بدأ فريق سعودي متخصص في هندسة وصناعة الطائرات بالخطوط السعودية مهمة دقيقة لإعادة تجميع طائرة في موقعها النهائي بمدينة الرياض بعد أن قام الفريق بتفكيك أجنحتها وبعض أجزائها باحترافية في مدينة جدة ثم الإشراف على نقلها بالشاحنات برًّا إلى الرياض عبر المدينة المنورة والقصيم في رحلة استغرقت خمسة أيام .
وبدأ الفريق الفني في الخطوط السعودية المهمة فور صدور الموافقة على توصية اللجنة الفنية التي اختارت طائرتين هما الأصلح من الطائرات الخارجة لقوات الأمن الخاصة بوزارة الداخلية لغرض التدريب، وأحيل الأمر إلى الشركة السعودية لهندسة وصناعة الطيران ـ التابعة للخطوط السعودية ـ والتي شكلت على الفور فريقاً فنياً متخصصاً لتفكيك الطائرة من نوع (MD-90) ذات الرمز (AZ-APU) والرابضة على أرض مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة تمهيدا لنقلها برًّا إلى وجهتها التي تبعد (1013) كيلو متراً تقريبا بمدينة الرياض، وهو التحدي الأول الذي واجه الفريق فضلاً عن أن الهدف الرئيسي هو ضمان إعادة الطائرة إلى حالتها السابقة بعد إعادة تركيبها.. وهذا التحدي الآخر، لذلك فأي خطأ في مراحل العملية سوف يؤثر على إنجاز المهمة .
وكان مقر الشركة السعودية لهندسة وصناعة الطيران (ساي) في جدة مسرحاً للعمليات الميدانية لتفكيك الطائرة، وتم اختيار (20) مهندساً وفنياً من الكوادر الوطنية المؤهلة لتنفيذ هذه المهمة التي في حال إسنادها للشركة المصنّعة للطائرة فستكلف مبالغ باهظة.
ووضع الفريق المنفذ بقيادة المهندس مروان غلام الدراسات اللازمة وخطة العمل الملائمة لإنجاز المهمة، وتم عمل نموذج مصغر لهيكل الطائرة لتوضيح مناطق الدعم والقص، وتطلب ذلك بذل مجهودات مضاعفة، لأن المشروع يختلف تماماً عن المتعارف عليه في التخلص من الطائرات بالطريقة التقليدية والتي لا تتيح الاستفادة من أجزاء الطائرة مرة أخرى.
وبدأ الفريق التنفيذ الفعلي للمهمة، ووضع خطة نقل الطائرة براً، وكانت المعضلة الأساسية في الأجنحة الرئيسية، فلا بد من التقيد بعدم تجاوز الحد الأقصى لعرض الطريق وهو ثمانية أمتار ونصف المتر، وتم تحديد مكان قص الأجنحة بحيث يمكن إعادة توصيلها وتثبيتها مرة أخرى، وهو ما يحدث لأول مره بأيدٍ سعودية.. وللمحافظة على استقامة قص الاجنحة وبناءً على حسابات مركز الثقل للأجنحة ومنع سقوطها وسهولة تحريكها بعد القص فقد جرى تصميم وتنفيذ (٤) دواعم متحركة رأسياً وأفقياً لهذا الهدف، وأيضاً كان الارتفاع عائقاً أمام نقل جسم الطائرة براً، فالمطلوب ألا يتجاوز كحد أقصى 5٫5 متر، وأجرى الفريق دراسات هندسية دقيقة لفك الأجنحة الخلفية العامودية والأفقية، والتي كانت الشركة المصنعّة للطائرة قد قدرت تكلفتها بحوالي مليون ونصف المليون دولار .
ولإعادة توصيل الأجنحة وتثبيتها بشكل سليم فلا بد أن يتم تنفيذ القص بخط مستقيم، وهذا مالا توفره الطريقة التقليدية، كما أن طريقة قص الليزر لا يمكن تطبيقها، بسبب طول مسطحات الجناح الواحد وسمك الأجزاء المعدنية السطحية والداخلية لهيكل الجناح، لذا استخدم فريق الشركة السعودية لهندسة وصناعة الطيران آلية (السلك الألماسي)التي تستخدم عادة لقص الرخام والجرانيت وأعمدة الجسور.
واستغرقت مرحلة التفكيك والقص قرابة 45 يوماً، حيث تم أولاً فك وإزالة الاجنحة الخلفية الأفقية، ثم الجنيحات الخلفية الملاصقة للأجنحة الخلفية العامودية، ومن ثم الأجنحة الخلفية العامودية، تبعه فك وإزالة الهياكل الداعمة للمحركات، وتم قص الجناحين.. وأخيراً رفعت الطائرة بكرينات وتم إعادة تثبيت عجلاتها في الحجرة المخصصة لتمكين تحميل الطائرة على الدعامات الحديدية المثبتة على المقطورة.
وقام الفريق بتجزئة الطائرة إلى 9 قطع، حيث وضع هيكل الطائرة الرئيسي على مقطورة ذات مواصفات خاصة، والقطع الأخرى على 8 شاحنات، مع تصميم حاضنات لحمل الطائرة التي تزن 43 طناً أثناء وضعها على المقطورة.
ومساء الخميس الموافق 17 نوفمبر انطلقت القافلة التي تسير بالطائرة لمسافة تتجاوز الألف كيلومتر، ملتزمة بسرعة قصوى لا تزيد عن 25 كيلومتر في مسيرتها من جدة إلى المدينة المنورة، ثم القصيم فالرياض، لتصل وجهتها المحددة يوم الثلاثاء 22 نوفمبر الجاري، لتبدأ مرحلة جديدة هي مسك ختام عمل الفريق وتتمثل بإعادة تركيب الطائرة بكل احترافية في موقعها الجديد حيث انتقل إلى الرياض كامل الفريق المتخصص الذي قام بتفكيك الطائرة تأهبا لإعادة تجميعها في موقعها الجديد للاستفادة منها في أغراض التدريب الأمني .