التسول بالسيارة مع اصطحاب الأطفال بات يشكل وجهاً جديداً، وصار انتشارها دليلاً على حالات الاستغفال التي يتعرض لها الناس في الشوارع والاستغلال السيئ للأطفال بتقديمهم وسيلةً يحصل في مقابلها المتسول على المال الباطل. أعذار هؤلاء أن السيارة فرغت من البنزين، وأن الأطفال جوعى لاستدراج الشخص واستغلال عاطفته، في حين أن أغلب هؤلاء هم أفراد في عصابات. كما أن استغلال الصغار يمتد من حيلة السيارة فارغة البنزين إلى الإشارات والأسواق، ثم إلى قنوات التواصل والمطاعم والفواتير الوهمية ووصفات العلاج.
«عكاظ»، تسلِّط الضوء على الظاهرة الخارجة عن الأعراف والتقاليد والمخالفة للأنظمة المرعية، عبر استطلاع فئات متعددة..
مظهر أنيق ودواء غالٍ
يقول ناصر العوض: إن المتسولين يتطورون بشكل مخيف، ولا بد من رادع لهم ومحاربتهم إذ باتوا يستغلون الأطفال في التسول لاستعطاف المجتمع وهذا حرام، لأنه يؤثر نفسياً واجتماعياً على الطفل ويورثه هذه العادة السيئة. وتروي غادة المحمد، قصة عاشتها بنفسها: كنت مع صديقتي في أحد الأسواق، وفيما كانت صديقتي تحاول إيقاف سيارتها في المواقف، فوجئنا بشخص يطلق بوري (بوق) ومؤشراً بيده، وفتحت النافذة، فسألني إن كنت من سكان الحي، أجبته بالنفي، فسألني ثانية: ونفس الإجابة، وقال: معي أطفال جوعى في السيارة ولا أملك كلفة الوقود، وشككت في الأمر واعتذرت منه، الغريب أن هذا الرجل ظل يتردد في محيط السوق بالسيارة ذاتها، وبرفقة الأطفال ولم يغادر المكان حتى مع تعاطف البعض معه.
وتروى هند الأسمري، حكاية مماثلة وتقول: كنت في أحد المراكز التجارية، وفوجئت بإحداهن تتبعني، وتقول إن ظروفها صعبة وتحتاج مساعدة لشراء دواء، فطلبت منها اسم الدواء لأشتريه لها من صيدلية في المركز التجاري، وزعمت أن الدواء غير متوفر في الصيدلية القريبة، وأن سعره 500 ريال فعرفت أنها متسولة محتالة، وحاولت الإبلاغ عنها لكنها فرت هاربة.
إيذاء وإهمال وتحرش
يؤكد القانوني والأكاديمي ماجد الفيصل، تجريم استغلال الأطفال في التسول، وأن أبعاده تتجاوز حدود تجريم ذات الفعل، إلى أفعال أخرى مجرّمة متصلة بتعريض الأطفال إلى صور الإيذاء والإهمال والتحرش أو الاتجار. وقد تكون لهذه الحالات صلات بأفعال مجرّمة مثل غسل الأموال والجرائم المنظمة الأخرى؛ لذلك حرص المنظم على تجريم التسول ومعاقبته؛ سواء على ذات الفعل أو بما قد يتصل به من أفعال، وذلك من خلال أنظمة جزائية متعددة؛ لذلك فإن تعامل المواطن والمقيم مع المتسولين لا بد أن يكون على درجة من الإدراك والوعي للمخاطر، وما قد ينطوي على التسول من أفعال مجرمة بحق الطفل نفسه أو بحق أمن المجتمع. وللأسف، إن تغليب العاطفة على احترام الأنظمة يأتي نتيجة انخداع الأفراد بظاهر الفعل دون إدراكهم لما قد ينطوي عليه من أفعال خطيرة أخرى لها علاقة وصلات بشبكات إجرامية منظمة ومعقدة مستترة خلف ملامح الطفولة أو النساء أو ادعاء العوز أو الحاجة، التي يعاقب عليها النظام. ويأمل الفيصل من المواطن والمقيم عدم التعاطف مع فعل التسول بأي شكل من الأشكال، وأن تكون مساعدة المحتاجين والفقراء عبر الجمعيات الأهلية صاحبة الاختصاص.
