في العصر الحديث برز شقيقان من عمان عرفا على نطاق واسع بسبب عملهما في الإذاعة وكتابتهما مجموعة من القصائد الوطنية والعاطفية الرائعة التي تغنى بها مطربون عرب وخليجيون مثل: محمد عبدالوهاب، وديع الصافي، نجاة الصغيرة، هيام يونس، نجوى كرم، آمال ماهر، عبدالمجيد عبدالله، عبدالرب إدريس، ولطفي بوشناق، إضافة إلى مطربي عمان مثل: سالم بن علي، أحمد الحارثي، سالم اليعقوبي، حكم عايل، مبارك العسيري، وعبدالله الشرقاوي.
الشخصية الأولى هي المرحوم عبدالله بن صخر بن حمد العامري (أبو أحمد) الذي ولد بمسقط في نوفمبر 1942، وانتقل إلى جوار ربه في فبراير 2001، بعد حياة حافلة شغل خلالها مختلف الوظائف، إذ بدأ حياته المهنية مدرسا بالمدرسة السعيدية الابتدائية (إحدى ثلاث مدارس وحيدة في عمان قبل استلام السلطان قابوس مقاليد السلطة في عام 1970)، في أعقاب عودته من دراسته في البحرين في خمسينات القرن العشرين حيث زامل الشاعرين الراحلين عبدالرحمن محمد رفيع وغازي عبدالرحمن القصيبي. وبعد أن قضى في هذه الوظيفة التربوية مدة 14 سنة كواحد من أوائل المعلمين العمانيين، ترك التدريس ليلتحق بالإذاعة العمانية الوليدة بعد افتتاحها في عام 1970، حيث عين مذيعا ومعدا ومخرجا للبرامج. وبعد أن تدرج في العمل الإذاعي إلى أن أصبح مديرا للإذاعة العمانية في عام 1973، ترك وظيفته هذه ليلتحق في العام التالي بوزارة الخارجية حيث عمل أولا بالدائرة السياسية مكلفا بشؤون جامعة الدول العربية، ثم عين عضوا في البعثة الدبلوماسية العمانية لدى المملكة العربية السعودية.
ومن بعد فترة عمل خلالها مساعدا لوكيل وزارة الأراضي والبلديات، ومديرا عاما لوزارة الأشغال العامة، عاد أبو أحمد إلى وزارة الإعلام ليتدرج في وظائفها. فمن مدير عام الإعلام إلى مدير عام دار صحيفة عمان فرئيس تحرير صحيفة عمان اليومية ومشرف في الوقت نفسه على صحيفة الأوبزيرفر الصادرة عن دار عمان. في أعقاب هذه الوظائف الاعلامية وقع عليه الاختيار في عام 1985 ليشغل منصب وكيل وزارة الداخلية، وهو المنصب الذي ظل فيه حتى عام 1988. أما آخر منصب تقلده قبل وفاته فقد كان منصب مستشار بوزارة التراث والثقافة. ومما هو مدون في سيرته أنه منح وسام الاستحقاق من قبل السلطان، ووسام النجمة من قبل شاه إيران قبل وفاته، ثم تم تكريمه بعد وفاته بمنحه وسام السلطان قابوس للثقافة والعلوم والفنون.
كتب أبو أحمد في الصحافة، وله مجموعة دراسات وبحوث ومحاضرات في مواضيع منوعة، لكن المؤسف أنه رحل عن دنيانا دون أن يمهله القدر نشر قصائده في ديوان مطبوع، طبقا لابنه حمد الذي تولى جمع نتاج والده الشعري وطباعته على نفقته الخاصة. وهكذا نجد أن هذا الشاعر والإعلامي العماني الفذ لم يترك خلفه وقت رحيله سوى كتاب وحيد صدر في عام 1986 تحت عنوان «خواطر الأيام».
