قال المفكر المصري محمد جلال كشك (ت 1993م): «كان الملك عبدالعزيز أقوى فرد ظهر في الأمة العربية خلال المئة عام الماضية، يؤمن بأن الفرد لا يبني دولة، ولا يقرر مصير أمة، وكان يعرف أن الإمبراطوريات والدول الكبرى لم تقم بفضل زعيم موهوب، بل مجموعة الرجال الأكفاء على جميع المستويات، وهذا ما جعله يحرص على كسب كل كفاءة وضمها إلى دولته».
لقد أدرك الملك عبدالعزيز في وقت مبكر حاجته إلى من يساعده في تنظيم شؤون دولته الناشئة من الموظفين والمستشارين، فمد يده إلى كل من يريد خير العرب، ويسعى لاستقلال العرب، ورحّب بكل عربي، وعدّ أرض بلاده وطناً لجميع العرب، ومن هؤلاء الذين استقطبهم الملك عبدالعزيز للعمل في دولته اللبناني فؤاد حمزة (1899-1951م) الذي نشرت دارة الملك عبدالعزيز أخيراً شيئاً من مذكراته ووثائقه في مجلدين يقارب عدد صفحاتهما الـ 800 صفحة، وبهذه المناسبة سنلقي بعض الضوء على هذه الشخصية العربية الفاعلة سياسياً وثقافياً في التاريخ السعودي الحديث.
اسمه فؤاد بن أمين بن علي حمزة، وكنيته (أبو سامر)، ولد عام 1899م/1317هـ في قرية من قرى قضاء عالية في جبل لبنان اسمها (عبية) وتلقى فؤاد حمزة تعليمه الأساسي في مدرسة القرية، وبعدها انتقل إلى دار المعلمين العثمانية في بيروت؛ إذ نال شهادتها بامتياز، ويظهر أنه التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت ولكنه لم يكمل دراسته فيها.
عمل في مهنة التدريس أثناء الحكم العثماني، وعيّن مديراً للمدرسة النموذجية في طرابلس الشام، ثم أنه بسبب مضايقة الاستعمار الفرنسي رحل إلى سورية عام (1919م) التي كانت تحت مظلة الحكم العربي آنذاك فعمل في التدريس ثم عيّن مفتشاً للمعارف في دمشق، وما لبث حتى انتقل إلى فلسطين بسبب سقوط الحكم العربي واستيلاء الفرنسيين على سورية عام (1920م)، وهناك عمل في التعليم في أماكن عدة آخرها مدرساً في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس، فيما كان يواصل دراسة الحقوق التي نال إجازتها في عام 1926م، وكان في تلك الأثناء على اتصال بالثورة السورية الكبرى التي قامت بقيادة سلطان الأطرش في عام 1925م فما علم إلا وقد جاءه نذير في أحد الأيام يشعره بعزم سلطات الانتداب البريطاني بالقبض عليه فغادر القدس على عجل إلى القاهرة وظل فيها حتى جاءه الفرج ببرقية تطلبه إلى الحجاز للعمل في دولة الملك عبدالعزيز آل سعود المستقلة.
قدومه إلى المملكة
تتفق المصادر على أن الزعيم السوري المعروف شكري القوتلي (ت1967م) كان السبب وراء التحاق فؤاد حمزة بالعمل عند الملك عبدالعزيز، وهو ما يؤكده فؤاد حمزة في يومياته إذ كتب: «وقد قدمني إلى جلالته شكري بك منذ شهر تقريباً حينما كانت المفاوضات جارية بينه وبين الإنجليز، وقد سأله الملك عما إذا كان يعلم شاباً يتقن اللغتين الإنجليزية والعربية فأعلمه بي، فكلفه بالإبراق إليّ لكي أحضر إلى هنا حالاً» وبالفعل فقد غادر مصر عندما وصلته برقية القوتلي إلى الحجاز فوصلها بتاريخ 25/12/ 1926م الموافق 20/6/1345هـ.
أعماله بعد قدومه
وبخلاف ما أثبتته بعض المصادر ونقله عنها الآخرون بأنه عند قدومه عمل مترجماً للملك عبدالعزيز فإن الوثائق تؤكد أن أول وظيفة شغلها فؤاد حمزة هي (معاون مدير الشؤون الخارجية) في مكة المكرمة وكان مديرها عبدالله الدملوجي وكان تعيينه فيها بتاريخ 3 رجب 1345هـ أي بعد وصوله إلى المملكة بنحو أسبوعين فقط.
استمر في عمله معاوناً لمدير الشؤون الخارجية حتى استقالة الدملوجي في سنة 1347هـ/ 1928م فصدر أمر الملك عبدالعزيز بتعيينه مديراً للخارجية وقد استمر في منصبه حتى صدور الأمر السامي بتحويل مديرية الشؤون الخارجية إلى وزارة الخارجية لتصبح بذلك أول وزارة في تاريخ الدولة وقد أسند منصب الوزارة إلى الملك فيصل بن عبدالعزيز حين كان أميرا، وعيّن فؤاد حمزة وكيلاً للوزارة اعتباراً من يوم الثلاثاء الموافق 26 رجب 1349هـ/1930م.