جريمة واستغلال للبراءة
القانوني خالد البابطين، نبَّه إلى أن نقل أو إيواء أو استقبال الأطفال بهدف الاستغلال جريمة إتجار بالبشر، وهي من الجرائم المتفق على مكافحتها دولياً وفقاً لمرسوم أو بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، خصوصاً الأطفال والنساء (ويعرف أيضاً ببروتوكول الاتجار، وبروتوكول الاتجار بالأشخاص) وهو بروتوكول تابع لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة.
وهذه الجريمة لا يمكن تبريرها تحت أي ذريعة إلا بدناءة النفس، فهي تتخطى السرقة إلى توظيف الأطفال واستغلالهم. وأضاف أن جرائم الاتجار بالبشر قد تصل عقوبتها إلى الإعدام، وعدم التبليغ عنها عقوبته السجن سنتين وغرامة 100 ألف ريال، وإذا ارتكبت جريمة الاتجار بالأشخاص من خلال شخص ذي صفة اعتبارية أو لحسابه أو باسمه مع علمه بذلك؛ يعاقب بغرامة لا تزيد على 10 ملايين ريال ويجوز للمحكمة أن تأمر بحله، أو إغلاقه، أو إغلاق أحد فروعه.
خدمات وإجراءات حمائية
المستشار القانوني أحمد المحيميد، يقول: استغلال الأطفال في التسول جريمة كبرى موجبة للتوقيف، وتصنَّف ضمن جرائم الاتجار بالأشخاص ومخالفة لنظام حماية الطفل ولنظام مكافحة التسول. وتضمن النظام إجراءات حمائية ووقائية لحماية الأطفال من الاستغلال في التسول، وتعمل الجهات المعنية على دراسة الحالة الاجتماعية والصحية والنفسية والاقتصادية للمتسولين السعوديين، وتقديم الخدمات الاجتماعية والصحية والنفسية والاقتصادية لهم بحسب حاجة كل حالة؛ وفقاً للأنظمة والقرارات ذات الصلة، وإرشاد السعوديين للاستفادة من الخدمات التي تقدمها الجهات الحكومية والأهلية والخيرية، ومتابعتهم من خلال الرعاية اللاحقة، وإنشاء قاعدة بيانات للمتسولين بالاشتراك مع وزارة الداخلية، وتسجيل كل حالة تسول يتم القبض عليها، وكذلك كل حالة تقدم لها الوزارة الخدمات وذلك لإثبات حالة امتهان التسول، ونشر الوعي بمخاطر التسول النفسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والأمنية، وإعداد الدراسات والبحوث وعقد الندوات والمؤتمرات ذات العلاقة بمكافحة التسول.
إهانة وإذلال للطفل
رئيس مجلس إدارة جمعية (طفولة آمنة) نسرين أبو طه، تقول: إن الطفولة تعتبر من أهم مراحل حياة الإنسان، ولا بد من إحاطته بكافة أنواع الحماية والرعاية للمحافظة على توازنه النفسي والبدني، ولضعف بنية الطفل في هذه المرحلة تظهر أسوأ حالات الاستغلال لكسب المال كتركه في المسجد أو الشارع والأماكن العامة، دون مراعاة للظروف المناخية على جسده، فيعاني من أنواع الإهانة والذل، وبالتالي يفقد الطفل كرامته، ويصبح غير قادر على بناء شخصية مستقلة ومهارات مختلفة تمكنه من العيش بالشكل الإيجابي؛ بسبب الإهانات التي يتعرض لها خلال التسول؛ لذا فإن نظام مكافحة التسول يهدف للقضاء على الظاهرة وحماية المجتمع من آثاره السلبية.
وأضافت أبو طه، أنه تم حظر التسول في المادة الثانية من نظام مكافحة التسول بأي صورة أو شكل مهما كانت مسوغاته، وبالتالي يحال المتسول للجهات المختصة للتحقيق واتخاذ الإجراءات الرسمية في حقه..
