحدة كل 10 دقائق. وبحسب بيانات الهيئة؛ فإنه جرى تحرير 57 ألفاً و595 صك طلاق، خلال الشهور الأخيرة من 2020م، بارتفاع 12.7% عن 2019م، فيما برزت وسائل التواصل الاجتماعي كمتهم رئيسي في ازدياد المعدلات. «عكاظ» فتحت الملف مع المختصين في الإرشاد النفسي والتغير الاجتماعي والأسري والقانون.
الصراعات الزوجية
يقول المختص في الإرشاد النفسي والتغير الاجتماعي الدكتور خالد العثيمين، إن أهمية الأسرة حجر أساسي للبناء المجتمعي وجودة أفراده، وعندما تتعرض الأسرة للانفصال والطلاق فإن المسألة لا تنحصر في تحرر الزوجين من بعضهما، بل يتعدى ذلك التأثير إلى الأبناء ويظهر على شخصياتهم ويؤثر على حياتهم وعلاقاتهم واتجاههم للحياة ومستقبلهم، ويمتد التأثير للبناء المجتمعي؛ الذي يعتبر جزءاً مهماً منه، وللأسف تستمر الصراعات الزوجية المنهكة حتى ينتهي المطاف بعدد منها إلى قرار الانفصال؛ الذي تغلب عليه سمة الاستعجال، فهو رد فعل غير واعٍ وغير مدروس، وقد تحدّث العديد من الخبراء والباحثين في الشأن الزوجي في أن قرارات الطلاق تنطلق من عدة عوامل؛ منها عوامل ذاتية؛ أي أن الزوج والزوجة ليست لديهما الخبرة الكافية للتعامل مع مرحلة الزواج في بداياته، إضافة إلى افتقاد الثقافة والنضج والوعي الفكري الكافي والمتزن للبحث عن البدائل والحلول لمواجهة المشاكل والتعامل الحكيم والمتزن معها، وعوامل اجتماعية تتمثل في سيطرة الاتجاه الاجتماعي السلبي السائد، فنجد أن وجود شبكة العلاقة الاجتماعية الخاصة بالزوج أو بالزوجة قد يكون محفزاً ومحرضاً على اختيار الطلاق كحل لمواجهة أي موقف أو مشكلة، كما أن شبكة العلاقات الاجتماعية قد تسهم في غرس بعض القناعات والأفكار اللاواعية؛ مثل التقليل من قيمة العلاقة الزوجية كحاجة اجتماعية أساسية لا بد منها، وكذلك وجود تصورات ذهنية وردية مسبقة لشريك المستقبل ثم الانصدام بأن الواقع مختلف عن التوقعات ما يزرع لدى الزوج أو الزوجة نوعاً من النفور غير المباشر الذي يتضخم شيئاً فشيئاً، ثم ينفجر على هيئة مطالبة بالطلاق والانفصال.
شكوك وظنون وتتبع
عن العوامل النفسية يؤكد الدكتور خالد العثيمين، أن هذه تعتبر من الأسباب الكامنة التي تحتاج إلى تشخيص دقيق من مختص نفسي أسري، فبعض العلاقات الزوجية التي تسيطر على الشكوك وعدم الثقة والمراقبة والتتبع، وربما وصلت إلى منع الزوجة من الخروج أو مراقبة تحركات الزوج أو تتبع تحركات بعضهما بعضاً، قد يكون من ورائها اضطراب الشخصية الوسواسية والشكاكة، وكذلك الإهمال العاطفي وفقد الإشباع العاطفي والاهتمام والاحتواء، وقد يكون سببه أن أحد الزوجين لديه اضطراب الشخصية الفصامية أو شبه الفصامية أو اضطراب الشخصية النرجسية وغيرها.
ومن الأسباب تصدّر البعض من غير المختصين في منصات التواصل الاجتماعي والتحدث في الشأن الأسري والزوجي، واستخدام لغة فيها من التغرير والتخبيب المباشر أو غير المباشر وتعميم التجارب غير الناجحة في العلاقات الزوجية وإقناع المجتمع بأنها الحل الأمثل للتعامل مع مشاكل الزواج، ما يحد بالبعض للانجراف والتأثر بها.
