خادم الحرمين الشريفين مستقبلاً الملك حمد بن عيسى بالدرعية في يناير 2015.
خادم الحرمين الشريفين مستقبلاً الملك حمد بن عيسى بالدرعية في يناير 2015.
الملك سعود بن عبدالعزيز ومضيفه الشيخ سلمان بن حمد  في لقطة من داخل السيارة الملكية عام 1954.
الملك سعود بن عبدالعزيز ومضيفه الشيخ سلمان بن حمد في لقطة من داخل السيارة الملكية عام 1954.
صورة التقطت للشيخ حمد بن عيسى وضيفه الملك عبدالعزيز آل سعود  في المنامة عام 1939.
صورة التقطت للشيخ حمد بن عيسى وضيفه الملك عبدالعزيز آل سعود في المنامة عام 1939.
الملك فيصل مصافحاً الملك حمد بن عيسى خلال عرض عسكري أقيم في السعودية في سبعينات القرن الماضي.
الملك فيصل مصافحاً الملك حمد بن عيسى خلال عرض عسكري أقيم في السعودية في سبعينات القرن الماضي.
الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز متسلماً السيف الأجرب من الملك حمد بن عيسى.
الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز متسلماً السيف الأجرب من الملك حمد بن عيسى.
-A +A
قراءة: د. عبدالله المدني أستاذ العلاقات الدولية مملكة البحرين


في العلاقات البينية بين الدول ثمة أمثلة تصلح كنموذج للإخاء والمحبة والصداقة والتواصل والتضامن في السراء والضراء بين طرفيها سواء على مستوى الحكام أو الشعوب أو مكوناتهما الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. ومن بين أبرز هذه الأمثلة وأسطعها العلاقات الوطيدة القائمة بين المملكة العربية السعودية وشقيقتها مملكة البحرين والتي يعود تاريخها إلى حقبة الدولة السعودية الأولى (1745ـ 1818)، ومن بعدها الدولة السعودية الثانية (1840ـ1891)، فالدولة السعودية الثالثة التي بدأت بإمارة الرياض في عام 1902 وتوسعت بإعلان الكيان السعودي القائم حتى الآن في عام 1932.


ولعلنا لا نبالغ لو قلنا إن هذه العلاقات تجاوزت التضامن والتعاون إلى الانصهار والتكامل على المستويين الرسمي والشعبي بسبب عوامل الجوار الجغرافي والتاريخ المشترك والمصير الواحد والمواقف السياسية المتطابقة، معطوفة على عوامل النسب والمصاهرة والقربى والروابط القبلية وانتماء العائلتين الحاكمتين الكريمتين إلى جذور واحدة. والمتمعن في العلاقات البحرينية ــ السعودية أو الدارس لها سيكتشف الكثير من المنعطفات التي أثبتت ما ذهبنا إليه، بل سيجد نفسه أمام حالة أشبه ما تكون باندماج روحين في جسد واحد، وستقابله محطات تاريخية برهنت على وقوف البلدين دوما إلى جانب بعضهما البعض لرد كيد الأعداء وإفشال المخططات الرامية إلى ضرب وجودهما ومصالحهما المشتركة.

فعلى سبيل المثال، لا الحصر، كانت البحرين هي وجهة الأمير سعود بن فيصل بن تركي في عام 1870، حيث ترك فيها سيف جده الإمام تركي المعروف بالأجرب أمانة لدى حاكمها المغفور له الشيخ عيسى بن علي آل خليفة. كما كانت البحرين في عام 1891 هي الوجهة الأولى للإمام عبدالرحمن وابنه عبدالعزيز ذي الأعوام الـ 15 وأسرته بُعيد خسارته لحكم نجد، حيث استضافهم الشيخ عيسى بن علي وأكرم وفادتهم، بل استجاب لطلب الإمام عبدالرحمن بأن يأذن لأسرته بالإقامة إلى جواره.