الذين عرفوه من مثقفي وإعلاميي السلطنة أجمعوا على أنه كان شخصية موهوبة في أكثر من مجال، فقد نشط في الكشافة في سنوات شبابه، وشارك في المهرجات الغنائية. وحينما كانت هناك حرب وقعقعة سلاح في ظفار ارتقى منابر الإذاعة صوتا صداحا ينشد بحب الوطن وأمنه في مواجهة الفوضويين والثوريين من حملة الأفكار الماوية الدخيلة.
كما أجمع كل من تعامل معه على أنه كان متواضعا محبوبا من الجميع، دمث الخلق، عذب الصوت، متمكنا من اللغة العربية، بعيدا عن التكلف، قريبا من الناس، مخلصا لوطنه، مجتهدا في عمله، مستعدا لمساعدة كل مبتدئ في مجالات الفن والثقافة والإعلام.
من قصائده الجميلة، قصيدة بعنوان «كان حلما» قال فيها:
كان حلما.. أصبح الحلمُ حقيقة
وحياتي.. كلُّها صارت دقيقة!
فالهنا غرَّدَ لحنا
والصَّفا أبعد حزنا
ودقيقة.. تركت من بعدها ذكرى رقيقة
يا هوى النَّفس الذي أضفى جمالا
يا مناها.. والذي فاضَ دلالا
سعدت بالحبِّ نفسي
والتقى يومي بأمسي
والحقيقة.. أنَّ حُبِّي لم يكن إلاَّ
وثيقة
أنتِ مَن يعلمُ كم في الحبِّ معنى
وتيقَّنت بعمقٍ.... فترفَّق بالمُعنَّى
وعلى طول اللَّيالي
أنتَ دومًا في خيالي
والحقيقة... تركت ذكراك آثارا
عميقة
غير أن شهرة «أبو أحمد» أتت من نظمه لكلمات النشيد الوطني العماني التي لحنها الموسيقار محمد عبدالوهاب في عام 1983 لتخلف النشيد الوطني القديم الذي اعتُمد على عجل في عام 1970.
الشخصية الثانية هي شقيق أبي أحمد الأستاذ ذياب بن صخر العامري الذي ولد بمدينة مطرح في عام 1947 وتلقى تعليمه أولا في كتاتيب تحفيظ القرآن بالمدينة قبل أن يلتحق في عام 1955 بالمدرسة السعيدية الابتدائية في مسقط، حيث كان أخوه الأكبر عبدالله بن صخر العامري معلما. بقي ذياب في هذه المدرسة حتى عام 1961 حينما تركها ليتعلم لمدة عام على يد مدرس فلسطيني اسمه «عبدالرحمن الغف» (بضم الغين وتشديد الفاء). وفي عام 1962 أرسلته الحكومة العمانية في بعثة دراسية إلى معهد للمعلمين في «غيل باوزير» بحضرموت كي يتدرب ويتأهل كمعلم.
وبمجرد عودته إلى عمان من تلك البعثة تم تعيينه مدرسا في المدرسة السعيدية حيث عمل هناك لمدة خمس سنوات. وفي عام 1969 التحق للعمل لمدة عام ونصف بمستشفى الإرسالية الأمريكية في مطرح، الذي أطلق عليه لاحقا اسم مستشفى الرحمة.
ويمكن القول إن الحقبة الذهبية في مسيرة ذياب العامري المهنية كانت بين عامي 1970 و1992. ففيها عمل في الإذاعة العمانية الوليدة التي فتحت أبوابها في عام 1970، قبل أن يعمل بالتلفزيون العماني الذي بدأ البث في عام 1974، وفيها التحق بدورات إذاعية وتلفزيونية متنوعة في كل من الأردن وبريطانيا واليابان، وقام بزيارات خارجية استطلاعية كثيرة، وحضر مؤتمرات وندوات في مجال عمله الإعلامي في فرنسا وألمانيا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة الامريكية، وغطى مواسم الحج السنوية ومشاعرها، وأجرى مقابلات مع عدد من أبرز قادة الدول العربية والأجنبية وشخصياتها الفكرية والفنية. من ضمن تلك المقابلات مقابلة أجراها في السعودية مع الشاعر السوري الكبير عمر أبوريشة الذي كان ذياب مغرما بقصائده ويرددها دائما (لا سيما قصيدة «هؤلاء») وأخرى مع الأمير الشاعر عبدالله الفيصل رحمه الله كاتب قصيدة «ثورة الشك» التي كان صاحبنا يهوى سماعها بصوت السيدة أم كلثوم. وفي هذه الحقبة حظي أيضا بالتكريم من خلال منحه وسام عمان ووسام السلطان قابوس للثقافة والعلوم والفنون.
