من الغرابة والمفارقة العجيبة، أن بعض ضعاف النفوس يمدّون أيديهم للمال العام لاختلاس الماء والكهرباء من بيوت الله، ولا ترتعد فرائص سُرّاق المساجد. وقد وصل بهم الأمر لسحب أسلاك وكيابل كهربائية وأنابيب مياه المساجد وتوصيلها إلى ممتلكاتهم الخاصة كالمزارع والاستراحات ومحطات الوقود والعمائر السكنية والمحلات التجارية وحتى منازلهم؛ ما دفع وزارة الشؤون الإسلامية لإنشاء إدارة لحماية مرافق المساجد وخدماتها، لحمايتها من السرّاق بعد تداعي الظاهرة!
وأعلنت الوزارة، قبل أيام، تمكن فرقها الرقابية من رصد اختلاسات على كهرباء ومياه عدد من المساجد في جده، إذ كشفت اختلاساً من برج تجاري على سبعة عدادات باسم وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد واستهلاك تيارها الكهربائي في تشغيل عدد من المحلات المؤجرة وخدماتها كالمصاعد وغيرها. كما رصدت الفرق الرقابية اختلاساً آخر عبارة عن سرقة التيار الكهربائي المخصص لمسجد في أحد المجمعات التجارية بهدف تشغيل ست بسطات تجارية مجاورة للمسجد، إذ تم سحب كيبل من عداد المسجد وتمريره من تحت الأرض لإخفائه عن عين الرقيب وإيصاله للبسطات. كما رُصِد تعدٍّ آخر على مصلى النساء بالمسجد نفسه بعد أن تم تقسيمه لغرف قياس الملابس وتأجيرها بمبالغ مالية. كما رصدت الفرق الرقابية بالوزارة اختلاساً من عدّاد مسجد لصالح عمارة تجارية مؤجرة من قبل إحدى الشركات التي تعمل في مجال الخدمات العقارية. وفي العام الماضي، أعلنت الوزارة رصد 2390 تعدياً على خدمات الكهرباء، و136 تعدياً على خدمات المياه الخاصة بالمساجد والجوامع.
شهّروا بهم !
طالب عدد من المواطنين بمعاقبة سرّاق المساجد ومحاكمتهم والتشهير بهم ليرتدع من تسوّل لهم أنفسهم بذلك، وقال نواف الروقي، إن اختلاس المساجد مثير للاستغراب، ولم يتصوّر نفساً بشرية تطمع في مساجد الله بنهب مياهها وكهربائها. ويرى أبو سلطان، ضرورة التشهير بهم ليتم ردعهم، طالما أن حرمة بيوت الله لم تردعهم. فيما دعا عبدالعزيز السفياني، إلى التعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية، للإبلاغ عن كل مختلس. وأهاب سعيد الزهراني، بالتواصل المباشر على الرقم الموحد لوزارة الشؤون الإسلامية (1933)؛ لتقديم البلاغات عن أي حالة تعدٍّ على المساجد أو بالتقدم المباشر للوزارة أو فروعها في جميع مناطق المملكة.
حُرمة المال العام
عدد من المختصين قالوا لـ«عكاظ»: إن الهوس بالسرقات أمر خطير، يستدعي محاكمة المعتدين، وأن الأسرة تلعب دوراً محوريّاً في تربية الأبناء على المحافظة على الممتلكات العامة، وغرس القيم في نفوسهم لتحجيم هذه الظاهرة، ودور الإعلام في محاربة المعتدين على ممتلكات الدولة.
وأوضح المحامي فراس إبراهيم طرابلسي، أن غرامة الاعتداء على عدادات التيار الكهربائي والمياه التابعة للمساجد والسرقة تصل إلى 10 ملايين ريال وفقاً للمادة الـ18 من نظام الكهرباء. وشدد على أن ما يقوم به المعتدون على المرافق العامة أمر محرم في الشريعة الإسلامية وممنوع بالنظام حسب ما ورد في المادة الـ16 من النظام الأساسي التي نصت على «للأموال العامة حرمتها، وعلى الدولة حمايتها، وعلى المواطنين والمقيمين المحافظة عليها». ويتم في ضوء ذلك إحالة المعتدين من جهات الضبط لجهة التحقيق في النيابة العامة، التي بدورها تتخذ الإجراءات المنصوص عليها في نظام الإجراءات الجزائية وإحالتهم للمحكمة التي توقع عليهم عقوبات تعزيرية لاعتدائهم على الممتلكات العامة.
