-A +A
قراءة: د. عبدالرحمن العليان
أطلق مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد الفيصل، في مكتبه بجده الأسبوع الماضي، مشروع «كيف نكون قدوة»، وهي مبادرة تندرج نحو تحقيق أهداف منطقة مكة المكرمة الإستراتيجية نحو بناء الإنسان وتنمية المكان. من اللافت في هذا المقام، أن إمارة منطقة مكة المكرمة تسير وفق رؤية ورسالة واضحة من أجل التكامل التنموي لبناء الإنسان وتنمية المكان من خلال مشاريع ومبادرات تتوحد من خلالها الرسائل الموجهة لمشروع «كيف نكون قدوة» التي تغذيها خبرة أمير المنطقة في خدمته لوطنه التي تجاوزت 50 عاما سطر ملامحها في مقاله الذي عنونه بـ«قبلة وقدوة». تبلورت هذه الخبرات من خلال تطبيقات ومبادرات لتنمية إنسان مكة من خلال كرسي الأمير خالد الفيصل لبناء الإنسان، ومركز الأمير خالد الفيصل لتأصيل منهج الاعتدال، وكرسي الأمير خالد الفيصل لاحترام النظام، والمجالس الأسبوعية لأمير المنطقة، وسوق عكاظ، وجائزة مكة للتميز، وجمعية مراكز الأحياء، ولجان إصلاح ذات البين، ومشروع اكتفاء، وبرامج شباب منطقة مكة المكرمة.

إن مثل هذه المشاريع والمبادرات هي ضرورة والمنطقة بحاجة ماسة إلى مثل هذه المشاريع التي تحتاج من الجميع أفرادا وجهات ومؤسسات أن تنخرط فيها بصيغة تكاملية من أجل إنسان منطقة مكة المكرمة. لقد كتبت في مقال سابق الحاجة إلى مثل هذه المشاريع من خلال القراءة الدقيقة للغة الأرقام والمعلومات التي بينتها وزارة الداخلية بشكل مهني وشفاف. ذكرت ما نصه أن قضايا النفس في المملكة العربية السعودية لعام 2015، 43007 قضايا، 31% منها تقريبا وقعت في منطقة مكة المكرمة، 19% تقريبا في منطقة الرياض، 13% تقريبا في المنطقة الشرقية، 12% تقريبا وقعت في منطقة المدينة المنورة. قضايا العرض بلغت 16046 قضية، 31% منها تقريبا وقعت في منطقة مكة المكرمة، 28% تقريبا وقعت في منطقة الرياض، 13% منطقة المدينة المنورة. القضايا المالية بلغت 38.986 قضية، نصيب منطقة الرياض هو الأعلى بنسبة 32%، ثم منطقة مكة المكرمة بنسبة 22%، ثم المنطقة الشرقية بنسبة 11%.


قضايا العقائد والعبادات والآداب الشرعية بلغت 7460 قضية، 39% منها تقريبا في منطقة مكة المكرمة، 28% في منطقة الرياض، 13% وقع في منطقة المدينة المنورة، و6% تقريبا وقعت في المنطقة الشرقية. وفي قضايا الشغب واصلت منطقة مكة المكرمة تصدرها بنسبة 65% من المجموع على مستوى المناطق. أما في ما يتعلق بالحرائق العمدية، فقد بلغت 655 قضية، كان نصيب منطقة مكة المكرمة منها 24%، 20% في منطقة الرياض، 10% تقريبا في منطقة المدينة المنورة، 9% تقريبا وقعت في المنطقة الشرقية، 4% وقعت في منطقة القصيم.

أما في ما يتعلق بمخالفات النظام العام فقد بلغت 952385 قضية، احتلت منطقة مكة المكرمة المركز الأول بنسبة 41% تقريبا، ثم منطقة جازان بنسبة 16%، ثم منطقة عسير بنسبة 10% تقريبا، فالرياض بنسبة 8% تقريبا، ثم المنطقة الشرقية بنسبة 7% تقريبا، وأخيرا منطقة المدينة المنورة بنسبة 6% تقريبا.

