بتسلم الأمير محمد بن سلمان مهامه الجديدة ولياً للعهد نائباً لرئيس مجلس الوزراء وزيراً للدفاع تدخل المملكة مرحلة جديدة من العمل التكاملي المتصف بالحيوية والقوة والتنوُّع والشمول، وطرق جميع الأبواب والسبل وصولاً إلى تحقيق الأهداف العليا للمملكة العربية السعودية، وفي مقدمتها تأمين الحد الأعلى من الاستقرار بصورة أساسية ليس في الداخل السعودي فحسب، وإنما في المنطقة أيضاً.. والانطلاق إلى التنمية الشاملة والارتقاء بأوضاع الشعوب إلى المستوى الذي تستحقه وحُرمت منه في السنوات الأخيرة بفعل حالة الاضطراب والفوضى والتفلت التي سادت المنطقة وتجاوزتها إلى العديد من دول العالم.. وبصورة أكثر تحديداً دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية.. وانعكست بصورة سالبة على الأوضاع الاقتصادية.. في العالم بصورة كبيرة ومؤثرة.
شكراً للأمير محمد بن نايف
لكنني وقبل الدخول في تفاصيل ما سيؤول إليه الوضع في الداخل السعودي وفي الإقليم بصورة أساسية.. أريد أن أنوه بالجهود الكبيرة والمضنية التي بذلها الأمير محمد بن نايف في تعزيز الأمن والاستقرار والطمأنينة في المملكة وخارجها طوال مدة عمله قريباً من والده المغفور له الأمير نايف بن عبدالعزيز الذي شكل مدرسة أمنية غير مسبوقة في التاريخ الحديث في الانضباط.. والسلامة.. والسيطرة على كل مفاصل الحياة لتصبح المملكة عنواناً بارزاً ونموذجاً فريداً في تحقيق الأمن والأمان ليس لهذه الدولة ولشعب المملكة فحسب.. وإنما لدول وشعوب الأمتين العربية والإسلامية.. بل ولخدمة الأمن والسلام في العالم أيضاً..
•• وبصورة أكثر تحديداً.. فإن الأمير محمد بن نايف حقق نقلة نوعية ليس فقط في مجال التخطيط الأمني الفعال والمؤثر لدحر الإرهاب واستئصاله من الداخل ومساعدة دول العالم في التصدي له بكفاءة والحد من أخطاره.. وإنما في تحقيق بنية أمنية قوية ومتينة.. تعتمد على أنظمة إدارية متطورة أخذت بأحدث أنظمة التقنية لتطوير العملية الأمنية وتحديثها بصورة فاقت حتى بعض دول العالم الأخرى المتقدمة.. فضلاً عن أنه نظم العلاقة بصورة أفضل بين المواطن ورجل الأمن حتى أصبح الجميع يعمل من أجل أمان الوطن وسلامته بروح المسؤولية المشتركة.. فله من الوطن وأهله كل الإعزاز والتقدير والإجلال على ما قدم وأعطى بكل تفانٍ وإخلاص تجسد في الامتنان الذي قدمه الأمير محمد بن سلمان لسموه لدى تهنئته الأمير الجليل محمد بن نايف له على اختياره ولياً للعهد.. وتمنياته له بالتوفيق.. وتعبير الأمير محمد بن سلمان لسموه عن حاجته إلى المزيد من النصح والتوجيه من سموه في المرحلة القادمة.. وذلك في مشهد عظيم لا يتكرر إلا في الدول التي يتم فيها تداول السلطات بسهولة ويسر.. وتظل معها الدولة على أفضل ما تكون بُناها السياسية والأمنية والمجتمعية..
أبعاد جديدة لرؤية
2030
•• فماذا يعني اختيار الأمير محمد بن سلمان لهذه المهمة في المرحلة القادمة؟
•• إن ذلك يعني المزيد من السلاسة والانسيابية في اتخاذ القرار، بدءاً بتفعيل دور مجلس الوزراء بعد إعادة هيكلته وتنظيمه وتحديد مهامه ومسؤولياته في قيادة العملية السياسية والأمنية والتنموية في الاتجاه الواحد..
•• وربما يؤدي ذلك إلى أمر من أمرين..
•• الأمر الأول هو: دمج كل من المجلس الأمني والسياسي والمجلس الاقتصادي والتنمية في مجلس واحد، تحقيقاً للمزيد من الاتساق والتكامل والعمل المنظم استثماراً لكافة الطاقات والإمكانات والمعطيات في الاتجاه الذي يحقق المزيد من «الهارمونية» والدمج لمقدرات الدولة في خدمة السياسات والتوجهات الكلية للبلاد على المستوى الداخلي والخارجي على حد سواء.. وبما يعود علينا بفوائد جمة على كافة الأصعدة.. وفي كل الساحات..
•• الأمر الثاني: تعديل وتغيير وتطوير مهام ووظائف السلطة التنفيذية ممثلة في مجلس الوزراء.. والسلطة التشريعية ممثلة في مجلس الشورى.. والسطلة القضائية ممثلة في كل المؤسسات القضائية العليا.. وبما يحقق التكامل بين هذه السلطات وبما يساعد الدولة على القيام بكافة وظائفها المدنية ويحافظ على سلامتها ويعمل على دمجها في الأسرة الدولية كقوة فاعلة ومؤثرة وقوية من الداخل، ومنفتحة على كل الاتجاهات، وعصرية بكل المقاييس.. وبعيدة عن الانغلاق.. أو التناقض.. أو العجز عن القيام بمهام الدولة القادرة على مواجهة التحديات الكبرى على مستوى الداخل والخارج..
•• فإذا أُخذ بالخيار الأول لأنه الخيار الأسهل.. والأسرع كسباً للمزيد من الوقت.. وتحقيقاً للحراك الأسرع محلياً وإقليمياً ودولياً.. فإن الخطوة قد تمهد – بصورة أفضل – لتحقيق المزيد من الترتيب لأوضاع البيت الداخلي.. بدءاً بمراجعة الأنظمة والقوانين والأعراف والمفاهيم والتقاليد والثقافة السائدة وصولاً إلى حالة من التوازن.. والاستقرار.. والثبات.. والاستعداد الأفضل للانتقال بالدولة إلى الخيار الثاني باعتباره الخيار الأمثل والأقدر على الدفع بالبلاد نحو المستقبل الأفضل والأكثر أماناً.. تمهيداً للانطلاق بالبلاد نحو مكانة حقيقية متقدمة بعد أن تكون قد اكتملت فيها كل عناصر القوة التي تمتلكها الدول المتقدمة وتضمن معها القدرة على البقاء والنماء والتطور.. بل والتأثير في القرار العالمي.