سوء استهلاكي وهدر مالي
طبقا للدكتور العثيمين، هناك عوامل اقتصادية تقف خلف حالات الطلاق وتتمثل في حالة الفقر، بسبب سوء السلوك الاستهلاكي المبني على عدة أمور كعدم التنظيم المالي، والهدر الترفي الزائد، والانجراف وراء المظاهر المادية المكلفة التي تتجاوز حدود القدرة والملاءة المالية، والوقوع في قروض مالية غير مدروسة وصرفها في الترفيه فقط، مع عدم وجود ثقافة استثمارية مالية مبنية على نظرة مستقبلية.
ويشير الدكتور العثيمين، إلى أن الحلول تتلخص في رؤية 2030، التي ركزت في بنودها اهتماماً رئيسياً بالأسرة والبناء الأسري، وتأسيس العديد من الجهات المهتمة بالشأن الأسري؛ مثل مجلس شؤون الأسرة الذي ارتكزت مبادراته على كل ما يحقق الاستقرار الأسري ويرفع مستوى الثقافة والوعي والدعم الأسري، مثل مبادرة الأسرة أولاً، وملامح الإستراتيجية الوطنية للأسرة، ومبادرة التمكين الاقتصادي للأسرة.
العمل والعمل المضاد
مستشار علم الاجتماع عبدالله البقعاوي، يرى أنها لا تخفى على كثير من الناس آثار الطلاق التي تتعدى الزوجين المنفصلين إلى أبنائهما، إذ تعد مشكلة أسرية وليست زوجية وبما أن الأسرة لبنة من لبنات المجتمع التي تبني المجتمعات فبالتالي تؤثر على المجتمع وأثبت ذلك العديد من الدراسات التي تناولت الجريمة وأسبابها، فالأرقام تشير إلى أن أهم أسباب تفكك الأسر إما إهمال الزوجين المنفصلين لرمي مسؤولية التربية تجاه الطرف الآخر، أو الدلال الزائد لتعويض الأبناء عن فقد الطرف الآخر، أو لإثبات أنه يحبه أكثر من الطرف الآخر، وقد يحدث العكس؛ كالقسوة والعنف انتقاماً من الزوج أو الزوجة؛ لأن الأبناء يذكرونهم بالطرف الآخر، وكل ذلك من مدمرات التربية وينتج عنها في الغالب انحراف الأبناء، وقد ينطوي الابن أو الابنة وينعزل اجتماعياً ويتأثر نفسياً.
أما عن ارتفاع نسب الطلاق فيرى البقعاوي، وجود عوامل عرضتها العديد من الدراسات تقف وراء هذا الارتفاع من بينها تقصير بعض الزوجات في القيام بشؤون زوجها وأبنائها بسبب ارتباطها بالعمل؛ الذي يمتد أحياناً لثماني ساعات وكذلك تقصير بعض الأزواج في رعاية شؤون الأسرة مستغلاً وجود دخل مادي لدى زوجته، كذلك الغيرة من الطرفين بسبب عمل الآخر، وكذلك انشغال الكثير من الأزواج بوسائل المنصات الاجتماعية وقضائهم ساعات طويلة ينتج عنها إهمال للطرف الآخر وللأبناء كذلك، هذا إن لم يؤثر به سلباً وبطريقة تفكيره تجاه الحياة الزوجية، وأيضاً عدم تحمل المسؤولية من الزوجين بسبب الجهل في طبيعة العلاقة الزوجية والأسرية والتوقعات الخاطئة قبل الزواج وهي بعيدة عن الواقع، لذلك يحتاج الأزواج قبل الزواج إلى توجيه وإرشاد من خلال دورات تبين لهم الحقوق والواجبات وتبين لهم طبيعة العلاقة الزوجية وطبيعة الرجل والمرأة وكيفية التعامل مع الآخر.