هؤلاء ميّالون للهوس
استشاري علم النفس السلوكي المعرفي ماجد قنش، يرى أن هوس السرقة اضطراب نفسي يتمثل بالدوافع التي تتملك الشخص باستمرار وتدفعه للقيام بالسرقة بشكلٍ لا إرادي. يسرق المصاب بهوس السرقة، عادةً، أشياء لا يشترط أن تكون ثمينة أو أنّ يكون في حاجة لها، وفي أغلب الأحيان يتملكه الشعور بالإحباط والذنب جراء فعله. ويصعب عادةً تقدير نسبة المصابين بهوس السرقة بشكلٍ دقيق؛ لأنه غالباً يتمتع الشخص المصاب بالقدرة على الخداع والسرقة بطريقةٍ سريةٍ يصعب ملاحظتها، إذ تشير الإحصاءات إلى أن نحو 4-24% من الأشخاص المتواجدين في الأسواق قد يكونون مصابين بهوس السرقة. والأشخاص الوارد ذكرهم في الأكثر عرضةً للإصابة هم: المصابون بالاضطرابات العقلية مثل ازدواجية الشخصية، واضطرابات القلق، واضطرابات الشخصية عموماً. ويمكن أن يكون هناك رابط بين هوس السرقة والوسواس القهري.
والأشخاص المصابون بأمراض تتمثل، بإفراز نسب قليلة من هرمون السيروتونين والمدمنون، إذ يمكن أن تساعد السرقة في ضبط مستويات هرمون الدوبامين في الجسم التي من الممكن أن يعمل الإدمان على اضطراب مستوياتها، ومن هذه الفئة، أيضاً، الأشخاص الذين يعانون من عدم توازن في المستقبلات الافيونية في الدماغ التي تعمل على ضبط دوافع الشخص حول رغبته بالقيام بفعل معين. ومن العوامل كذلك وجود تاريخ عائلي للإصابة بهوس السرقة. ومن الفئات القابلة لهوس السرقة الأشخاص الذين تعرضوا لحوادث وهم في عمر صغير أدت إلى تشكل أضرار في الرأس والدماغ.
أعراض.. قبل وبعد
عن أعراض هوس السرقة، قال ماجد قنش: إنه يرافق المصاب بهوس السرقة عددٌ من الأعراض قبل، أو بعد، أو خلال قيامه بفعل السرقة، ومنها تملك دوافع السرقة باستمرار للأشياء التي لا تكون في غالب الأمر ذات أهمية شخصية أو مادية، والشعور بالذنب والقلق مباشرةً فور ارتكاب فعل السرقة والشعور بالسعادة والراحة أثناء القيام بالسرقة مع عدم ارتباط ارتكاب السرقة بإصابة الشخص بالذهان، أو الأوهام، أو التعبير عن الغضب. وعادة يفشل المصاب بهوس السرقة بضبط دوافعه التي تدفعه لارتكاب السرقة، ويتم تشخيص حالة الشخص المصاب بهوس السرقة من خلال الطبيب المختص، ويتم في أغلب الأحيان تشخيص الحالة من خلال زيارة الشخص لعيادة الطبيب لمراجعته في اضطرابات أخرى مثل إدمان الكحول، أو اضطرابات الأكل، أو اضطرابات شخصية أخرى، أو بعد القبض على الشخص متلبساً بالسرقة، أو من خلال مراقبته بواسطة أجهزة المراقبة في الأسواق. لا يعد تشخيص حالة هوس السرقة ومعالجتها أمراً سهلاً؛ لأن السرقة عادةً تتم بسرية تامة، ويحاول الشخص المصاب بهوس السرقة أو الأشخاص المحيطون به إخفاء هذه الحالة لما يشعرون به من خجلٍ وإحراج.
