ما يثير الشفقة أن الحركيين السعوديين لم ينجحوا في ضرب المثل الأعلى في انتمائهم لوطنهم، ولم يملكوا حساً نبيلاً وصادقاً في إعطاء الوطن ما يستحق، ولو من باب رد الجميل نظير ما منحهم من فضلٍ، وما بوأهم من مكانة، وما جاد به عليهم من سخاء.
لم تكن الحركية عند من درس التنظيمات وتاريخها وأبرز تجلياتها بعيدة عن مبدأ المناورة، والمراوغة، ذلك أن المشاعر الحقيقية والعاطفة الداخلية لا يعلمها إلا الله.
وإذا كانت الأزمات كفيلة بكشف «المغطى» وتعرية الواقع، فإن كل أزمة مرت بها بلادنا على مستوى الداخل أو الخارج تسجل إخفاقا للحركيين، وعجزا عن تبني الانتماء للوطن أولاً، فالحزب لديهم أولا، وإن كانت أجسادهم تعيش على ثرى المملكة إلا أن قلوبهم مع الجماعة، فعندما ظهرت ثورة الخميني استبشروا بها خيرا، وتنادى الأحبة لمائدة المبشرات انطلاقا من (قم) على أنها إرهاصات عودة الخلافة. ولم يعد الكثير منهم قراءة كشف الحسابات تاريخيا إلا بعد صدور كتاب (وجاء دور المجوس) لمؤلفه الشيخ محمد سرور بن نايف زين العابدين، وكتبه باسم الدكتور عبدالله الغريب وتناول فيه الأبعاد التاريخية والعقائدية والسياسية للثورة الإيرانية وبين حقيقة الشيعة في رأيه وأنهم إنما يهود، ومجوس يتسترون بالإسلام ليطعنوا فيه، حينها انتبه الحزب وتياراته لهذا المزلق الخطر، فأخذهم شيخهم سرور زين العابدين إلى منهج جديد ارتدى فيه بدلة حسن البنا وعباءة محمد بن عبدالوهاب، وأرسى دعائم حركة نشطة في حرف المجتمع عن وجهته الوطنية، برغم اشتغال المملكة على تنمية الوطن وتدفق الخيرات. وبنت «السرورية» معاقل لها في كل منطقة من مناطق المملكة، وانتشرت المخيمات والمعسكرات والمراكز لتدريب الكوادر وضم الأتباع انتظارا ليوم موعود لم يطل ترقبه، إذ سرعان ما احتل صدام حسين الكويت فطالت المخالب وكشرت شفاه الحقد عن أنياب لم يتحرر في ذهنها يوما ما معنى الوطن الأسمى الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف. حاول الحركيون استثارة هيئة كبار العلماء والرموز المعول عليها في دعمهم، إلا أن العقل الراجح لعلماء المملكة في مخططهم في أكفهم وحذرهم من الخروج على ولي الأمر، وربما ظنوا أن ما تعرضت له المملكة من تهديدات بسبب أزمة حرب الخليج الأولى ستمكنهم من التحرك وحمل السلاح لإقامة الخلافة.
وما بين الملاحم والأكاذيب وأقاويل رموزهم عادوا إلى الاختفاء وراء جدران الصمت والتعبئة مجدداً من خلال تجنيد الشباب في المدارس والجامعات وبذل الوعود للطامحين للمناصب بمنحهم أعلى المراتب، إن هم تمكنوا ونجحوا في استقطاب أعداد غفيرة من أتباع ومريدين ومناصرين، وكان لاحتلال جهيمان للحرم المكي الشريف فضل في حرق نصف أوراقهم، ولم تمنحهم السنوات مساحة لكي تعريهم سريعا فكان الدعم للأفغان والبوسنيين والشيشان محضناً تجددت من خلاله ثقتهم، إذ بهذه المعسكرات يمكنهم تدريب جنودهم وقد كان، ليعود من بقي من المقاتلين على قيد الحياة ويسدد سهامه إلى وطنه مهد الرسالة الخالدة ومأوى المسلمين ومأرز الأيمان، وفي ظل عقد واحد وصلوا إلى أبراج التجارة العالمية في نيويورك، فارتفعت معنوياتهم واستعادوا الثقة مجددا، إلا أنه سرعان ما انفضحوا بتورطهم في جرائم غسيل أموال ومخدرات وجنح اخلاقية ليحترق ما تبقى من أوراقهم على خشب «الخريف العربي»، إذ تنادوا على منبر مرشدهم وبايعوا الخليفة الوليد الذي لا يفرق بين الألف وبين كوز الذرة -كما يقول أهل مصر في أمثالهم- وبإرادة الله تعرى الحزب السروري، المتبني أدبيات جماعة «الإخوان».