في عام 1992 استقال ذياب من عمله في وزارة الإعلام العمانية. وهنا يقول البعض إنه استقال بسبب تعرضه لأزمة صحية استدعت ذهابه إلى الولايات المتحدة لإجراء عملية القلب المفتوح، ثم البقاء في هولندا كي يكون قريبا ممن يستطيع متابعة حالته الصحية من استشاريي القلب الكبار، فيما يقول البعض الآخر إن سبب استقالته، التي فضّـل هو ألا يفصح عنها، يكمن في وقوع خلاف بينه وبين مسؤولي وزارة الإعلام العمانية، فقرر الرجل على إثرها الاستقالة من جميع وظائفه والهجرة إلى أوروبا حيث حصل على وظيفة في القسم العربي بإذاعة هولندا، بمساعدة فنان تشكيلي هولندي وزوجته كان تعرف عليهما في وطنه أثناء تدريسهما مادتي الموسيقى والرسم.
وخلال إقامته في هولندا واتته الفرصة لاستعادة الكثير من ذكرياته الجميلة الماضية. إذ تجول طويلا في ألمانيا الغربية، وزار مرارا لندن للالتقاء بأصدقائه القدامى في هيئة الإذاعة البريطانية الذين تدرب على أيديهم أو تعلم منهم مثل: محمد مصطفى رمضان، وسعيد العيسى، وحسن الكرمي، وموسى بشوتي، والطيب صالح، وأفتيم قريطم، ومديحة المدفعي، وعبلة خمّاش، وهدى الرشيد، وسامي حداد، وجميل عازر، ومؤتمن الجزار، والعراقية صفاء خلوصي التي وضعت ابنتها الدكتورة صدى خلوصي (شاعرة وأديبة متخصصة في مجال الأدب المقارن العربي والإنجليزي والترجمة واللسانيات) مقدمة كتاب ذياب العامري الأهم وهو كتاب نثري صدر في عام 1997 تحت عنوان «ومضات من دروب الأيام».
وعن هذا الكتاب كتب الناقد والمترجم اليمني نجيب سعيد عوض باوزير، الذي زامل ذياب في معهد تدريب المعلمين بحضرموت ثم أصبح من أقرب أصدقائه، في صحيفة الوطن العمانية (5/1/2014) ما يلي: «يمكن تصنيف هذا الكتاب في خانة السيرة الذاتية، كما أن العنوان نفسه يوحي بذلك. لكن الكتاب ليس سيرة ذاتية بالمعنى المألوف، الذي تطّرد فيه الأحداث متسلسلة، بل هو وقفات عند مراحل حياتية عاشها الكاتب أو مواقف وصور مجتمعية معينة عاصرها وكان شاهداً عليها». وفي هذا الكتاب فصل كامل بعنوان «ذكريات حضرمية» تحدث فيه المؤلف ابتداء عن ذكرياته الدراسية في «غيل باوزير»، قبل أن ينتقل للحديث عن زيارته إلى حضرموت في يوليو 1996 بعد غيبة عنها دامت 32 عاما، حيث مكث فيها أسبوعا زار خلاله «غيل باوزير» والتقى بمن بقي على قيد الحياة من أساتذته وكان واحدا فقط هو الشيخ سعيد يسلم بافطيم، طبقا لما كتبه نجيب سعيد باوزير في الوطن العمانية (مصدر سابق).