النكات في المجالس والاتكالية
عزا المستشار الأسري عبدالعزيز الحسيني، الطلاق إلى عدة أسباب؛ منها الناشئة والخفية غير التقليدية، التي ربما تكون قد فاقمت المشكلة في الفترة الأخيرة وأدت لكثرة حالات الطلاق. ومن الأسباب ما له علاقة بالرجل فبعض أبناء الجيل الحالي، جيل اعتمادي، اتكالي، غير مسؤول منذ نشأته، متفرغ للأجهزة والألعاب الإلكترونية، والأب والسائق يقومان بكامل مسؤوليات الأسرة، ما يجعل بعضهم يُفاجأ بعد زواجه بمسؤوليات غير مستعد لها أو مدرك لأبعادها، ما يؤدي في النهاية إلى فشل الزواج بالضرورة.
ومن الأسباب كثرة النكت التي يتداولها بعض الرجال في مجالسهم وعبر وسائل التواصل عن النساء ومقارنتهن بالأجنبيات، والفروقات بينهن في اللون والشكل والطبخ والاهتمامات ومعاملة الزوج، ما جعل بعض الرجال يزهد بمن تحت يده. ثم إن بعض شباب هذا الجيل المترف يُدفع إلى الزواج دفعاً، فإذا تزوج طالب شريكته بكامل حقوقه، وما إن يشعر بشيء من الجفاف، يلجأ إلى التفكير في الانفصال، أو اللجوء إلى طرق أخرى.
اختلاف الأجيال والحوار
يرى المستشار الحسيني، أن بعض المتزوجين ليست لديهم القدرة في التوفيق بين عاداتهم وتقاليدهم، وما طرأ من تغير اجتماعي، ما جعل بعضهم يتعجل بالطلاق لأمور غلب عليها مجرد مخالفة العادات فحسب. وكان يمكن الاتفاق على بعضها والتنازل عن بعضها الآخر.
فبعض الرجال يطالب زوجته بغير حق أن تتقاسم معه مصروف المنزل، بل وبعضهم يطالبها أن تعطيه من مالها، بينما هي ترى أن مالها حق لها، فتقع المشكلات والصدامات التي قد تنتهي بالطلاق.
وكون المجتمع يمر بتغيير شامل، فقد أصبح بعض الأزواج بين نموذج قديم عايشوه من خلال الأب؛ الذي كان الآمر الناهي، ونموذج عصري يطلب منهم المزيد من الحوار والتنازل، ما ولّد فجوة لم يستطع كثير من الأزواج تجاوزها، فيكون مصير الزواج الفشل. ويقول الحسيني: في ما مضى كان بعض الرجال يوظف القوامة دون المساس بالطرف الآخر وكانت الحياة تمضي، أما، حالياً، فقد اختلفت الظروف، وتغيرت الوسائل، واختلف الطرفان في وسيلة التفاهم وفي سلوك الحوار؛ نتيجة المتغيرات الحالية، وأصبح كل واحد يرى نفسه أن له حقاً أكثر من الآخر، فتولدت المصادمات وظهر الخلاف وانسدت الطرق ونتج الطلاق والفراق.
دلال البنات في «السنابات»
يؤكد المستشار الأسري الحسيني، أن المرأة لها مسؤولية في حدوث الانفصال؛ فالظروف ومتغيراتها التكنولوجية، جعلت متابعة كثير من الأسر لأفرادها ضعيفاً، فلم تعد الأسرة هي المؤثر الأول في غرس قيم السمع والطاعة وتأكيد مفهوم قوامة الزوج في نفس الفتاة، فأصبحت الفتيات أكثر انفتاحاً وأكثر تمرداً وأكثر تهاوناً في موضوع الطلاق، بل والمطالبة به عند أدنى صدام مع الزوج. ومن الأسباب تغيير نظرة المجتمع السلبية للمرأة المطلقة، فلم يعد الطلاق بالنسبة للفتاة مشكلة كما كان، ما جعل ذلك ينعكس بالضرورة على تهوين الفتاة لأمر الطلاق. ومن الأسباب كثرة المواقع وحسابات ما يعرف بالنسويات التي تدعو إلى التمرد على الأزواج حتى أصبح لهذه المواقع والحسابات رواد ومتابعات ومتابعة كثير من الفتيات للنسويات اللاتي يتظاهرن بالحياة الرغيدة، وكثرة الأسفار، والتنقل بين الأسواق والمقاهي.. فتظن بعض الفتيات أن الجميع يعيش تلك الحياة، إلى جانب انتشار (السنابات) التي تحظى بمتابعة الملايين، لبعض المطلقات التي تُظهر فيها سعادتها وحريتها وكثرة تنقلاتها بعد طلاقها، إلى جانب الترف والدلال الزائد الذي تعيشه بنات الجيل واستغناء المرأة عن الرجل بدخلها أو بما توفره أسرتها لها.