وقد استمر وكيلاً لوزارة لخارجية نحو تسع سنوات حتى عام 1358هـ/1939م عندما صدر الأمر الملكي بتأسيس مفوضية للمملكة في باريس وتعيين فؤاد حمزة فيها بصفته مندوباً فوق العادة ووزيراً مفوضاً، وقد قضى في أوروبا أكثر من ثلاث سنوات كان خلالها شاهد عيان على أوضاعها خلال الحرب العالمية الثانية، حتى صدر الأمر بتعيينه وزيراً مفوضاً ومندوباً فوق العادة لدى جمهورية تركيا في عام 1362هـ / 1943م.
وقد قال الملك عبدالعزيز لفؤاد حمزة بعد عودته وتصوره أن الملك كان من الممكن أن يتركه عالقاً في أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية: «والله وبالله إننا لا نهملك إن شاء الله وإن قضي عليك لا نهمل أولادك وسنوصي أولادنا وعيالنا أن لا ينسوا أولادك وعيالك».
وفي 6 جمادى الأولى 1366هـ / 28 مارس 1947م صدر مرسوم ملكي صدّر بأنه بناء على أهمية المشاريع الإنشائية والعمرانية التي تقرر إنفاذها لمصلحة البلاد فقد تم تعيين معالي فؤاد بك حمزة وزير دولة وانتدابه في وزارة المالية للأعمال الإنشائية والعمرانية وشركات الاستثمار.
وقد شغل أثناء عمله عضوية عدد من المجالس واللجان السياسية والإدارية منها: لجنة التفتيش والإصلاح 1346هـ، ولجنة سن الأنظمة 1346هـ، واللجنة التنفيذية لمعاونة النائب العام 1347هـ، واللجنة الدائمة بديوان الملك عبدالعزيز 1349هـ، ومجلس الوكلاء عام 1350هـ.
دوره السياسي ومهماته الدبلوماسية
إذا علمنا أن فؤاد حمزة منذ قدومه إلى المملكة عام 1345هـ/1926م وعمله الأساسي في الشؤون الخارجية معاوناً ثم مديراً وأخيراً وكيلاً للوزارة حتى عام 1358هـ/1939م يتأكد لنا أنه من أعمدة بناء جهاز الشؤون الخارجية للدولة وشاهد عيان على نمو العلاقات ومساهماً في المفاوضات والاتفاقات والمعاهدات وقد أشار في مذكراته إلى أنه حين باشر عمله في مديرية الخارجية وجدها مكونة من غرفتين فقط، حيث صرف جهده في إيجاد كيان مؤسس على بنيان قويم تقوم عليه إدارة حكومية متمدنة وراقية وعمل على تنظيمها.
ومن أبرز المهمات السياسية التي اضطلع بها إضافة إلى كونه من مستشاري الملك عبدالعزيز في شؤون الدولة: اشتراكه في الوفد السعودي لإجراء المباحثات الرسمية التمهيدية مع الحكومة العراقية التي عقدت في الكويت 1348هـ/1930م وحضوره اجتماع الملك عبدالعزيز مع الملك فيصل ملك العراق في مياه الخليج على ظهر السفينة لوبن، ومرافقته للملك فيصل بن عبدالعزيز حين كان أميرا في رحلته الرسمية إلى أوروبا 1350هـ/ 1932م، وتمثيله الحكومة السعودية في المفاوضات مع إمارة شرق الأردن المعقودة بالقدس والتوقيع على معاهدة الصداقة وحسن الجوار 1352هـ/ 1933م، ورئاسته للوفد السعودي في مؤتمر أبها 1352هـ/ 1934م بين الحكومتين السعودية واليمنية، ومرافقته للملك سعود حين كان وليا للعهد في رحلته إلى أوربا 1354هـ/ 1935م، وتمثيله الحكومة السعودية لبحث إنشاء العلاقات الرسمية مع مصر والتوقيع على معاهدة الصداقة وحسن التفاهم في 1355هـ/ 1936م، وعضوية الوفد السعودي الذي ترأسه الملك فيصل حين كان أميرا للمشاركة في مؤتمر فلسطين في لندن 1939م/ 1357هـ، وعضوية الوفد الرسمي المرافق للملك عبدالعزيز في زيارته إلى مصر 1365هـ/1946م، ومرافقته للملك سعود بن عبدالعزيز حين كان وليا للعهد في رحلته الرسمية إلى أمريكا 1366هـ/ 1947م، رئاسته وفد المملكة إلى مؤتمر اليونسكو المعقود في بيروت في عام 1367/1948م، وغيرها.
اهتماماته الثقافية
يعد فؤاد حمزة من الشخصيات النادرة التي جمعت السياسة والثقافة والإدارة والقانون في قالب واحد وتعاملت معها في وقت واحد وحققت في كل منها إنجازات جلية، وقد كان بلا جدال مثقفاً واسع الاطلاع ولا شك إن إجادته للغات عدة (الإنجليزية والفرنسية والتركية) ساعده على توسيع مداركه وزيادة معارفه، وقد نشر بعض مقالات في الصحف العربية قبل الالتحاق بخدمة الملك عبدالعزيز، كما أنه استمر في الكتابة والنشر بعد ذلك مع العلم أنه نشر بعض مقالاته تحت توقيعات مستعارة. وفي الحقيقة أن فؤاد حمزة لم يكن مجرد كاتب بل كان باحثا متمكنا لديه اهتمام واضح بالتاريخ والجغرافيا وميل إلى الخرائط والآثار، ويشير الزركلي إلى أنه كثير الدؤوب على العمل فما يكاد ينتهي من عمله الحكومي حتى يتناول بحثا في التاريخ أو السياسة يعالجه. وكان أيضاً داعماً للثقافة والمثقفين ويتجلى ذلك من خلال صلته المعروفة وعلاقته الوثيقة بالعلماء والأدباء العرب والمستشرقين، كما نلاحظ حرصه على إهداء الكتب للأفراد والمكتبات.