•• وبكل تأكيد فإن وجود الأمير محمد بن سلمان في موقعه الحالي.. وبدعم.. ومباركة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز.. فإن كافة مؤسسات الدولة سوف تتحرك بصورة أشد وأقوى وأسرع وفي كل اتجاه.. وبالذات بعد دمج العديد من المؤسسات منعاً للازدواجية.. وتوظيفاً للجهود في الاتجاه الواحد.. وتوجيهاً للثروات الوجهة الصحيحة وبما يحقق الكثير من العوائد للوطن والمواطن بعد سنتين إلى خمس سنوات من الآن.. لأن الأمير محمد بن سلمان – كما هو واضح – يراهن على الزمن كثيراً.. ويريد لهذه البلاد ألا تفقد فرصتها في الثبات.. وفي النهوض.. وفي الخروج من الأزمات.. وفي مقدمتها أزمة الهوية التي لا يجب أن تظل رهينة حالة من التأرجح بين الجمود والانطلاق..
•• الأمير محمد يريد هذا لأنه يُدرك أن فرصة البقاء ثم الاستمرار القوي مرهون بمدى ما نحققه في الداخل من خطوات عملية في الاتجاه الذي يصحح أوضاعنا في الداخل، سواء على المستوى الفكري والثقافي.. أو على المستوى الاجتماعي، بارتفاع مستوى المشاركة وتحمل المسؤولية لدى كل منا في تحمل أعباء نهضة هذا الوطن بتأمين سلامته وبالبذل والعطاء من أجل نمائه وتقدمه بالتجرد من الذات وتقديمه المصلحة الوطنية العليا على كل ما عداها.. أو على مستوى الإنفاق وإعادة ترتيب الأولويات.. والبعد عن الحياة الاستهلاكية.. والتوجه نحو الإنتاج بعيداً عن الرفاهية التقليدية المزيفة..
•• ولا شك أن لرهان الأمير هذا أسبابه ودواعيه، وله كذلك أعراضه وأمراضه التي جعلتنا نتأخر بعض الشيء عن الانطلاق إلى مصاف الدول التي سبقتنا رغم ضخامة إمكاناتنا وفرص تقدمنا.
دور مؤسسات الدولة في التغيير
•• لكن حالة التغير هذه التي يسعى إلى تحقيقها الأمير الشاب في بلدنا.. تحتاج كذلك إلى تفهم أفضل من قبل المواطن.. يبدأ بإدراك حقيقة الأخطار والتحديات المحيطة
بنا.. وذلك باستيعاب معطيات العصر.. والقضاء على حالة التناقض الفكري التي نعاني منها كثيراً.. ومساعدة الدولة على التحرك والانطلاق بالمزيد من الثقة في سياساتها وخططها وبرامجها للوقوف على قاعدة أكثر صلابة تمكننا من محاربة الإرهاب من جذوره ومنابعه.. وتشرب عقيدة السماء الخالدة بكل ما انطوت عليه من سماحة.. ورفق.. وتعايش.. وسلام ونبذ للكراهية بين شعوب الأرض.. تعزيزاً للتعاون مع كافة دول وشعوب العالم..
•• لكن هذه النتيجة المرجو الوصول إليها تتطلب تحملاً أميناً للمسؤولية من قبل كافة مؤسسات الدولة المنبثقة عن سلطاتها الثلاث.. القضائية.. والتشريعية.. والتنفيذية.. وذلك يتطلب مراجعة جادة وشاملة للتوجهات.. والسياسات.. ولغة الخطاب السائدة فيها.. وبما يتفق مع حقيقة أن المرحلة لم تعد تتحمل الاجتهادات.. أو العمل على إرضاء الشارع.. أو التجاهل للأعراض المرضية الخطيرة.. أو التداخل في المهام والاختصاصات.. أو بمعنى أوضح فإن المرحلة الجديدة تُحتم قيام هيئة كبار العلماء بمهمة التنوير الأولى في المجتمع.. عبر آليات علمية وبحثية متطورة تأخذ بحقائق وأسباب العصر ومشكلاته وضرورات تغيير الأدوات والأساليب ولغة الخطاب بما يحقق أهداف المملكة الرئيسية في إعطاء
صورة حقيقية عن الإسلام بكل ما تنطوي عليه ثوابته وتعاليمه من سماحة واستنارة وتعايش بين الشعوب.. وقبول بحقيقة تنوع الثقافات وتنمية لروح العمل والمسؤولية واستنهاض للهمم..
•• ولا شك أن علماءنا الأفاضل على إدراك تام بطبيعة الحالة التي يمر بها العالم.. وبالصورة المغلوطة التي أعطتها التنظيمات الإرهابية.. والقوى المتشددة.. والعقول والنفوس المنغلقة عن الدين الإسلامي السمح..
•• ويمكن الخروج بنا من دائرة الظلام إلى النور بجهود هؤلاء العلماء الأفاضل.. وتحقيق التكامل بين مجمل المؤسسات الدينية والمؤسسات الحكومية التي تتولى بعض المهام والمسؤوليات في هذا الاتجاه مثل وزارة العدل ووزارة الشؤون الإسلامية والرئاسة العامة لشؤون الحرمين بالتعاون مع وزارة التعليم لإنتاج منهجية جديدة في الإفتاء.. والدعوة.. والإرشاد.. والخطابة بالمساجد.. وإصلاح مناهج التعليم.. ومعالجة كل الاختلالات الموجودة بها.. وتصميم ثقافة عصرية جديدة تساعد الإنسان السعودي على إعمال الفكر.. وتصحيح المفاهيم المغلوطة.. وإطلاق العقل.. واستيعاب المتغيرات.. وفهم وظيفة الحياة.. ونعمة التفكير.. وتعظيم شأن العمل.. والانفتاح على هذا العالم..
