وبجولة عشوائية على مكاتب ووكالات السياحة في المنطقة الشرقية، تصل مبالغ استخراج تصريح «السفر إلى العراق» إلى أكثر من ألف ريال، وتوغلت «عكاظ» في عالم مكاتب السفر المنتشرة بشكل كبير في محافظات المنطقة الشرقية والتي تبدي حذرا مبالغا فيه في التعامل مع طالبي التصريح، حتى أن جلهم يطلب صورة من جواز السفر وعن مكان الإقامة والمولد والمنشأ قبل البدء في الحديث عن التفاصيل، فيما تبدي تدابير مكاتب السفر نوعا من التوجس والحرص على عدم الإفصاح عن نشاطاتهم الممنوعة.
ورغم الحذر والحيطة التي تتخذها مكاتب السفر، استطاعت «عكاظ» استخراج تصريح سفر إلى العراق من دون مراجعة الجوازات أو التواصل المباشر مع إدارات الجوازات المنتشرة في مدن المملكة، بعد أن تواصلت مع عدد من المكاتب لمعرفة آلية استخراج التصريح.
وتواصلت «عكاظ» في عملية مسح عشوائي مع مجموعة كبيرة من هذه المكاتب التي تعرض خدمات بيع تصريح السفر للعراق عبر الاتصال وتطبيق «واتساب»، وتوصلت النتائج إلى أن هذه الحسابات تدير أنشطة مشبوهة وغير قانونية تماماً، إذ تعمد المكاتب على بيع تصريح السفر للعراق عن طريق الحصول على بعض الأوراق فقط، إضافة إلى الأوراق النقدية وهي الهدف الأساسي من هذا التجاوز النظامي.
وبدا أن جميع من يدير هذه المكاتب ويمارس هذه النشاطات هم من جنسيات عربية، و لا يتحدث بعضهم إلا بعد إرسال صورة من جواز السفر الخاص بالشخص على تطبيق المحادثات السريعة «واتساب»، تحسباً لأي ملاحقة قانونية قد تطالهم.
أسعار متفاوتة
في السوق السوداء المنتشرة في المنطقة الشرقية تجد اختلافا في الأسعار، فكل مكتب يقدم مبلغا مختلفا ومتناقضا عن الآخر، فأحد هؤلاء التجار الذين تواصلت معهم «عكاظ» يعرض بيع «تصريح السفر للعراق» بمبلغ 1100، في حين يعرض بائع آخر بـ 600 ريال، ولا يعني ارتفاع السعر المعروض أي ضمانات حقيقية، كون البائع يقدم السعر دون تقديم أي مبررات واضحة.
إجراءات لازمة
وأكدت جميع مكاتب السفر التي تواصلت معها «عكاظ» ضرورة زيارة مكتبها وتقديم المبلغ المتفق عليه، إضافة إلى صورة جواز سفر ولي الأمر، وصورة من جواز سفر المرافقين و صورة من دفتر العائلة، حتى تستخرج التصريح، فيما تستغرق العملية 10 أيام، دون الحاجة إلى أي من هذه الإثباتات الأصلية فالمهم الصورة من هذه الإثباتات والمبلغ فقط، بحسب تأكيدات العاملين في مكاتب سفر.
لا يلزم مراجعة ولا سفر الولي
وعند التأكيد لأحد أصحاب المكاتب بعدم رغبة «المسافرة المفترضة» باستخراج التصريح باسم ولي أمرها لعدم رغبته في السفر، أكد أن صدور التصريح باسم الولي لا يعني وجوب سفره حيث يمكن للسيدة أو القاصر السفر دون مرافقته ويبرز المرافق التصريح بشكل يسمح له بالسفر وحده.
«الجوازات» لـ "عكاظ": حضور صاحب الطلب شرط لاستخراج التصريح
لوح المتحدث باسم جوازات المنطقة الشرقية العقيد معلا العتيبي باتخاذ الإجراءات القانونية، مطالباً في الوقت ذاته من تتوافر لديه معلومات عن مكاتب سفريات تستقبل طلبات استخراج تصاريح سفر إلى العراق بتزويد جوازات المنطقة الشرقية أو الجهات الأمنية بذلك.