لذياب العامري، عدد من الإصدارات الشعرية مثل ديوان «قصائد من الزمن البعيد» الصادر في عام 1981، وديوان «مرفأ الحب» الصادر في عام 1989. والديوان الأخير جمع فيه ذياب مجموعة من قصائده المليئة بالحب والأحاسيس الرومانسية والجماليات من تلك التي نشرها متفرقة. لذا لم يكن بمستغرب أن يصنفه الدكتور طه وادي، ضمن أهم شعراء الخليج عندما تحدث عن الشعر المعاصر في الخليج العربي في مقال كتبه في عام 1987 في مجلة «عالم الفكر» الكويتية.
فمثلا نجد في ديوان «مرفأ الحب» القصيدة التي أعطت اسمها للديوان، وهي في حب عمان، ويقول فيها:
كم سار ذكركِ في البرايا مشعلا
وأنار أهلكِ في الدجى قنديلا
ولئن ذوى عود الزمان بأمة
يبقى زمانكِ للورى أبريلا
وإذا ورود الشوق ماتت حسرة
تنمو ورودكِ للجوى إكليلا
لا تسأليني أن أؤول لوعتي
فالشعر يأبى البوح والتأويلا
هل تصبحين حبيبتي وخليلتي؟
فبدون ودكِ لا أود خليلا
ومن قصائد الديوان الجميلة الأخرى قصيدة بعنوان «كنت الأحلى»، وفيها يقول:
أتذكّرُ كيف تلاقينا
في تلك الأيام الخضرا
كانت أياما مخصبة
بالحب وأشياءٍ أخرى
كنت الأحلى
كنت الأغلى
وله أيضا قصيدة رومانسية حالمة باسم «يوم الرحيل» من أبياتها:
مرافئُ الخِصْبِ في دنياكِ تُغْنين
وبسمةُ الحبّ في خدّيْكِ تُغريني
وزُرقَةُ الشوقِ في عينيكِ أُغنيةٌ
تَرُدُّ روحي فَتُشجيني وتُحْييني
تمدّ لي دعوةً للعشقِ صادقةً
والعينُ أجملُ مَنْ للعشْقِ يدعوني
أحلى الزمانِ سويعاتٌ يعيشُ بها
الإنسانُ بالعشقِ بين الحينِ والحينِ
وأنتِ كُنْتِ زمانَ الوصْلِ فاغِيةً
منَ الخُزامى ومن آسٍ ونسرينِ
يضوعُ بالحبّ نشْرٌ منكِ مصْدَرُهُ
على دروبِ الرّوابي والبساتينِ
فَيرقُصُ الجدولُ الرّقراقُ مُنتَشِياً
ويَسْكَرُ الحقلُ من لَوْزٍ ومن تينِ
إلى أن يقول:
لا تَرْحَلي فَلَيالي البُعْدِ حالكةٌ
والقُرْبُ أوْلى وأحْلى للمحبّينِ
لا تَبْعُدي فَلَيالي الوصْلِ هانئَةٌ
وأنْتِ أزهى جمالاً حينَ تُدْنيني
إذا القناعةُ مَفتاحُ السرور لنا
فَلَحْظَةٌ منْ حبيبِ العُمرِ تَكْفيني
هاتي يدَيكِ وَضُمّيني على مَهَلٍ
فالْعُمْرُ أجملُ دوماً إن تَضُمّيني
• هما شقيقان ينتميان إلى قبيلة ينتشر أبناؤها في عمان وحضرموت والإمارات.
• الأكبر درس في البحرين وعمل مدرسا ثم تقلد وظائف عديدة في الإعلام والخارجية والداخلية، وقرض الشعر، واشتهر بنظم كلمات النشيد الوطني العماني التي لحنها الموسيقار محمد عبدالوهاب في 1983.
• عرف الشقيق الأكبر بمواهبه المتعددة، لكنه آثر أن يرتقي منابر الإذاعة ليكون صوتا صداحا ضد الثوريين والعابثين من حملة الأفكار الماوية يوم كانت هناك حرب وقعقعة سلاح في ظفار.
• الشقيق الثاني درس في عمان وتأهل معلماً في حضرموت فاشتغل في التدريس قبل أن يتدرب على يد كبار مذيعي هيئة الإذاعة البريطانية ويدخل مجال الإذاعة والتلفزيون.