آثاره ومؤلفاته:
أ- قلب الجزيرة العربية:
وهو أول كتبه المطبوعة وقد طبع في مصر عام 1352هـ/1933م، وقد ذكر أن ما حمله على وضع هذا الكتاب هو شعوره بافتقار المكتبة العربية إلى مؤلف جامع لأحدث المعلومات الجغرافية والطبيعية والاجتماعية عن البلاد العربية، فقرر سد هذا الفراغ وضمن كتابه المعلومات التي يحتاجها القراء من المعلومات العامة عن المملكة العربية السعودية بمقاطعاتها وملحقاتها، وقد أشار إلى تشجيع الملك عبدالعزيز له في تأليف هذا الكتاب وقد أمر الملك وزير ماليته (ابن سليمان) بشراء 500 نسخة من الكتاب.
ب- البلاد العربية السعودية:
طبع في عام 1355هـ/1937م وهو كتاب أراد أن يجعله دليلاً مختصراً عن أحوال البلاد العربية السعودية واحتوى معلومات غير مسبوقة عن الملك عبدالعزيز وولي عهده ونائبه في الحجاز وعن العائلة المالكة وكذلك عن أوضاع الحكومة ودوائرها وتنظيماتها؛ لأنه لاحظ أثناء أسفاره وجود نقص في المعلومات عن هذه البلاد فرأى أن يشرع في سد هذه الثلمة بوضع مؤلف لا يستغني عنه الكاتب والتاجر والرحالة والأديب والمحرر والحاج والسياسي، وقد أصبح كتابه من أهم المصادر التاريخية في بابه إلى وقتنا الحاضر ويكتسب الكتاب موثوقية فيما نقله عن الملك عبدالعزيز بشكل مباشر وأهمها قصة استرداده للرياض.
ج- في بلاد عسير:
هذا الكتاب يعد من أدب الرحلة؛ لأنه وصف حي لرحلة فؤاد حمزة إلى بلاد عسير في مهمة رسمية عام 1352هـ، انطلقت رحلته من الطائف عن طريق الخرمة ثم رنية وبيشة فعسير وهو دراسة شاملة عن الحياة الاجتماعية والجغرافية والتاريخية لبلاد عسير، وقد ظلت مسودة الكتاب حبيسة الأدراج ولم يطبع إلا في عام 1370/1951م عندما أقنعه إبراهيم الشورى بإخراجه.
د- وصف تركيا الكمالية (1943- 1945):
هذا الكتاب طبع بعناية ابنه عمر بعد مرور أكثر من 60 سنة على وفاته وهو من فوائد عمله في مفوضية المملكة في أنقره إذ انكب على وصف تركيا الجمهورية الجديدة لغةً وعقيدةً، القديمة تراثاً وأحلاماً بعين الخبير، فسجل ملاحظاته ومشاهداته بكل دقة وعناية ورصدها في هذا الكتاب الذي بقي مخطوطاً حتى نشرته دار الجديد في عام 2013م.
هـ- الأوراق والوثائق والمذكرات:
ولهذه قصة دوّنها ابنه عمر إذ ذكر أنه بعد وفاة والده 1951م/1371هـ كلف الملك عبدالعزيز السفير السعودي في لبنان آنذاك، أن يطلب من العائلة بعض الأوراق المتعلقة بواحة البريمي لكونها أوراقا دقيقة وملحة فجرت الاستجابة ولكنهم لم يسألوا في حينها عن أي مستندات أخرى، وهكذا بقيت أوراقه محفوظة في أدراجها، ومرت الأيام بل السنوات (نحو 23 سنة) إلى أن جاءهم صديق العائلة المجاهد والدبلوماسي والكاتب والباحث السعودي فهد المارك في أواخر 1974م موفداً من الملك فيصل إذ أبلغهم برغبة الملك في رؤية أوراق فؤاد حمزة وبأسرع وقت قام عمر بجمع ونسخ ما أمكن وذهب لمقابلة الملك بصحبة فهد المارك وعمه توفيق حمزة وقد شكره بعد أن تأمل الأوراق وعرف خط والده وأمر بتأليف لجنة من رشاد فرعون ومدحت شيخ الأرض وتوفيق حمزة لدراسة المذكرات والنظر في إمكان نشرها، وبعد شهر أوصت اللجنة بعدم النشر بحجة الحجب العربية الدائمة «ما كل ما يعلم يكتب، وما كل ما يكتب ينشر»، وهكذا تم دفن المذكرات مرة أخرى وبقيت كذلك حتى جمادى الآخرة 1422هـ/سبتمبر 2001م حيث وصل لابنه عمر بن فؤاد خطاب من راعي التاريخ السعودي رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز الملك سلمان بن عبدالعزيز -وكان أميراً للرياض آنذاك- يتضمن طلباً بإيداع أوراق ووثائق والده في الدارة، فاستجاب عمر للطلب ثم أن ابنه قابل الملك سلمان في مكتبه في إمارة الرياض وقدم له مسودة مطبوعة تقارب الـ100 صفحة موضحاً أنها جزء من مذكرات والده وأنه يرغب في نشرها، فأحالها إلى الدارة وطلب منها التواصل والتنسيق للحصول على المذكرات كاملة وقيام الأمين العام الدكتور فهد السماري بإعدادها للنشر، ويؤكد الأمين العام أن أرشيف حمزة في غاية الثراء لاحتوائه أولاً على مراسلاته الخاصة، وثانياً على المئات من ملفات وزارة الخارجية والشعبة السياسية نتيجة ارتباطاته العملية بها.