تبادل المعلومات للتطويق
في الجانب الاجتماعي تحدث الاختصاصي محمد الحمزة، وقال: إن استغلال الأطفال في التسول يمثل ظاهرة خطيرة، ويجلب هذا السلوك مخاطر صحية ونفسية، ويؤثر سلباً على تطورهم النفسي والاجتماعي، ويسهم هذا النوع من الاستغلال في تشويه صورة المجتمع، وينعكس سلباً على القيم الاجتماعية. ومواجهة هذه القضية تتطلب تكامل الجهود بين السلطات القانونية والمجتمع والمنظمات غير الحكومية لتوعية الناس بإضرار الظاهرة واتخاذ إجراءات رادعة لمكافحتها، ويتعين على الجهات المعنية تكثيف جهودها في مجالات التشريعات وتنفيذ القوانين بفعالية، وتعزيز التوعية بأخطار استغلال الأطفال في التسول عبر حملات التوعية في المدارس ووسائل الإعلام، إلى جانب تعزيز برامج الدعم الاجتماعي والنفسي للأطفال الضحايا يساهم في تخفيف الآثار الضارة عليهم، كما يمكن تعزيز التعاون بين الحكومة والمجتمع لتقديم مساعدة فورية وفعالة للأطفال المتأثرين، إذ يتطلب التصدي لهذه المشكلة تضافر الجهود وتكامل الإستراتيجيات لحماية حقوق الأطفال وتأمين بيئة آمنة وصحية لنموهم وتطورهم. ويأمل الحمزة، تشديد الرقابة على مظاهر الاستغلال من خلال تعزيز التعاون مع الجهات الأمنية وتبادل المعلومات، وتشجيع المجتمع على الإبلاغ عن حالات التسول واستغلال الأطفال، مما يسهم في زيادة فعالية الإجراءات القانونية، ويجب أن تكون الخطوات المتخذة شاملة، تركز على الوقاية والتوعية والرعاية، بمشاركة جميع فئات المجتمع، فحماية حقوق الطفل وتأمين مستقبله تتطلب جهوداً متواصلة وتعاوناً وثيقاً بين الحكومة، والمؤسسات الخيرية، والمجتمع المدني.
عراك قوي بين المفاهيم
مستشارة الإرشاد الأسري سما المزيني، ترى أن جودة حياة الأطفال لبنة مهمة في المجتمع وأساس التطور في الحضارات، والتسول للأسف موجود عن طريق استغلال الأطفال، وعندما يكبر الطفل المستخدم يبدأ العراك القوي بين المفاهيم، ويصبح الشخص غير قادر على جلب المال بالطرق المشروعة، فالبعض يتجه للجريمة كالسرقة والنصب والاحتيال. والبعض يصبح منطوياً على نفسه، ويترتب على ذلك أمور أكثر عمقاً وانحرافاً تؤدي إلى تدهور حياتهم في حاضرهم ومستقبلهم.
وتضيف مستشارة الأسرة المزيني: إن الطفل نعمة عظيمة لا بد من المحافظة عليها وتنشئته النشأة الصالحة، وعلى المجتمع الوقوف والتصدي لمثل هذه الحالات وهي في الغالب حالات قادمة من الخارج؛ لأن المواطن يجد كل اهتمام وعون من الحكومة؛ سواء مادياً أو صحياً، لذلك لا بد من الوقوف وبحزم أمام مثل هذه التصرفات البعيدة عن مجتمعنا وعدم التعاطف مع مثل هذه الحالات والإبلاغ عنها حيثما كانت.
