-A +A
عبدالله القرني (الرياض)
@abs912

أكد سفير جمهورية الصين الشعبية لدى المملكة لي هوا شين لــ«عكاظ» أن زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز للصين تمثل أهمية قصوى لدعم العلاقات الثنائية بين البلدين، لافتا إلى أن بلاده تولي اهتماماً بالغاً بالزيارة لأنها ستعطي دفعة قوية للعلاقات بين الرياض وبكين، وتدعم الشراكة الإستراتيجية الشاملة، وبيّن أن علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين حققت نمواً شاملاً وسريعاً، ويحافظ الجانبان على التبادلات المتكررة وتوسع مجالات التعاون.. فإلى نص الحوار:


• ما طبيعة العلاقات السعودية ـ الصينية؟

•• يعود تاريخ التبادلات الودية بين الشعبين الصيني والسعودي إلى أزمنة بعيدة، إذ أرسى البحار المسلم الصيني تشنغ خه سفنه في جدة وبعث أعضاء أسطوله إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة وغيرها، ومنذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في 21 يوليو 1990، حققت علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين نمواً شاملاً وسريعاً، ويحرص الجانبان على توسيع مجالات التعاون، وعلي الزيارات المتبادلة بينهما، فتم تبادل الزيارات بين الرئيس الصيني هو جين تاو والملك عبدالله في عام 2006، وتوصل الجانبان إلى توافق لإقامة شراكة إستراتيجية بين البلدين، ودخلت العلاقات الثنائية مرحلة جديدة من التنمية، حيث زار نائب الرئيس الصيني شي جين بينغ المملكة في يونيو عام 2008، ووقع الجانبان بياناً مشتركاً بشأن تعزيز التعاون والعلاقات الودية الإستراتيجية، كما زار الرئيس الصيني هو جين تاو السعودية لمرة ثانية في فبراير عام 2009، ووقع البلدان على خمس وثائق للتعاون في مجالات الطاقة والحجر الصحي والصحة والتعليم والنقل، وزار رئيس مجلس الدولة الصيني ون جيا باو السعودية في يناير عام 2012، وقرر البلدان رفع مستوى العلاقات الثنائية إلى الإطار الإستراتيجي، إضافة إلى زيارة وزير الخارجية السعودي الراحل الأمير سعود الفيصل للصين في مارس عام 2013، وتلبية لدعوة من نائب الرئيس الصيني لي يوان تشاو زار الأمير سلمان بن عبدالعزيز ـ حينما كان ولياً للعهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع آنذاك ـ الصين، والتقى كلا من الرئيس الصيني شي جين بينغ ورئيس مجلس الدولة لي كه تشانغ وعضو مجلس الدولة ووزير الدفاع تشانغ وان تشيوان، ووقع الجانبان على أربع وثائق متعلقة بمجالات فحص الجودة والفضاء والاستثمار وغيرها.

علاقات تعزيز السلم والأمن

• وماذا عن العلاقات في الآونة الأخيرة بين البلدين في المجال السياسي؟

•• في شهر يناير عام 2016 زار الرئيس الصيني شين جين بينغ المملكة وعقد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز معه جلسة محادثات في الرياض، وأكد خلالها أن علاقات الصداقة بين الصين والسعودية شهدت نمواً مطرداً على مدى 25 عامًا مضت، ويسعيان معاً للاستقرار وتعزيز السلم والأمن في العالم. كما قرر الجانبان الارتقاء بالعلاقات الثنائية بين جمهورية الصين الشعبية والمملكة العربية السعودية إلى علاقات الشراكة الإستراتيجية الشاملة، وفي شهر أغسطس عام 2016 زار ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان الصين وحضر قمة مجموعة الـ20 في مدينة هانغتشو، كما رأس مع نائب رئيس الوزراء الصيني تشانج قاو لي الاجتماع الأول للجنة الصينية ـ السعودية المشتركة رفيعة المستوى أثناء زيارته، وفي شهر سبتمبر عام 2016 زار عضو المكتب السياسي للجنة المركزية أمين اللجنة القانونية السياسية المركزية للحزب الشيوعي الصيني المبعوث الخاص للرئيس الصيني منغ جيان تشو المملكة، وخلال الزيارات رفيعة المستوى بين البلدين، تم التوقيع على 30 اتفاقية للتعاون بين الحكومتين، مما عزز التعاون في مختلف المجالات بين البلدين.