ولن يغيب عن ذهن أي فطن وخبير بألاعيب جماعات الإسلام السياسي أن هؤلاء الحالمين يعيشون وهماً لا حقيقة له على أرض الواقع، ولن يتخلوا عن الانتماء للحزب والانضواء تحت لواء الجماعة، وإن ادعوا افتراءً علينا أنهم مع الوطن والدولة فالوقائع والشواهد تكذبهم، إذ لطالما سعوا إلى إحداث القطيعة بين المملكة ومصر منذ عودة الشرعية للدولة العميقة. فيما ظل رهانهم على قطر باعتبارها مهوى أفئدتهم ومجمع فلول حزبهم وجماعتهم ولم يسجلوا أي تحفظ عليها عندما فتحت مكاتب لإسرائيل، ثم انتهجت سياسة طعن المملكة ودول الخليج في الظهر.
ولعلنا نتساءل اليوم: أين البيانات المنددة بما صدر عن أمير قطر من استفزازت للمملكة ودول الخليج وإشادات بإيران، بحسب ما ورد في خطابه، لم نقرأ من الرموز المعروفة المتصدرة في المشهد ما يرد على محاولات النيل من السعودية وسياستها، ولم يصدر عنهم ما يفند التهم والمزاعم، وكل هذا يؤكد أن هؤلاء يأكلون من خيرنا ويطعنونا في ظهورنا كما قال الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله. بل إن بعضهم ذهب إلى الدعوة للتروي وهو «يطعن» البلد صباح مساء.
ويؤكد الكاتب قينان الغامدي لـ«عكاظ» أن التنظيمات الحركية مشكلة كبرى، إلا أنها مكشوفة ومعروفة للدولة، والمملكة نجحت معها وستنجح أمنياً، مشيراً إلى أن من الحركيين قسما خطيرا جداً، كونه لا يكتفي بالتقية، التي يمارسها عموم الحركيين بفاعلية ونجاح متناهيين، بل يضيفون إليها وعيهم وثقافتهم وقدراتهم على التضليل السياسي، والثقافي والاجتماعي، وكسب ثقة الجميع، لافتاً إلى أن حكومتنا لها أدواتها، ولها خططها ووسائلها، وهي تعلم، وتعرف كل صغيرة وكبيرة، ولولا علمها، لما نجحت في إطفاء حرائق الإرهاب، ولما أصبحت خبرتها مطلبَ دول متقدمة كبرى للاستفادة منها في مجال حفظ الأمن ومكافحة الإرهاب، بل وكبح جماح مئات الخلايا النائمة قبل أن تنفِّذ أجندتها.
بدوره، يذهب الكاتب عبده خال إلى أنه لا ينبغي الابتعاد عن تاريخية مجتمعنا وما واجهه من تعبئة مغلوطة، إذ كنا مساهمين في تمادي الحركات الإسلامية الحركية داخل المجتمع، مشيراً إلى أن حاضنة الإسلام الحركي فاعلة لدينا من خلال التعليم والندوات والمحاضرات في المراكز الدعوية أو المساجد، مؤكداً أن الحركات الإسلامية تعمل بمستويين (سطح وعمق)، فعلى السطح الدعوة إلى سبيل الله، وفي العمق خلخلة المجتمع والانقلاب على النظام الاجتماعي برمته، لافتا إلى أن عمل الإسلام الحركي امتد لعقود من الزمان من غير تصويب الخطاب، أو إدخال خطاب تفكيكي لما كان ساريا بين الناس.
وأضاف أن العبث ديدن الجماعات الحركية في كل الدول، إذ وجد الغرب في هذه الحركات الإسلامية الراديكالية نموذجا جيدا لتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد، و«لانزال نعيش في مواجهة الخطر ما لم يتم تفكيك الخطاب الحركي لهذه الجماعات».