•• لو حدث هذا.. وهو – من وجهة نظري – بات الآن في عداد الأولويات الهامة.. فإنه سيشكل نقلة نوعية في التفكير السعودي يتوجب على الثقافة والإعلام السعودي أن يحتضناها بكفاءة عالية تتوجب معها غربلة وسائلها التقليدية الراهنة أو الناشئة «المسطحة» الأبعاد.. باعتبار أن المرحلة القادمة تتطلب مستويات أعلى من النضج.. أو المهنية.. والمنهجية في التفكير.. وهو ما لا يمكن تحقيقه دون بناء أرصدة ثقافية ضخمة وعملية تأهيل وتدريب مهنيين رفيعين في أكبر المؤسسات الإعلامية والثقافية المعتبرة في العالم.. والتأسيس لثقافة وإعلام متمكنين في الداخل عبر قيام مؤسسات مهنية عالية التأهيل.. وبإشراف جهات وخبرات على مستويات رفيعة ومتقدمة..
تغيير جذري للسياسات التعليمية والإعلامية
•• وإذا كان هناك ما نحتاج إليه أكثر من غيره في المرحلة القادمة في هذا السياق فهو.. سياسات تعليمية.. وإعلامية.. وثقافية.. جديدة قادرة على مواكبة المرحلة الجديدة.. وهادفة إلى صناعة الإنسان القادر على استخدام العقل.. واستنهاض الهمم.. وتطوير المواهب.. وتفجير الطاقات المبدعة.. وهو ما لا يمكن أن تحققه السياسات.. والمناهج.. والأنظمة.. واللوائح القائمة حتى الآن بعد أن تجاوزها الزمن.. وتخطتها معطيات العصر.. وضرورات الانطلاق نحو المستقبل الآمن..
***
مقومات المستقبل الجديد
•• إن صناعة المستقبل على النحو الذي يراه الأمير محمد بن سلمان سوف تأخذ أبعاداً أخرى أكثر من تلك الأبعاد التي غطتها رؤية (2030) وذلك بعد توليه منصبه الجديد.. وتحمله لمسؤوليات أكبر وأشمل تجعله على مقربة أكثر من السلطات الثلاث القضائية.. والتشريعية.. والتنفيذية.. وبالذات بعد دمج مجلس الأمن والسياسة ومجلس الاقتصاد والتنمية في مؤسسة واحدة وتحت صيغة موحدة.
•• فقد غلبت على الرؤية الأبعاد الاقتصادية والتنموية وإن حضرت الأبعاد السياسية والأمنية من خلال تحركات وزيارات الأمير محمد بن سلمان ولقاءاته الهامة بقيادة دول العالم.. والسعي إلى تكوين التحالفات الضخمة على المستوى الخليجي والعربي والإسلامي ثم على المستوى الدولي.. لتبلغ ذروتها بعقد القمم الثلاث الأخيرة في الرياض في الفترة الواقعة ما بين (25 -26 /8/ 1438هـ الموافق 20 -21 /5/2017)
•• أما الآن.. وقد بدأ الأمير يمارس مسؤولياته الجديدة في ظل الدعم الكبير والمؤازرة التامة من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز.. فإن المتوقع هو أن يتم الإعلان عن رؤية سياسية أمنية جديدة في المرحلة القادمة.. أو أن تعاد صياغة الرؤية الحالية بحيث تكون هناك رؤية موحدة.. تجمع بين ما هو أمني وسياسي واقتصادي ومجتمعي.. في بوتقة واحدة.. تحقيقاً للتكامل الشامل.. وتوظيفاً للقدرات والإمكانات والفرص بصورة أفضل.. وبالذات في علاقات المملكة بدول العالم الأخرى تحقيقاً للمصالح الأوفر.. ولعباً بكل الأوراق لخدمة المصلحة الوطنية العليا (أولاً وأخيراً)..
•• ومن النتائج المتوخاة لإنتاج رؤية جديدة بهذا الاتساع والشمول تحقيق الآتي:
• تحسين فرص التفاوض مع الغير لمضاعفة مكاسبنا..
• رفع كفاءة الاقتصاد السعودي.. وتوسيع دوائره.. وزيادة إنتاجيته.. وتنويع مصادره.. وفرصه الوظيفية..
• مضاعفة القدرة السعودية العسكرية لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية بكفاءة عالية..
• تعزيز وترسيخ قواعد الأمن في الداخل، وتحسين معدلات الاستقرار في الإقليم باستخدام كافة القوى والقدرات والإمكانات لتحقيق الأمان الشامل..
• تحقيق الإصلاحات الشاملة بالتعاون الكامل بين الدولة والمواطن، وإقامة المزيد من مؤسسات المجتمع المدني الضامنة لمزيد من العدالة والأمان والرضاء العام..
•• ومن المؤكد أن كل ذلك سيؤدي بالضرورة إلى تشابك مصالح المملكة الحيوية مع دول العالم، ولا سيما المهمة منها بالنسبة لنا من الناحيتين الأمنية والاقتصادية.. كما أنه كفيل بتحقيق معدلات سلام واستقرار أفضل في الإقليم.. وبالذات بعد أن يتم الربط بين مصالح المملكة ومصالح دول الإقليم بصورة أفضل باتباع سياسات منهجية جديدة.. تربط بين المصالح والاستحقاقات وبين الدور الفاعل للمملكة في تهدئة الأوضاع في مختلف أرجاء الإقليم وربطها بالمزيد من المواثيق والمعاهدات ومجالس التنسيق الثنائية والجماعية الفاعلة.. بعد التوصل لحلول عملية للمشكلات الراهنة في كل من اليمن وسورية والعراق ولبنان وليبيا..
احتواء الأوضاع المتفجرة أولاً
•• وإذا كان الأمير محمد بن سلمان.. قد ركز في الفترة الماضية على ناحيتين هما: تأهيل الاقتصاد السعودي بصورة أفضل تحقيقاً للمزيد من التنمية باستثمار كل الطاقات والإمكانات لتنويع مصادره.. وزيادة إيراداته.. وتقليل نسب الفاقد منه.. باعتباره مطلباً عاجلاً.. ومفصلياً.. ومهماً لبقاء واستمرار الدولة القوية.. وذلك مفهوم.. ومقبول.. بل ومطلوب، وكذلك على الحد من المخاطر المحيطة بالبلاد.. فإنه سيكون أكثر اهتماماً في المرحلة الجديدة بتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة باستخدام كل المعطيات التي تملكها المملكة.. ويميل إليها صاحب القرار وصولاً إلى التهدئة في البداية.. وجلوساً إلى طاولة النقاش الجاد سواء في إطار تحرك سعودي منفرد ومباشر مع أطراف النزاع المختلفة والتعامل مع الجميع بمعايير موحدة للوصول إلى حلول عملية تعيد السلام إلى الإقليم.. أو عبر أي تحرك إقليمي أو دولي مشترك لتحقيق نفس الهدف.. وذلك بإعطاء فرصة كافية للعمل السياسي لمدى زمني محدد لا يتجاوز سنة من الآن.. وبعقلية منفتحة.. وراغبة في إيقاف الحروب وتجاوز الأزمات.. وتحقيق شرق أوسط جديد يختلف عن كل الطروحات السابقة والمعروفة بتغليب مبدأ انشر الفوضى في الإقليم..