ويضيف الحسيني، أنه في السابق إذا وقعت مشكلة بين الفتاة وزوجها، فإنها تعرف، سلفاً، أن أباها لن يقف معها، لكونه يرى أن مصلحتها في بقائها مع زوجها، ما يحملها على الصبر، فتمضي الحياة بخلاف كثير من آباء هذا الجيل الذين يتركون لهن حرية اتخاذ قرار الاستمرار أو الانفصال عن أزواجهن عند حدوث أي مشكلة.
المحامون أبرياء
دافع المدرب القانوني بدر التمياط، عن التهم التي تلاحق المحامين في كثرة الطلاق. وقال إن المحامي له مكانة اعتبارية في جميع الدول؛ كونه شخصية تقف إلى جانب الحق بطريقة مدعومة بالأنظمة التي وضعت بشكل واضح وصريح. ولا يمكن أن يكون المحامي أحد أسباب الخلع والطلاق. ولو نبحث عن الأسباب لوجدناها في مؤثرات أخرى كوسائل التواصل أو المجتمعات المفسدة للآخرين، وضعف شخصية بعض الأفراد، فالبيوت ذات الحصانة الفكرية والركيزة المتزنة الحقيقية لم تسعَ إلى طلاق أو خلع في ظل وجود محامٍ أو عدمه. وأضاف التمياط، عن تدخل أقارب الزوجين: يؤثر سلباً على علاقتهما ما قد يخلق فجوة وخلافات، فقد يفسد تدخل الأهل فرص الزوجين للتواصل وحل المشاكل الخاصة بهما ويؤدي لتفاقم المشاكل.
ومن الأسباب، الخيانة الزوجية، التي لا تقتصر على مفهومها الشائع، بل قد تتضمن الخيانة الإلكترونية عبر مواقع التواصل، فهي تؤدي لإفساد الرابطة الزوجية وهدم الثقة المتبادلة.
ويعدُّ العنف في رأي التمياط، من أهم أسباب الطلاق وله أشكال كثيرة، قد يكون من ضمنها العنف الجسدي واللفظي الذي قد يدفع كثيراً من النساء المعنفات لطلب الطلاق بسببه. أيضاً شتم الزوج لزوجته وسبّها والمعاملة السيئة لها من أسباب الطلاق. كذلك عدم الإنجاب (العقم) من الأسباب التي تلعب دوراً في زيادة النسب، فكثير من الدراسات أكدت أنه قد توجد علاقة بين ارتفاع نسبة الطلاق وبين عدد الأطفال في العائلة إلى جانب عدم توافق الزوجين إذ يعد عدم توافق الزوجين من أهم أسباب الطلاق ويشمل العادات والثقافات التي قد ينتمي لها الزوجان.
زوج مستهتر وزوجة غير مبالية
أرجعت المستشارة النفسية فلحاء الشمري، أسباب ارتفاع نسب الطلاق في المملكة إلى عوامل عدة؛ منها نفسية واجتماعية، وأبرزها عدم الوعي بحجم وقيمة مسؤولية الميثاق الغليظ (الزواج).. ويعود ذلك إلى تنشئة الفرد وتربيته وتوجيه الأسرة.. «نشهد غياب الشخص الواعي المدرك الذي يملك القدرة على الإنصاف، وجعل الحياة أكثر هدوءاً واستقراراً في الأسرة، فنجد زوجاً مستهتراً وزوجة لامبالية وأهلاً غير مدركين لعواقب ما يحدث من الانفصال الداخلي أو الطلاق النهائي».