يلاحظ مما سبق أن منطقة مكة المكرمة تحتل المركز الأول في وقوعات القضايا والمخالفات على مستوى مناطق المملكة العربية السعودية، وقد يجادل بعضهم أن ذلك بحكم أن سكان منطقة مكة المكرمة أكثر بنسبة عالية عن باقي مناطق المملكة، وهذه المعلومة غير صحيحة في إطلاقها، فمصلحة الإحصاء أوردت أن عدد سكان المملكة العربية السعودية بلغ 31.521.418 حسب آخر تحديث لتعداد السكان، 25% تقريبا من السكان في منطقة الرياض، 25.6% تقريبا يسكنون في منطقة مكة المكرمة. وفي جانب آخر نجد أنه في مخالفات النظام العام كانت منطقة الرياض في المركز الرابع بعد مناطق مكة المكرمة وجازان وعسير، ما يعني أن عدد السكان في المنطقة لم يكن مؤثرا في عدد القضايا من هذا النوع لمنطقة مثل منطقة الرياض يسكن فيها 25% من سكان المملكة.

إن الأرقام تشير إلى أهمية العمل المشترك على المؤسسات بتنوعها التربوي والاجتماعي والتوعوي والأمني لدراسة المسببات التي تجعل منطقة مكة المكرمة في المقدمة في مثل هذه القضايا، ثم بعد ذلك تفعيل المبادرات والبرامج والمقترحات التي تحد وتعالج النسب العالية في المخالفات والقضايا. لقد شدد الأمير خالد الفيصل في مشروع «كيف نكون قدوة» على عدة عناصر لهذا المشروع التي تنم عن العمق الفكري والثقافي لأمير المنطقة في القراءة للواقع وأساليب المعالجة، يعتمد هذا المشروع على تأصل هذا المنهج في أن نكون قدوة في حياتنا العامة والخاصة من خلال التأمل في ديننا الإسلامي، القرآن والسنة يحملان جملا عظيمة من القيم والأخلاقيات التي تقودنا أن نكون مسؤولين في تعاملنا التي تأتي تطبيقاتها عبادة لله عز وجل في الحفاظ على الأمانة وإتقان العمل والالتزام بالنظام العام وحسن الأدب والخلق في التعامل على جميع مستويات العلاقات الإنسانية للإنسان القدوة! على المخططين إبراز هذه القيم التي يحملها هذا الكتاب العظيم وما فيه من القصص لرسولنا عليه السلام وللأنباء عليهم السلام. قال عز وجل: (لّقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) وقوله عز وجل (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه)، سير الأنبياء وما تحمله من مواقف وشمائل وأخلاقيات تحمل في طياتها نماذج للقدوة الحسنة التي سطرتها شروحات كتب السيرة والتراجم.

ومن المحاور المهمة التي ركز عليها أمير المنطقة هي مزية مجاورة البيت الحرام وخدمة ضيوف الرحمن، وهو أمر يحتم على إنسان منطقة مكة المكرمة أن يكون قدوة لغيره من خلال استشعار المسؤولية التي على عاتقه في حسن استقبال ضيوف الرحمن والتفاعل معهم بأدب وأخلاق الإسلام من خلال حفظ حقوقهم والحرص على خدمتهم كقدوات لما هو عليه الإنسان السعودي المسلم بجوار بيت الله الحرام.

وفي هذا السياق، فإن الجهات المشاركة هنا عليها إبراز أهمية القدوة في كونه ذا حلم وصبر وصدق وشجاعة ووفاء وحكمة وعدل، فضيوف الرحمن يحتاجون منا كمجاورين للبيت الحرام التفاعل الخاص مع ثقافات متنوعة وأدبيات مختلفة ولغات عديدة وسلوكيات جديدة يكون للأخلاقيات العالية والتي تتمثل في الصبر والحلم في التفاعل معهم رافدا في بناء القدوة لإنسان مكة الذي انعكس في صور عدة من خلال رجال الأمن وحسن تعاملهم مع حجاج بيت الله الحرام التي كان لها تأثير قيمي على الإنسان داخل وخارج الوطن.