كيف العلاج ؟
عن علاج هوس السرقة يقول ماجد قنش: إنها تتمثل في إحدى الطريقتين التاليتين أو كلتيهما:
تناول الأدوية التي لها دور في رفع مستويات هرمون السيروتونين مثل أدوية الاكتئاب، إذ يشكل تناول مثل هذه الأنواع من الأدوية دوراً مهماً في علاج هوس السرقة، إضافةً للعلاج النفسي، وهناك العلاج النفسي الذي يهدف إلى ضبط الأفكار والسلوكيات التي تدفع الشخص للسرقة. وتعد الخطوة الأولى في علاج مثل هذه اضطرابات. ومن خلال العلاج النفسي يتمكن الشخص المصاب بهوس السرقة من تحديد الأمور التي تدفعه للقيام بالفعل، والعمل على ضبطها، والبحث عن أفضل الطرق والوسائل في الحد منها. وتعتبر عائلة الشخص المصاب بهوس السرقة والأشخاص المحيطون به الداعم الأساسي له لمساعدته في التخلص من الاضطراب من خلال الإرشادات والنصائح الموصى بها من قبل الأخصائيين.
علموا أولادكم القيم الإيجابية
المستشار الأسري الدكتور صالح جعري الزهراني، يرى أن الأسرة تلعب دوراً محوريّاً في تربية الأبناء على المحافظة على الممتلكات العامة بما في ذلك الجوامع والمساجد والمصليات ومرافقها والإبلاغ عن أي مخالفة تجاهها، وذلك من خلال تعزيز القيم الإيجابية وغرس حب الوطن والمجتمع في نفوس الأبناء، ثم تعزيز القيم الأخلاقية لأبنائهم مثل احترام الآخرين وممتلكاتهم والصدق والأمانة والمسؤولية، وتشجيع ثقافة التعاون مع الآخرين للحفاظ على الممتلكات العامة، وأن تُعلّمهم أهمية العمل الجماعي في تحقيق الصالح العام، وقبل كل ذلك التزام الوالدين بالقدوة الحسنة لأبنائهم في الحفاظ على المساجد وأماكن العبادة والممتلكات العامة، وذلك من خلال الالتزام بسلوكيات صحيحة مثل التأدب في حضرتها، ووضع النفايات في أماكنها المخصصة، وعدم إتلاف المرافق العامة واستخدامها بالشكل الصحيح. كما أن من واجب الأسرة أن تتحدث مع أبنائها عن مخاطر إتلاف الممتلكات العامة، وأن تشرح لهم العواقب المترتبة على ذلك؛ سواء من الناحية القانونية أو الأخلاقية، ونأمل مكافأة الأبناء على سلوكهم الإيجابي في الحفاظ على الممتلكات العامة، وذلك من خلال الثناء عليهم أو تقديم هدايا لهم، ومن الأمور المهمة قيام الأسرة بتعليم الأبناء كيفية الإبلاغ عن أي مخالفة، إذ يجب على الأسرة أن تشرح لأبنائها أهمية الإبلاغ عن أي مخالفة تتعلق بإتلاف الممتلكات العامة بما في ذلك الجوامع والمساجد ومرافقها أو السطو على أجهزتها ومعداتها من أجل حماية هذه الأماكن واستمرار خدماتها وديمومة جاذبيتها، وذلك من خلال تعليمهم أرقام الجهات المختصة وتطبيقاتها ومواقعها وطريقة صياغة شكوى عن المخالفة وكيفية تقديم أدلة تدعم ادعاءاتهم.
بيئة خالية من العبث
الباحث التربوي خالد مسفر الروقي قال: إن غرس القيم والاتجاهات الإيجابية في الأبناء مسؤولية عظيمة وواجبُُ ديني ووطنيّ مشترك يقع على عاتق الآباء والمؤسسات الحكومية والخاصة المختلفة، ومن أهم القيم المحافظة على الممتلكات العامة، وخلق بيئة نظيفة خالية من العبث، فهي أحد المؤشرات الدالة على وعي المجتمع ورقيّه وازدهار حضارته. وتولي وزارة التعليم أهمية كبرى لهذا الأمر؛ إذ قامت بالعديد من الحملات التوعوية المستمرة الهادفة إلى رفع درجة الوعي بأهمية المحافظة على الممتلكات العامة، وكذلك إدراجها ضمن المقررات الدراسية وقواعد السلوك والمواظبة للطلاب والطالبات؛ سعياً لغرس هذه القيمة النبيلة المهمة لدى طلابها.
