لاصوت يعلو في الليث على صوت أنين المرضى، فهم بين مستشفى متهالك وآخر متعثر وينتظر اكتمال التنفيذ، لتزداد معاناتهم مع المرض بمشقة الترحل إلى محافظة جدة ومكة المكرمة من أجل العلاج في المستشفيات والمراكز الخاصة، أو البقاء في منازلهم يعانون الألم.
وبين ذلك يراودهم الأمل بين فينة وأخرى بأن يروا مشروع المستشفى العام الذي طال انتظاره وهو في الخدمة، كونه مطلبا ملحا إلا أنه مازال متأخرا في التنفيذ ويحتاج لسنوات حتى يتم تأثيثه وتشغيله، بينما تزداد المطالب بزيادة توفير الخدمات والتخصصات للمراكز الصحية التي تنتشر في قرى ومراكز المحافظة والتي تختلف من مركز لآخر ولكنها في المجمل تحتاج لدعم في الخدمات، فيما يعتبر الكثير من السكان بينهم حسن الكناني أن ارتباط صحة الليث بمحافظة جدة تسبب في تأخير الخدمات الصحية مطالبين بفصل صحة الليث عن صحة جدة، وتستقل المحافظة بمديرية للشؤون الصحية تتناسب مع الأعداد الكبيرة من السكان وتشرف على الخدمات المتردية في المستشفيات والمراكز الصحية التي لازالت تفتقد للكثير من الخدمات والأقسام وسط صمت الشؤون الصحية في منطقة مكة المكرمة، وعدم القدرة على تطوير مستشفيات الليث.
«وعود متكررة ومستشفى متعثر»
عندما تعرض عدد من طلاب وطالبات مدارس الليث وأضم لمرض الجرب خرجت وزارة الصحة بوعودها المعهودة والمتكررة مع كل حدث، بتطوير الخدمات ودعم المراكز والمستشفيات ومنها الانتهاء من مستشفى الليث العام والانتقال للمبنى الجديد وتدعيم المراكز الصحية والمستشفيات بالخدمات، إذ أشار متحدث الصحة في ذلك الوقت فيصل الزهراني، «أن مستشفى الليث الجديد تم الانتهاء من إنشائه وهو في مراحله النهائية وننتظر فقط إيصال التيار الكهربائي»، لكن هذه التطمينات والوعود كانت بمثابة امتصاص غضب السكان من الأمراض التي انتشرت في المحافظة، وسرعان ما ذابت تلك الوعود بانتهاء المرض، ولكن يبقى السؤال الذي لازال الأهالي يبحثون عن إجابته، «متى ينتهي العمل في مستشفى الليث والذي اعتمد قبل 10 سنوات».
«مراكز صحية متهالكة وتفتقد الخدمات»
المراكز الصحية في محافظة الليث لازالت تشكل معاناة للسكان وسط غياب للكثير من الخدمات، إذ تتقلص الخدمات حسب بعدها عن المحافظة، فسكان قرية القفيلات التابعة لوادي «ربوع العين» مازالوا ينتظرون الخدمات وبعض التخصصات المفقودة، ناهيك عن المبنى الذي يفتقد لأبسط الخدمات، إذ لايتوفر فيه طبيبة نساء وولادة وقسم للأشعة، فيما يحل الظلام الدامس على المركز الصحي عند انقطاع الكهرباء لعدم توفر المولدات الاحتياطية التي تنهي تلك المعاناة، إذ يؤكد العديد من السكان الذين التقتهم «عكاظ» في القرية عدم الوفاء بالوعود التي قطعتها وزارة الصحة وصحة منطقة مكة المكرمة.
«علاج دون كشف»
كانت الساعة تشير إلى العاشرة مساء عندما دلفت لقسم الطوارئ في مستشفى الليث العام كانت الأعداد المتواجدة في الاستقبال تكفي لإغلاق الصالة التي لاتتجاوز خمسة أمتار، بينما طبيب واحد يستقبل كافة الحالات من الرجال والأطفال، تقدمت ببطاقتي الشخصية لطلب وصفة دخول على الطبيب، علنا نقف على حقيقة المستشفى الذي كان الجميع يتحدث عنها في الخارج، ويصف سوء الخدمات وغياب الكوادر والتهالك للمبنى، والانتظار لساعات في الأقسام علاوة على المواعيد المتباعدة، تسلمت نموذج الكشف ببشاشة وترحيب من الموظف وتقدمت للطبيب بحجة أن لدي «زكام وخمول في الجسم» فطلب قياس الحرارة والضغط، لكنني بادرته بطلب «أوكسجين، وفلوتاب» علها تخفف الألم فجاءت الموافقة وتدوين ذلك في نموذج الكشف دون تردد أو كشف، وهذا ماكان يطلبه البعض من المرضى من خلال سماعي لهم.
انتقلت إلى سرير التنويم في الطوارئ واستلقيت لاستمع لأنين المرضى على تلك الأسرة وندائهم على الممرضات العاجزات عن تقديم الخدمة للجميع في وقت واحد، كون أعداد المرضى لايتناسب مع العاملات في الطوارئ والبالغ عددهن ممرضتين من الجنسية المصرية والفلبينية، وفي غمرة الاستماع لشكاوى المواطنين تقدمت الممرضة بالأوكسجين «بناء على طلب المريض» لنستمر لمدة ثماني دقائق كانت كفيلة بالمصادقة على أنين المرضى خلف الستائر والغرف وتأكيدا لشكاوى منهم خارج الأسوار، إذ غادرت الطوارئ والازدحام لايزال في بدايته.
المدينة الجامعية
على يمين سالك الطريق الدولي جدة - جازان وبالقرب من مدخل محافظة الليث تلفت النظر لوحة كتب عليها «المدينة الجامعية» علمنا فيما بعد من أحد الأشخاص «سائق طالبات»، أن المحافظة لازالت تعاني من غياب المباني الحكومية عدا تلك المستأجرة التي يغطيها الزنك للطالبات، وأخرى للبنين -بعض الأقسام- والمتناثرة في وسط الأحياء السكنية كما يتناثر غيرها من المباني الحكومية.
الآباء يصرخون خوفا على فلذات الأكباد، والسائقين يروون القصص عن المخاطر التي تواجههم على الطرقات طوال العام، والحلول المتفق عليها من الجميع تنفيذ مدينة جامعية تخدم طلاب وطالبات محافظة الليث ومراكزها والمحافظات المجاورة وحمايتهم من المخاطر التي يواجهونها، إذ يضطر الكثير منهم الانتقال إلى مكة المكرمة ومحافظة جدة لإكمال التعليم الجامعي لغياب بعض التخصصات في كليات الليث.
كانت الكليات يحيط بها الزنك من جميع الاتجاهات ومداخل ضيقة تهدد الأعداد الكبيرة في داخلها عند حدوث حرائق -لاسمح الله-، وهذا مادفع محسن الفهمي وعلي العماري وصالح الذبياني للمطالبة بسرعة تنفيذ مدينة جامعية تخدم طالبات وطلاب الليث كافة، إذ يضطرون إلى التوجه للمناطق المجاورة بحثا عن التخصصات المرغوبة أو الدخول لتخصصات قد لايستمرون بها، ومنهم من غادر ولم يعد بسبب الطريق الذي يتربص بهم.
.