•• دخلت المنطقة -في الآونة الأخيرة- حالة من التعقيد الشديد على المستويين الأمني والسياسي.. وبات على المجتمع الدولي ممثلاً في القوى الثلاث الأبرز: الولايات المتحدة الأمريكية.. وروسيا.. والصين.. أن يتخذ موقفاً أشد وضوحاً من هذه التطورات.. قبل أن تصبح هذه الأحداث بمثابة لحرب عالمية ثالثة بسبب صراع المصالح الكبرى بين هذه الدول.. ومن لف لفها في الشرق والغرب..
•• والصورة المرسومة أمام أي مراقب سياسي لهذا الصراع تتجسد على الأراضي السورية حتى اليوم.. وأخشى ما أخشاه أن تمتد بعد ذلك لتشمل منطقة الخليج العربي.. وأحد مظاهره الجديدة الآن الخلاف القائم بين قطر والدول العربية الأربع؛ المملكة.. ومصر.. والإمارات العربية المتحدة.. ومملكة البحرين..
•• أما لماذا يتوجب على الدول الثلاث الكبرى؛ الولايات المتحدة.. وروسيا.. والصين.. أن تقول لنا ماذا تريد منا.. وإلى أين تقودنا.. وأي صفقة خطيرة تُرتب لها لاستثمار هذه الأوضاع المتفجرة في منطقتنا.. فإن ذلك راجع إلى أنها حاضرة وبقوة في أحداث المنطقة الراهنة.. وإن كانت الصين هي الأقل بروزاً حتى الآن.. وإن لم تكن بعيدة كل البعد عن المشهد بحكم الدور الرقابي الهادئ من قبلها للأحداث.. وكذلك من خلال عضويتها المهمة في مجلس الأمن.. ضمن الدول الخمس المهيمنة على القرار الدولي بصورة أو بأخرى.
سياسات أمريكا الانسحابية شجعت الروس وإيران
•• وكما شهدنا في الماضي.. فإن إدارة الرئيس الأمريكي السابق مارست سياسات انهزامية في سورية كجزء من سياسات أوباما القائمة على أساس الانسحاب الأمريكي من مناطق الصراع في أفغانستان.. والعراق.. وسورية.. وبعض دول أفريقيا..
هذه السياسات شجعت الروس على الدخول إلى سورية واستغلال الفراغ الموجود، مستثمرة ضعف النظام وحاجته القصوى إلى الدعم والمؤازرة.. للوقوف بوجه المعارضة المتنامية للنظام.. وهي بذلك تحقق أهدافاً حيوية إستراتيجية بالعودة إلى المنطقة كلاعب رئيسي، كما كانت في الفترة من بداية الخمسينات حتى انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، وهي فرصة ما كانت لتتحقق لولا «الغباء» الأمريكي المفرط.. وتدهور الوضع العام في المنطقة.. وغياب الدور العربي القومي الفاعل عن التعامل المسؤول مع الوضع السوري بفعل الخلافات الشديدة داخل المنظومة العربية وتعطل آلية الجامعة العربية وتداعيها.
•• ليس هذا فحسب.. بل إن السياسات الأمريكية الانسحابية قد شجعت طرفاً آخر له طموحات إقليمية واسعة؛ هو إيران على أن تتقدم خطوة أخرى في مشروعها التوسعي لنشر أيديولوجية «ولاية الفقيه» في كل أرجاء الوطن العربي وكذلك في أفريقيا السوداء وفي العالم الإسلامي بشكل عام..
•• وعلينا أن نعترف بأن الذكاء الإيراني قد استغل الرغبة الموجودة لدى الدول (5 +1) في التوصل معها إلى الاتفاقية النووية.. للقبول بالتوسع الإيراني في المنطقة بشكل عام.. تارة بالسكوت على ممارساتها الخطيرة داخل لبنان على يد حزب الله.. وفي خارجه كما حدث في البحرين وفي غيرها.. ومرة أخرى بالقبول بالدخول إلى سورية والوقوف إلى جانب النظام بوجه الشعب وبالدفع بحزب الله وآلته العسكرية وثقافته الخاصة إلى الداخل السوري.. وكذلك بالسماح بمشاركة «الحرس الثوري الإيراني» بأكبر قدر من الإمكانات والخبرات العسكرية والميدانية واللوجستية.. وبالدعم للنظام بالمال ولقواته بالسلاح.. وبالخطط واستخدام مختلف قدرات الدمار الشامل..
•• والأغرب من كل ذلك أن تلتقي مصالح الروس والإيرانيين داخل سورية.. وأن تتحول الأراضي السورية إلى قواعد ومعسكرات لجيوش إيران وميليشياتها.. وقدرات روسيا القتالية الفائقة التي تغطي سماء المدن السورية وصحاريها.. وتقف على مشارف موانئها.. وبالتالي تقاسُم بل وتوزيع الأدوار بينها وبين إيران على طول وعرض الأراضي السورية.. دون أن يقول لهما أحد لماذا تفعلون كل هذا.. وتحت أي قانون تقومون بما تقومون به.. رغم حالة الفناء والدمار التي وصلت إليها سورية ودفع ثمنها الشعب السوري دون غيره.
•• حدث ويحدث هذا على مسمع ومرأى من العالم.. وبصورة أكثر تحديداً من الدول الأربع الأعضاء الأخرى في مجلس الأمن وفي مقدمتها الولايات المتحدة والصين..
•• وإذا نحن عرفنا لماذا صمتت واشنطن على تلك الممارسات الروسية الإيرانية البشعة في سورية.. فإن علينا أن نُدرك أيضاً أن السياسة الصينية قائمة أساساً على تحقيق التوسع في العالم وجني الأرباح دون دفع أي ثمن.. سواء أكان هذا الثمن من البشر.. أو الاستنزاف المالي ودفع التكاليف العالية على حساب خططها وبرامجها التوسعية المزدهرة في الداخل..
ليس هذا فحسب وإنما للفوز بأوسع صفقات السلاح، وبالحصول على استثمارات ضخمة في المناطق المعرضة للتدمير، والقيام بدور نشط في عملية إعادة الإعمار بعد كل ذلك وفق عهود ومواثيق سرية مع الدول المستفيدة من الصراع وفي حالة سورية.. مع كل من روسيا.. وإيران.. ونظام الأسد على حد سواء.
•• وعندما تتحدث مع الصينيين فإنك لا تسمع منهم سوى جملة واحدة هي «نحن بعيدون عن الصراع.. ولا نتدخل فيه.. ولكننا لا نقف ضد استمراره إذا لم يكن بإمكاننا إيقافه».
•• وإذا كانت ثلاث دول أعضاء في مجلس الأمن هي أمريكا.. بصمتها.. وروسيا بعودة بسط نفوذها على المنطقة بعد خروجها منها.. والصين.. باستثمارها لأوضاع الخراب والدمار.. مستفيدة مما يجري في المنطقة العربية بشكل عام.. فإنها لا بد أن تكون أشد طموحاً في تحقيق مكاسب أكبر من وراء اتساع دائرة الفوضى لتشمل منطقة الخليج العربي وتهديد دوله وشعوبه.. وتقاسم ثرواته.. وإفقار شعوبه وإذلالهم..
•• ولعل تناقض المواقف المعلنة من قِبل أركان الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه أحداث الخليج الراهنة، أحد أبرز الأدلة على أن دولنا وشعوبنا باتت أشد تعرضاً للأخطار من أي وقت مضى.. وليس العكس كما يعتقد البعض.
صفقات تمرير الاتفاق النووي.. الجديدة
•• هذه الحقيقة يجب أن ندركها جيداً.. وأن نعتمد في كل خطوة نخطوها.. وفي كل قرار نتخذه على أنفسنا.. وعلى شعوبنا أولاً وأخيراً..
•• ذلك أنه لم يعد أمامنا خيار آخر نسلكه.. أو سند نعتمد عليه.. أو أن نُعوّل عليه لتأمين سلامة منطقتنا في أي وقت من الأوقات..