الصراعات الزوجية
يقول المختص في الإرشاد النفسي والتغير الاجتماعي الدكتور خالد العثيمين، إن أهمية الأسرة حجر أساسي للبناء المجتمعي وجودة أفراده، وعندما تتعرض الأسرة للانفصال والطلاق فإن المسألة لا تنحصر في تحرر الزوجين من بعضهما، بل يتعدى ذلك التأثير إلى الأبناء ويظهر على شخصياتهم ويؤثر على حياتهم وعلاقاتهم واتجاههم للحياة ومستقبلهم، ويمتد التأثير للبناء المجتمعي؛ الذي يعتبر جزءاً مهماً منه، وللأسف تستمر الصراعات الزوجية المنهكة حتى ينتهي المطاف بعدد منها إلى قرار الانفصال؛ الذي تغلب عليه سمة الاستعجال، فهو رد فعل غير واعٍ وغير مدروس، وقد تحدّث العديد من الخبراء والباحثين في الشأن الزوجي في أن قرارات الطلاق تنطلق من عدة عوامل؛ منها عوامل ذاتية؛ أي أن الزوج والزوجة ليست لديهما الخبرة الكافية للتعامل مع مرحلة الزواج في بداياته، إضافة إلى افتقاد الثقافة والنضج والوعي الفكري الكافي والمتزن للبحث عن البدائل والحلول لمواجهة المشاكل والتعامل الحكيم والمتزن معها، وعوامل اجتماعية تتمثل في سيطرة الاتجاه الاجتماعي السلبي السائد، فنجد أن وجود شبكة العلاقة الاجتماعية الخاصة بالزوج أو بالزوجة قد يكون محفزاً ومحرضاً على اختيار الطلاق كحل لمواجهة أي موقف أو مشكلة، كما أن شبكة العلاقات الاجتماعية قد تسهم في غرس بعض القناعات والأفكار اللاواعية؛ مثل التقليل من قيمة العلاقة الزوجية كحاجة اجتماعية أساسية لا بد منها، وكذلك وجود تصورات ذهنية وردية مسبقة لشريك المستقبل ثم الانصدام بأن الواقع مختلف عن التوقعات ما يزرع لدى الزوج أو الزوجة نوعاً من النفور غير المباشر الذي يتضخم شيئاً فشيئاً، ثم ينفجر على هيئة مطالبة بالطلاق والانفصال.
شكوك وظنون وتتبع
عن العوامل النفسية يؤكد الدكتور خالد العثيمين، أن هذه تعتبر من الأسباب الكامنة التي تحتاج إلى تشخيص دقيق من مختص نفسي أسري، فبعض العلاقات الزوجية التي تسيطر على الشكوك وعدم الثقة والمراقبة والتتبع، وربما وصلت إلى منع الزوجة من الخروج أو مراقبة تحركات الزوج أو تتبع تحركات بعضهما بعضاً، قد يكون من ورائها اضطراب الشخصية الوسواسية والشكاكة، وكذلك الإهمال العاطفي وفقد الإشباع العاطفي والاهتمام والاحتواء، وقد يكون سببه أن أحد الزوجين لديه اضطراب الشخصية الفصامية أو شبه الفصامية أو اضطراب الشخصية النرجسية وغيرها.
ومن الأسباب تصدّر البعض من غير المختصين في منصات التواصل الاجتماعي والتحدث في الشأن الأسري والزوجي، واستخدام لغة فيها من التغرير والتخبيب المباشر أو غير المباشر وتعميم التجارب غير الناجحة في العلاقات الزوجية وإقناع المجتمع بأنها الحل الأمثل للتعامل مع مشاكل الزواج، ما يحد بالبعض للانجراف والتأثر بها.