•• ولا أعتقد أن المملكة.. والأمير محمد بن سلمان يمثلها في مختلف المحافل الآن.. غير راغبة في احتواء كافة الخلافات الراهنة مع الدول الأخرى بما فيها إيران.. وإن تطلب ذلك جهودا دولية قوية ومؤثرة لتصحيح الأوضاع المختلة الآن ولا سيما بتدخلها في الشؤون الداخلية للبحرين.. واليمن.. وسورية.. ولبنان.. والعراق..
•• ولا أستبعد أن تشهد المرحلة القادمة تحركاً سعودياً -أمريكياً - أوروبياً مشتركاً بالتعاون مع روسيا لتحقيق هذه الغاية.. والتوصل إلى قواسم مشتركة عظمى تقود إلى خروج كافة الأطراف من الدول المأزومة بعد التوصل إلى صيغ مقبولة من الجميع لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار بداخلها.. والتعايش بين شعوبها وأنظمتها تحت مظلة السيادة الوطنية لكل دولة وعلى أسس يكفلها القانون الدولي وتضمنها معاهدة جديدة توقع عليها كافة الأطراف بمن فيها المملكة وإيران..
•• هذه التوجهات السياسية البناءة.. يمكن التنبؤ بها كحصيلة ثمينة وطبيعية لسياسات الحزم والعزم التي تبناها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز منذ اللحظة الأولى التي جاء فيها إلى كرسي الحكم وقام بمتابعتها وتنفيذها الأمير الشاب محمد بن سلمان بكل دقة والتزام وهو يعرف ما تُريد الوصول إليه في النهاية.. ألا وهو السلام.. والأمن.. والاستقرار في مختلف أنحاء العالم..
•• وها قد جاء الوقت الذي تتهيأ فيه الأسباب لتحقيق السلام الذي ينشده الجميع.. وإذا كان هناك من يقف بالمنطقة ضد إرادة السلام ليحقق مكاسب خاصة به فإن عليه أن يُراجع تطلعاته وأوهامه.. وأن يُدرك أن الأسرة الدولية ونحن في مقدمتها لسنا مستعدين للقبول بأي شكل من العبث بعد اليوم.. لتهديد أمن واستقرار وسلامة دولنا وشعوبنا.. وعليه أن يُقرر إما القبول بما تريده الشعوب ومن ورائها الدول المحبة للسلام والاستقرار والرضوخ لما تره.. وإما الذهاب إلى الجحيم وتحمل نتائج تعنته.. وطموحاته المرفوضة بالمطلق..
السلام.. للتفرغ للتنمية
•• هذه السياسات وتلك التوجهات، وإن كلفتنا الكثير في البداية.. إلا أنها وبكل المقاييس سوف تكون أقل تكلفة مما لو استمرت حالة الفوضى.. لتؤدي إلى اشتعال المزيد من الحروب الأهلية.. وتقسيم الأوطان.. وهو الأمر الذي لا يقبله أي عاقل.. ولا تريده المملكة بأي حال من الأحوال..
•• هذه الحقيقة.. وهذا الهم الأمني الكبير.. يضعه الأمير الشاب محمد بن سلمان في مقدمة أولوياته هذه الأيام.. لأنه يُدرك أن محاربة الإرهاب بكل صوره وألوانه.. وتطهير المنطقة منه.. وقضاءها على بؤره مرهونة بمدى ما يتحقق من استقرار داخل دول المنطقة التي انعدم فيها الاستقرار (أولاً) وأن التوصل إلى هذه النتيجة بات ممكناً.. وبيد شعوب هذه الدول وأنظمتها.. إذا هي مدت يدها بإخلاص للمملكة العربية السعودية التي تجد الآن أن الوقت مناسب لتحقيق إجماع دولي لدعم عملية سلام شاملة.. وأن لديها القدرة والرغبة لمساعدتها في الوصول إلى هذه النتيجة وتناسي الماضي بكل سلبياته ومآسيه..
•• تفعل هذا المملكة من موقع القوة (أولاً)، ثم من موقع الحرص على تأمين شعوب المنطقة ضد المزيد من الأهوال والمآسي.. منطلقة إلى توجه الجميع إلى مرحلة البناء والتعمير والتنمية بعد تنظيف النفوس والعقول مما علق بها وأصابها جراء الفوضى المدمرة التي اجتاحت المنطقة وكادت تخفيها من الوجود لولا وقفة المملكة الجادة بمواجهة تلك الأخطار بتعاونها مع الدول والشعوب المحبة للأمن والسلام والاستقرار.. لما في ذلك من مصلحة حقيقية لكل دول وشعوب العالم.. بعد أن أثبتت الأحداث سقوط نظرية «الأقوياء يعيشون على جثث الضعفاء على الدوام».
•• والحقيقة أن هذه التوجهات الجادة والإيجابية في سياسات المملكة لن تكون جديدة أو طارئة.. وإن كانت الأحداث والظروف التي شهدتها المنطقة خلال السنتين الأخيرتين قد أكسبتنا المزيد من الخبرة وسعة الاطلاع على الكثير من الحقائق.. وتمت مواجهتها بما تستحق من إجراءات ضرورية حالت دون اتساع دوائر الشر..
•• واليوم.. وقد وضع الأمير محمد بن سلمان يده على كافة مفاتيح الأزمات القائمة أو المحتملة.. فإنه وبتوجيه ودعم مطلقين من خادم الحرمين الشريفين بات أكثر قدرة الآن على استخدام كافة الأوراق.. السياسية.. والاقتصادية.. والأمنية.. والثقافية.. والاجتماعية.. لقيام دولة قادرة على الجمع بين تحقيق المزيد من الرخاء والطمأنينة لشعب المملكة.. وبين احتلال مكانتها الطبيعية كدولة أولى مؤثرة في الإقليم وفاعلة على المستوى الدولي بصورة أكبر من الماضي.