•• ولا أستبعد أن تكون هناك «طبخة» جديدة يرتب لها بين الشرق والغرب في إطار سياسة تقاسم المصالح وتوزيع الأدوار.. وأنه في إطار تلك الطبخة تتم الآن دراسة حجم الأرباح والخسائر من وراء أي صفقات يجري الإعداد لها أولاً.. بين روسيا وإيران.. وثانياً.. بينهما وبين الصين.. وثالثاً.. بين الثلاث والولايات المتحدة التي يتوجب عليها الآن أن تتخذ مواقف حازمة وحاسمة وواضحة من مجمل هذا الوضع المتميِّع في المنطقة.. بفعل الدهاء الروسي.. والطموحات الإيرانية.. والمحاذير الأمريكية التي لا مبرر لها في عدم الإقدام حتى الآن على حسم الوضع بصورة أكثر فاعلية في سورية أو في أي مكان آخر من المنطقة.. أو في منطقة الخليج غداً..
•• أمريكا مطالبة بهذا.. مهما كانت المحاولات المبذولة لتمرير الاتفاق النووي بين إيران والدول (5 +1) على الأدوار الأمريكية الجديدة مقابل مقايضات من نوع أو آخر في المنطقة أو الخليج.. وهو الوضع الذي ترفضه شعوبنا ولن تسمح به دولنا.. لأنه يهدد مصيرنا.. ويتهدد مستقبلنا بالكامل..
لماذا يصمت الروس أمام الطموحات الإيرانية؟
•• المشكلة الرئيسية هي.. أن إيران لم تجد في الماضي من يوقف مخططها التوسعي بكل أبعاده الأيديولوجية.. والسياسية والأمنية.. وأن رغبة الروس الجامحة في العودة إلى المنطقة لا يبدو أنها ستحول دون أن يكون لإيران ما تريد وإن كان ذلك من خلالها وتغليب مصالح روسيا في المنطقة بشكل عام وفي الخليج بشكل خاص، مستفيدة من موقعها الجغرافي على مشارف الخليج.. وذلك ما يفسر صمت الروس على الاندفاع الإيراني.. وكذلك التركي للدخول كطرفين مباشرين في الأزمة الراهنة بين قطر وجيرانها.. انتظاراً لما قد يأتيها من هنا أو هناك.. وإن كانوا يدركون أن اقترابهم من الخليج لن يكون سهلا أو ممكنا.. لا سيما في ظل تحرك الولايات المتحدة بمواجهة كل الأطماع؛ ومن بينها الأطماع الإيرانية وغيرها..
•• لكن السؤال المهم الآن هو:
•• إذا كانت تلك هي أطماع إيران في منطقتنا.. وهي واضحة لنا.. ومكشوفة للجميع.. فكيف لنا أن نتعامل مع الصديق التركي.. وقد ظننا في وقت من الأوقات أنه معنا.. وراغب في استقرار منطقتنا.. ومستعد لكتابة تاريخ جديد بالتعاون معنا.. لترسيخ مقومات السيادة وتحقيق المزيد من الأمن والسلام لبلداننا وشعوبنا؟ ورغم ما حدث حتى الآن.. إلا أننا نعتقد بأن لنا جميعاً مصلحة حقيقية في أن يتحقق التكامل بين دولنا.. وشعوبنا.. وبين تركيا الدولة والشعب.. وأن ذلك ممكن التحقيق كلما نأت تركيا بنفسها عن الخلافات العارضة والجانبية التي تقع بين دول الإقليم من حين لآخر.. وأن تبذل من الجهود والمساعي ما يجعلها محل ثقة الجميع.. بدلاً من أن تصبح مصدراً من مصادر القلق.. أو الحيرة في منطقة لا تنقصها حالة التوتر.. وتزعزع الثقة بين أبنائها..
•• وفي ظني أن تركيا تملك فرصة كبيرة للعمل مع الجميع بتغليب العمل السياسي على جوانب القوة ونوازع السيطرة مهما كانت الأسباب والدواعي.. لأنها دولة ذات تاريخ.. وتملك رصيداً عظيماً من التجارب كفيل بأن يجعلها بمنأى عن الصراعات بكل أشكالها ومستوياتها حتى تمضي في خططها وبرامجها التنموية المتطورة.. بدلاً من أن تجد نفسها موزعة وعلى كل الجبهات.. والأزمات.. لأن قدرها هو أن تكون شريكاً حقيقياً في جميع مراحل البناء والأعمال الإيجابية في طول المنطقة وعرضها بعد أن مددنا لها اليد.. وكنا في مقدمة الدول والشعوب التي وقفت معها ضد كل عمل كان يستهدفها.. ويريد النيل من أمانها واستقرارها..