سوء استهلاكي وهدر مالي
طبقا للدكتور العثيمين، هناك عوامل اقتصادية تقف خلف حالات الطلاق وتتمثل في حالة الفقر، بسبب سوء السلوك الاستهلاكي المبني على عدة أمور كعدم التنظيم المالي، والهدر الترفي الزائد، والانجراف وراء المظاهر المادية المكلفة التي تتجاوز حدود القدرة والملاءة المالية، والوقوع في قروض مالية غير مدروسة وصرفها في الترفيه فقط، مع عدم وجود ثقافة استثمارية مالية مبنية على نظرة مستقبلية.
ويشير الدكتور العثيمين، إلى أن الحلول تتلخص في رؤية 2030، التي ركزت في بنودها اهتماماً رئيسياً بالأسرة والبناء الأسري، وتأسيس العديد من الجهات المهتمة بالشأن الأسري؛ مثل مجلس شؤون الأسرة الذي ارتكزت مبادراته على كل ما يحقق الاستقرار الأسري ويرفع مستوى الثقافة والوعي والدعم الأسري، مثل مبادرة الأسرة أولاً، وملامح الإستراتيجية الوطنية للأسرة، ومبادرة التمكين الاقتصادي للأسرة.
العمل والعمل المضاد
مستشار علم الاجتماع عبدالله البقعاوي، يرى أنها لا تخفى على كثير من الناس آثار الطلاق التي تتعدى الزوجين المنفصلين إلى أبنائهما، إذ تعد مشكلة أسرية وليست زوجية وبما أن الأسرة لبنة من لبنات المجتمع التي تبني المجتمعات فبالتالي تؤثر على المجتمع وأثبت ذلك العديد من الدراسات التي تناولت الجريمة وأسبابها، فالأرقام تشير إلى أن أهم أسباب تفكك الأسر إما إهمال الزوجين المنفصلين لرمي مسؤولية التربية تجاه الطرف الآخر، أو الدلال الزائد لتعويض الأبناء عن فقد الطرف الآخر، أو لإثبات أنه يحبه أكثر من الطرف الآخر، وقد يحدث العكس؛ كالقسوة والعنف انتقاماً من الزوج أو الزوجة؛ لأن الأبناء يذكرونهم بالطرف الآخر، وكل ذلك من مدمرات التربية وينتج عنها في الغالب انحراف الأبناء، وقد ينطوي الابن أو الابنة وينعزل اجتماعياً ويتأثر نفسياً.
أما عن ارتفاع نسب الطلاق فيرى البقعاوي، وجود عوامل عرضتها العديد من الدراسات تقف وراء هذا الارتفاع من بينها تقصير بعض الزوجات في القيام بشؤون زوجها وأبنائها بسبب ارتباطها بالعمل؛ الذي يمتد أحياناً لثماني ساعات وكذلك تقصير بعض الأزواج في رعاية شؤون الأسرة مستغلاً وجود دخل مادي لدى زوجته، كذلك الغيرة من الطرفين بسبب عمل الآخر، وكذلك انشغال الكثير من الأزواج بوسائل المنصات الاجتماعية وقضائهم ساعات طويلة ينتج عنها إهمال للطرف الآخر وللأبناء كذلك، هذا إن لم يؤثر به سلباً وبطريقة تفكيره تجاه الحياة الزوجية، وأيضاً عدم تحمل المسؤولية من الزوجين بسبب الجهل في طبيعة العلاقة الزوجية والأسرية والتوقعات الخاطئة قبل الزواج وهي بعيدة عن الواقع، لذلك يحتاج الأزواج قبل الزواج إلى توجيه وإرشاد من خلال دورات تبين لهم الحقوق والواجبات وتبين لهم طبيعة العلاقة الزوجية وطبيعة الرجل والمرأة وكيفية التعامل مع الآخر.