وقد نشرت دارة الملك عبدالعزيز مذكرات فؤاد حمزة في نهاية العام الماضي وهي عبارة عن يوميات كان يسجلها في دفاتره وتتضمن معلومات في غاية الأهمية عن شخصية الملك عبدالعزيز وحياته الخاصة ومجالسه وبرنامجه اليومي في الرياض وخارجها، كما تتطرق إلى أسلوبه في الإدارة والحكم ومواقفه وسياسته وطريقة تعامله مع مستشاريه، كما أنها تضيف معلومات جديدة بشأن الأحداث الدولية أثناء الحرب العالمية الثانية وعلاقتها بالعالم العربي والحوارات السياسية التي تداولها فؤاد حمزة مع السياسيين في أوروبا، ويشير السماري إلى أنه لم يستبعد من المذكرات إلا الجوانب ذات الخصوصية من المذكرات، ولكن الملاحظ أن المذكرات/ اليوميات مليئة بفجوات زمنية كبيرة غيّبت أحداثاً سياسية وتاريخية خطيرة ولا نعلم شيئاً عن حقيقة الفجوات لأنه لم يتم الإشارة إليها في مقدمة المذكرات. وقد جاءت المذكرات في مجلدين شغل منها الأول 385 صفحة، أما الثاني فقد ألحق به مجموعة كبيرة من الصور والوثائق شغلت 220 صفحة، ويمكن أن نقول إن كثيراً من الوثائق في غاية الأهمية لسيرة فؤاد حمزة خصوصاً وللتاريخ السعودي عموماً وكان اختيارها موفقاً جداً.
و- المؤلفات المخطوطة:
لقد ترك فؤاد حمزة عددا غير قليل من المؤلفات المخطوطة التي تدل على سعة اطلاعه وتعدد اهتماماته ولكن بعض هذه المؤلفات مسودات تحتاج إلى تنقيح وبعضها بحوث غير مكتملة ومنها: مجموع عن الفرق الباطنية التي أعملت معولها في بنيان الإسلام وكان ينوي إن أمد الله في العمر أن يتناول موضوعها بشكل جامع واسع على أن يبقى ما يكتبه دفيناً حتى يقيض الله من ينشره بعد موته لأنه سيثير ولا شك ثائرة كثيرين ضده ولا ندري أين ذهب هذا المجموع الخطير إذ لم يشر إليه ضمن مسودات كتبه وبحوثه المحفوظة في الدارة الواردة في مقدمة المذكرات. ومنها رسالة عن سوق عكاظ تتضمن تعريفاً لعكاظ في اللغة والاصطلاح وفي تاريخ العرب وآدابهم مؤرخة في عام 1352هـ. ومنها: نشأة الكتابة، شذيرات عن جزيرة العرب، خلاصة التاريخ الروماني، التاريخ وعلم السياسة المدنية، جغرافيا منطقة البحر المتوسط، أمراء مكة المكرمة، آثار الجزيرة قبل الإسلام، وله كذلك بحث في اللهجات.
وما يجدر التنبيه إليه أن مكتبة فؤاد حمزة التي أهديت إلى الدارة تحتوي مجموعة من الكتب المطبوعة يبلغ عددها 1257 عنواناً، كما تتضمن 30 مخطوطة أصلية من النوادر في مختلف العلوم والآداب، منها مخطوطة نادرة جداً هي (نشر الثناء الحسن المنبئ ببعض حوادث الزمان من الغرائب الواقعة في اليمن) لإسماعيل بن محمد الوشلي، وهي بخط المؤلف، ووجدت على هوامش بعض صفحاتها تعليقات وختامات بخط يد فؤاد حمزة، ومنها مخطوطة لديوان (سقط الزند) للشاعر أبو العلاء المعري، ومخطوطة في الفقه بعنوان (الأحكام المتضمنة لفقه أئمة الإسلام) ومخطوطة (غنية ذوي الأحكام بغية درر الأحكام) ومخطوطة (الإعلام بأعلام بيت الله الحرام) لمحمد بن أحمد بن محمد النهروالي وغيرها من المخطوطات التي تشكل إضافة للمكتبة التراثية والعلمية في السعودية. كما احتوت مكتبته على مجموعة كبيرة من الصور الأصلية أغلبها التقط خارج السعودية نتيجة عمل فؤاد حمزة في السلك الدبلوماسي.
وفاته:
عاش فؤاد حمزة معاناة طويلة مع المرض منذ ريعان شبابه بسبب ضعف في قلبه حتى أنه تنبأ في عام 1925م/1343هـ بأن حياته لن تكون طويلة وقد وافته المنية في 22 صفر 1371هـ/ 22 نوفمبر 1951م مستشفياً في لبنان عن عمر يقارب الـ52 عاماً ودفن في قريته عبية، قال فيلبي: «وكانت وفاته خسارة كبيرة للسعودية البلد الذي تبناه»، في حين نعته الجريدة الرسمية للدولة وتحدثت عن مآثره وأعماله، وقد عرف عنه -رحمه الله- الشهامة العربية والحكمة السياسية وسعة الأفق وكان ودوداً محبوباً محباً أعمال الخير وعرف عنه التبرع للأعمال الخيرية وبناء المساجد والمدارس وغيرها.