•• كما أن قدرها هو أن تكون بوابة مغلقة في وجه الإرهاب والتطرف ومصادر تمويله.. وأن تعمل معنا على استئصاله بالمزيد من التعاون معنا.. وذلك لا يتحقق إلا بتعزيز الثقة فيما بيننا.. ومحاربة وجود القواعد العسكرية في المنطقة.. واستبدالها بشراكات متينة على كافة الأصعدة والمستويات تحتمها مصالحنا المشتركة.. وتفرضها دواعي السلام للجميع.. للقضاء على كل مصادر وأسباب التهديد لدولنا وشعوبنا..
•• ذلك ما نريده ونتمناه من الإخوة في تركيا.. لأننا وهم ندرك مدى أهمية تلاحمنا.. وتضافر جهودنا.. لإعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة بأسرها..
•• كما أننا نتمنى على الأخوة في قطر أن يراجعوا حساباتهم وأن يتأكدوا بأن الجسد الواحد لا يمكن إلا أن يكون واحداً، وأن دول الخليج وشعوبه هي مصدر الأمان الأول لأوطانها وأن مستقبل هذه المنطقة مرهون بيد أبنائها.. وأن تلاحمنا يُشكل مصدر الخير لنا جميعاً.. وأن أي خروج على هذه المبادئ والثوابت لن يحقق أي مصلحة لأحد فينا.. فنحن أبقى لبعضنا من الغير.. ونحن بتوحدنا وحل مشاكلنا فيما بيننا نكون أكثر قوة وأشد منعة من أي قوة أخرى في الدنيا..
•• وإذا كان هناك من يعتقد بغير هذا لأي سبب من الأسباب فإنه يقود المنطقة إلى مصير مجهول.. وهو مصير لا يمكن لدولنا وشعوبنا أن تقبل به.. مهما كلفها الأمر. ومهما دفعت من أثمانٍ غالية.. وبالتالي فإن أي حسابات أخرى لن تكون في صالح أي طرف يدفع منطقتنا إلى الانزلاق نحوالهاوية التي انزلقت إليها بعض دول المنطقة بفعل سياسات المغامرة.. وتجاهل الحقائق التاريخية.. والمادية.. على حد سواء..
•• وسوف يأتي اليوم الذي يتأكد فيه الجميع بأن الأمان هو ثمرة الاستقرار.. وأن الاستقرار لا يحققه للأوطان سوى شعوبها.. وأبناء لُحمتها.. وأن الخلافات لا تُبرر تجاهل كل هذه الحقائق إذا أردنا الخير لمنطقتنا.. وذلك بتحقيق المزيد من التكامل والانصهار وتغليب المصالح العليا لأوطاننا الصغيرة بمساحتها وبتعدادها السكاني.. والكبيرة بأبنائها وبقدرتهم على النهوض بها إلى المصاف المتقدمة في هذا العالم..
•• أبناؤها الذين هم الأقدر على حمايتها.. وتأمين سلامتها.. وليست الأساطيل.. أو القواعد العسكرية التي تنتقص من سيادتها وتُضعف ثقة الشعوب بنفسها.. وبقدرتها على حماية أوطانها..
•• والإخوة في قطر يدركون تماماً.. أنه لا المملكة العربية السعودية ولا غيرها من أشقائها يُريد بهم الشر.. أو يخطط لاستهدافهم لأننا فوق أننا إخوة وأشقاء.. فإننا لم نكن في يوم من الأيام دولة عدوانية.. أو أن لنا أطماعاً في أي مكان من هذا العالم، فكيف إذن تكون لنا نوايا أو تطلعات في تهديد الآخرين.. والإخوة على وجه التحديد..
•• فلماذا إذن الاستعانة بقوى خارجية.. وبهذا القدر الكبير من الحشد لأطراف أخرى.. وضد من.. ولماذا؟!