وتبعاً لذلك يقع على عاتق الآباء مسؤولية كبرى في تعليم أبنائهم قيم المسؤولية المجتمعية واحترام الأنظمة ومحافظتهم على الممتلكات العامة وعدم العبث بها واستغلالها للمصالح الشخصية، وأن يكونوا قدوة حسنة لأبنائهم في محافظتهم على الممتلكات؛ سواء في البيئة المدرسية أو المجتمع الخارجي، وشعارنا التربوي المهم الممتلكات العامة ثروة مشتركة والحفاظ عليها مسؤولية الجميع فكن عوناً لذلك بالالتزام بالتعليمات والأنظمة، فالمجتمع المحافظ على هذه الثروات يعزز جودة الحياة، ويبني للأجيال القادمة بيئة جميلة محافظة.
لا يوجد مجتمع ملائكي
المحاضر بقسم الإعلام بجامعة الطائف ناهس العضياني، كشف أن بعض الظواهر السلبية تظهر في المجتمعات، ولا يوجد مجتمع ملائكي، وهنا يأتي دور الإعلام انطلاقاً من دوره الرقابي تجاه المجتمع ومؤسساته. فالإعلام شريك أساسي في قضايا المجتمع بالتثقيف والتنوير ومعالجة المشكلات وتقويمها، ويسعى إلى توعية الرأي العام ومحاربة ما يعيق تقدمه وتطوره. وتأتي قضية اختلاس خدمات المساجد من كهرباء ومياه بشكل متتابع ظاهرةً سلبية، ولا بد أن تقوم المؤسسات الإعلامية بالتوعية والتثقيف وحث المواطنين والمقيمين على الإبلاغ عن مثل هذه الظواهر حال مشاهدتها، ويجب على الإعلام بث رسائل تحذيرية توضح العقوبات النظامية لمن يتجاوز الأنظمة والقوانين، ونشر حالات القبض على مرتكبي هذه الأفعال؛ ليكونوا عبرة لكن تسوّل له نفسه القيام بمثل بهذه السلوكيات.
وأعلنت الوزارة، قبل أيام، تمكن فرقها الرقابية من رصد اختلاسات على كهرباء ومياه عدد من المساجد في جده، إذ كشفت اختلاساً من برج تجاري على سبعة عدادات باسم وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد واستهلاك تيارها الكهربائي في تشغيل عدد من المحلات المؤجرة وخدماتها كالمصاعد وغيرها. كما رصدت الفرق الرقابية اختلاساً آخر عبارة عن سرقة التيار الكهربائي المخصص لمسجد في أحد المجمعات التجارية بهدف تشغيل ست بسطات تجارية مجاورة للمسجد، إذ تم سحب كيبل من عداد المسجد وتمريره من تحت الأرض لإخفائه عن عين الرقيب وإيصاله للبسطات. كما رُصِد تعدٍّ آخر على مصلى النساء بالمسجد نفسه بعد أن تم تقسيمه لغرف قياس الملابس وتأجيرها بمبالغ مالية. كما رصدت الفرق الرقابية بالوزارة اختلاساً من عدّاد مسجد لصالح عمارة تجارية مؤجرة من قبل إحدى الشركات التي تعمل في مجال الخدمات العقارية. وفي العام الماضي، أعلنت الوزارة رصد 2390 تعدياً على خدمات الكهرباء، و136 تعدياً على خدمات المياه الخاصة بالمساجد والجوامع.
شهّروا بهم !