لم تكن الحركية عند من درس التنظيمات وتاريخها وأبرز تجلياتها بعيدة عن مبدأ المناورة، والمراوغة، ذلك أن المشاعر الحقيقية والعاطفة الداخلية لا يعلمها إلا الله.
وإذا كانت الأزمات كفيلة بكشف «المغطى» وتعرية الواقع، فإن كل أزمة مرت بها بلادنا على مستوى الداخل أو الخارج تسجل إخفاقا للحركيين، وعجزا عن تبني الانتماء للوطن أولاً، فالحزب لديهم أولا، وإن كانت أجسادهم تعيش على ثرى المملكة إلا أن قلوبهم مع الجماعة، فعندما ظهرت ثورة الخميني استبشروا بها خيرا، وتنادى الأحبة لمائدة المبشرات انطلاقا من (قم) على أنها إرهاصات عودة الخلافة. ولم يعد الكثير منهم قراءة كشف الحسابات تاريخيا إلا بعد صدور كتاب (وجاء دور المجوس) لمؤلفه الشيخ محمد سرور بن نايف زين العابدين، وكتبه باسم الدكتور عبدالله الغريب وتناول فيه الأبعاد التاريخية والعقائدية والسياسية للثورة الإيرانية وبين حقيقة الشيعة في رأيه وأنهم إنما يهود، ومجوس يتسترون بالإسلام ليطعنوا فيه، حينها انتبه الحزب وتياراته لهذا المزلق الخطر، فأخذهم شيخهم سرور زين العابدين إلى منهج جديد ارتدى فيه بدلة حسن البنا وعباءة محمد بن عبدالوهاب، وأرسى دعائم حركة نشطة في حرف المجتمع عن وجهته الوطنية، برغم اشتغال المملكة على تنمية الوطن وتدفق الخيرات. وبنت «السرورية» معاقل لها في كل منطقة من مناطق المملكة، وانتشرت المخيمات والمعسكرات والمراكز لتدريب الكوادر وضم الأتباع انتظارا ليوم موعود لم يطل ترقبه، إذ سرعان ما احتل صدام حسين الكويت فطالت المخالب وكشرت شفاه الحقد عن أنياب لم يتحرر في ذهنها يوما ما معنى الوطن الأسمى الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف. حاول الحركيون استثارة هيئة كبار العلماء والرموز المعول عليها في دعمهم، إلا أن العقل الراجح لعلماء المملكة في مخططهم في أكفهم وحذرهم من الخروج على ولي الأمر، وربما ظنوا أن ما تعرضت له المملكة من تهديدات بسبب أزمة حرب الخليج الأولى ستمكنهم من التحرك وحمل السلاح لإقامة الخلافة.
وما بين الملاحم والأكاذيب وأقاويل رموزهم عادوا إلى الاختفاء وراء جدران الصمت والتعبئة مجدداً من خلال تجنيد الشباب في المدارس والجامعات وبذل الوعود للطامحين للمناصب بمنحهم أعلى المراتب، إن هم تمكنوا ونجحوا في استقطاب أعداد غفيرة من أتباع ومريدين ومناصرين، وكان لاحتلال جهيمان للحرم المكي الشريف فضل في حرق نصف أوراقهم، ولم تمنحهم السنوات مساحة لكي تعريهم سريعا فكان الدعم للأفغان والبوسنيين والشيشان محضناً تجددت من خلاله ثقتهم، إذ بهذه المعسكرات يمكنهم تدريب جنودهم وقد كان، ليعود من بقي من المقاتلين على قيد الحياة ويسدد سهامه إلى وطنه مهد الرسالة الخالدة ومأوى المسلمين ومأرز الأيمان، وفي ظل عقد واحد وصلوا إلى أبراج التجارة العالمية في نيويورك، فارتفعت معنوياتهم واستعادوا الثقة مجددا، إلا أنه سرعان ما انفضحوا بتورطهم في جرائم غسيل أموال ومخدرات وجنح اخلاقية ليحترق ما تبقى من أوراقهم على خشب «الخريف العربي»، إذ تنادوا على منبر مرشدهم وبايعوا الخليفة الوليد الذي لا يفرق بين الألف وبين كوز الذرة -كما يقول أهل مصر في أمثالهم- وبإرادة الله تعرى الحزب السروري، المتبني أدبيات جماعة «الإخوان».