إن استهداف المشروع لكل أب ومعلم وإمام وخطيب وكل مسؤول في قطاعه له أهمية كبيرة كونهم جميعا قدوات للمحيطين بهم. القدوة في حياتنا هو ذلك الإنسان المتواضع في تعامله، هو ذلك الإنسان الذي يتحلى بالأخلاق الحسنة، الذي يترفع عن التراهات، هو ذلك الإنسان الذي يصفح ويحسن على من أخطأ عليه في تعاملاته.

إن قاعدة كل إنسان قدوة لا بد أن تجد في حياته قدوة له، هي قاعدة محفزة لكل أب ومعلم وإمام وخطيب ومسؤول على أن يكون علما في خلقه وعلمه، تطبيقا والتزاما وليس تنظيرا، فلقد ذكر رسول الله في الحديث أن من جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، وهنا نرى أن العلم بالشريعة وحده لا يكفي في اكتمال منظومة الأخلاق، فتكامل الشخصية القدوة يكون علما وعملا وتطبيقا حتى يكون فاعلا ومؤثرا على المحيطين به في مجتمعه.

ومن عناصر المشروع هو تفاعل جميع الجهات بالمنطقة في المشروع وتفعيل أهدافه من خلال إعداد البرامج والمبادرات والأنشطة التي تعرف وتشرح وتؤصل هذا المفهوم بما يناسب كل جهة نحو كيف نكون قدوة في جهات عملنا. على الجهات المشاركة إظهار القدوات الحسنة وإشراكها في البرامج والمبادرات، وعليها كذلك الحرص على إبراز أفكار القيادة بالقدوة وإشراك العاملين بالقرار لكي ينصهر الجميع في المشاركة بفعالية كقدوات، ثم علينا إظهار ميزة الاعتذار واعتراف الإنسان بالخطأ في برامجنا ومبادراتنا التي تميزنا كسعوديين نلتزم بأخلاقيات عمل عالية تجعلنا نتحمل أخطاءنا، علينا كذلك إبراز مظاهر الاحترام والثقة والمراقبة الذاتية للعمل وجودته التي نجدها في موروثنا ويبقى تطبيقها بشكل فاعل وشامل داخل وخارج الجهة التي نعمل بها. على الجهات المشاركة أيضا إبراز قيمة علو الهمة للإنسان السعودي في عمله، فهي من المغذيات للقدوة الحسنة للرئيس والمرؤوسين التي تعطي الجهات وبرامجها التميز والجودة في مستويات عملها.

ومن المحاور المهمة في المشروع هو تكوين لجان لمتابعة جميع الأنشطة والفعاليات للتأكد من استلهامها لروح وشعار المشروع، وتقوم بعمل تقييم للأعمال وإذا لزم الأمر لتقويم المبادرات من خلال مؤشرات دقيقة يتم من خلالها تحديد المبادرات المميزة في تحقيق الهدف التكويني للقدوة ومن ثم تعزيزها من خلال تكريم الأفكار والمبادرات المتميزة في صورة تعكس التكامل للفكرة انطلاقا ومتابعة وتقييما وتكريما. أتمنى أن تكون هناك جائزة لسمو الأمير لأفضل القيادات قدوة في الجهات المستهدفة من خلال مؤشرات محددة على مستوى الجهات وتأخذ برضى المستفيد والمستهدف والعميل في كل جهة على حدة. كذلك تفعيل مواثيق الشرف لكل جهة على حدة وإبراز نقاطها للعاملين بصيغ وطرق مختلفة مهما جدا في تجويد المشروع ونتائجه. شكرا أمير القدوة، فنحن بكم وبفكركم سيكون إنسان مكة المكرمة قدوة بإذن الله.