•• وما لا يختلف عليه الجميع هو: أن هذه المستجدات تؤدي إلى استنزاف دول المنطقة وقطر في المقدمة.. ولا أظن أن من العقل والحكمة المضي في سياسات كهذه ولا مصلحة لقطر.. ولا لغيرها فيها.. إذا كان لها من أثر مباشر على منطقتنا فهو زيادة حالة التوتر.. وذلك يدفع إلى التساؤل:
•• لماذا يحدث هذا.. ولمصلحة من؟!.
•• والصورة المرسومة أمام أي مراقب سياسي لهذا الصراع تتجسد على الأراضي السورية حتى اليوم.. وأخشى ما أخشاه أن تمتد بعد ذلك لتشمل منطقة الخليج العربي.. وأحد مظاهره الجديدة الآن الخلاف القائم بين قطر والدول العربية الأربع؛ المملكة.. ومصر.. والإمارات العربية المتحدة.. ومملكة البحرين..
•• أما لماذا يتوجب على الدول الثلاث الكبرى؛ الولايات المتحدة.. وروسيا.. والصين.. أن تقول لنا ماذا تريد منا.. وإلى أين تقودنا.. وأي صفقة خطيرة تُرتب لها لاستثمار هذه الأوضاع المتفجرة في منطقتنا.. فإن ذلك راجع إلى أنها حاضرة وبقوة في أحداث المنطقة الراهنة.. وإن كانت الصين هي الأقل بروزاً حتى الآن.. وإن لم تكن بعيدة كل البعد عن المشهد بحكم الدور الرقابي الهادئ من قبلها للأحداث.. وكذلك من خلال عضويتها المهمة في مجلس الأمن.. ضمن الدول الخمس المهيمنة على القرار الدولي بصورة أو بأخرى.
سياسات أمريكا الانسحابية شجعت الروس وإيران
•• وكما شهدنا في الماضي.. فإن إدارة الرئيس الأمريكي السابق مارست سياسات انهزامية في سورية كجزء من سياسات أوباما القائمة على أساس الانسحاب الأمريكي من مناطق الصراع في أفغانستان.. والعراق.. وسورية.. وبعض دول أفريقيا..
هذه السياسات شجعت الروس على الدخول إلى سورية واستغلال الفراغ الموجود، مستثمرة ضعف النظام وحاجته القصوى إلى الدعم والمؤازرة.. للوقوف بوجه المعارضة المتنامية للنظام.. وهي بذلك تحقق أهدافاً حيوية إستراتيجية بالعودة إلى المنطقة كلاعب رئيسي، كما كانت في الفترة من بداية الخمسينات حتى انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، وهي فرصة ما كانت لتتحقق لولا «الغباء» الأمريكي المفرط.. وتدهور الوضع العام في المنطقة.. وغياب الدور العربي القومي الفاعل عن التعامل المسؤول مع الوضع السوري بفعل الخلافات الشديدة داخل المنظومة العربية وتعطل آلية الجامعة العربية وتداعيها.
•• ليس هذا فحسب.. بل إن السياسات الأمريكية الانسحابية قد شجعت طرفاً آخر له طموحات إقليمية واسعة؛ هو إيران على أن تتقدم خطوة أخرى في مشروعها التوسعي لنشر أيديولوجية «ولاية الفقيه» في كل أرجاء الوطن العربي وكذلك في أفريقيا السوداء وفي العالم الإسلامي بشكل عام..
•• وعلينا أن نعترف بأن الذكاء الإيراني قد استغل الرغبة الموجودة لدى الدول (5 +1) في التوصل معها إلى الاتفاقية النووية.. للقبول بالتوسع الإيراني في المنطقة بشكل عام.. تارة بالسكوت على ممارساتها الخطيرة داخل لبنان على يد حزب الله.. وفي خارجه كما حدث في البحرين وفي غيرها.. ومرة أخرى بالقبول بالدخول إلى سورية والوقوف إلى جانب النظام بوجه الشعب وبالدفع بحزب الله وآلته العسكرية وثقافته الخاصة إلى الداخل السوري.. وكذلك بالسماح بمشاركة «الحرس الثوري الإيراني» بأكبر قدر من الإمكانات والخبرات العسكرية والميدانية واللوجستية.. وبالدعم للنظام بالمال ولقواته بالسلاح.. وبالخطط واستخدام مختلف قدرات الدمار الشامل..