• صنف أحدهم الشقيق الثاني ضمن أهم شعراء الخليج، حيث أصدر دواوين شعرية تضم قصائد مليئة بالرقة والرومانسية والجمال.
الشخصية الأولى هي المرحوم عبدالله بن صخر بن حمد العامري (أبو أحمد) الذي ولد بمسقط في نوفمبر 1942، وانتقل إلى جوار ربه في فبراير 2001، بعد حياة حافلة شغل خلالها مختلف الوظائف، إذ بدأ حياته المهنية مدرسا بالمدرسة السعيدية الابتدائية (إحدى ثلاث مدارس وحيدة في عمان قبل استلام السلطان قابوس مقاليد السلطة في عام 1970)، في أعقاب عودته من دراسته في البحرين في خمسينات القرن العشرين حيث زامل الشاعرين الراحلين عبدالرحمن محمد رفيع وغازي عبدالرحمن القصيبي. وبعد أن قضى في هذه الوظيفة التربوية مدة 14 سنة كواحد من أوائل المعلمين العمانيين، ترك التدريس ليلتحق بالإذاعة العمانية الوليدة بعد افتتاحها في عام 1970، حيث عين مذيعا ومعدا ومخرجا للبرامج. وبعد أن تدرج في العمل الإذاعي إلى أن أصبح مديرا للإذاعة العمانية في عام 1973، ترك وظيفته هذه ليلتحق في العام التالي بوزارة الخارجية حيث عمل أولا بالدائرة السياسية مكلفا بشؤون جامعة الدول العربية، ثم عين عضوا في البعثة الدبلوماسية العمانية لدى المملكة العربية السعودية.
ومن بعد فترة عمل خلالها مساعدا لوكيل وزارة الأراضي والبلديات، ومديرا عاما لوزارة الأشغال العامة، عاد أبو أحمد إلى وزارة الإعلام ليتدرج في وظائفها. فمن مدير عام الإعلام إلى مدير عام دار صحيفة عمان فرئيس تحرير صحيفة عمان اليومية ومشرف في الوقت نفسه على صحيفة الأوبزيرفر الصادرة عن دار عمان. في أعقاب هذه الوظائف الاعلامية وقع عليه الاختيار في عام 1985 ليشغل منصب وكيل وزارة الداخلية، وهو المنصب الذي ظل فيه حتى عام 1988. أما آخر منصب تقلده قبل وفاته فقد كان منصب مستشار بوزارة التراث والثقافة. ومما هو مدون في سيرته أنه منح وسام الاستحقاق من قبل السلطان، ووسام النجمة من قبل شاه إيران قبل وفاته، ثم تم تكريمه بعد وفاته بمنحه وسام السلطان قابوس للثقافة والعلوم والفنون.
كتب أبو أحمد في الصحافة، وله مجموعة دراسات وبحوث ومحاضرات في مواضيع منوعة، لكن المؤسف أنه رحل عن دنيانا دون أن يمهله القدر نشر قصائده في ديوان مطبوع، طبقا لابنه حمد الذي تولى جمع نتاج والده الشعري وطباعته على نفقته الخاصة. وهكذا نجد أن هذا الشاعر والإعلامي العماني الفذ لم يترك خلفه وقت رحيله سوى كتاب وحيد صدر في عام 1986 تحت عنوان «خواطر الأيام».
الذين عرفوه من مثقفي وإعلاميي السلطنة أجمعوا على أنه كان شخصية موهوبة في أكثر من مجال، فقد نشط في الكشافة في سنوات شبابه، وشارك في المهرجات الغنائية. وحينما كانت هناك حرب وقعقعة سلاح في ظفار ارتقى منابر الإذاعة صوتا صداحا ينشد بحب الوطن وأمنه في مواجهة الفوضويين والثوريين من حملة الأفكار الماوية الدخيلة.