لقد أدرك الملك عبدالعزيز في وقت مبكر حاجته إلى من يساعده في تنظيم شؤون دولته الناشئة من الموظفين والمستشارين، فمد يده إلى كل من يريد خير العرب، ويسعى لاستقلال العرب، ورحّب بكل عربي، وعدّ أرض بلاده وطناً لجميع العرب، ومن هؤلاء الذين استقطبهم الملك عبدالعزيز للعمل في دولته اللبناني فؤاد حمزة (1899-1951م) الذي نشرت دارة الملك عبدالعزيز أخيراً شيئاً من مذكراته ووثائقه في مجلدين يقارب عدد صفحاتهما الـ 800 صفحة، وبهذه المناسبة سنلقي بعض الضوء على هذه الشخصية العربية الفاعلة سياسياً وثقافياً في التاريخ السعودي الحديث.
اسمه فؤاد بن أمين بن علي حمزة، وكنيته (أبو سامر)، ولد عام 1899م/1317هـ في قرية من قرى قضاء عالية في جبل لبنان اسمها (عبية) وتلقى فؤاد حمزة تعليمه الأساسي في مدرسة القرية، وبعدها انتقل إلى دار المعلمين العثمانية في بيروت؛ إذ نال شهادتها بامتياز، ويظهر أنه التحق بالجامعة الأمريكية في بيروت ولكنه لم يكمل دراسته فيها.
عمل في مهنة التدريس أثناء الحكم العثماني، وعيّن مديراً للمدرسة النموذجية في طرابلس الشام، ثم أنه بسبب مضايقة الاستعمار الفرنسي رحل إلى سورية عام (1919م) التي كانت تحت مظلة الحكم العربي آنذاك فعمل في التدريس ثم عيّن مفتشاً للمعارف في دمشق، وما لبث حتى انتقل إلى فلسطين بسبب سقوط الحكم العربي واستيلاء الفرنسيين على سورية عام (1920م)، وهناك عمل في التعليم في أماكن عدة آخرها مدرساً في المدرسة الرشيدية الثانوية في القدس، فيما كان يواصل دراسة الحقوق التي نال إجازتها في عام 1926م، وكان في تلك الأثناء على اتصال بالثورة السورية الكبرى التي قامت بقيادة سلطان الأطرش في عام 1925م فما علم إلا وقد جاءه نذير في أحد الأيام يشعره بعزم سلطات الانتداب البريطاني بالقبض عليه فغادر القدس على عجل إلى القاهرة وظل فيها حتى جاءه الفرج ببرقية تطلبه إلى الحجاز للعمل في دولة الملك عبدالعزيز آل سعود المستقلة.
قدومه إلى المملكة
تتفق المصادر على أن الزعيم السوري المعروف شكري القوتلي (ت1967م) كان السبب وراء التحاق فؤاد حمزة بالعمل عند الملك عبدالعزيز، وهو ما يؤكده فؤاد حمزة في يومياته إذ كتب: «وقد قدمني إلى جلالته شكري بك منذ شهر تقريباً حينما كانت المفاوضات جارية بينه وبين الإنجليز، وقد سأله الملك عما إذا كان يعلم شاباً يتقن اللغتين الإنجليزية والعربية فأعلمه بي، فكلفه بالإبراق إليّ لكي أحضر إلى هنا حالاً» وبالفعل فقد غادر مصر عندما وصلته برقية القوتلي إلى الحجاز فوصلها بتاريخ 25/12/ 1926م الموافق 20/6/1345هـ.
أعماله بعد قدومه
وبخلاف ما أثبتته بعض المصادر ونقله عنها الآخرون بأنه عند قدومه عمل مترجماً للملك عبدالعزيز فإن الوثائق تؤكد أن أول وظيفة شغلها فؤاد حمزة هي (معاون مدير الشؤون الخارجية) في مكة المكرمة وكان مديرها عبدالله الدملوجي وكان تعيينه فيها بتاريخ 3 رجب 1345هـ أي بعد وصوله إلى المملكة بنحو أسبوعين فقط.
استمر في عمله معاوناً لمدير الشؤون الخارجية حتى استقالة الدملوجي في سنة 1347هـ/ 1928م فصدر أمر الملك عبدالعزيز بتعيينه مديراً للخارجية وقد استمر في منصبه حتى صدور الأمر السامي بتحويل مديرية الشؤون الخارجية إلى وزارة الخارجية لتصبح بذلك أول وزارة في تاريخ الدولة وقد أسند منصب الوزارة إلى الملك فيصل بن عبدالعزيز حين كان أميرا، وعيّن فؤاد حمزة وكيلاً للوزارة اعتباراً من يوم الثلاثاء الموافق 26 رجب 1349هـ/1930م.
وقد استمر وكيلاً لوزارة لخارجية نحو تسع سنوات حتى عام 1358هـ/1939م عندما صدر الأمر الملكي بتأسيس مفوضية للمملكة في باريس وتعيين فؤاد حمزة فيها بصفته مندوباً فوق العادة ووزيراً مفوضاً، وقد قضى في أوروبا أكثر من ثلاث سنوات كان خلالها شاهد عيان على أوضاعها خلال الحرب العالمية الثانية، حتى صدر الأمر بتعيينه وزيراً مفوضاً ومندوباً فوق العادة لدى جمهورية تركيا في عام 1362هـ / 1943م.