•• والأغرب من كل ذلك أن تلتقي مصالح الروس والإيرانيين داخل سورية.. وأن تتحول الأراضي السورية إلى قواعد ومعسكرات لجيوش إيران وميليشياتها.. وقدرات روسيا القتالية الفائقة التي تغطي سماء المدن السورية وصحاريها.. وتقف على مشارف موانئها.. وبالتالي تقاسُم بل وتوزيع الأدوار بينها وبين إيران على طول وعرض الأراضي السورية.. دون أن يقول لهما أحد لماذا تفعلون كل هذا.. وتحت أي قانون تقومون بما تقومون به.. رغم حالة الفناء والدمار التي وصلت إليها سورية ودفع ثمنها الشعب السوري دون غيره.
•• حدث ويحدث هذا على مسمع ومرأى من العالم.. وبصورة أكثر تحديداً من الدول الأربع الأعضاء الأخرى في مجلس الأمن وفي مقدمتها الولايات المتحدة والصين..
•• وإذا نحن عرفنا لماذا صمتت واشنطن على تلك الممارسات الروسية الإيرانية البشعة في سورية.. فإن علينا أن نُدرك أيضاً أن السياسة الصينية قائمة أساساً على تحقيق التوسع في العالم وجني الأرباح دون دفع أي ثمن.. سواء أكان هذا الثمن من البشر.. أو الاستنزاف المالي ودفع التكاليف العالية على حساب خططها وبرامجها التوسعية المزدهرة في الداخل..
ليس هذا فحسب وإنما للفوز بأوسع صفقات السلاح، وبالحصول على استثمارات ضخمة في المناطق المعرضة للتدمير، والقيام بدور نشط في عملية إعادة الإعمار بعد كل ذلك وفق عهود ومواثيق سرية مع الدول المستفيدة من الصراع وفي حالة سورية.. مع كل من روسيا.. وإيران.. ونظام الأسد على حد سواء.
•• وعندما تتحدث مع الصينيين فإنك لا تسمع منهم سوى جملة واحدة هي «نحن بعيدون عن الصراع.. ولا نتدخل فيه.. ولكننا لا نقف ضد استمراره إذا لم يكن بإمكاننا إيقافه».
•• وإذا كانت ثلاث دول أعضاء في مجلس الأمن هي أمريكا.. بصمتها.. وروسيا بعودة بسط نفوذها على المنطقة بعد خروجها منها.. والصين.. باستثمارها لأوضاع الخراب والدمار.. مستفيدة مما يجري في المنطقة العربية بشكل عام.. فإنها لا بد أن تكون أشد طموحاً في تحقيق مكاسب أكبر من وراء اتساع دائرة الفوضى لتشمل منطقة الخليج العربي وتهديد دوله وشعوبه.. وتقاسم ثرواته.. وإفقار شعوبه وإذلالهم..
•• ولعل تناقض المواقف المعلنة من قِبل أركان الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه أحداث الخليج الراهنة، أحد أبرز الأدلة على أن دولنا وشعوبنا باتت أشد تعرضاً للأخطار من أي وقت مضى.. وليس العكس كما يعتقد البعض.
صفقات تمرير الاتفاق النووي.. الجديدة
•• هذه الحقيقة يجب أن ندركها جيداً.. وأن نعتمد في كل خطوة نخطوها.. وفي كل قرار نتخذه على أنفسنا.. وعلى شعوبنا أولاً وأخيراً..
•• ذلك أنه لم يعد أمامنا خيار آخر نسلكه.. أو سند نعتمد عليه.. أو أن نُعوّل عليه لتأمين سلامة منطقتنا في أي وقت من الأوقات..
•• ولا أستبعد أن تكون هناك «طبخة» جديدة يرتب لها بين الشرق والغرب في إطار سياسة تقاسم المصالح وتوزيع الأدوار.. وأنه في إطار تلك الطبخة تتم الآن دراسة حجم الأرباح والخسائر من وراء أي صفقات يجري الإعداد لها أولاً.. بين روسيا وإيران.. وثانياً.. بينهما وبين الصين.. وثالثاً.. بين الثلاث والولايات المتحدة التي يتوجب عليها الآن أن تتخذ مواقف حازمة وحاسمة وواضحة من مجمل هذا الوضع المتميِّع في المنطقة.. بفعل الدهاء الروسي.. والطموحات الإيرانية.. والمحاذير الأمريكية التي لا مبرر لها في عدم الإقدام حتى الآن على حسم الوضع بصورة أكثر فاعلية في سورية أو في أي مكان آخر من المنطقة.. أو في منطقة الخليج غداً..