سلوكيات سيئة وتحطيم للشخصية
الإعلامي سلمان المالكي، وصف استخدام الأطفال في التسول بأنه من الظواهر والسلوكيات المزعجة، ويعود ذلك إلى مجموعة من العوامل المتعلقة بالقائم بهذا السلوك، تلك العوامل تجمع بين الجهل بمآلات ونتائج هذا الأمر؛ الذي يعد انتهاكاً صارخاً للطفولة واستهتاراً واضحاً بالأنظمة التي جرّمت مثل هذه السلوكيات. إضافة إلى أن هؤلاء الناس نجد أن لديهم ضعفاً في وازعهم الديني؛ إذ إن استغلال الطفولة للكسب المادي غير المشروع محرم، ولا يجوز بأي شكل من الأشكال إقحام الطفولة في مثل هذه الأعمال، ناهيك عن الجانب التربوي ودور مثل هذه السلوكيات في تحطيم شخصية الطفل، إذ ينشأ في بيئة غير سوية، وهنا يكبر وقد اعتاد التسول فأي مستقبل ينتظره؟!
وقال المالكي: إن المخاطر الناتجة عن الظاهرة عديدة؛ سواء على المجتمع أو على هؤلاء الأطفال المستغلين من أولئك الجشعين الذين قتلوا براءة هؤلاء الأطفال بسوء عملهم. وهذه المخاطر تتفرع إلى مخاطر مباشرة وأخرى على المدى البعيد، والدور الكبير يقع على وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المختلفة والمنابر والمنصات الإعلامية لتوعية المجتمع بأخطار استغلال الطفولة لأغراض شخصية أو بُغية التكسب، علماً أن القانون قد جرّم مثل هذه الأفعال، ولكن جهل هؤلاء الجشعين أيضاً بهذه القوانين قد يفاقم هذا الأمر.
ووصفت الإعلامية مريم البيشي، التسول بأنه عادة سيئة يحاربها المجتمع، والتسول بالسيارة واصطحاب الأطفال أمر غير مقبول، ويجب علينا توعية المجتمع، وأن نمنع تفشي هذه المظاهر، فهذا واجبنا وهذه من أساسيات ومواثيق المهنة.
متجردون من العواطف
المستشارة الأسرية والاجتماعية دعاء زهران، قالت: إن من أسوأ أساليب التعدي على الأطفال استغلالهم بطرق منافية للشرع والعرف والقانون، فتسول الأطفال في الإشارات وبين السيارات واستغلال براءتهم هو سلوك إجرامي يتجرد مرتكبوه من المشاعر والعواطف والإنسانية لا بد من عقابهم لحماية الطفل البريء، ومعاقبة ولي أمره أو مستغله، فمن حق الطفل أن ينشأ في بيئة صالحة، وأن يربى على السلوك الصالح، ويجد القدوة الحسنة.
«عكاظ»، تسلِّط الضوء على الظاهرة الخارجة عن الأعراف والتقاليد والمخالفة للأنظمة المرعية، عبر استطلاع فئات متعددة..
مظهر أنيق ودواء غالٍ
يقول ناصر العوض: إن المتسولين يتطورون بشكل مخيف، ولا بد من رادع لهم ومحاربتهم إذ باتوا يستغلون الأطفال في التسول لاستعطاف المجتمع وهذا حرام، لأنه يؤثر نفسياً واجتماعياً على الطفل ويورثه هذه العادة السيئة. وتروي غادة المحمد، قصة عاشتها بنفسها: كنت مع صديقتي في أحد الأسواق، وفيما كانت صديقتي تحاول إيقاف سيارتها في المواقف، فوجئنا بشخص يطلق بوري (بوق) ومؤشراً بيده، وفتحت النافذة، فسألني إن كنت من سكان الحي، أجبته بالنفي، فسألني ثانية: ونفس الإجابة، وقال: معي أطفال جوعى في السيارة ولا أملك كلفة الوقود، وشككت في الأمر واعتذرت منه، الغريب أن هذا الرجل ظل يتردد في محيط السوق بالسيارة ذاتها، وبرفقة الأطفال ولم يغادر المكان حتى مع تعاطف البعض معه.
وتروى هند الأسمري، حكاية مماثلة وتقول: كنت في أحد المراكز التجارية، وفوجئت بإحداهن تتبعني، وتقول إن ظروفها صعبة وتحتاج مساعدة لشراء دواء، فطلبت منها اسم الدواء لأشتريه لها من صيدلية في المركز التجاري، وزعمت أن الدواء غير متوفر في الصيدلية القريبة، وأن سعره 500 ريال فعرفت أنها متسولة محتالة، وحاولت الإبلاغ عنها لكنها فرت هاربة.