الصين أكبر شريك للمملكة

• يظل الجانب الاقتصادي أمراً في غاية الأهمية، هل لنا أن تحدثنا عن أرقام التعاون التجاري الصيني ـ السعودي؟

•• شهد التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين نمواً سريعاً، إذ بلغ حجم التجارة الثنائية بينهما 42.4 مليار دولار في عام 2016، وبلغت واردات الصين 23.6 مليار دولار، وصادراتها 18.8 مليار دولار، وتبقى الصين أكبر شريك تجاري للسعودية، والسعودية أكبر شريك تجاري للصين في منطقة غرب آسيا وأفريقيا، وتستورد الصين من السعودية النفط الخام والمنتجات البتروكيماوية، وتصدر المنتجات الكهروميكانيكية والصلب والملابس وغيرها إلى السعودية والتي تعد أكبر مورد للنفط الخام إلى بكين، وفي عام 2016 استوردت الصين 51 مليون طن من النفط الخام من المملكة، بزيادة قدرها 0.9%، بما يشكل 13.4 % من إجمالي وارداتها من النفط الخام.

تطور الاستثمار المتبادل

• وماذا عن الاستثمارات المتبادلة، وأهم المشاريع بين البلدين؟

•• في عام 2016 سجل الاستثمار الصيني في السعودية 120 مليون دولار أمريكي، بزيادة 46% مقارنة مع السنة الماضية، واستثمرت المملكة 13.45 مليون دولار أمريكي، ووصلت قيمة المشاريع الصينية الجديدة في المملكة عام 2016 إلى 5.03 مليار دولار أمريكي، وحققت مبيعات قدرها 9.48 مليار دولار أمريكي، بزيادة 35.1%، ويوجد حاليا 42 ألف شخص من العمالة الصينية في السعودية، وأهم المشاريع المنفذة بين البلدين والتي يجري تنفيذها في مجالات التكرير وخدمات حقول النفط والبنية التحتية للسكك الحديدية ومحطات الكهرباء ومحطات الاتصالات ومصنع الأسمنت، وعلى سبيل المثال قناة تصريف مياه في جدة وسكك حديدية خفيفة تسير على جبال مكة ومصفاة ينبع، إضافة إلى مصنع أنابيب الصلب في الدمام ومصنع البلاط في الرياض باستثمار مشترك بين القطاع الخاص في البلدين.

تلاقح الرؤيتين السعودية والصينية

• في ظل هذا الحراك الاقتصادي، كيف تنظرون في الصين إلى رؤية المملكة 2030، وهل هناك تعاون ينطلق من هذه الرؤية؟

•• مبادرة «الحزام والطريق» ترمي إلى التنمية باقتصاديات الدول على «الحزام والطريق» مع تعميق التعاون الاقتصادي الإقليمي، والسعودية تقع عند نقطة التقاء القارات الثلاث، فهناك تكامل بين المبادرة و«رؤية 2030»، ويعمل الجانبان الصيني والسعودي على تحسين الخطط التنفيذية للالتقاء بين هاتين الإستراتيجيتين التنمويتين، والصين على استعداد لتعزيز التعاون مع السعودية في مجالات الطاقة ونقل التكنولوجيا وترقية الصناعة الإنتاجية وتنويع الاقتصاد، فهناك آفاق رحبة وفرص سانحة للبلدين لتطوير التعاون العملي في كافة المجالات.