كما أجمع كل من تعامل معه على أنه كان متواضعا محبوبا من الجميع، دمث الخلق، عذب الصوت، متمكنا من اللغة العربية، بعيدا عن التكلف، قريبا من الناس، مخلصا لوطنه، مجتهدا في عمله، مستعدا لمساعدة كل مبتدئ في مجالات الفن والثقافة والإعلام.
من قصائده الجميلة، قصيدة بعنوان «كان حلما» قال فيها:
كان حلما.. أصبح الحلمُ حقيقة
وحياتي.. كلُّها صارت دقيقة!
فالهنا غرَّدَ لحنا
والصَّفا أبعد حزنا
ودقيقة.. تركت من بعدها ذكرى رقيقة
يا هوى النَّفس الذي أضفى جمالا
يا مناها.. والذي فاضَ دلالا
سعدت بالحبِّ نفسي
والتقى يومي بأمسي
والحقيقة.. أنَّ حُبِّي لم يكن إلاَّ
وثيقة
أنتِ مَن يعلمُ كم في الحبِّ معنى
وتيقَّنت بعمقٍ.... فترفَّق بالمُعنَّى
وعلى طول اللَّيالي
أنتَ دومًا في خيالي
والحقيقة... تركت ذكراك آثارا
عميقة
غير أن شهرة «أبو أحمد» أتت من نظمه لكلمات النشيد الوطني العماني التي لحنها الموسيقار محمد عبدالوهاب في عام 1983 لتخلف النشيد الوطني القديم الذي اعتُمد على عجل في عام 1970.
«جينات الإعلام» ورثها ذياب عن شقيقه الأكبر
الشخصية الثانية هي شقيق أبي أحمد الأستاذ ذياب بن صخر العامري الذي ولد بمدينة مطرح في عام 1947 وتلقى تعليمه أولا في كتاتيب تحفيظ القرآن بالمدينة قبل أن يلتحق في عام 1955 بالمدرسة السعيدية الابتدائية في مسقط، حيث كان أخوه الأكبر عبدالله بن صخر العامري معلما. بقي ذياب في هذه المدرسة حتى عام 1961 حينما تركها ليتعلم لمدة عام على يد مدرس فلسطيني اسمه «عبدالرحمن الغف» (بضم الغين وتشديد الفاء). وفي عام 1962 أرسلته الحكومة العمانية في بعثة دراسية إلى معهد للمعلمين في «غيل باوزير» بحضرموت كي يتدرب ويتأهل كمعلم.
وبمجرد عودته إلى عمان من تلك البعثة تم تعيينه مدرسا في المدرسة السعيدية حيث عمل هناك لمدة خمس سنوات. وفي عام 1969 التحق للعمل لمدة عام ونصف بمستشفى الإرسالية الأمريكية في مطرح، الذي أطلق عليه لاحقا اسم مستشفى الرحمة.
ويمكن القول إن الحقبة الذهبية في مسيرة ذياب العامري المهنية كانت بين عامي 1970 و1992. ففيها عمل في الإذاعة العمانية الوليدة التي فتحت أبوابها في عام 1970، قبل أن يعمل بالتلفزيون العماني الذي بدأ البث في عام 1974، وفيها التحق بدورات إذاعية وتلفزيونية متنوعة في كل من الأردن وبريطانيا واليابان، وقام بزيارات خارجية استطلاعية كثيرة، وحضر مؤتمرات وندوات في مجال عمله الإعلامي في فرنسا وألمانيا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة الامريكية، وغطى مواسم الحج السنوية ومشاعرها، وأجرى مقابلات مع عدد من أبرز قادة الدول العربية والأجنبية وشخصياتها الفكرية والفنية. من ضمن تلك المقابلات مقابلة أجراها في السعودية مع الشاعر السوري الكبير عمر أبوريشة الذي كان ذياب مغرما بقصائده ويرددها دائما (لا سيما قصيدة «هؤلاء») وأخرى مع الأمير الشاعر عبدالله الفيصل رحمه الله كاتب قصيدة «ثورة الشك» التي كان صاحبنا يهوى سماعها بصوت السيدة أم كلثوم. وفي هذه الحقبة حظي أيضا بالتكريم من خلال منحه وسام عمان ووسام السلطان قابوس للثقافة والعلوم والفنون.