طالب عدد من المواطنين بمعاقبة سرّاق المساجد ومحاكمتهم والتشهير بهم ليرتدع من تسوّل لهم أنفسهم بذلك، وقال نواف الروقي، إن اختلاس المساجد مثير للاستغراب، ولم يتصوّر نفساً بشرية تطمع في مساجد الله بنهب مياهها وكهربائها. ويرى أبو سلطان، ضرورة التشهير بهم ليتم ردعهم، طالما أن حرمة بيوت الله لم تردعهم. فيما دعا عبدالعزيز السفياني، إلى التعاون مع وزارة الشؤون الإسلامية، للإبلاغ عن كل مختلس. وأهاب سعيد الزهراني، بالتواصل المباشر على الرقم الموحد لوزارة الشؤون الإسلامية (1933)؛ لتقديم البلاغات عن أي حالة تعدٍّ على المساجد أو بالتقدم المباشر للوزارة أو فروعها في جميع مناطق المملكة.
حُرمة المال العام
عدد من المختصين قالوا لـ«عكاظ»: إن الهوس بالسرقات أمر خطير، يستدعي محاكمة المعتدين، وأن الأسرة تلعب دوراً محوريّاً في تربية الأبناء على المحافظة على الممتلكات العامة، وغرس القيم في نفوسهم لتحجيم هذه الظاهرة، ودور الإعلام في محاربة المعتدين على ممتلكات الدولة.
وأوضح المحامي فراس إبراهيم طرابلسي، أن غرامة الاعتداء على عدادات التيار الكهربائي والمياه التابعة للمساجد والسرقة تصل إلى 10 ملايين ريال وفقاً للمادة الـ18 من نظام الكهرباء. وشدد على أن ما يقوم به المعتدون على المرافق العامة أمر محرم في الشريعة الإسلامية وممنوع بالنظام حسب ما ورد في المادة الـ16 من النظام الأساسي التي نصت على «للأموال العامة حرمتها، وعلى الدولة حمايتها، وعلى المواطنين والمقيمين المحافظة عليها». ويتم في ضوء ذلك إحالة المعتدين من جهات الضبط لجهة التحقيق في النيابة العامة، التي بدورها تتخذ الإجراءات المنصوص عليها في نظام الإجراءات الجزائية وإحالتهم للمحكمة التي توقع عليهم عقوبات تعزيرية لاعتدائهم على الممتلكات العامة.
هؤلاء ميّالون للهوس
استشاري علم النفس السلوكي المعرفي ماجد قنش، يرى أن هوس السرقة اضطراب نفسي يتمثل بالدوافع التي تتملك الشخص باستمرار وتدفعه للقيام بالسرقة بشكلٍ لا إرادي. يسرق المصاب بهوس السرقة، عادةً، أشياء لا يشترط أن تكون ثمينة أو أنّ يكون في حاجة لها، وفي أغلب الأحيان يتملكه الشعور بالإحباط والذنب جراء فعله. ويصعب عادةً تقدير نسبة المصابين بهوس السرقة بشكلٍ دقيق؛ لأنه غالباً يتمتع الشخص المصاب بالقدرة على الخداع والسرقة بطريقةٍ سريةٍ يصعب ملاحظتها، إذ تشير الإحصاءات إلى أن نحو 4-24% من الأشخاص المتواجدين في الأسواق قد يكونون مصابين بهوس السرقة. والأشخاص الوارد ذكرهم في الأكثر عرضةً للإصابة هم: المصابون بالاضطرابات العقلية مثل ازدواجية الشخصية، واضطرابات القلق، واضطرابات الشخصية عموماً. ويمكن أن يكون هناك رابط بين هوس السرقة والوسواس القهري.
والأشخاص المصابون بأمراض تتمثل، بإفراز نسب قليلة من هرمون السيروتونين والمدمنون، إذ يمكن أن تساعد السرقة في ضبط مستويات هرمون الدوبامين في الجسم التي من الممكن أن يعمل الإدمان على اضطراب مستوياتها، ومن هذه الفئة، أيضاً، الأشخاص الذين يعانون من عدم توازن في المستقبلات الافيونية في الدماغ التي تعمل على ضبط دوافع الشخص حول رغبته بالقيام بفعل معين. ومن العوامل كذلك وجود تاريخ عائلي للإصابة بهوس السرقة. ومن الفئات القابلة لهوس السرقة الأشخاص الذين تعرضوا لحوادث وهم في عمر صغير أدت إلى تشكل أضرار في الرأس والدماغ.
