يتجمع الناس رجالاً ونساء عند عربته الخشبية كل مساء، يتزاحمون وكأن الدنيا انتهت، بل كأنها ساعات العمل الأخيرة لهذا الشاب الذي يصنع فرحهم فتنظر إليهم ما قبل الرشفة الأولى من حبات قهوته شبه نيام، يتبادلون التحيات بالأعين فقط، فرائحة قهوته غطت على الأجواء وكأنها تدعو لتسليم شهادات التخرج والنجاح.
ومن هنا.. لم يتوقع يوما الشاب علي الدلي الشلاقي، خريج برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث من جامعة سياتل يو دبل ميجر في علوم السياسية وعلاقات الدولية، أن يكون بعيداً عن مجال تخصصه ويتناسب مع الشهادة السياسية التي حصل عليها بتفوق ومرتبة الشرف من الجامعة الأمريكية، ليجد نفسه بائعاً للقهوة ومتخصصاً في صناعتها بأنواعها العربية والعالمية، مبتكراً قهوة عربية مطورة أصبحت في ما بعد القهوة الأولى للمبتعثين العرب في دول أمريكا اللاتينية وأوروبا.
يقول الشلاقي إنه حاصل على درجة الماجستير في العلوم السياسية، ومحب للتاريخ والسياسة كمتعة وهواية وليس بحثاً عن وظيفة دبلوماسية، برغم توفر كثير من الوظائف الدبلوماسية.
ويضيف: عندما وصلت إلى أمريكا بدأت رحلة العمل والدراسة معاً، فالتحقت بعد الانتهاء من اليوم الدراسي بشركة اتصالات أمريكية في نفس مدينتي سياتل يو لاكتساب اللغة والاحتكاك وأيضا للمرتب الجيد، وبعد أشهر اكتشفت أن المبتعثين والعرب يعانون من عدم توفر القهوة العربية التي تتطلب عملا طويلا حتى تكون جاهزة في الأسواق، من حيث الطحن والخلط وغير ذلك، ومن هنا بدأت فكرة تحضير قهوة عربية بأقل وقت ممكن، وأبلغت أخي في المملكة بالفكرة إذ كان يمتلك تجارة حرة، وبدأ هو في تحضير الخلطة التي تختصر الوقت في زمن لم يتجاوز 90 يوماً، ومن خلالها توصلنا إلى الخلطة الدائمة التي من خلالها نستطيع تصديرها من السعودية نحو الأسواق الأمريكية على غرار خلطات القهوة العالمية الموجودة في الأسواق الأوروبية.
وتابع علي: رجعت إلى السعودية وتحديداً حائل، وبدأت في إعداد قهوة عربية سريعة التحضير، فقد كان إعداد القهوة العربية سابقاً يستغرق نحو 20 دقيقة إلى 30 دقيقة، واختصرت ذلك إلى نحو دقيقتين فقط، من خلال الخلطة المركبة التي ابتكرتها، ومن هنا بدأت التصدير نحو أمريكا لمعرفتي بالسوق هناك، لكن المفاجأة أن السوق السعودية كانت ترغب في قهوتي، وتوقفت هنا من خلال دخولي إلى مهرجان لجمعية الأسر المنتجة بمنطقة حائل، فأخذت طاولة صغيرة وبدأت بيع الخلطة التي ابتكرتها للزوار، وطلبت من الزوار تذوقها قبل الشراء، والحمد لله حققت الطاولة ربحا عالياً برأسمال 2000 ريال، وجنيت منها 28 ألف ريال، ومن هنا انطلقت فكرة معمل ثم تطورت حاليا إلى مصنع للقهوة برأس مال يقترب من المليون ريال نهاية العام الحالي.
وأشار إلى أن الطاولة الصغيرة غيرت مساره من الوظيفة الدبلوماسية إلى متخصص في فنون إعداد القهوة.
ويتابع الشلاقي حديثه: عندما كنت في الولايات المتحدة كان الأخوة العرب من الشمال وأفريقيا لا يهتمون بالقهوة العربية كثيرا، الأمر الذي دفعني لجلبها من السعودية، حتى أن القهوة التي تصلني لا تكفيني إلا لمدة قصيرة، مستطرداً: هذه التجربة زادت من عشقي للقهوة العربية، الأمر الذي جعلني أتعلم طرقا جديدة لإعدادها.
وقدم علي الشلاقي رسالة للمبتعثين العائدين إلى المملكة والشباب السعودي كافة، مفادها أن الفرص مفتوحة، وأن أفضل دعم قدم لنا كشباب حاليا هي «مواسم السعودية» التي يجب أن تستغل بطرق مثالية نعكس فيها قوة الشباب السعودي وحرصهم على تراثهم وإنتاجهم، وأننا بلد المليون مبدع ومثابر ولسنا بلدا نفطيا فقط، بل لدينا كل الإمكانات لنكون الرقم الصعب على مستوى الشباب العربي.