وبعد أن استرد الملك عبدالعزيز ملك آبائه وأجداده في شبه الجزيرة العربية اقترحت عليه بريطانيا في عام 1927 توقيع معاهدة جدة التي نصت على اعتراف لندن بالاستقلال والسيادة الكاملة لملك الحجاز ونجد وملحقاتهما مقابل تعهد الملك عبدالعزيز بعدم التدخل في شؤون إمارات الخليج الخاضعة للحماية البريطانية فلم يقبل الملك ذلك وعـّده مساسا بكرامة العرب، الأمر الذي اضطرت معه لندن إلى تغيير النص ليصبح: «يتعهد صاحب الجلالة ملك الحجاز ونجد وملحقاتهما بالمحافظة على علاقات الود والسلم مع الكويت والبحرين ومشايخ قطر والساحل العماني الذين لهم معاهدات خاصة مع حكومة صاحب الجلالة البريطانية».

وحينما كاتب أعيان قبيلة الدواسر الملك عبدالعزيز في عام 1923 طالبين من جلالته السماح لهم باللجوء إلى المملكة في أعقاب خلافاتهم مع المعتمد البريطاني في البحرين الميجور«كلايف كيرباتريك ديلي» وامتعاضهم من ضغوطه لخلع الحاكم الشيخ عيسى بن علي وتنصيب ابنه الشيخ حمد بن عيسى مكانه، وخوفهم من تعرضهم للإذلال وفقدانهم لميزة الإعفاء من الضرائب والاستقلالية التي كانوا يتمتعون بها، كان رد الملك عبدالعزيز هو أنْ ترك لهم حرية النزول في أي بندر من بنادر الساحل الشرقي لمملكته، فكان أن وقع اختيارهم على الدمام التي لم تكن وقتذاك سوى بلدة صغيرة محدودة المساحة، فعمروها وعمروا بجانبها بلدة الخبر. وهكذا كان الدواسر أول من شيد ووطد علاقة الشعبين السعودي والبحريني على جانبي الحدود.

وخلال كل التطورات التي شهدها شبه الجزيرة العربية في مرحلة تأسيس الدولة السعودية الثالثة، كان الملك عبدالعزيز حريصا على التواصل مع حاكم البحرين الشيخ عيسى بن علي ليضعه في صورة ما يجري ويستنير بسديد رأيه، حيث كان الأول يجلّ الثاني ويحترمه احترام الابن لوالده بدليل أن كافة رسائله إليه كانت تبدأ بعبارة «من عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل فيصل إلى جناب الأجل الأفخم بهي الشيم الوالد المكرم الشيخ عيسى آل خليفة سلمه الله تعالى وأدام بقاءه».

وبعدما وطد الملك عبدالعزيز أركان حكمه، وشرع في تلبية احتياجات مواطنيه وتنفيذ عدد من المشاريع الخدمية لتطوير بلاده، كانت البحرين هي الجهة التي اعتمد عليها للحصول على حاجاته ومستلزماته الخاصة والعامة عبر وكلائه النجديين في المنامة من أمثال آل القصيبي وآل العجاجي. إذ كانت البحرين وقتذاك هي ميناء الخليج الأهم الذي تمر عبره البضائع والسلع الواردة من الهند وأوروبا وشرق أفريقيا مثل المواد الغذائية الرئيسية والأخشاب والفحم ومواد البناء والألبسة.

وفي فبراير سنة 1930، بذلت السلطات البريطانية في البحرين وبوشهر محاولات للحيلولة دون قيام الملك عبدالعزيز بزيارة كان يعتزم القيام بها إلى البحرين للقاء حاكمها الشيخ عيسى بن علي وذلك في أعقاب القمة التاريخية التي عقدها جلالته مع ملك العراق فيصل الأول بن الشريف حسين على ظهر البارجة البريطانية «لوبين» التي كانت راسية في عرض البحر شمال البحرين. فقد أرسل البريطانيون رسالة إلى الملك عبدالعزيز مفادها أن الشيخ عيسى مريض ولا يمكنه الالتقاء به، وأرسلوا رسالة أخرى إلى الشيخ عيسى مفادها أن الملك عبدالعزيز قد صرف النظر عن النزول في البحرين لارتباطات طارئة. غير أن اللقاء تم كنتيجة لإصرار الشيخ عيسى بن علي على رؤية الشاب الذي سبق أن رآه صبيا في الخامسة عشرة من عمره مع والده الإمام عبدالرحمن بعد أن وحد الجزيرة العربية وأدى دورا تاريخيا مشرفا، ناهيك عن إصرار أنجال الشيخ عيسى (الشيوخ حمد ومحمد وعبدالله) على أن تتم الزيارة رغم أنف الإنجليز. ومما يذكر في هذا السياق أن الشيخ حمد بن عيسى استقل بنفسه مركبا إلى عرض البحر وصعد إلى سفينة الملك عبدالعزيز ليدعوه إلى النزول على أرض البحرين، نافيا لجلالته أكاذيب الإنجليز. وبعد انتهاء هذه الزيارة الميمونة تولى الشيخ حمد نيابة عن والده توديع الملك عبدالعزيز عند شاطئ الزلاق، حيث دعاه الأخير لأداء فريضة الحج.