دمج المجلسين الأمني السياسي.. والاقتصادي التنموي.. في مجلس الوزراء خيار أول
تطوير السلطات
الثلاث.. التنفيذية والقضائية والتشريعية مواكبة للعصر
شكراً للأمير محمد بن نايف
لكنني وقبل الدخول في تفاصيل ما سيؤول إليه الوضع في الداخل السعودي وفي الإقليم بصورة أساسية.. أريد أن أنوه بالجهود الكبيرة والمضنية التي بذلها الأمير محمد بن نايف في تعزيز الأمن والاستقرار والطمأنينة في المملكة وخارجها طوال مدة عمله قريباً من والده المغفور له الأمير نايف بن عبدالعزيز الذي شكل مدرسة أمنية غير مسبوقة في التاريخ الحديث في الانضباط.. والسلامة.. والسيطرة على كل مفاصل الحياة لتصبح المملكة عنواناً بارزاً ونموذجاً فريداً في تحقيق الأمن والأمان ليس لهذه الدولة ولشعب المملكة فحسب.. وإنما لدول وشعوب الأمتين العربية والإسلامية.. بل ولخدمة الأمن والسلام في العالم أيضاً..
•• وبصورة أكثر تحديداً.. فإن الأمير محمد بن نايف حقق نقلة نوعية ليس فقط في مجال التخطيط الأمني الفعال والمؤثر لدحر الإرهاب واستئصاله من الداخل ومساعدة دول العالم في التصدي له بكفاءة والحد من أخطاره.. وإنما في تحقيق بنية أمنية قوية ومتينة.. تعتمد على أنظمة إدارية متطورة أخذت بأحدث أنظمة التقنية لتطوير العملية الأمنية وتحديثها بصورة فاقت حتى بعض دول العالم الأخرى المتقدمة.. فضلاً عن أنه نظم العلاقة بصورة أفضل بين المواطن ورجل الأمن حتى أصبح الجميع يعمل من أجل أمان الوطن وسلامته بروح المسؤولية المشتركة.. فله من الوطن وأهله كل الإعزاز والتقدير والإجلال على ما قدم وأعطى بكل تفانٍ وإخلاص تجسد في الامتنان الذي قدمه الأمير محمد بن سلمان لسموه لدى تهنئته الأمير الجليل محمد بن نايف له على اختياره ولياً للعهد.. وتمنياته له بالتوفيق.. وتعبير الأمير محمد بن سلمان لسموه عن حاجته إلى المزيد من النصح والتوجيه من سموه في المرحلة القادمة.. وذلك في مشهد عظيم لا يتكرر إلا في الدول التي يتم فيها تداول السلطات بسهولة ويسر.. وتظل معها الدولة على أفضل ما تكون بُناها السياسية والأمنية والمجتمعية..
أبعاد جديدة لرؤية
2030
•• فماذا يعني اختيار الأمير محمد بن سلمان لهذه المهمة في المرحلة القادمة؟
•• إن ذلك يعني المزيد من السلاسة والانسيابية في اتخاذ القرار، بدءاً بتفعيل دور مجلس الوزراء بعد إعادة هيكلته وتنظيمه وتحديد مهامه ومسؤولياته في قيادة العملية السياسية والأمنية والتنموية في الاتجاه الواحد..
•• وربما يؤدي ذلك إلى أمر من أمرين..
•• الأمر الأول هو: دمج كل من المجلس الأمني والسياسي والمجلس الاقتصادي والتنمية في مجلس واحد، تحقيقاً للمزيد من الاتساق والتكامل والعمل المنظم استثماراً لكافة الطاقات والإمكانات والمعطيات في الاتجاه الذي يحقق المزيد من «الهارمونية» والدمج لمقدرات الدولة في خدمة السياسات والتوجهات الكلية للبلاد على المستوى الداخلي والخارجي على حد سواء.. وبما يعود علينا بفوائد جمة على كافة الأصعدة.. وفي كل الساحات..
•• الأمر الثاني: تعديل وتغيير وتطوير مهام ووظائف السلطة التنفيذية ممثلة في مجلس الوزراء.. والسلطة التشريعية ممثلة في مجلس الشورى.. والسطلة القضائية ممثلة في كل المؤسسات القضائية العليا.. وبما يحقق التكامل بين هذه السلطات وبما يساعد الدولة على القيام بكافة وظائفها المدنية ويحافظ على سلامتها ويعمل على دمجها في الأسرة الدولية كقوة فاعلة ومؤثرة وقوية من الداخل، ومنفتحة على كل الاتجاهات، وعصرية بكل المقاييس.. وبعيدة عن الانغلاق.. أو التناقض.. أو العجز عن القيام بمهام الدولة القادرة على مواجهة التحديات الكبرى على مستوى الداخل والخارج..
•• فإذا أُخذ بالخيار الأول لأنه الخيار الأسهل.. والأسرع كسباً للمزيد من الوقت.. وتحقيقاً للحراك الأسرع محلياً وإقليمياً ودولياً.. فإن الخطوة قد تمهد – بصورة أفضل – لتحقيق المزيد من الترتيب لأوضاع البيت الداخلي.. بدءاً بمراجعة الأنظمة والقوانين والأعراف والمفاهيم والتقاليد والثقافة السائدة وصولاً إلى حالة من التوازن.. والاستقرار.. والثبات.. والاستعداد الأفضل للانتقال بالدولة إلى الخيار الثاني باعتباره الخيار الأمثل والأقدر على الدفع بالبلاد نحو المستقبل الأفضل والأكثر أماناً.. تمهيداً للانطلاق بالبلاد نحو مكانة حقيقية متقدمة بعد أن تكون قد اكتملت فيها كل عناصر القوة التي تمتلكها الدول المتقدمة وتضمن معها القدرة على البقاء والنماء والتطور.. بل والتأثير في القرار العالمي.