•• أمريكا مطالبة بهذا.. مهما كانت المحاولات المبذولة لتمرير الاتفاق النووي بين إيران والدول (5 +1) على الأدوار الأمريكية الجديدة مقابل مقايضات من نوع أو آخر في المنطقة أو الخليج.. وهو الوضع الذي ترفضه شعوبنا ولن تسمح به دولنا.. لأنه يهدد مصيرنا.. ويتهدد مستقبلنا بالكامل..
لماذا يصمت الروس أمام الطموحات الإيرانية؟
•• المشكلة الرئيسية هي.. أن إيران لم تجد في الماضي من يوقف مخططها التوسعي بكل أبعاده الأيديولوجية.. والسياسية والأمنية.. وأن رغبة الروس الجامحة في العودة إلى المنطقة لا يبدو أنها ستحول دون أن يكون لإيران ما تريد وإن كان ذلك من خلالها وتغليب مصالح روسيا في المنطقة بشكل عام وفي الخليج بشكل خاص، مستفيدة من موقعها الجغرافي على مشارف الخليج.. وذلك ما يفسر صمت الروس على الاندفاع الإيراني.. وكذلك التركي للدخول كطرفين مباشرين في الأزمة الراهنة بين قطر وجيرانها.. انتظاراً لما قد يأتيها من هنا أو هناك.. وإن كانوا يدركون أن اقترابهم من الخليج لن يكون سهلا أو ممكنا.. لا سيما في ظل تحرك الولايات المتحدة بمواجهة كل الأطماع؛ ومن بينها الأطماع الإيرانية وغيرها..
•• لكن السؤال المهم الآن هو:
•• إذا كانت تلك هي أطماع إيران في منطقتنا.. وهي واضحة لنا.. ومكشوفة للجميع.. فكيف لنا أن نتعامل مع الصديق التركي.. وقد ظننا في وقت من الأوقات أنه معنا.. وراغب في استقرار منطقتنا.. ومستعد لكتابة تاريخ جديد بالتعاون معنا.. لترسيخ مقومات السيادة وتحقيق المزيد من الأمن والسلام لبلداننا وشعوبنا؟ ورغم ما حدث حتى الآن.. إلا أننا نعتقد بأن لنا جميعاً مصلحة حقيقية في أن يتحقق التكامل بين دولنا.. وشعوبنا.. وبين تركيا الدولة والشعب.. وأن ذلك ممكن التحقيق كلما نأت تركيا بنفسها عن الخلافات العارضة والجانبية التي تقع بين دول الإقليم من حين لآخر.. وأن تبذل من الجهود والمساعي ما يجعلها محل ثقة الجميع.. بدلاً من أن تصبح مصدراً من مصادر القلق.. أو الحيرة في منطقة لا تنقصها حالة التوتر.. وتزعزع الثقة بين أبنائها..
•• وفي ظني أن تركيا تملك فرصة كبيرة للعمل مع الجميع بتغليب العمل السياسي على جوانب القوة ونوازع السيطرة مهما كانت الأسباب والدواعي.. لأنها دولة ذات تاريخ.. وتملك رصيداً عظيماً من التجارب كفيل بأن يجعلها بمنأى عن الصراعات بكل أشكالها ومستوياتها حتى تمضي في خططها وبرامجها التنموية المتطورة.. بدلاً من أن تجد نفسها موزعة وعلى كل الجبهات.. والأزمات.. لأن قدرها هو أن تكون شريكاً حقيقياً في جميع مراحل البناء والأعمال الإيجابية في طول المنطقة وعرضها بعد أن مددنا لها اليد.. وكنا في مقدمة الدول والشعوب التي وقفت معها ضد كل عمل كان يستهدفها.. ويريد النيل من أمانها واستقرارها..
