قل ما يرد اسم إبراهيم الصميدي الحمراني الغامدي، حتى يأتي رد الفعل (الله يذكره بالخير). الصميدي شخصية ثقافية، وشاعرية، وعاشق للتراث، ويمثل البساطة في أظهر تجلياتها برغم مكانه ومكانته. اقترب عم إبراهيم من التسعين، بحسب روايته، إذ كان من افتتح أول مركز لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بلجرشي في الستينات الهجرية، وزهد فيه المحتسبون كونه شخصية حكيمة وظريفة يعالج الأمور بصبر وحكمة. انتقل إلى الرياض، والدمام، وجدة، وبين عشية وضحاها أصبح من ذوي الرساميل. جاب الكثير من العواصم العالمية، وكانت رحلاته على طائرات (الكونكورد)، خبر الحياة وعاركها وجمع المال، ثم اكتشف أن كل ذلك لا يساوي شيئاً أمام راحة البال، وكسب الأصدقاء، وصلاح الأهل والأولاد. يحمد الله أنه لم يعد محسوباً على الأثرياء، إلا أنه مستور الحال، بنى له منزلاً تصميمه بعلبكي، في قريته الحمران في محافظة بلجرشي، وأقام مجلساً شعبياً للقاء جماعته ومحبيه، وعلق على جدران المجلس أدوات الحرث والزرع وأدوات منزلية قديمة، فيما تحتوي الجدران على صور لجماعة القرية ومناسباتها منذ ستين عاماً، ويعده أثمن أرشيف يتذكر به الأحباب والزملاء والأصدقاء. يلتقي الصميدي شبه ليلي بالرفاق والأرحام وأعيان القرية في مجلسه، يشترك الجميع في تأمين وجبة العشاء إما طبخاً وإما شراء، يسهرون على حديث ذكريات (عرابه) أبو عبدالله. يردد بصوت شجي أعذب القصائد الشعبية لشعراء منطقة الباحة، ورواية القصص والحكايات، إذ إنه مستودع للكثير من الوقائع والأحداث. أكد لنا أنه على مشارف التسعين من العمر، وأنه لم يدخل مخفر شرطة، ولا باب محكمة، لا شاكيا ولا مشكيا، قاعدته في ذلك «اللي لي عنده إن جاء بها وإلا مسموح، واللي له عندي يأخذه من عيوني»، فيما كشف لنا أنه حفظ أكثر من 1000 بيت من الشعر العربي والشعبي، وافتتن بصوت ابن مصلح، وفصاحة أبورزق وحكمته، إلا أنه يخشى أن توثّق قصائده وأنغامه على الهواتف الذكية، معللا ذلك بخشية افتتان البعض بصوته.