•• وبكل تأكيد فإن وجود الأمير محمد بن سلمان في موقعه الحالي.. وبدعم.. ومباركة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز.. فإن كافة مؤسسات الدولة سوف تتحرك بصورة أشد وأقوى وأسرع وفي كل اتجاه.. وبالذات بعد دمج العديد من المؤسسات منعاً للازدواجية.. وتوظيفاً للجهود في الاتجاه الواحد.. وتوجيهاً للثروات الوجهة الصحيحة وبما يحقق الكثير من العوائد للوطن والمواطن بعد سنتين إلى خمس سنوات من الآن.. لأن الأمير محمد بن سلمان – كما هو واضح – يراهن على الزمن كثيراً.. ويريد لهذه البلاد ألا تفقد فرصتها في الثبات.. وفي النهوض.. وفي الخروج من الأزمات.. وفي مقدمتها أزمة الهوية التي لا يجب أن تظل رهينة حالة من التأرجح بين الجمود والانطلاق..
•• الأمير محمد يريد هذا لأنه يُدرك أن فرصة البقاء ثم الاستمرار القوي مرهون بمدى ما نحققه في الداخل من خطوات عملية في الاتجاه الذي يصحح أوضاعنا في الداخل، سواء على المستوى الفكري والثقافي.. أو على المستوى الاجتماعي، بارتفاع مستوى المشاركة وتحمل المسؤولية لدى كل منا في تحمل أعباء نهضة هذا الوطن بتأمين سلامته وبالبذل والعطاء من أجل نمائه وتقدمه بالتجرد من الذات وتقديمه المصلحة الوطنية العليا على كل ما عداها.. أو على مستوى الإنفاق وإعادة ترتيب الأولويات.. والبعد عن الحياة الاستهلاكية.. والتوجه نحو الإنتاج بعيداً عن الرفاهية التقليدية المزيفة..
•• ولا شك أن لرهان الأمير هذا أسبابه ودواعيه، وله كذلك أعراضه وأمراضه التي جعلتنا نتأخر بعض الشيء عن الانطلاق إلى مصاف الدول التي سبقتنا رغم ضخامة إمكاناتنا وفرص تقدمنا.
دور مؤسسات الدولة في التغيير
•• لكن حالة التغير هذه التي يسعى إلى تحقيقها الأمير الشاب في بلدنا.. تحتاج كذلك إلى تفهم أفضل من قبل المواطن.. يبدأ بإدراك حقيقة الأخطار والتحديات المحيطة
بنا.. وذلك باستيعاب معطيات العصر.. والقضاء على حالة التناقض الفكري التي نعاني منها كثيراً.. ومساعدة الدولة على التحرك والانطلاق بالمزيد من الثقة في سياساتها وخططها وبرامجها للوقوف على قاعدة أكثر صلابة تمكننا من محاربة الإرهاب من جذوره ومنابعه.. وتشرب عقيدة السماء الخالدة بكل ما انطوت عليه من سماحة.. ورفق.. وتعايش.. وسلام ونبذ للكراهية بين شعوب الأرض.. تعزيزاً للتعاون مع كافة دول وشعوب العالم..
•• لكن هذه النتيجة المرجو الوصول إليها تتطلب تحملاً أميناً للمسؤولية من قبل كافة مؤسسات الدولة المنبثقة عن سلطاتها الثلاث.. القضائية.. والتشريعية.. والتنفيذية.. وذلك يتطلب مراجعة جادة وشاملة للتوجهات.. والسياسات.. ولغة الخطاب السائدة فيها.. وبما يتفق مع حقيقة أن المرحلة لم تعد تتحمل الاجتهادات.. أو العمل على إرضاء الشارع.. أو التجاهل للأعراض المرضية الخطيرة.. أو التداخل في المهام والاختصاصات.. أو بمعنى أوضح فإن المرحلة الجديدة تُحتم قيام هيئة كبار العلماء بمهمة التنوير الأولى في المجتمع.. عبر آليات علمية وبحثية متطورة تأخذ بحقائق وأسباب العصر ومشكلاته وضرورات تغيير الأدوات والأساليب ولغة الخطاب بما يحقق أهداف المملكة الرئيسية في إعطاء
صورة حقيقية عن الإسلام بكل ما تنطوي عليه ثوابته وتعاليمه من سماحة واستنارة وتعايش بين الشعوب.. وقبول بحقيقة تنوع الثقافات وتنمية لروح العمل والمسؤولية واستنهاض للهمم..
•• ولا شك أن علماءنا الأفاضل على إدراك تام بطبيعة الحالة التي يمر بها العالم.. وبالصورة المغلوطة التي أعطتها التنظيمات الإرهابية.. والقوى المتشددة.. والعقول والنفوس المنغلقة عن الدين الإسلامي السمح..
•• ويمكن الخروج بنا من دائرة الظلام إلى النور بجهود هؤلاء العلماء الأفاضل.. وتحقيق التكامل بين مجمل المؤسسات الدينية والمؤسسات الحكومية التي تتولى بعض المهام والمسؤوليات في هذا الاتجاه مثل وزارة العدل ووزارة الشؤون الإسلامية والرئاسة العامة لشؤون الحرمين بالتعاون مع وزارة التعليم لإنتاج منهجية جديدة في الإفتاء.. والدعوة.. والإرشاد.. والخطابة بالمساجد.. وإصلاح مناهج التعليم.. ومعالجة كل الاختلالات الموجودة بها.. وتصميم ثقافة عصرية جديدة تساعد الإنسان السعودي على إعمال الفكر.. وتصحيح المفاهيم المغلوطة.. وإطلاق العقل.. واستيعاب المتغيرات.. وفهم وظيفة الحياة.. ونعمة التفكير.. وتعظيم شأن العمل.. والانفتاح على هذا العالم..
•• لو حدث هذا.. وهو – من وجهة نظري – بات الآن في عداد الأولويات الهامة.. فإنه سيشكل نقلة نوعية في التفكير السعودي يتوجب على الثقافة والإعلام السعودي أن يحتضناها بكفاءة عالية تتوجب معها غربلة وسائلها التقليدية الراهنة أو الناشئة «المسطحة» الأبعاد.. باعتبار أن المرحلة القادمة تتطلب مستويات أعلى من النضج.. أو المهنية.. والمنهجية في التفكير.. وهو ما لا يمكن تحقيقه دون بناء أرصدة ثقافية ضخمة وعملية تأهيل وتدريب مهنيين رفيعين في أكبر المؤسسات الإعلامية والثقافية المعتبرة في العالم.. والتأسيس لثقافة وإعلام متمكنين في الداخل عبر قيام مؤسسات مهنية عالية التأهيل.. وبإشراف جهات وخبرات على مستويات رفيعة ومتقدمة..