إيذاء وإهمال وتحرش
يؤكد القانوني والأكاديمي ماجد الفيصل، تجريم استغلال الأطفال في التسول، وأن أبعاده تتجاوز حدود تجريم ذات الفعل، إلى أفعال أخرى مجرّمة متصلة بتعريض الأطفال إلى صور الإيذاء والإهمال والتحرش أو الاتجار. وقد تكون لهذه الحالات صلات بأفعال مجرّمة مثل غسل الأموال والجرائم المنظمة الأخرى؛ لذلك حرص المنظم على تجريم التسول ومعاقبته؛ سواء على ذات الفعل أو بما قد يتصل به من أفعال، وذلك من خلال أنظمة جزائية متعددة؛ لذلك فإن تعامل المواطن والمقيم مع المتسولين لا بد أن يكون على درجة من الإدراك والوعي للمخاطر، وما قد ينطوي على التسول من أفعال مجرمة بحق الطفل نفسه أو بحق أمن المجتمع. وللأسف، إن تغليب العاطفة على احترام الأنظمة يأتي نتيجة انخداع الأفراد بظاهر الفعل دون إدراكهم لما قد ينطوي عليه من أفعال خطيرة أخرى لها علاقة وصلات بشبكات إجرامية منظمة ومعقدة مستترة خلف ملامح الطفولة أو النساء أو ادعاء العوز أو الحاجة، التي يعاقب عليها النظام. ويأمل الفيصل من المواطن والمقيم عدم التعاطف مع فعل التسول بأي شكل من الأشكال، وأن تكون مساعدة المحتاجين والفقراء عبر الجمعيات الأهلية صاحبة الاختصاص.
جريمة واستغلال للبراءة
القانوني خالد البابطين، نبَّه إلى أن نقل أو إيواء أو استقبال الأطفال بهدف الاستغلال جريمة إتجار بالبشر، وهي من الجرائم المتفق على مكافحتها دولياً وفقاً لمرسوم أو بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، خصوصاً الأطفال والنساء (ويعرف أيضاً ببروتوكول الاتجار، وبروتوكول الاتجار بالأشخاص) وهو بروتوكول تابع لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة.
وهذه الجريمة لا يمكن تبريرها تحت أي ذريعة إلا بدناءة النفس، فهي تتخطى السرقة إلى توظيف الأطفال واستغلالهم. وأضاف أن جرائم الاتجار بالبشر قد تصل عقوبتها إلى الإعدام، وعدم التبليغ عنها عقوبته السجن سنتين وغرامة 100 ألف ريال، وإذا ارتكبت جريمة الاتجار بالأشخاص من خلال شخص ذي صفة اعتبارية أو لحسابه أو باسمه مع علمه بذلك؛ يعاقب بغرامة لا تزيد على 10 ملايين ريال ويجوز للمحكمة أن تأمر بحله، أو إغلاقه، أو إغلاق أحد فروعه.
خدمات وإجراءات حمائية
المستشار القانوني أحمد المحيميد، يقول: استغلال الأطفال في التسول جريمة كبرى موجبة للتوقيف، وتصنَّف ضمن جرائم الاتجار بالأشخاص ومخالفة لنظام حماية الطفل ولنظام مكافحة التسول. وتضمن النظام إجراءات حمائية ووقائية لحماية الأطفال من الاستغلال في التسول، وتعمل الجهات المعنية على دراسة الحالة الاجتماعية والصحية والنفسية والاقتصادية للمتسولين السعوديين، وتقديم الخدمات الاجتماعية والصحية والنفسية والاقتصادية لهم بحسب حاجة كل حالة؛ وفقاً للأنظمة والقرارات ذات الصلة، وإرشاد السعوديين للاستفادة من الخدمات التي تقدمها الجهات الحكومية والأهلية والخيرية، ومتابعتهم من خلال الرعاية اللاحقة، وإنشاء قاعدة بيانات للمتسولين بالاشتراك مع وزارة الداخلية، وتسجيل كل حالة تسول يتم القبض عليها، وكذلك كل حالة تقدم لها الوزارة الخدمات وذلك لإثبات حالة امتهان التسول، ونشر الوعي بمخاطر التسول النفسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والأمنية، وإعداد الدراسات والبحوث وعقد الندوات والمؤتمرات ذات العلاقة بمكافحة التسول.