النكات في المجالس والاتكالية
عزا المستشار الأسري عبدالعزيز الحسيني، الطلاق إلى عدة أسباب؛ منها الناشئة والخفية غير التقليدية، التي ربما تكون قد فاقمت المشكلة في الفترة الأخيرة وأدت لكثرة حالات الطلاق. ومن الأسباب ما له علاقة بالرجل فبعض أبناء الجيل الحالي، جيل اعتمادي، اتكالي، غير مسؤول منذ نشأته، متفرغ للأجهزة والألعاب الإلكترونية، والأب والسائق يقومان بكامل مسؤوليات الأسرة، ما يجعل بعضهم يُفاجأ بعد زواجه بمسؤوليات غير مستعد لها أو مدرك لأبعادها، ما يؤدي في النهاية إلى فشل الزواج بالضرورة.
ومن الأسباب كثرة النكت التي يتداولها بعض الرجال في مجالسهم وعبر وسائل التواصل عن النساء ومقارنتهن بالأجنبيات، والفروقات بينهن في اللون والشكل والطبخ والاهتمامات ومعاملة الزوج، ما جعل بعض الرجال يزهد بمن تحت يده. ثم إن بعض شباب هذا الجيل المترف يُدفع إلى الزواج دفعاً، فإذا تزوج طالب شريكته بكامل حقوقه، وما إن يشعر بشيء من الجفاف، يلجأ إلى التفكير في الانفصال، أو اللجوء إلى طرق أخرى.
اختلاف الأجيال والحوار
يرى المستشار الحسيني، أن بعض المتزوجين ليست لديهم القدرة في التوفيق بين عاداتهم وتقاليدهم، وما طرأ من تغير اجتماعي، ما جعل بعضهم يتعجل بالطلاق لأمور غلب عليها مجرد مخالفة العادات فحسب. وكان يمكن الاتفاق على بعضها والتنازل عن بعضها الآخر.
فبعض الرجال يطالب زوجته بغير حق أن تتقاسم معه مصروف المنزل، بل وبعضهم يطالبها أن تعطيه من مالها، بينما هي ترى أن مالها حق لها، فتقع المشكلات والصدامات التي قد تنتهي بالطلاق.
وكون المجتمع يمر بتغيير شامل، فقد أصبح بعض الأزواج بين نموذج قديم عايشوه من خلال الأب؛ الذي كان الآمر الناهي، ونموذج عصري يطلب منهم المزيد من الحوار والتنازل، ما ولّد فجوة لم يستطع كثير من الأزواج تجاوزها، فيكون مصير الزواج الفشل. ويقول الحسيني: في ما مضى كان بعض الرجال يوظف القوامة دون المساس بالطرف الآخر وكانت الحياة تمضي، أما، حالياً، فقد اختلفت الظروف، وتغيرت الوسائل، واختلف الطرفان في وسيلة التفاهم وفي سلوك الحوار؛ نتيجة المتغيرات الحالية، وأصبح كل واحد يرى نفسه أن له حقاً أكثر من الآخر، فتولدت المصادمات وظهر الخلاف وانسدت الطرق ونتج الطلاق والفراق.
دلال البنات في «السنابات»
يؤكد المستشار الأسري الحسيني، أن المرأة لها مسؤولية في حدوث الانفصال؛ فالظروف ومتغيراتها التكنولوجية، جعلت متابعة كثير من الأسر لأفرادها ضعيفاً، فلم تعد الأسرة هي المؤثر الأول في غرس قيم السمع والطاعة وتأكيد مفهوم قوامة الزوج في نفس الفتاة، فأصبحت الفتيات أكثر انفتاحاً وأكثر تمرداً وأكثر تهاوناً في موضوع الطلاق، بل والمطالبة به عند أدنى صدام مع الزوج. ومن الأسباب تغيير نظرة المجتمع السلبية للمرأة المطلقة، فلم يعد الطلاق بالنسبة للفتاة مشكلة كما كان، ما جعل ذلك ينعكس بالضرورة على تهوين الفتاة لأمر الطلاق. ومن الأسباب كثرة المواقع وحسابات ما يعرف بالنسويات التي تدعو إلى التمرد على الأزواج حتى أصبح لهذه المواقع والحسابات رواد ومتابعات ومتابعة كثير من الفتيات للنسويات اللاتي يتظاهرن بالحياة الرغيدة، وكثرة الأسفار، والتنقل بين الأسواق والمقاهي.. فتظن بعض الفتيات أن الجميع يعيش تلك الحياة، إلى جانب انتشار (السنابات) التي تحظى بمتابعة الملايين، لبعض المطلقات التي تُظهر فيها سعادتها وحريتها وكثرة تنقلاتها بعد طلاقها، إلى جانب الترف والدلال الزائد الذي تعيشه بنات الجيل واستغناء المرأة عن الرجل بدخلها أو بما توفره أسرتها لها.