الملك فيصل عن الجسر «الحلم»: مشروع قومي ملح

في عهد الملك فيصل أيضا تم التفاهم بين البلدين الشقيقين على تحويل الحلم الذي راود الشعبين البحريني والسعودي لربط جزر البحرين باليابسة السعودية من خلال جسر بحري. هذا الحلم الذي كان أول من أطلق فكرته هو المغفور له الملك سعود خلال زيارته الرسمية للبحرين في عام 1954. ففي حفل عشاء أقامه على شرف جلالته رجل الأعمال البحريني حسن المديفع في مزرعته بمنطقة الجفير بالمنامة قال الملك أمام مضيفه الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين وتوابعها، وبحضور الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة وأولاده والشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة وأولاده، والشيخ حمود بن صباح آل خليفة والعديد من وجهاء البحرين وأعيانها ما نصه: «إن الروابط بين البحرين والمملكة قوية، ويجب أن نعمل على توثيقها، وقد كلمتُ عظمتكم من قبل بشأن مد جسر بين الخبر والبحرين، ولا أزال عند رأيي بضرورة إنشاء هذا الجسر. آمل أن تدرسوا هذا المشروع، وستساهم المملكة بقسط كبير من مصاريفه».

وهكذا اتفق البلدان الشقيقان في عام 1968 على تشكيل لجنة مشتركة لدراسة إمكانية تنفيذ المشروع/‏ الحلم، وتقدير حجم ميزانيته، ثم طـُلب من البنك الدولي تقديم المشورة حول عملية التنفيذ. لكن المغفور له الملك فيصل بادر في عام 1973 أثناء اجتماعه بصاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان أمير البحرين باقتراح أن تعمل اللجنة المشتركة على تجاوز المسائل المالية في دراستها وأن تنظر إلى المشروع كمشروع قومي ملح. وفي عهد المغفور له الملك خالد بن عبدالعزيز انتهى البنك الدولي من دراسته حول المشروع وتم إعطاء إشارة البدء بتنفيذه حيث بدأ التنفيذ الفعلي لهذا الصرح الجبار في سبتمبر 1981 على يد شركة «بالاست نيدام» الهولندية، وتم تثبيت أول قاعدة من قواعد الجسور في فبراير 1982، بينما تم الانتهاء من تنفيذه كاملا في نوفمبر 1986 في عهد الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز الذي قدم إلى البحرين خصيصا لحضور حفل الافتتاح الرسمي.

في كل المنعطفات، وكلما استدعت الحاجة، لم تتردد المملكة العربية السعودية قط في مد يد العون لشقيقتها البحرين لمساعدتها في القيام بأعباء المشاريع والخدمات التنموية.

الملك سعود لإيران «الشاهنشاهية»: البحرين مستقلة

وفي عهد المغفور له الملك سعود بن عبدالعزيز (1953 ـ 1964) قرر جلالته في عام 1954 أن يقوم بأول زيارة رسميه له كملك إلى البحرين. وبينما كانت الاستعدادات جارية لإتمام الزيارة الملكية استقبلت الرياض السفير «ظهير الإسلام» مبعوثا من قبل شاه إيران ليطلب من العاهل السعودي صرف النظر عن زيارته المقررة إلى البحرين، بدعوى أن البحرين جزء من الأراضي الإيرانية وأن سفر القادة الأجانب إليها يجب أن تتم بموافقة طهران. وقد كان رد الرياض قويا وصادحا كالعادة، إذ جاء فيه «إن المملكة العربية السعودية لا تعترف بأية سيادة لإيران أو غيرها على البحرين». وفي حادثة مماثلة أخرى وقعت في عام 1957 على هامش زيارة المغفور له الملك فيصل الثاني عاهل العراق لأخيه الملك سعود، تواردت أنباء عن أن اجتماع الزعيمين العربيين سوف يتناول استقلال جميع الأقطار العربية بما فيها البحرين، فجن جنون طهران وراحت صحافتها تشن هجوما لاذعا على المملكتين السعودية والعراقية، خصوصا بعدما صدر بيان سعودي ــ عراقي مشترك تضمن الإشارة إلى البحرين بالاسم كجزء لا يتجزأ من شبه جزيرة العرب، ناهيك عن حرص السعودية على أن يتضمن البيان استغرابها من الادعاءات الإيرانية حول السيادة على جزر البحرين.