أعراض.. قبل وبعد
عن أعراض هوس السرقة، قال ماجد قنش: إنه يرافق المصاب بهوس السرقة عددٌ من الأعراض قبل، أو بعد، أو خلال قيامه بفعل السرقة، ومنها تملك دوافع السرقة باستمرار للأشياء التي لا تكون في غالب الأمر ذات أهمية شخصية أو مادية، والشعور بالذنب والقلق مباشرةً فور ارتكاب فعل السرقة والشعور بالسعادة والراحة أثناء القيام بالسرقة مع عدم ارتباط ارتكاب السرقة بإصابة الشخص بالذهان، أو الأوهام، أو التعبير عن الغضب. وعادة يفشل المصاب بهوس السرقة بضبط دوافعه التي تدفعه لارتكاب السرقة، ويتم تشخيص حالة الشخص المصاب بهوس السرقة من خلال الطبيب المختص، ويتم في أغلب الأحيان تشخيص الحالة من خلال زيارة الشخص لعيادة الطبيب لمراجعته في اضطرابات أخرى مثل إدمان الكحول، أو اضطرابات الأكل، أو اضطرابات شخصية أخرى، أو بعد القبض على الشخص متلبساً بالسرقة، أو من خلال مراقبته بواسطة أجهزة المراقبة في الأسواق. لا يعد تشخيص حالة هوس السرقة ومعالجتها أمراً سهلاً؛ لأن السرقة عادةً تتم بسرية تامة، ويحاول الشخص المصاب بهوس السرقة أو الأشخاص المحيطون به إخفاء هذه الحالة لما يشعرون به من خجلٍ وإحراج.
كيف العلاج ؟
عن علاج هوس السرقة يقول ماجد قنش: إنها تتمثل في إحدى الطريقتين التاليتين أو كلتيهما:
تناول الأدوية التي لها دور في رفع مستويات هرمون السيروتونين مثل أدوية الاكتئاب، إذ يشكل تناول مثل هذه الأنواع من الأدوية دوراً مهماً في علاج هوس السرقة، إضافةً للعلاج النفسي، وهناك العلاج النفسي الذي يهدف إلى ضبط الأفكار والسلوكيات التي تدفع الشخص للسرقة. وتعد الخطوة الأولى في علاج مثل هذه اضطرابات. ومن خلال العلاج النفسي يتمكن الشخص المصاب بهوس السرقة من تحديد الأمور التي تدفعه للقيام بالفعل، والعمل على ضبطها، والبحث عن أفضل الطرق والوسائل في الحد منها. وتعتبر عائلة الشخص المصاب بهوس السرقة والأشخاص المحيطون به الداعم الأساسي له لمساعدته في التخلص من الاضطراب من خلال الإرشادات والنصائح الموصى بها من قبل الأخصائيين.
علموا أولادكم القيم الإيجابية
المستشار الأسري الدكتور صالح جعري الزهراني، يرى أن الأسرة تلعب دوراً محوريّاً في تربية الأبناء على المحافظة على الممتلكات العامة بما في ذلك الجوامع والمساجد والمصليات ومرافقها والإبلاغ عن أي مخالفة تجاهها، وذلك من خلال تعزيز القيم الإيجابية وغرس حب الوطن والمجتمع في نفوس الأبناء، ثم تعزيز القيم الأخلاقية لأبنائهم مثل احترام الآخرين وممتلكاتهم والصدق والأمانة والمسؤولية، وتشجيع ثقافة التعاون مع الآخرين للحفاظ على الممتلكات العامة، وأن تُعلّمهم أهمية العمل الجماعي في تحقيق الصالح العام، وقبل كل ذلك التزام الوالدين بالقدوة الحسنة لأبنائهم في الحفاظ على المساجد وأماكن العبادة والممتلكات العامة، وذلك من خلال الالتزام بسلوكيات صحيحة مثل التأدب في حضرتها، ووضع النفايات في أماكنها المخصصة، وعدم إتلاف المرافق العامة واستخدامها بالشكل الصحيح. كما أن من واجب الأسرة أن تتحدث مع أبنائها عن مخاطر إتلاف الممتلكات العامة، وأن تشرح لهم العواقب المترتبة على ذلك؛ سواء من الناحية القانونية أو الأخلاقية، ونأمل مكافأة الأبناء على سلوكهم الإيجابي في الحفاظ على الممتلكات العامة، وذلك من خلال الثناء عليهم أو تقديم هدايا لهم، ومن الأمور المهمة قيام الأسرة بتعليم الأبناء كيفية الإبلاغ عن أي مخالفة، إذ يجب على الأسرة أن تشرح لأبنائها أهمية الإبلاغ عن أي مخالفة تتعلق بإتلاف الممتلكات العامة بما في ذلك الجوامع والمساجد ومرافقها أو السطو على أجهزتها ومعداتها من أجل حماية هذه الأماكن واستمرار خدماتها وديمومة جاذبيتها، وذلك من خلال تعليمهم أرقام الجهات المختصة وتطبيقاتها ومواقعها وطريقة صياغة شكوى عن المخالفة وكيفية تقديم أدلة تدعم ادعاءاتهم.