وقد قال الملك عبدالعزيز لفؤاد حمزة بعد عودته وتصوره أن الملك كان من الممكن أن يتركه عالقاً في أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية: «والله وبالله إننا لا نهملك إن شاء الله وإن قضي عليك لا نهمل أولادك وسنوصي أولادنا وعيالنا أن لا ينسوا أولادك وعيالك».
وفي 6 جمادى الأولى 1366هـ / 28 مارس 1947م صدر مرسوم ملكي صدّر بأنه بناء على أهمية المشاريع الإنشائية والعمرانية التي تقرر إنفاذها لمصلحة البلاد فقد تم تعيين معالي فؤاد بك حمزة وزير دولة وانتدابه في وزارة المالية للأعمال الإنشائية والعمرانية وشركات الاستثمار.
وقد شغل أثناء عمله عضوية عدد من المجالس واللجان السياسية والإدارية منها: لجنة التفتيش والإصلاح 1346هـ، ولجنة سن الأنظمة 1346هـ، واللجنة التنفيذية لمعاونة النائب العام 1347هـ، واللجنة الدائمة بديوان الملك عبدالعزيز 1349هـ، ومجلس الوكلاء عام 1350هـ.
دوره السياسي ومهماته الدبلوماسية
إذا علمنا أن فؤاد حمزة منذ قدومه إلى المملكة عام 1345هـ/1926م وعمله الأساسي في الشؤون الخارجية معاوناً ثم مديراً وأخيراً وكيلاً للوزارة حتى عام 1358هـ/1939م يتأكد لنا أنه من أعمدة بناء جهاز الشؤون الخارجية للدولة وشاهد عيان على نمو العلاقات ومساهماً في المفاوضات والاتفاقات والمعاهدات وقد أشار في مذكراته إلى أنه حين باشر عمله في مديرية الخارجية وجدها مكونة من غرفتين فقط، حيث صرف جهده في إيجاد كيان مؤسس على بنيان قويم تقوم عليه إدارة حكومية متمدنة وراقية وعمل على تنظيمها.
ومن أبرز المهمات السياسية التي اضطلع بها إضافة إلى كونه من مستشاري الملك عبدالعزيز في شؤون الدولة: اشتراكه في الوفد السعودي لإجراء المباحثات الرسمية التمهيدية مع الحكومة العراقية التي عقدت في الكويت 1348هـ/1930م وحضوره اجتماع الملك عبدالعزيز مع الملك فيصل ملك العراق في مياه الخليج على ظهر السفينة لوبن، ومرافقته للملك فيصل بن عبدالعزيز حين كان أميرا في رحلته الرسمية إلى أوروبا 1350هـ/ 1932م، وتمثيله الحكومة السعودية في المفاوضات مع إمارة شرق الأردن المعقودة بالقدس والتوقيع على معاهدة الصداقة وحسن الجوار 1352هـ/ 1933م، ورئاسته للوفد السعودي في مؤتمر أبها 1352هـ/ 1934م بين الحكومتين السعودية واليمنية، ومرافقته للملك سعود حين كان وليا للعهد في رحلته إلى أوربا 1354هـ/ 1935م، وتمثيله الحكومة السعودية لبحث إنشاء العلاقات الرسمية مع مصر والتوقيع على معاهدة الصداقة وحسن التفاهم في 1355هـ/ 1936م، وعضوية الوفد السعودي الذي ترأسه الملك فيصل حين كان أميرا للمشاركة في مؤتمر فلسطين في لندن 1939م/ 1357هـ، وعضوية الوفد الرسمي المرافق للملك عبدالعزيز في زيارته إلى مصر 1365هـ/1946م، ومرافقته للملك سعود بن عبدالعزيز حين كان وليا للعهد في رحلته الرسمية إلى أمريكا 1366هـ/ 1947م، رئاسته وفد المملكة إلى مؤتمر اليونسكو المعقود في بيروت في عام 1367/1948م، وغيرها.
اهتماماته الثقافية
يعد فؤاد حمزة من الشخصيات النادرة التي جمعت السياسة والثقافة والإدارة والقانون في قالب واحد وتعاملت معها في وقت واحد وحققت في كل منها إنجازات جلية، وقد كان بلا جدال مثقفاً واسع الاطلاع ولا شك إن إجادته للغات عدة (الإنجليزية والفرنسية والتركية) ساعده على توسيع مداركه وزيادة معارفه، وقد نشر بعض مقالات في الصحف العربية قبل الالتحاق بخدمة الملك عبدالعزيز، كما أنه استمر في الكتابة والنشر بعد ذلك مع العلم أنه نشر بعض مقالاته تحت توقيعات مستعارة. وفي الحقيقة أن فؤاد حمزة لم يكن مجرد كاتب بل كان باحثا متمكنا لديه اهتمام واضح بالتاريخ والجغرافيا وميل إلى الخرائط والآثار، ويشير الزركلي إلى أنه كثير الدؤوب على العمل فما يكاد ينتهي من عمله الحكومي حتى يتناول بحثا في التاريخ أو السياسة يعالجه. وكان أيضاً داعماً للثقافة والمثقفين ويتجلى ذلك من خلال صلته المعروفة وعلاقته الوثيقة بالعلماء والأدباء العرب والمستشرقين، كما نلاحظ حرصه على إهداء الكتب للأفراد والمكتبات.
