-A +A
عبدالله الجريدان (جدة)
jreedan@

ثمة اعتقادات محلية بتأثير الخضار على شعور بائعها، ما يجعل تأثيرها -بحسب الروايات المحلية- تنطبق على العميد الموسيقار الراحل طارق عبدالحكيم، كونه باع الخضار في مطلع حياته بمدينة الطائف التي ولد فيها عام 1920، وبقي محتفظاً بتلك البسطة الواقعة في حلقة الخضار طوال حياته، لكن رمضان الحالي يمر على سلطان الابن الوحيد لطارق عبدالحكيم وأخواته الثلاث، وكأنهم افتقدوا الموسيقار البارحة، رغم رحيله في 2012.


«إذا كان لمصر محمد عبدالوهاب، وللبنان وديع الصافي، فإن قامة السعودية الفنية الشاهقة هو طارق عبدالحكيم»، هذا ما كتبه محمد صادق دياب في أحد مقالاته الصحفية، لكن طارق عبدالحكيم في رمضان يظهر بشكل مختلف، إذ يروي ابنه سلطان لـ«عكاظ» كيف كان والده يعيش أجواء الشهر الفضيل، فقد كان يعتزل الغناء والتلحين في رمضان، إضافة إلى أنه «يحبس» عوده داخل أحد «دواليب» المنزل كي لا يكون ظاهراً، معلقاً «ويقول والدي إن رمضان شهر واحد فقط ويجب استغلاله في الصيام والعبادة فقط».

العميد المتقاعد من القوات المسلحة السعودية، وملحن النشيد الوطني السعودي الذي كتبه الشاعر إبراهيم خفاجي، كان في رمضان من محبي التجول في الأسواق خلال فترة العصر، وحريصاً على الذهاب لشراء وجبة التميس والفول، ولا يرغب في تجاوز الصفوف المنتظرة هناك، لكن أصحاب المطاعم والعاملين عليها يعرفونه جيدا، إضافة إلى بعض الزبائن، ويرفضون انتظاره في الصف معهم.

مؤسس مدرسة موسيقى الجيش السعودي الموسيقار طارق عبدالحكيم، يحرص كثيراً على أن يتناول ابنه وبناته الثلاث وجبة الإفطار معه بشكل يومي، ولا يسعد بتغيب أحدهم عن تلك الوجبة خلال رمضان، وقبل وجبة الإفطار بساعات كان يخصص منه وقتاً لقراءة القرآن الكريم.

بائع الخضرة الصغير، الضابط الصارم في سلك القوات المسلحة، الموسيقار المرهف والمشبع فناً وأدباً، كل هذه تمثلت في جسد عبدالحكيم واستطاع أن يصيغها ليظهر للناس محبوباً وودوداً وفناناً، وهذا يتضح أكثر في مركازه القابع بمتحفه قلعة الفنون التراثية، إذ تجد الكثير من الناس بمختلف اهتماماتهم ومستوياتهم الفكرية يجتمعون هناك بعد انتهاء صلاة التراويح وحتى ساعات متأخرة من الليل.

ومن يستطيع التعامل مع الآلات الموسيقية ويخرج منها تلك الأصوات الفاتنة والعميقة، يعرف جيداً كيف يتعامل مع الناس، إذ كان يقول الراحل طارق عبدالحكيم لابنه سلطان، إن عليه خلال رمضان مراعاة مشاعر الناس، والتعامل معهم بهدوء وروية، إذ يختلفون بأحوالهم فهناك المستعجل والمضطر وغيرهم.

وإذا كانت بيروت وجهة سياحية شهيرة لاسيما لدى العديد من الخليجيين، كان عبدالحكيم يفر منها خلال شهر رمضان متوجهاً إلى السعودية لصيامه في بلده، إذ يبين سلطان طارق أنهم في إحدى الفترات كانوا يعيشون في العاصمة اللبنانية بيروت، وعند مجيء الشهر نسافر إلى السعودية للصيام فيها، إذ كان يعتقد أن الروحانية والمشاعر التي تختلجه هنا أكثر وأفضل بكثير.