ويضيف الحسيني، أنه في السابق إذا وقعت مشكلة بين الفتاة وزوجها، فإنها تعرف، سلفاً، أن أباها لن يقف معها، لكونه يرى أن مصلحتها في بقائها مع زوجها، ما يحملها على الصبر، فتمضي الحياة بخلاف كثير من آباء هذا الجيل الذين يتركون لهن حرية اتخاذ قرار الاستمرار أو الانفصال عن أزواجهن عند حدوث أي مشكلة.
المحامون أبرياء
دافع المدرب القانوني بدر التمياط، عن التهم التي تلاحق المحامين في كثرة الطلاق. وقال إن المحامي له مكانة اعتبارية في جميع الدول؛ كونه شخصية تقف إلى جانب الحق بطريقة مدعومة بالأنظمة التي وضعت بشكل واضح وصريح. ولا يمكن أن يكون المحامي أحد أسباب الخلع والطلاق. ولو نبحث عن الأسباب لوجدناها في مؤثرات أخرى كوسائل التواصل أو المجتمعات المفسدة للآخرين، وضعف شخصية بعض الأفراد، فالبيوت ذات الحصانة الفكرية والركيزة المتزنة الحقيقية لم تسعَ إلى طلاق أو خلع في ظل وجود محامٍ أو عدمه. وأضاف التمياط، عن تدخل أقارب الزوجين: يؤثر سلباً على علاقتهما ما قد يخلق فجوة وخلافات، فقد يفسد تدخل الأهل فرص الزوجين للتواصل وحل المشاكل الخاصة بهما ويؤدي لتفاقم المشاكل.
ومن الأسباب، الخيانة الزوجية، التي لا تقتصر على مفهومها الشائع، بل قد تتضمن الخيانة الإلكترونية عبر مواقع التواصل، فهي تؤدي لإفساد الرابطة الزوجية وهدم الثقة المتبادلة.
ويعدُّ العنف في رأي التمياط، من أهم أسباب الطلاق وله أشكال كثيرة، قد يكون من ضمنها العنف الجسدي واللفظي الذي قد يدفع كثيراً من النساء المعنفات لطلب الطلاق بسببه. أيضاً شتم الزوج لزوجته وسبّها والمعاملة السيئة لها من أسباب الطلاق. كذلك عدم الإنجاب (العقم) من الأسباب التي تلعب دوراً في زيادة النسب، فكثير من الدراسات أكدت أنه قد توجد علاقة بين ارتفاع نسبة الطلاق وبين عدد الأطفال في العائلة إلى جانب عدم توافق الزوجين إذ يعد عدم توافق الزوجين من أهم أسباب الطلاق ويشمل العادات والثقافات التي قد ينتمي لها الزوجان.
زوج مستهتر وزوجة غير مبالية
أرجعت المستشارة النفسية فلحاء الشمري، أسباب ارتفاع نسب الطلاق في المملكة إلى عوامل عدة؛ منها نفسية واجتماعية، وأبرزها عدم الوعي بحجم وقيمة مسؤولية الميثاق الغليظ (الزواج).. ويعود ذلك إلى تنشئة الفرد وتربيته وتوجيه الأسرة.. «نشهد غياب الشخص الواعي المدرك الذي يملك القدرة على الإنصاف، وجعل الحياة أكثر هدوءاً واستقراراً في الأسرة، فنجد زوجاً مستهتراً وزوجة لامبالية وأهلاً غير مدركين لعواقب ما يحدث من الانفصال الداخلي أو الطلاق النهائي».