•• كما أن قدرها هو أن تكون بوابة مغلقة في وجه الإرهاب والتطرف ومصادر تمويله.. وأن تعمل معنا على استئصاله بالمزيد من التعاون معنا.. وذلك لا يتحقق إلا بتعزيز الثقة فيما بيننا.. ومحاربة وجود القواعد العسكرية في المنطقة.. واستبدالها بشراكات متينة على كافة الأصعدة والمستويات تحتمها مصالحنا المشتركة.. وتفرضها دواعي السلام للجميع.. للقضاء على كل مصادر وأسباب التهديد لدولنا وشعوبنا..
•• ذلك ما نريده ونتمناه من الإخوة في تركيا.. لأننا وهم ندرك مدى أهمية تلاحمنا.. وتضافر جهودنا.. لإعادة الأمن والاستقرار إلى المنطقة بأسرها..
•• كما أننا نتمنى على الأخوة في قطر أن يراجعوا حساباتهم وأن يتأكدوا بأن الجسد الواحد لا يمكن إلا أن يكون واحداً، وأن دول الخليج وشعوبه هي مصدر الأمان الأول لأوطانها وأن مستقبل هذه المنطقة مرهون بيد أبنائها.. وأن تلاحمنا يُشكل مصدر الخير لنا جميعاً.. وأن أي خروج على هذه المبادئ والثوابت لن يحقق أي مصلحة لأحد فينا.. فنحن أبقى لبعضنا من الغير.. ونحن بتوحدنا وحل مشاكلنا فيما بيننا نكون أكثر قوة وأشد منعة من أي قوة أخرى في الدنيا..
•• وإذا كان هناك من يعتقد بغير هذا لأي سبب من الأسباب فإنه يقود المنطقة إلى مصير مجهول.. وهو مصير لا يمكن لدولنا وشعوبنا أن تقبل به.. مهما كلفها الأمر. ومهما دفعت من أثمانٍ غالية.. وبالتالي فإن أي حسابات أخرى لن تكون في صالح أي طرف يدفع منطقتنا إلى الانزلاق نحوالهاوية التي انزلقت إليها بعض دول المنطقة بفعل سياسات المغامرة.. وتجاهل الحقائق التاريخية.. والمادية.. على حد سواء..
•• وسوف يأتي اليوم الذي يتأكد فيه الجميع بأن الأمان هو ثمرة الاستقرار.. وأن الاستقرار لا يحققه للأوطان سوى شعوبها.. وأبناء لُحمتها.. وأن الخلافات لا تُبرر تجاهل كل هذه الحقائق إذا أردنا الخير لمنطقتنا.. وذلك بتحقيق المزيد من التكامل والانصهار وتغليب المصالح العليا لأوطاننا الصغيرة بمساحتها وبتعدادها السكاني.. والكبيرة بأبنائها وبقدرتهم على النهوض بها إلى المصاف المتقدمة في هذا العالم..
•• أبناؤها الذين هم الأقدر على حمايتها.. وتأمين سلامتها.. وليست الأساطيل.. أو القواعد العسكرية التي تنتقص من سيادتها وتُضعف ثقة الشعوب بنفسها.. وبقدرتها على حماية أوطانها..
•• والإخوة في قطر يدركون تماماً.. أنه لا المملكة العربية السعودية ولا غيرها من أشقائها يُريد بهم الشر.. أو يخطط لاستهدافهم لأننا فوق أننا إخوة وأشقاء.. فإننا لم نكن في يوم من الأيام دولة عدوانية.. أو أن لنا أطماعاً في أي مكان من هذا العالم، فكيف إذن تكون لنا نوايا أو تطلعات في تهديد الآخرين.. والإخوة على وجه التحديد..
•• فلماذا إذن الاستعانة بقوى خارجية.. وبهذا القدر الكبير من الحشد لأطراف أخرى.. وضد من.. ولماذا؟!
•• وما لا يختلف عليه الجميع هو: أن هذه المستجدات تؤدي إلى استنزاف دول المنطقة وقطر في المقدمة.. ولا أظن أن من العقل والحكمة المضي في سياسات كهذه ولا مصلحة لقطر.. ولا لغيرها فيها.. إذا كان لها من أثر مباشر على منطقتنا فهو زيادة حالة التوتر.. وذلك يدفع إلى التساؤل:
•• لماذا يحدث هذا.. ولمصلحة من؟!.