في عام 1992 استقال ذياب من عمله في وزارة الإعلام العمانية. وهنا يقول البعض إنه استقال بسبب تعرضه لأزمة صحية استدعت ذهابه إلى الولايات المتحدة لإجراء عملية القلب المفتوح، ثم البقاء في هولندا كي يكون قريبا ممن يستطيع متابعة حالته الصحية من استشاريي القلب الكبار، فيما يقول البعض الآخر إن سبب استقالته، التي فضّـل هو ألا يفصح عنها، يكمن في وقوع خلاف بينه وبين مسؤولي وزارة الإعلام العمانية، فقرر الرجل على إثرها الاستقالة من جميع وظائفه والهجرة إلى أوروبا حيث حصل على وظيفة في القسم العربي بإذاعة هولندا، بمساعدة فنان تشكيلي هولندي وزوجته كان تعرف عليهما في وطنه أثناء تدريسهما مادتي الموسيقى والرسم.
وخلال إقامته في هولندا واتته الفرصة لاستعادة الكثير من ذكرياته الجميلة الماضية. إذ تجول طويلا في ألمانيا الغربية، وزار مرارا لندن للالتقاء بأصدقائه القدامى في هيئة الإذاعة البريطانية الذين تدرب على أيديهم أو تعلم منهم مثل: محمد مصطفى رمضان، وسعيد العيسى، وحسن الكرمي، وموسى بشوتي، والطيب صالح، وأفتيم قريطم، ومديحة المدفعي، وعبلة خمّاش، وهدى الرشيد، وسامي حداد، وجميل عازر، ومؤتمن الجزار، والعراقية صفاء خلوصي التي وضعت ابنتها الدكتورة صدى خلوصي (شاعرة وأديبة متخصصة في مجال الأدب المقارن العربي والإنجليزي والترجمة واللسانيات) مقدمة كتاب ذياب العامري الأهم وهو كتاب نثري صدر في عام 1997 تحت عنوان «ومضات من دروب الأيام».
وعن هذا الكتاب كتب الناقد والمترجم اليمني نجيب سعيد عوض باوزير، الذي زامل ذياب في معهد تدريب المعلمين بحضرموت ثم أصبح من أقرب أصدقائه، في صحيفة الوطن العمانية (5/1/2014) ما يلي: «يمكن تصنيف هذا الكتاب في خانة السيرة الذاتية، كما أن العنوان نفسه يوحي بذلك. لكن الكتاب ليس سيرة ذاتية بالمعنى المألوف، الذي تطّرد فيه الأحداث متسلسلة، بل هو وقفات عند مراحل حياتية عاشها الكاتب أو مواقف وصور مجتمعية معينة عاصرها وكان شاهداً عليها». وفي هذا الكتاب فصل كامل بعنوان «ذكريات حضرمية» تحدث فيه المؤلف ابتداء عن ذكرياته الدراسية في «غيل باوزير»، قبل أن ينتقل للحديث عن زيارته إلى حضرموت في يوليو 1996 بعد غيبة عنها دامت 32 عاما، حيث مكث فيها أسبوعا زار خلاله «غيل باوزير» والتقى بمن بقي على قيد الحياة من أساتذته وكان واحدا فقط هو الشيخ سعيد يسلم بافطيم، طبقا لما كتبه نجيب سعيد باوزير في الوطن العمانية (مصدر سابق).
«مرفأ الحب».. بوح العامري في حب عمان
لذياب العامري، عدد من الإصدارات الشعرية مثل ديوان «قصائد من الزمن البعيد» الصادر في عام 1981، وديوان «مرفأ الحب» الصادر في عام 1989. والديوان الأخير جمع فيه ذياب مجموعة من قصائده المليئة بالحب والأحاسيس الرومانسية والجماليات من تلك التي نشرها متفرقة. لذا لم يكن بمستغرب أن يصنفه الدكتور طه وادي، ضمن أهم شعراء الخليج عندما تحدث عن الشعر المعاصر في الخليج العربي في مقال كتبه في عام 1987 في مجلة «عالم الفكر» الكويتية.
