-A +A
«عكاظ» (إسطنبول)
okaz_online@

في فبراير (شباط) من العام 2016، طار الباحث ومدير معهد «بروكينغز» سلمان الشيخ المدعوم ماليا من قطر من تل أبيب حيث كان مشاركا في ندوة عن قضايا الشرق الأوسط، إلى هولندا في لقاء يجمعه مع أبرز الفصائل العسكرية في سورية. استمر الاجتماع لعدة أيام؛ كان الاتجاه في هذا الاجتماع أنه على الفصائل المسلحة أن تنسف هيئة المفاوضات العليا والائتلاف الوطني السوري وتتولى القيادة على الأرض.


ولعل اجتماع أمستردام للفصائل ليس الأول من نوعه مع الفصائل وتجمعات سورية سياسية معارضة، يجمعهم «بروكينغز» ليرسم ملامح المرحلة المقبلة في سورية. كان الباحث البريطاني اللامع تشارليز ليستر ذراعه اليمنى في الشأن السوري، خصوصا وأن ليستر الذي يُعتقد بارتباطه بجهاز المخابرات البريطانية (إم آي 6)، كان عراب التقارب بين حركة أحرار الشام وبريطانيا.

معظم اللقاءات السياسية والعسكرية في «بروكينغز»، منذ ذلك الحين كانت تركز على وقف القتال والبدء بعملية سياسية طويلة يكون للنظام فيها دور حيوي، بينما الجانب الآخر من هذه الاجتماعات كان يتركز على معرفة تفاصيل هذه الفصائل وإمكاناتها من خلال توفير الدعم عبر بعض الدعم لتحكم السيطرة عليها.

انتشرت أخبار هذا الاجتماع بين الأوساط السياسية المعارضة، وجرى هناك عتب كبير على هذه الفصائل التي تذهب بدون مظلة سياسية، خصوصا وأن الاجتماع الأخير بين سلمان الشيخ والفصائل في هولندا كان مباشرة بعد حضور ندوة في تل أبيب، الأمر الذي لم يخل من إشارات تجسسية بموافقة قطرية، وصلت إلى حد الدعم والتأييد لمشروع تفكيك المعارضة.

بدت الفصائل مكشوفة بإمكاناتها السياسية والعسكرية أمام استخبارات الدول، وعزز السيطرة على هذه الفصائل المال الذي أصبح متوفرا بكثرة لدى الإسلاميين منها، بينما مقاتلو الجيش الحر يتضورون جوعا على الجبهات.

وحتى تتحقق رؤية الشيخ، بحسب ما يرى شخصية بارزة في الائتلاف – فضل عدم الكشف عن اسمه-، من خلال تعزيز دور «المكاتب السياسية» للفصائل في الداخل، باتت هذه المكاتب حلقة الوصل بين الدول الخارجية وجبهات القتال دون المرور بخطوط هيئة المفاوضات العليا والائتلاف، باستثناء بعض اللقاءات العرضية في أنقرة.

وأصبحت الفصائل من زوار الفنادق والندوات والمؤتمرات وعززت خط الإمداد الرئيسي للداخل، وتكدس السلاح على الجبهات بانتظار المعركة.

في غضون هذا الانكشاف للمشهد العسكري، يرجح البعض أن خطة إسقاط حلب عسكريا باتت مكتملة على المستوى الدولي، وهذا ما يبرر الصمت المطبق لبعض دول مجموعة دعم سورية، بينما وقعت في حلب كل أنواع الانتهاكات الإنسانية وأعمال الإبادة، على أن ينتهي فلاديمير بوتين من العملية بأسرع وقت ممكن.. كانت الخيوط متداخلة دون أن يعلم أحد.. مطابخ الخارج وفي مقدمتها قطر تحضر المستلزمات بينما هناك من ينفذ، ويراقب الآخرون.

فوضت الدوحة من خلال الدعم المالي المفتوح معهد بروكينغز باختراق فصائل المعارضة السورية المعتدلة وإغرائها بالمال، بينما عملت قطر في ذات الوقت على تقوية نفوذ جبهة النصرة في الشمال من خلال الدعم المالي أحيانا وعملية اختطاف الرهائن، التي تعتبر أحد مصادر دخل القاعدة في سورية. بينما تكون قطر الوجه السياسي لأية عملية تفاوضية، وطالما كانت قطر وسيطا في أكثر من عملية إطلاق رهائن في سورية كانوا لدى جبهة النصرة.

وبحسب معلومات خاصة، حصلت عليها «عكاظ» من مصادر معارضة عسكرية، فإن الدور القطري انصب على تقوية الفصائل المتطرفة وعلى رأسها تنظيم جبهة النصرة (القاعدة) على حساب الفصائل المعتدلة.

بل إن قطر كانت جزءا من عملية التغيير الديموغرافي في سورية، من خلال صفقة التبادل في كفريا والفوعا الشيعيتين في إدلب، مقابل مضايا والزبداني. وقد كان الدور القطري واضحا في هذه العملية، إذ إن التفاوض كان بين النصرة وحركة أحرار الشام من جهة والميليشيات الإيرانية من جهة أخرى. وبحسب مصادر «عكاظ» فإن النصرة حصلت على ما يقارب 10 ملايين دولار أمريكي، بعد الموافقة على هذه الصفقة، التي تعتبر أكبر عملية تغيير ديموغرافي في سورية تحمي عنق العاصمة دمشق.

حتى أن خطاب التحول الشهير العام الماضي، الذي ظهر فيه أبو محمد الجولاني على قناة الجزيرة وهو يعلن التحول من القاعدة إلى فتح الشام، كان مقابل 400 مليون دولار، دفعتها قطر من أجل إعادة تموضع القاعدة، حين كان الضغط الأمريكي يركز على ضرورة فصل النصرة عن فصائل الجيش الحر المعتدلة.