بيئة خالية من العبث
الباحث التربوي خالد مسفر الروقي قال: إن غرس القيم والاتجاهات الإيجابية في الأبناء مسؤولية عظيمة وواجبُُ ديني ووطنيّ مشترك يقع على عاتق الآباء والمؤسسات الحكومية والخاصة المختلفة، ومن أهم القيم المحافظة على الممتلكات العامة، وخلق بيئة نظيفة خالية من العبث، فهي أحد المؤشرات الدالة على وعي المجتمع ورقيّه وازدهار حضارته. وتولي وزارة التعليم أهمية كبرى لهذا الأمر؛ إذ قامت بالعديد من الحملات التوعوية المستمرة الهادفة إلى رفع درجة الوعي بأهمية المحافظة على الممتلكات العامة، وكذلك إدراجها ضمن المقررات الدراسية وقواعد السلوك والمواظبة للطلاب والطالبات؛ سعياً لغرس هذه القيمة النبيلة المهمة لدى طلابها.
وتبعاً لذلك يقع على عاتق الآباء مسؤولية كبرى في تعليم أبنائهم قيم المسؤولية المجتمعية واحترام الأنظمة ومحافظتهم على الممتلكات العامة وعدم العبث بها واستغلالها للمصالح الشخصية، وأن يكونوا قدوة حسنة لأبنائهم في محافظتهم على الممتلكات؛ سواء في البيئة المدرسية أو المجتمع الخارجي، وشعارنا التربوي المهم الممتلكات العامة ثروة مشتركة والحفاظ عليها مسؤولية الجميع فكن عوناً لذلك بالالتزام بالتعليمات والأنظمة، فالمجتمع المحافظ على هذه الثروات يعزز جودة الحياة، ويبني للأجيال القادمة بيئة جميلة محافظة.
لا يوجد مجتمع ملائكي
المحاضر بقسم الإعلام بجامعة الطائف ناهس العضياني، كشف أن بعض الظواهر السلبية تظهر في المجتمعات، ولا يوجد مجتمع ملائكي، وهنا يأتي دور الإعلام انطلاقاً من دوره الرقابي تجاه المجتمع ومؤسساته. فالإعلام شريك أساسي في قضايا المجتمع بالتثقيف والتنوير ومعالجة المشكلات وتقويمها، ويسعى إلى توعية الرأي العام ومحاربة ما يعيق تقدمه وتطوره. وتأتي قضية اختلاس خدمات المساجد من كهرباء ومياه بشكل متتابع ظاهرةً سلبية، ولا بد أن تقوم المؤسسات الإعلامية بالتوعية والتثقيف وحث المواطنين والمقيمين على الإبلاغ عن مثل هذه الظواهر حال مشاهدتها، ويجب على الإعلام بث رسائل تحذيرية توضح العقوبات النظامية لمن يتجاوز الأنظمة والقوانين، ونشر حالات القبض على مرتكبي هذه الأفعال؛ ليكونوا عبرة لكن تسوّل له نفسه القيام بمثل بهذه السلوكيات.