إهانة وإذلال للطفل
رئيس مجلس إدارة جمعية (طفولة آمنة) نسرين أبو طه، تقول: إن الطفولة تعتبر من أهم مراحل حياة الإنسان، ولا بد من إحاطته بكافة أنواع الحماية والرعاية للمحافظة على توازنه النفسي والبدني، ولضعف بنية الطفل في هذه المرحلة تظهر أسوأ حالات الاستغلال لكسب المال كتركه في المسجد أو الشارع والأماكن العامة، دون مراعاة للظروف المناخية على جسده، فيعاني من أنواع الإهانة والذل، وبالتالي يفقد الطفل كرامته، ويصبح غير قادر على بناء شخصية مستقلة ومهارات مختلفة تمكنه من العيش بالشكل الإيجابي؛ بسبب الإهانات التي يتعرض لها خلال التسول؛ لذا فإن نظام مكافحة التسول يهدف للقضاء على الظاهرة وحماية المجتمع من آثاره السلبية.
وأضافت أبو طه، أنه تم حظر التسول في المادة الثانية من نظام مكافحة التسول بأي صورة أو شكل مهما كانت مسوغاته، وبالتالي يحال المتسول للجهات المختصة للتحقيق واتخاذ الإجراءات الرسمية في حقه..
تبادل المعلومات للتطويق
في الجانب الاجتماعي تحدث الاختصاصي محمد الحمزة، وقال: إن استغلال الأطفال في التسول يمثل ظاهرة خطيرة، ويجلب هذا السلوك مخاطر صحية ونفسية، ويؤثر سلباً على تطورهم النفسي والاجتماعي، ويسهم هذا النوع من الاستغلال في تشويه صورة المجتمع، وينعكس سلباً على القيم الاجتماعية. ومواجهة هذه القضية تتطلب تكامل الجهود بين السلطات القانونية والمجتمع والمنظمات غير الحكومية لتوعية الناس بإضرار الظاهرة واتخاذ إجراءات رادعة لمكافحتها، ويتعين على الجهات المعنية تكثيف جهودها في مجالات التشريعات وتنفيذ القوانين بفعالية، وتعزيز التوعية بأخطار استغلال الأطفال في التسول عبر حملات التوعية في المدارس ووسائل الإعلام، إلى جانب تعزيز برامج الدعم الاجتماعي والنفسي للأطفال الضحايا يساهم في تخفيف الآثار الضارة عليهم، كما يمكن تعزيز التعاون بين الحكومة والمجتمع لتقديم مساعدة فورية وفعالة للأطفال المتأثرين، إذ يتطلب التصدي لهذه المشكلة تضافر الجهود وتكامل الإستراتيجيات لحماية حقوق الأطفال وتأمين بيئة آمنة وصحية لنموهم وتطورهم. ويأمل الحمزة، تشديد الرقابة على مظاهر الاستغلال من خلال تعزيز التعاون مع الجهات الأمنية وتبادل المعلومات، وتشجيع المجتمع على الإبلاغ عن حالات التسول واستغلال الأطفال، مما يسهم في زيادة فعالية الإجراءات القانونية، ويجب أن تكون الخطوات المتخذة شاملة، تركز على الوقاية والتوعية والرعاية، بمشاركة جميع فئات المجتمع، فحماية حقوق الطفل وتأمين مستقبله تتطلب جهوداً متواصلة وتعاوناً وثيقاً بين الحكومة، والمؤسسات الخيرية، والمجتمع المدني.