آثاره ومؤلفاته:
أ- قلب الجزيرة العربية:
وهو أول كتبه المطبوعة وقد طبع في مصر عام 1352هـ/1933م، وقد ذكر أن ما حمله على وضع هذا الكتاب هو شعوره بافتقار المكتبة العربية إلى مؤلف جامع لأحدث المعلومات الجغرافية والطبيعية والاجتماعية عن البلاد العربية، فقرر سد هذا الفراغ وضمن كتابه المعلومات التي يحتاجها القراء من المعلومات العامة عن المملكة العربية السعودية بمقاطعاتها وملحقاتها، وقد أشار إلى تشجيع الملك عبدالعزيز له في تأليف هذا الكتاب وقد أمر الملك وزير ماليته (ابن سليمان) بشراء 500 نسخة من الكتاب.
ب- البلاد العربية السعودية:
طبع في عام 1355هـ/1937م وهو كتاب أراد أن يجعله دليلاً مختصراً عن أحوال البلاد العربية السعودية واحتوى معلومات غير مسبوقة عن الملك عبدالعزيز وولي عهده ونائبه في الحجاز وعن العائلة المالكة وكذلك عن أوضاع الحكومة ودوائرها وتنظيماتها؛ لأنه لاحظ أثناء أسفاره وجود نقص في المعلومات عن هذه البلاد فرأى أن يشرع في سد هذه الثلمة بوضع مؤلف لا يستغني عنه الكاتب والتاجر والرحالة والأديب والمحرر والحاج والسياسي، وقد أصبح كتابه من أهم المصادر التاريخية في بابه إلى وقتنا الحاضر ويكتسب الكتاب موثوقية فيما نقله عن الملك عبدالعزيز بشكل مباشر وأهمها قصة استرداده للرياض.
ج- في بلاد عسير:
هذا الكتاب يعد من أدب الرحلة؛ لأنه وصف حي لرحلة فؤاد حمزة إلى بلاد عسير في مهمة رسمية عام 1352هـ، انطلقت رحلته من الطائف عن طريق الخرمة ثم رنية وبيشة فعسير وهو دراسة شاملة عن الحياة الاجتماعية والجغرافية والتاريخية لبلاد عسير، وقد ظلت مسودة الكتاب حبيسة الأدراج ولم يطبع إلا في عام 1370/1951م عندما أقنعه إبراهيم الشورى بإخراجه.
د- وصف تركيا الكمالية (1943- 1945):
هذا الكتاب طبع بعناية ابنه عمر بعد مرور أكثر من 60 سنة على وفاته وهو من فوائد عمله في مفوضية المملكة في أنقره إذ انكب على وصف تركيا الجمهورية الجديدة لغةً وعقيدةً، القديمة تراثاً وأحلاماً بعين الخبير، فسجل ملاحظاته ومشاهداته بكل دقة وعناية ورصدها في هذا الكتاب الذي بقي مخطوطاً حتى نشرته دار الجديد في عام 2013م.
هـ- الأوراق والوثائق والمذكرات:
ولهذه قصة دوّنها ابنه عمر إذ ذكر أنه بعد وفاة والده 1951م/1371هـ كلف الملك عبدالعزيز السفير السعودي في لبنان آنذاك، أن يطلب من العائلة بعض الأوراق المتعلقة بواحة البريمي لكونها أوراقا دقيقة وملحة فجرت الاستجابة ولكنهم لم يسألوا في حينها عن أي مستندات أخرى، وهكذا بقيت أوراقه محفوظة في أدراجها، ومرت الأيام بل السنوات (نحو 23 سنة) إلى أن جاءهم صديق العائلة المجاهد والدبلوماسي والكاتب والباحث السعودي فهد المارك في أواخر 1974م موفداً من الملك فيصل إذ أبلغهم برغبة الملك في رؤية أوراق فؤاد حمزة وبأسرع وقت قام عمر بجمع ونسخ ما أمكن وذهب لمقابلة الملك بصحبة فهد المارك وعمه توفيق حمزة وقد شكره بعد أن تأمل الأوراق وعرف خط والده وأمر بتأليف لجنة من رشاد فرعون ومدحت شيخ الأرض وتوفيق حمزة لدراسة المذكرات والنظر في إمكان نشرها، وبعد شهر أوصت اللجنة بعدم النشر بحجة الحجب العربية الدائمة «ما كل ما يعلم يكتب، وما كل ما يكتب ينشر»، وهكذا تم دفن المذكرات مرة أخرى وبقيت كذلك حتى جمادى الآخرة 1422هـ/سبتمبر 2001م حيث وصل لابنه عمر بن فؤاد خطاب من راعي التاريخ السعودي رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز الملك سلمان بن عبدالعزيز -وكان أميراً للرياض آنذاك- يتضمن طلباً بإيداع أوراق ووثائق والده في الدارة، فاستجاب عمر للطلب ثم أن ابنه قابل الملك سلمان في مكتبه في إمارة الرياض وقدم له مسودة مطبوعة تقارب الـ100 صفحة موضحاً أنها جزء من مذكرات والده وأنه يرغب في نشرها، فأحالها إلى الدارة وطلب منها التواصل والتنسيق للحصول على المذكرات كاملة وقيام الأمين العام الدكتور فهد السماري بإعدادها للنشر، ويؤكد الأمين العام أن أرشيف حمزة في غاية الثراء لاحتوائه أولاً على مراسلاته الخاصة، وثانياً على المئات من ملفات وزارة الخارجية والشعبة السياسية نتيجة ارتباطاته العملية بها.