فمثلا نجد في ديوان «مرفأ الحب» القصيدة التي أعطت اسمها للديوان، وهي في حب عمان، ويقول فيها:
كم سار ذكركِ في البرايا مشعلا
وأنار أهلكِ في الدجى قنديلا
ولئن ذوى عود الزمان بأمة
يبقى زمانكِ للورى أبريلا
وإذا ورود الشوق ماتت حسرة
تنمو ورودكِ للجوى إكليلا
لا تسأليني أن أؤول لوعتي
فالشعر يأبى البوح والتأويلا
هل تصبحين حبيبتي وخليلتي؟
فبدون ودكِ لا أود خليلا
ومن قصائد الديوان الجميلة الأخرى قصيدة بعنوان «كنت الأحلى»، وفيها يقول:
أتذكّرُ كيف تلاقينا
في تلك الأيام الخضرا
كانت أياما مخصبة
بالحب وأشياءٍ أخرى
كنت الأحلى
كنت الأغلى
وله أيضا قصيدة رومانسية حالمة باسم «يوم الرحيل» من أبياتها:
مرافئُ الخِصْبِ في دنياكِ تُغْنين
وبسمةُ الحبّ في خدّيْكِ تُغريني
وزُرقَةُ الشوقِ في عينيكِ أُغنيةٌ
تَرُدُّ روحي فَتُشجيني وتُحْييني
تمدّ لي دعوةً للعشقِ صادقةً
والعينُ أجملُ مَنْ للعشْقِ يدعوني
أحلى الزمانِ سويعاتٌ يعيشُ بها
الإنسانُ بالعشقِ بين الحينِ والحينِ
وأنتِ كُنْتِ زمانَ الوصْلِ فاغِيةً
منَ الخُزامى ومن آسٍ ونسرينِ
يضوعُ بالحبّ نشْرٌ منكِ مصْدَرُهُ
على دروبِ الرّوابي والبساتينِ
فَيرقُصُ الجدولُ الرّقراقُ مُنتَشِياً
ويَسْكَرُ الحقلُ من لَوْزٍ ومن تينِ
إلى أن يقول:
لا تَرْحَلي فَلَيالي البُعْدِ حالكةٌ
والقُرْبُ أوْلى وأحْلى للمحبّينِ
لا تَبْعُدي فَلَيالي الوصْلِ هانئَةٌ
وأنْتِ أزهى جمالاً حينَ تُدْنيني
إذا القناعةُ مَفتاحُ السرور لنا
فَلَحْظَةٌ منْ حبيبِ العُمرِ تَكْفيني
هاتي يدَيكِ وَضُمّيني على مَهَلٍ
فالْعُمْرُ أجملُ دوماً إن تَضُمّيني
عبارات الهامش:
• هما شقيقان ينتميان إلى قبيلة ينتشر أبناؤها في عمان وحضرموت والإمارات.
• الأكبر درس في البحرين وعمل مدرسا ثم تقلد وظائف عديدة في الإعلام والخارجية والداخلية، وقرض الشعر، واشتهر بنظم كلمات النشيد الوطني العماني التي لحنها الموسيقار محمد عبدالوهاب في 1983.
• عرف الشقيق الأكبر بمواهبه المتعددة، لكنه آثر أن يرتقي منابر الإذاعة ليكون صوتا صداحا ضد الثوريين والعابثين من حملة الأفكار الماوية يوم كانت هناك حرب وقعقعة سلاح في ظفار.
• الشقيق الثاني درس في عمان وتأهل معلماً في حضرموت فاشتغل في التدريس قبل أن يتدرب على يد كبار مذيعي هيئة الإذاعة البريطانية ويدخل مجال الإذاعة والتلفزيون.
• صنف أحدهم الشقيق الثاني ضمن أهم شعراء الخليج، حيث أصدر دواوين شعرية تضم قصائد مليئة بالرقة والرومانسية والجمال.