-A +A
أنس اليوسف (جدة)
20_anas@

قبل أكثر من عام اعترف مدير الأمن العام الفريق عثمان المحرج أن أداء المرور غير مرض («عكاظ» 21/‏1/‏2016) وبالطبع لم يقصد فقط إرضاء نفسه على الصعيد المهني، بل كان ينقل انطباعا عاما سائدا في الشوارع مفاده أن رجال المرور لا يزالون مغيبين (طوعا أو كرها) عن خريطة الجدية في العمل لتبقى الشوارع عرجاء مكتوية بما يضج وما يقتل.


وقتها قالها المحرج بلا تردد «اجتمعت بكم العام السابق والآن أجتمع بكم ولم يتغير واقع الحال، ومشكلة المرور أصبحت حديث المجتمع»، فكان ما قال بردا وسلاما على عقول المتابعين، على رغم أنه لم يهدئ من روع فاجعة الطريق، ولم يشف صدور الراغبين في طريق آمن، ومعاقبة المخالفين بلا تردد أو هوادة.

وبعد 10 أشهر («عكاظ» 21/‏11/‏2016) تكررت الجملة نفسها من الفريق المحرج، ما أكد أن الأمر أيضا لم يتغير، إذ طالبهم بأن يوقفوا موت الطرقات.

لكن الأمر فجأة تغير 180 درجة، بعد أقل من ثلاثة أشهر وتحديدا الخميس الماضي (9/‏2/‏2017)، إذ قالها الفريق المحرج معلقا على الانتقادات المستمرة «لسنا ملائكة»، ليلتفت الجميع للشوارع علها تغيرت أو أن الانضباط سرى في جنباتها، لكن لم يتغير شيء سوى النبرة وطريقة وفحوى التعليق.

«لسنا ملائكة».. هي عبارة اعتيادية لتمرير الخطأ دون التوقف عنده، أو الاتعاظ من التجربة التي شملها الخطأ.

«لسنا ملائكة».. جملة يبدو أنها ستكون أيضا منطلقا لحفلات من اللامبالاة والاستهتار في شوارعنا، أبطالها مراهقون ومخالفون ما داموا يملكون «مذيب الطلقات» ومحطم العقوبات بتلك العبارة.

«لسنا ملائكة» ستتحول إلى غض الطرف من قبل رجال المرور لأنهم -ومعهم حق- لا يمكنهم الكشف عن النيات حتى يطبقوا العقوبات وآلة القانون، رغم أن النظام يمنع «كل من تسول له نفسه أن يعبث بالممتلكات ويزعج الآخرين».

«لسنا ملائكة».. سيرددها المجتمع وهم يتداولون مشكلة المرور والحوادث القاتلة لتتحول إلى نغمة في مواقع التواصل قبل أن يسمع صداها في الشوارع إلى الحد الذي بلغ معدل 20 وفاة يوميا وفي ازدياد.

قبل عام كان «حزم» المحرج منعكسا على الأداء فوجد الترحيب والتأييد من الكثيرين لأن حياتهم ليست «هدرا» يتلاعب بها طائشون ويغض الطرف عنها منشغلون ولا يراها بعض من كلفوا بالمتابعة لأنهم بالأحرى «غير جديرين».

لم يلحظ المواطنون تغيرا جوهريا في أداء المرور منذ آخر تصريحات الفريق المحرج وحتى الخميس الماضي، وبات الكل يتفق على أن الخسارة في الميدان تعني الموت وأقل الأضرار تعني الإعاقة.

اليوم تحولت معضلة المرور عصية على الحل السهل، فلا واعز لدى الطائشين، ولا عبرة لدى المفحطين، وأخيرا لا أمل في إنفاذ يد قانون المرور لأن القابضين عليه ببساطة «ليسوا ملائكة».