وقد نشرت دارة الملك عبدالعزيز مذكرات فؤاد حمزة في نهاية العام الماضي وهي عبارة عن يوميات كان يسجلها في دفاتره وتتضمن معلومات في غاية الأهمية عن شخصية الملك عبدالعزيز وحياته الخاصة ومجالسه وبرنامجه اليومي في الرياض وخارجها، كما تتطرق إلى أسلوبه في الإدارة والحكم ومواقفه وسياسته وطريقة تعامله مع مستشاريه، كما أنها تضيف معلومات جديدة بشأن الأحداث الدولية أثناء الحرب العالمية الثانية وعلاقتها بالعالم العربي والحوارات السياسية التي تداولها فؤاد حمزة مع السياسيين في أوروبا، ويشير السماري إلى أنه لم يستبعد من المذكرات إلا الجوانب ذات الخصوصية من المذكرات، ولكن الملاحظ أن المذكرات/ اليوميات مليئة بفجوات زمنية كبيرة غيّبت أحداثاً سياسية وتاريخية خطيرة ولا نعلم شيئاً عن حقيقة الفجوات لأنه لم يتم الإشارة إليها في مقدمة المذكرات. وقد جاءت المذكرات في مجلدين شغل منها الأول 385 صفحة، أما الثاني فقد ألحق به مجموعة كبيرة من الصور والوثائق شغلت 220 صفحة، ويمكن أن نقول إن كثيراً من الوثائق في غاية الأهمية لسيرة فؤاد حمزة خصوصاً وللتاريخ السعودي عموماً وكان اختيارها موفقاً جداً.
و- المؤلفات المخطوطة:
لقد ترك فؤاد حمزة عددا غير قليل من المؤلفات المخطوطة التي تدل على سعة اطلاعه وتعدد اهتماماته ولكن بعض هذه المؤلفات مسودات تحتاج إلى تنقيح وبعضها بحوث غير مكتملة ومنها: مجموع عن الفرق الباطنية التي أعملت معولها في بنيان الإسلام وكان ينوي إن أمد الله في العمر أن يتناول موضوعها بشكل جامع واسع على أن يبقى ما يكتبه دفيناً حتى يقيض الله من ينشره بعد موته لأنه سيثير ولا شك ثائرة كثيرين ضده ولا ندري أين ذهب هذا المجموع الخطير إذ لم يشر إليه ضمن مسودات كتبه وبحوثه المحفوظة في الدارة الواردة في مقدمة المذكرات. ومنها رسالة عن سوق عكاظ تتضمن تعريفاً لعكاظ في اللغة والاصطلاح وفي تاريخ العرب وآدابهم مؤرخة في عام 1352هـ. ومنها: نشأة الكتابة، شذيرات عن جزيرة العرب، خلاصة التاريخ الروماني، التاريخ وعلم السياسة المدنية، جغرافيا منطقة البحر المتوسط، أمراء مكة المكرمة، آثار الجزيرة قبل الإسلام، وله كذلك بحث في اللهجات.
وما يجدر التنبيه إليه أن مكتبة فؤاد حمزة التي أهديت إلى الدارة تحتوي مجموعة من الكتب المطبوعة يبلغ عددها 1257 عنواناً، كما تتضمن 30 مخطوطة أصلية من النوادر في مختلف العلوم والآداب، منها مخطوطة نادرة جداً هي (نشر الثناء الحسن المنبئ ببعض حوادث الزمان من الغرائب الواقعة في اليمن) لإسماعيل بن محمد الوشلي، وهي بخط المؤلف، ووجدت على هوامش بعض صفحاتها تعليقات وختامات بخط يد فؤاد حمزة، ومنها مخطوطة لديوان (سقط الزند) للشاعر أبو العلاء المعري، ومخطوطة في الفقه بعنوان (الأحكام المتضمنة لفقه أئمة الإسلام) ومخطوطة (غنية ذوي الأحكام بغية درر الأحكام) ومخطوطة (الإعلام بأعلام بيت الله الحرام) لمحمد بن أحمد بن محمد النهروالي وغيرها من المخطوطات التي تشكل إضافة للمكتبة التراثية والعلمية في السعودية. كما احتوت مكتبته على مجموعة كبيرة من الصور الأصلية أغلبها التقط خارج السعودية نتيجة عمل فؤاد حمزة في السلك الدبلوماسي.
وفاته:
عاش فؤاد حمزة معاناة طويلة مع المرض منذ ريعان شبابه بسبب ضعف في قلبه حتى أنه تنبأ في عام 1925م/1343هـ بأن حياته لن تكون طويلة وقد وافته المنية في 22 صفر 1371هـ/ 22 نوفمبر 1951م مستشفياً في لبنان عن عمر يقارب الـ52 عاماً ودفن في قريته عبية، قال فيلبي: «وكانت وفاته خسارة كبيرة للسعودية البلد الذي تبناه»، في حين نعته الجريدة الرسمية للدولة وتحدثت عن مآثره وأعماله، وقد عرف عنه -رحمه الله- الشهامة العربية والحكمة السياسية وسعة الأفق وكان ودوداً محبوباً محباً أعمال الخير وعرف عنه التبرع للأعمال الخيرية وبناء المساجد والمدارس وغيرها.