تغيير جذري للسياسات التعليمية والإعلامية
•• وإذا كان هناك ما نحتاج إليه أكثر من غيره في المرحلة القادمة في هذا السياق فهو.. سياسات تعليمية.. وإعلامية.. وثقافية.. جديدة قادرة على مواكبة المرحلة الجديدة.. وهادفة إلى صناعة الإنسان القادر على استخدام العقل.. واستنهاض الهمم.. وتطوير المواهب.. وتفجير الطاقات المبدعة.. وهو ما لا يمكن أن تحققه السياسات.. والمناهج.. والأنظمة.. واللوائح القائمة حتى الآن بعد أن تجاوزها الزمن.. وتخطتها معطيات العصر.. وضرورات الانطلاق نحو المستقبل الآمن..
***
مقومات المستقبل الجديد
•• إن صناعة المستقبل على النحو الذي يراه الأمير محمد بن سلمان سوف تأخذ أبعاداً أخرى أكثر من تلك الأبعاد التي غطتها رؤية (2030) وذلك بعد توليه منصبه الجديد.. وتحمله لمسؤوليات أكبر وأشمل تجعله على مقربة أكثر من السلطات الثلاث القضائية.. والتشريعية.. والتنفيذية.. وبالذات بعد دمج مجلس الأمن والسياسة ومجلس الاقتصاد والتنمية في مؤسسة واحدة وتحت صيغة موحدة.
•• فقد غلبت على الرؤية الأبعاد الاقتصادية والتنموية وإن حضرت الأبعاد السياسية والأمنية من خلال تحركات وزيارات الأمير محمد بن سلمان ولقاءاته الهامة بقيادة دول العالم.. والسعي إلى تكوين التحالفات الضخمة على المستوى الخليجي والعربي والإسلامي ثم على المستوى الدولي.. لتبلغ ذروتها بعقد القمم الثلاث الأخيرة في الرياض في الفترة الواقعة ما بين (25 -26 /8/ 1438هـ الموافق 20 -21 /5/2017)
•• أما الآن.. وقد بدأ الأمير يمارس مسؤولياته الجديدة في ظل الدعم الكبير والمؤازرة التامة من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز.. فإن المتوقع هو أن يتم الإعلان عن رؤية سياسية أمنية جديدة في المرحلة القادمة.. أو أن تعاد صياغة الرؤية الحالية بحيث تكون هناك رؤية موحدة.. تجمع بين ما هو أمني وسياسي واقتصادي ومجتمعي.. في بوتقة واحدة.. تحقيقاً للتكامل الشامل.. وتوظيفاً للقدرات والإمكانات والفرص بصورة أفضل.. وبالذات في علاقات المملكة بدول العالم الأخرى تحقيقاً للمصالح الأوفر.. ولعباً بكل الأوراق لخدمة المصلحة الوطنية العليا (أولاً وأخيراً)..
•• ومن النتائج المتوخاة لإنتاج رؤية جديدة بهذا الاتساع والشمول تحقيق الآتي:
• تحسين فرص التفاوض مع الغير لمضاعفة مكاسبنا..
• رفع كفاءة الاقتصاد السعودي.. وتوسيع دوائره.. وزيادة إنتاجيته.. وتنويع مصادره.. وفرصه الوظيفية..
• مضاعفة القدرة السعودية العسكرية لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية بكفاءة عالية..
• تعزيز وترسيخ قواعد الأمن في الداخل، وتحسين معدلات الاستقرار في الإقليم باستخدام كافة القوى والقدرات والإمكانات لتحقيق الأمان الشامل..
• تحقيق الإصلاحات الشاملة بالتعاون الكامل بين الدولة والمواطن، وإقامة المزيد من مؤسسات المجتمع المدني الضامنة لمزيد من العدالة والأمان والرضاء العام..
•• ومن المؤكد أن كل ذلك سيؤدي بالضرورة إلى تشابك مصالح المملكة الحيوية مع دول العالم، ولا سيما المهمة منها بالنسبة لنا من الناحيتين الأمنية والاقتصادية.. كما أنه كفيل بتحقيق معدلات سلام واستقرار أفضل في الإقليم.. وبالذات بعد أن يتم الربط بين مصالح المملكة ومصالح دول الإقليم بصورة أفضل باتباع سياسات منهجية جديدة.. تربط بين المصالح والاستحقاقات وبين الدور الفاعل للمملكة في تهدئة الأوضاع في مختلف أرجاء الإقليم وربطها بالمزيد من المواثيق والمعاهدات ومجالس التنسيق الثنائية والجماعية الفاعلة.. بعد التوصل لحلول عملية للمشكلات الراهنة في كل من اليمن وسورية والعراق ولبنان وليبيا..
احتواء الأوضاع المتفجرة أولاً
•• وإذا كان الأمير محمد بن سلمان.. قد ركز في الفترة الماضية على ناحيتين هما: تأهيل الاقتصاد السعودي بصورة أفضل تحقيقاً للمزيد من التنمية باستثمار كل الطاقات والإمكانات لتنويع مصادره.. وزيادة إيراداته.. وتقليل نسب الفاقد منه.. باعتباره مطلباً عاجلاً.. ومفصلياً.. ومهماً لبقاء واستمرار الدولة القوية.. وذلك مفهوم.. ومقبول.. بل ومطلوب، وكذلك على الحد من المخاطر المحيطة بالبلاد.. فإنه سيكون أكثر اهتماماً في المرحلة الجديدة بتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة باستخدام كل المعطيات التي تملكها المملكة.. ويميل إليها صاحب القرار وصولاً إلى التهدئة في البداية.. وجلوساً إلى طاولة النقاش الجاد سواء في إطار تحرك سعودي منفرد ومباشر مع أطراف النزاع المختلفة والتعامل مع الجميع بمعايير موحدة للوصول إلى حلول عملية تعيد السلام إلى الإقليم.. أو عبر أي تحرك إقليمي أو دولي مشترك لتحقيق نفس الهدف.. وذلك بإعطاء فرصة كافية للعمل السياسي لمدى زمني محدد لا يتجاوز سنة من الآن.. وبعقلية منفتحة.. وراغبة في إيقاف الحروب وتجاوز الأزمات.. وتحقيق شرق أوسط جديد يختلف عن كل الطروحات السابقة والمعروفة بتغليب مبدأ انشر الفوضى في الإقليم..