عراك قوي بين المفاهيم
مستشارة الإرشاد الأسري سما المزيني، ترى أن جودة حياة الأطفال لبنة مهمة في المجتمع وأساس التطور في الحضارات، والتسول للأسف موجود عن طريق استغلال الأطفال، وعندما يكبر الطفل المستخدم يبدأ العراك القوي بين المفاهيم، ويصبح الشخص غير قادر على جلب المال بالطرق المشروعة، فالبعض يتجه للجريمة كالسرقة والنصب والاحتيال. والبعض يصبح منطوياً على نفسه، ويترتب على ذلك أمور أكثر عمقاً وانحرافاً تؤدي إلى تدهور حياتهم في حاضرهم ومستقبلهم.
وتضيف مستشارة الأسرة المزيني: إن الطفل نعمة عظيمة لا بد من المحافظة عليها وتنشئته النشأة الصالحة، وعلى المجتمع الوقوف والتصدي لمثل هذه الحالات وهي في الغالب حالات قادمة من الخارج؛ لأن المواطن يجد كل اهتمام وعون من الحكومة؛ سواء مادياً أو صحياً، لذلك لا بد من الوقوف وبحزم أمام مثل هذه التصرفات البعيدة عن مجتمعنا وعدم التعاطف مع مثل هذه الحالات والإبلاغ عنها حيثما كانت.
سلوكيات سيئة وتحطيم للشخصية
الإعلامي سلمان المالكي، وصف استخدام الأطفال في التسول بأنه من الظواهر والسلوكيات المزعجة، ويعود ذلك إلى مجموعة من العوامل المتعلقة بالقائم بهذا السلوك، تلك العوامل تجمع بين الجهل بمآلات ونتائج هذا الأمر؛ الذي يعد انتهاكاً صارخاً للطفولة واستهتاراً واضحاً بالأنظمة التي جرّمت مثل هذه السلوكيات. إضافة إلى أن هؤلاء الناس نجد أن لديهم ضعفاً في وازعهم الديني؛ إذ إن استغلال الطفولة للكسب المادي غير المشروع محرم، ولا يجوز بأي شكل من الأشكال إقحام الطفولة في مثل هذه الأعمال، ناهيك عن الجانب التربوي ودور مثل هذه السلوكيات في تحطيم شخصية الطفل، إذ ينشأ في بيئة غير سوية، وهنا يكبر وقد اعتاد التسول فأي مستقبل ينتظره؟!
وقال المالكي: إن المخاطر الناتجة عن الظاهرة عديدة؛ سواء على المجتمع أو على هؤلاء الأطفال المستغلين من أولئك الجشعين الذين قتلوا براءة هؤلاء الأطفال بسوء عملهم. وهذه المخاطر تتفرع إلى مخاطر مباشرة وأخرى على المدى البعيد، والدور الكبير يقع على وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المختلفة والمنابر والمنصات الإعلامية لتوعية المجتمع بأخطار استغلال الطفولة لأغراض شخصية أو بُغية التكسب، علماً أن القانون قد جرّم مثل هذه الأفعال، ولكن جهل هؤلاء الجشعين أيضاً بهذه القوانين قد يفاقم هذا الأمر.
ووصفت الإعلامية مريم البيشي، التسول بأنه عادة سيئة يحاربها المجتمع، والتسول بالسيارة واصطحاب الأطفال أمر غير مقبول، ويجب علينا توعية المجتمع، وأن نمنع تفشي هذه المظاهر، فهذا واجبنا وهذه من أساسيات ومواثيق المهنة.
متجردون من العواطف
المستشارة الأسرية والاجتماعية دعاء زهران، قالت: إن من أسوأ أساليب التعدي على الأطفال استغلالهم بطرق منافية للشرع والعرف والقانون، فتسول الأطفال في الإشارات وبين السيارات واستغلال براءتهم هو سلوك إجرامي يتجرد مرتكبوه من المشاعر والعواطف والإنسانية لا بد من عقابهم لحماية الطفل البريء، ومعاقبة ولي أمره أو مستغله، فمن حق الطفل أن ينشأ في بيئة صالحة، وأن يربى على السلوك الصالح، ويجد القدوة الحسنة.