ولن يغيب عن ذهن أي فطن وخبير بألاعيب جماعات الإسلام السياسي أن هؤلاء الحالمين يعيشون وهماً لا حقيقة له على أرض الواقع، ولن يتخلوا عن الانتماء للحزب والانضواء تحت لواء الجماعة، وإن ادعوا افتراءً علينا أنهم مع الوطن والدولة فالوقائع والشواهد تكذبهم، إذ لطالما سعوا إلى إحداث القطيعة بين المملكة ومصر منذ عودة الشرعية للدولة العميقة. فيما ظل رهانهم على قطر باعتبارها مهوى أفئدتهم ومجمع فلول حزبهم وجماعتهم ولم يسجلوا أي تحفظ عليها عندما فتحت مكاتب لإسرائيل، ثم انتهجت سياسة طعن المملكة ودول الخليج في الظهر.
ولعلنا نتساءل اليوم: أين البيانات المنددة بما صدر عن أمير قطر من استفزازت للمملكة ودول الخليج وإشادات بإيران، بحسب ما ورد في خطابه، لم نقرأ من الرموز المعروفة المتصدرة في المشهد ما يرد على محاولات النيل من السعودية وسياستها، ولم يصدر عنهم ما يفند التهم والمزاعم، وكل هذا يؤكد أن هؤلاء يأكلون من خيرنا ويطعنونا في ظهورنا كما قال الأمير نايف بن عبدالعزيز رحمه الله. بل إن بعضهم ذهب إلى الدعوة للتروي وهو «يطعن» البلد صباح مساء.
ويؤكد الكاتب قينان الغامدي لـ«عكاظ» أن التنظيمات الحركية مشكلة كبرى، إلا أنها مكشوفة ومعروفة للدولة، والمملكة نجحت معها وستنجح أمنياً، مشيراً إلى أن من الحركيين قسما خطيرا جداً، كونه لا يكتفي بالتقية، التي يمارسها عموم الحركيين بفاعلية ونجاح متناهيين، بل يضيفون إليها وعيهم وثقافتهم وقدراتهم على التضليل السياسي، والثقافي والاجتماعي، وكسب ثقة الجميع، لافتاً إلى أن حكومتنا لها أدواتها، ولها خططها ووسائلها، وهي تعلم، وتعرف كل صغيرة وكبيرة، ولولا علمها، لما نجحت في إطفاء حرائق الإرهاب، ولما أصبحت خبرتها مطلبَ دول متقدمة كبرى للاستفادة منها في مجال حفظ الأمن ومكافحة الإرهاب، بل وكبح جماح مئات الخلايا النائمة قبل أن تنفِّذ أجندتها.
بدوره، يذهب الكاتب عبده خال إلى أنه لا ينبغي الابتعاد عن تاريخية مجتمعنا وما واجهه من تعبئة مغلوطة، إذ كنا مساهمين في تمادي الحركات الإسلامية الحركية داخل المجتمع، مشيراً إلى أن حاضنة الإسلام الحركي فاعلة لدينا من خلال التعليم والندوات والمحاضرات في المراكز الدعوية أو المساجد، مؤكداً أن الحركات الإسلامية تعمل بمستويين (سطح وعمق)، فعلى السطح الدعوة إلى سبيل الله، وفي العمق خلخلة المجتمع والانقلاب على النظام الاجتماعي برمته، لافتا إلى أن عمل الإسلام الحركي امتد لعقود من الزمان من غير تصويب الخطاب، أو إدخال خطاب تفكيكي لما كان ساريا بين الناس.
وأضاف أن العبث ديدن الجماعات الحركية في كل الدول، إذ وجد الغرب في هذه الحركات الإسلامية الراديكالية نموذجا جيدا لتنفيذ مخطط الشرق الأوسط الجديد، و«لانزال نعيش في مواجهة الخطر ما لم يتم تفكيك الخطاب الحركي لهذه الجماعات».