•• ولا أعتقد أن المملكة.. والأمير محمد بن سلمان يمثلها في مختلف المحافل الآن.. غير راغبة في احتواء كافة الخلافات الراهنة مع الدول الأخرى بما فيها إيران.. وإن تطلب ذلك جهودا دولية قوية ومؤثرة لتصحيح الأوضاع المختلة الآن ولا سيما بتدخلها في الشؤون الداخلية للبحرين.. واليمن.. وسورية.. ولبنان.. والعراق..
•• ولا أستبعد أن تشهد المرحلة القادمة تحركاً سعودياً -أمريكياً - أوروبياً مشتركاً بالتعاون مع روسيا لتحقيق هذه الغاية.. والتوصل إلى قواسم مشتركة عظمى تقود إلى خروج كافة الأطراف من الدول المأزومة بعد التوصل إلى صيغ مقبولة من الجميع لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار بداخلها.. والتعايش بين شعوبها وأنظمتها تحت مظلة السيادة الوطنية لكل دولة وعلى أسس يكفلها القانون الدولي وتضمنها معاهدة جديدة توقع عليها كافة الأطراف بمن فيها المملكة وإيران..
•• هذه التوجهات السياسية البناءة.. يمكن التنبؤ بها كحصيلة ثمينة وطبيعية لسياسات الحزم والعزم التي تبناها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز منذ اللحظة الأولى التي جاء فيها إلى كرسي الحكم وقام بمتابعتها وتنفيذها الأمير الشاب محمد بن سلمان بكل دقة والتزام وهو يعرف ما تُريد الوصول إليه في النهاية.. ألا وهو السلام.. والأمن.. والاستقرار في مختلف أنحاء العالم..
•• وها قد جاء الوقت الذي تتهيأ فيه الأسباب لتحقيق السلام الذي ينشده الجميع.. وإذا كان هناك من يقف بالمنطقة ضد إرادة السلام ليحقق مكاسب خاصة به فإن عليه أن يُراجع تطلعاته وأوهامه.. وأن يُدرك أن الأسرة الدولية ونحن في مقدمتها لسنا مستعدين للقبول بأي شكل من العبث بعد اليوم.. لتهديد أمن واستقرار وسلامة دولنا وشعوبنا.. وعليه أن يُقرر إما القبول بما تريده الشعوب ومن ورائها الدول المحبة للسلام والاستقرار والرضوخ لما تره.. وإما الذهاب إلى الجحيم وتحمل نتائج تعنته.. وطموحاته المرفوضة بالمطلق..
السلام.. للتفرغ للتنمية
•• هذه السياسات وتلك التوجهات، وإن كلفتنا الكثير في البداية.. إلا أنها وبكل المقاييس سوف تكون أقل تكلفة مما لو استمرت حالة الفوضى.. لتؤدي إلى اشتعال المزيد من الحروب الأهلية.. وتقسيم الأوطان.. وهو الأمر الذي لا يقبله أي عاقل.. ولا تريده المملكة بأي حال من الأحوال..
•• هذه الحقيقة.. وهذا الهم الأمني الكبير.. يضعه الأمير الشاب محمد بن سلمان في مقدمة أولوياته هذه الأيام.. لأنه يُدرك أن محاربة الإرهاب بكل صوره وألوانه.. وتطهير المنطقة منه.. وقضاءها على بؤره مرهونة بمدى ما يتحقق من استقرار داخل دول المنطقة التي انعدم فيها الاستقرار (أولاً) وأن التوصل إلى هذه النتيجة بات ممكناً.. وبيد شعوب هذه الدول وأنظمتها.. إذا هي مدت يدها بإخلاص للمملكة العربية السعودية التي تجد الآن أن الوقت مناسب لتحقيق إجماع دولي لدعم عملية سلام شاملة.. وأن لديها القدرة والرغبة لمساعدتها في الوصول إلى هذه النتيجة وتناسي الماضي بكل سلبياته ومآسيه..
•• تفعل هذا المملكة من موقع القوة (أولاً)، ثم من موقع الحرص على تأمين شعوب المنطقة ضد المزيد من الأهوال والمآسي.. منطلقة إلى توجه الجميع إلى مرحلة البناء والتعمير والتنمية بعد تنظيف النفوس والعقول مما علق بها وأصابها جراء الفوضى المدمرة التي اجتاحت المنطقة وكادت تخفيها من الوجود لولا وقفة المملكة الجادة بمواجهة تلك الأخطار بتعاونها مع الدول والشعوب المحبة للأمن والسلام والاستقرار.. لما في ذلك من مصلحة حقيقية لكل دول وشعوب العالم.. بعد أن أثبتت الأحداث سقوط نظرية «الأقوياء يعيشون على جثث الضعفاء على الدوام».
•• والحقيقة أن هذه التوجهات الجادة والإيجابية في سياسات المملكة لن تكون جديدة أو طارئة.. وإن كانت الأحداث والظروف التي شهدتها المنطقة خلال السنتين الأخيرتين قد أكسبتنا المزيد من الخبرة وسعة الاطلاع على الكثير من الحقائق.. وتمت مواجهتها بما تستحق من إجراءات ضرورية حالت دون اتساع دوائر الشر..
•• واليوم.. وقد وضع الأمير محمد بن سلمان يده على كافة مفاتيح الأزمات القائمة أو المحتملة.. فإنه وبتوجيه ودعم مطلقين من خادم الحرمين الشريفين بات أكثر قدرة الآن على استخدام كافة الأوراق.. السياسية.. والاقتصادية.. والأمنية.. والثقافية.. والاجتماعية.. لقيام دولة قادرة على الجمع بين تحقيق المزيد من الرخاء والطمأنينة لشعب المملكة.. وبين احتلال مكانتها الطبيعية كدولة أولى مؤثرة في الإقليم وفاعلة على المستوى الدولي بصورة أكبر من الماضي.
دمج المجلسين الأمني السياسي.. والاقتصادي التنموي.. في مجلس الوزراء خيار أول
تطوير السلطات
الثلاث.. التنفيذية والقضائية والتشريعية مواكبة للعصر