وفي عهد المغفور له الملك الشهيد فيصل بن عبدالعزيز (1964ــ 1975) جندت السعودية كل طاقاتها الدبلوماسية، وعلاقتها الجيدة مع إيران الشاهنشاهية، ونفوذها في المحافل الدولية للتوصل إلى حل ودي يحفظ هوية البحرين العربية وسيادتها واستقلالها مع قرب انسحاب بريطانيا من شرق السويس وإلغاء معاهدات الحماية مع مشيخات وإمارات الخليج العربي. فكان أن أثمرت جهود الدبلوماسية البحرينية والسعودية في التوصل إلى الحل المنشود من خلال آلية المساعي الحميدة Good Offices التي قادتها منظمة الأمم المتحدة والذي تجسد في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 278 الذي اتخذ بالإجماع في جلسته رقم 1536 المنعقدة في 11 مايو 1970. هذا القرار الذي أصبح وثيقة دولية حاسمة وقطعية تعمي بوهج دلالاتها ومضامينها كل مشكك في عروبة البحرين وسيادتها، بل أصبح مادة تدرس في علم الدبلوماسية ونموذجا لكيفية حل القضايا الشائكة من خلال الآليات الأممية المعترف بها.

«درع الجزيرة».. أسمى معاني التعاضد والمساندة السعودية للبحرين

وقد تجلت أسمى معاني التعاضد والمساندة السعودية للبحرين وقيادتها وشعبها في القرار الحكيم والحاسم والوقفة الشجاعة للملك عبدالله بن عبدالعزيز -طيب الله ثراه- تجاه الأزمة التي مرت بها البحرين في فبراير 2011 حينما حاولت مجموعة من البحرينيين الخارجين عن الصف الوطني العربي التآمر ضد وطنها عبر استنساخ موجة ما ســُمي بـ «الربيع العربي»، فكانت القيادة السعودية لها بالمرصاد من خلال تفعيل الاتفاقيات الأمنية الموقعة بين البلدين والتي حفظت أمن واستقرار البحرين وسلامة مواطنيها وحماية وحدتها الوطنية والمقيمين على أرضها الطيبة.

وما بين هذا وذاك ظل حكام البحرين من آل خليفة الكرام محافظين على سنة حميدة هي زيارة المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية كلما حل بها ملك من ملوك آل سعود للترحيب به وتهنئته بسلامة الوصول، الأمر الذي يصلح شاهدا إضافيا على مدى عمق العلاقات البينية بين قيادتي البلدين وشعبيهما. ومن السنن الحميدة الأخرى التي حرصت عليها العائلة الخليفية على مر العهود انفتاحها ورعايتها وتكريمها للأسر النجدية العريقة التي اتخذت من البحرين موطنا لها للإقامة والتجارة والعمل والتعليم مثل القصيبي والعجاجي والبسام والزامل والقاضي والروق والخنيني والتميمي وغيرها. وهو الشيء نفسه الذي قامت به العائلة المالكة السعودية حينما فتحت أبواب بلادها العزيزة أمام ثلة من التجار والمستثمرين ورجال الأعمال البحرينيين ممن ساهموا في تطوير ونمو المدن الحديثة في المنطقة الشرقية من المملكة الشقيقة من أمثال كانو والزياني والزين وفخرو والمناعي والساعي والكوهجي والأنصاري والمدني والخاجة وغيرهم، ناهيك عن إفساحها المجال أمام العمالة البحرينية المدربة والمتعلمة للعمل في منشآت النفط في الظهران وبقيق ورأس تنورة أو للمساهمة في إنجاز بواكير المشاريع التنموية ومشاريع البنية التحتية في شرق المملكة، وفي مقدمتها مشروع مد خط أنابيب النفط عبر البلاد العربية (التابلاين) في خمسينات القرن العشرين.