وشدد العقيد العتيبي في حديثه إلى «عكاظ» على ضرورة مراجعة صاحب الطلب شخصيا لتقديم الطلب في جوازات الدمام أو جوازات الأحساء، و«يعد ذلك شرطاً من شروط الحصول على تصريح سفر للعراق»، موضحاً أن إصدار التصريح تم بلا رسوم مالية.
واعتبر الخبير الأمني بندر البلوي الإجراء المعمول به من بعض مكاتب السفر «جريمة كبرى» ولها مخاطر كبيرة، موضحاً أنها تسير بعكس الاتجاه الأمني الذي يخدم الوطن والمواطنين والحفاظ عليهم، وأن «هذا الإجراء يعتبر من أخطر الأمور التي تؤثر على الأمن الوطني على المديين القصير والبعيد».
من جهته، يرى الباحث والمحلل السياسي أحمد الموكلي أن منع الجهات المختصة سفر مواطنيها إلى دولة ما يدخل في ضمن المصلحة العامة، مشيراً إلى أن قيام بعض مكاتب السفر باستخراج تصاريح سفر لبعض الدول المدرجة على قوائم المنع مقابل مبلغ مادي هو تجاوز للنظام، و«لا نعلم عن الآلية التي تستخرج بها تلك المكاتب هذه الأذونات فهل هي نظامية أم أنها مزورة».
ويتساءل «هل النظام يسمح لها مثلاً باستخراجها، أم أن ذلك يتطلب حضور المسافر أو ولي أمره. وهذا في الواقع يطرح مزيداً من التساؤلات، فهل تحولت مثل هذه الخدمات المجانية إلى سلعة من خلال هذه المكاتب تدخل فيها إجراءات غير نظامية؟!».
وطالب الموكلي الجهات المسؤولة بأن تلتفت لمثل هذه الأعمال التي تشوه الأنظمة وتخلق بيئة خصبة للفساد، و«قبل ذلك هي ثغرة أمنية تساعد ضعاف النفوس على تحقيق مآربهم»، من خلال مساعدتهم على الدخول لدول مشتعلة بالصراعات كالعراق وسورية.
..ومخاوف «اجتماعية» و«أمنية» من خطورة الإجراء
حذر مدير مركز الإعلام والدراسات العربية ماجد التركي من استخراج تصريح السفر إلى العراق عبر مكاتب تجارية للسفر والسياحة، مؤكدا أن الخطورة تكمن في بعدين اجتماعي وأمني.
وأوضح التركي في حديثه إلى «عكاظ» أن الاختراق الاجتماعي للنسق والعلاقة بين الأسر يأتي في خطوات تلك المكاتب، وذلك لسهولة أخذ صورة من جواز الولي سواء للفتاة أو الابن القاصر وتقديمها للمكتب فقط، ما يكسر النظام الضابط لهذا الأمر، و«الذي سن للمحافظة على من يحتاج رعاية سواء من القصر أو غيرهم، لعدم وقوف المكتب على الحالة الاجتماعية لمقدم الطلب وأبعاده وظروفه».
وأضاف التركي: «ينعكس ذلك على الجانب الآخر كون هذا القاصر أو الفتاة قد تسافر بموجب التصريح إلى دولة محل صراع، وقد يستغل في قضية انضمام أشخاص إلى داعش أو الحشد الشعبي، التي تنظمها حملات إعلامية في وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تمارس عمليات غسيل للعقل لهؤلاء الشبان».
وطالب بمراجعة التصاريح الصادرة من مكاتب الخدمات والتثبت منها وعمل تحقيق ومحاسبتها قانونياً، وذلك بإغلاق هذه المكاتب، وإلغاء ترخيصها، ومعاقبتها نظامياً، واسترداد المبالغ التي أخذت من قبلها.
من جهة قانونية، رأى القاضي السابق نصر اليمني أن هذه المكاتب وقعت في معصية شرعية، وذلك بمخالفة ولي الأمر، إضافة إلى وقوعها في مخالفة نظامية وانتهاكها للنظام، مشيراً إلى أن الإجراء يستوجب العقوبة. وقال اليمني إن مخالفة طاعة ولي الأمر عقوبتها تعزيرية، ترجع لتقدير القاضي، الذي بدوره يقدر الضرر الذي وقع جراء هذا التجاوز.