جسور ثقافية

• الترابط الثقافي بين البلدين عامل مهم جدا، وله مجالات عدة، كيف ترى إمكان تعميقه؟

•• امتدت جسور الثقافة بين البلدين على مر السنين، وقاد وزير الثقافة الصيني تساي وو في أبريل عام 2013 وفداً لحضور حفل افتتاح المهرجان الوطني السعودي للتراث والثقافة (الجنادرية) وأنشطة ضيف الشرف الصينية تحت شعار «الصين بلاد تتألق جمالا»، ويعتبر جناح الصين أكثر إقبالا وجاذبيّة في المهرجان، وحضر وزير التعليم العالي السعودي مراسم الافتتاح للدورة الـ20 لمعرض بكين الدولي للكتاب في أغسطس نفس العام، وتشارك الجامعات الصينية في معرض التعليم العالي السعودي كل عام وتبقى على التواصل مع مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، وحضر الأساتذة الصينيون عددا من الأنشطة الثقافية والأكاديمية السعودية، ولا ينسى الشعب الصيني أنه بعد وقوع زلزال ونتشوان المدمر بسيتشوان في مايو عام 2008، حيث قدمت السعودية تبرعات مالية بقيمة 50 مليون دولار ومساعدات مادية بقيمة عشرة ملايين دولار لمنطقة الكارثة، وتعد أكبر مساعدة في مرة واحدة تسلمتها الصين من الخارج، وتبرعت السعودية بعد ذلك بـ 1460 منزلاً بالهيكل الفولاذي في يوليو، كما قدمت 1.5 مليون دولار لمشروع الإنقاذ الطارئ الذي أطلقته الأمم المتحدة لإعادة الإعمار بعد زلزال سيتشوان في أغسطس، وخصصت السعودية 150 مليون دولار لبناء الجناح السعودي لمعرض إكسبو شانغهاي العالمي في عام 2010، واختير الجناح الأكثر شعبية في معرض إكسبو شانغهاي، وقدمت السعودية الجناح كهدية إلى الصين، وفي عام 2016 حقق البلدان قفزة كبيرة في التبادل الثقافي والإنساني، إذ تم التوقيع على «مذكرة التفاهم لتعزيز التبادل والتعاون في مجال التراث الثقافي» خلال زيارة رئيس الصين شي جين بينغ للسعودية، كما وقع البلدان مذكرة تعاون في مجال الترجمة ونشر الأعمال الأدبية والكلاسيكية والحديثة والبرنامج التنفيذي للاتفاق الثقافي بين حكومتي الصين والسعودية للأعوام2017- 2021 خلال زيارة ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز للصين. وأقامت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني السعودية معرض «روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور» في المتحف الوطني ببكين في شهر ديسمبر عام 2016.

زيارة تاريخية

• إذن في ظل هذه المعطيات تأتي زيارة خادم الحرمين الشريفين للصين، كيف تنظرون لها، وما الأهمية القصوى لها؟

•• إن العلاقات الصينية السعودية مقبلة على حدث كبير ومهم ألا وهو الزيارة الرسمية التي سيقوم بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى جمهورية الصين الشعبية، وهي الزيارة الأولى لخادم الحرمين للصين بعد توليه مقاليد الحكم، ويتطلع الجانبان الصيني والسعودي إلى هذه الزيارة لما لها من أهمية قصوى للعلاقات الثنائية، وتولي الحكومة الصينية اهتماما بالغا بها، فالرئيس الصيني شي جين بينغ سيجتمع بخادم الحرمين الشريفين ويعقد معه محادثات مهمة، وبالإضافة إلى سلسلة من اللقاءات الرسمية بين الجانبين، وهناك فعاليات ثنائية تخص التجارة والثقافة والتعليم وغيرها، كما أن من المتوقع أن يتم التوقيع على عدد من الاتفاقيات في مجالات واسعة، ونحن على يقين بأن زيارة الملك سلمان للصين ستكلل بكل نجاح، وتعطي دفعة قوية للعلاقات بين البلدين اللذين تربطهما الشراكة الإستراتيجية الشاملة، التي تم الإعلان عنها خلال زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السعودية في يناير 2016، وبكين تفتح الباب على مصراعيه لاستقبال خادم الحرمين الشريفين والوفد المرافق له. وأنا كسفير للصين بالرياض أتمنى لخادم الحرمين رحلة سعيدة ومريحة إلى الصين وزيارة ناجحة وموفقة.