-A +A
حسام الشيخ (المشاعر المقدسة) hussamalshikh@
قبل ساعات قليلة من خير يوم طلعت عليه الشمس، اتجه ضيوف الرحمن اليوم من شتى بقاع الأرض إلى مشعر اليوم الواحد، لأداء ركن الحج الأعظم، كما قال محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه «الحج عرفة». يرتدون لباسا واحدا، في مكان واحد يتنسمون الرحمات على صعيد جبل عرفات، بأيادٍ تمتد إلى السماء، وقلوب تتذلل طلبا للمغفرة، وأعين تبكي نادمة، وألسن تلهج بأحب الدعوات إلى الله صادحة أصواتهم: «لبيك اللهم لبيك. لبيك لا شريك لك لبيك. إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك».

هنا في هذا المكان الطاهر وعلى بعد 22 كيلومترا من مهوى الأفئدة مكة المكرمة أطهر بقاع الأرض، تشرأب النفوس، وتتطلع الأرواح قبل الأجساد، لبذل الغالي والنفيس، لنيل سبيل حضور هذا الجمع العظيم، في هذا اليوم المبارك، وقفة عرفات. وقد اختلفت تفاسير العلماء في تسمية «عرفة» بهذا الاسم، إذ قيل يتعارفون فيه، ولأن جبريل عليه السلام حين طاف بإبراهيم عليه السلام ليريه المشاهد فيقول له: «أعرِّفت؟ أعرِفت؟»، فيرد إبراهيم: «عرفت، عرفت»، وقيل أيضا إنه سمي عرفة لأن آدم وحواء «عندما هبطا من الجنة» التقيا عليه فعرفها وعرفته، كما قيل إنه سمي بذلك لأن المسلمين يعترفون بذنوبهم عنده، فيما ذهب البعض إلى أنه سمي بالصبر على ما يُكابِدُون في الوصول إليه، لأن العُرف في اللغة الصبر.


ومن أبرز أماكن مشعر عرفة، (نمرة)، وهو جبل خطب به النبي يوم عرفة بعد زوال الشمس، وصلى الظهر والعصر قصرا وجمعا (جمع تقديم)، وبعد غروب الشمس تحرك منها إلى مزدلفة. ويحد عرفة من ناحية الحرم نمرة، وثوية، وذي المجاز، والأراك، أما الحدود الثلاثة الأخرى لعرفة فهي سلسلة مِن جبالٍ سوداءَ، أَبْرَزُها أُمُّ الرَّضُوم، وقد وضع لعرفة علمان يرمزان إلى بدايتها، وآخران إلى نهايتها، توضيحا لحدوده. وبين الأعلام يقع بطن عرنة، وقال رسول الله: «عرفة كلها موقف، إلا بطن عرنة». وفي هذ الموقف نزل على الرسول ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾.