أشبع الإعلام الغربي والعربي زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، قراءة وتحليلا من الناحية الجيوستراتيجية والاقتصادية والعسكرية، إلا أنه أغفل الدبلوماسية الثقافية السعودية، التي كانت بمثابة الأساس للتواصل بين حضارتي الشعبين السعودي والروسي، بهدف تعزيز قيم التسامح والوسطية والاعتدال وفهم ثقافة الآخر، وهو ما حرص عليه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، في زيارته التاريخية لموسكو، إذ شهد مع الرئيس الروسي بوتين، التوقيع على اتفاقية تبادل برنامج تنفيذي للتعاون الثقافي بين وزارة الثقافة والإعلام السعودية ووزارة الثقافة الروسية.تماهي الثقافة السعودية مع أدب السياسة الروسية
وتزامن النشاط السياسي خلال الزيارة، مع إقامة برنامج الثقافة السعودية في روسيا الذي تضمن عروض الفلكلور السعودي، إلى جانب عرض أول أفلام المملكة، لإظهار مفاصل الحياة في المملكة، ورسم صورة حية للمجتمع السعودي وإقامة معرض فني بعنوان «المملكة وجهة نظر من الداخل» وتضمن عرض اللوحات الفنية، وجولة افتراضية في المملكة لعرض الألوان الثقافية السعودية الفريدة ومتنوعة الاتجاهات والأنماط، وتعريف شعب روسيا بحضارة المملكة، وتاريخها ونمط الحياة فيها. كما شهدت الزيارة إقامة ندوة عامة تحمل عنوان: «موسكو - الرياض - آفاق التعاون»، إذ بحث المشاركون مختلف سبل أفق التعاون بين البلدين، شارك فيها نخبة من الاستراتيجيين ورجال الفكر والثقافة من كلا البلدين بهدف الخروج بخريطة طريق تعزز الشراكة السعودية - الروسية. إضافة إلى تأسيس مكتب إعلامي سعودي في موسكو يعمل على تعزيز المشاركة المجتمعية، وطرح العديد من المناقشات الأكاديمية، إضافة إلى تقديم نماذج من الثقافة السعودية، كالمعارض الفنية وأنماط التفاعل بين المجتمعات، وتوسيع مجال البحوث والتعاون الموسيقي، فضلا عن تعزيز التبادل الإعلامي والثقافي.
ولأن الثقافة تبقى عنصراً محورياً لبناء الجسور التي تربط الحوار المتبادل بين الشعوب وتقوية الحوار الحضاري حرصت السعودية على إعطاء أولوية لتعزيز الشراكة الثقافية للتفاهم بين شعبي البلدين، وهو ما يمهد لشراكة مستدامة بين الدولتين على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية والعلمية، مع الأخذ في الحسبان الهوية الثقافية المتفردة لكل مجتمع. وفي حدث فريد من نوعه بين الدولتين الكبيرتين، أقيم الأسبوع الثقافي السعودي الروسي لتطوير هذه العلاقات وبما يقرب الشعوب من بعضها. وإذا كانت السعودية حريصة على تعزيزالشراكات مع روسيا في المجالات العسكرية والسياسية والاستثمارية، فالسعودية التي تفتخر بتراثها كانت أكثر حرصا على تعريف الشعب الروسي على إرثهم وماضيهم في تجربة فريدة لا تنسى. عندما أوضح وزير الثقافة والإعلام الدكتور عواد العواد في كلمته في افتتاح الأسبوع الثقافي الروسي «أن الرؤية السعودية 2030 أرست انطلاقة جديدة للثقافة السعودية التي تُعَد واحدة من محركات تنمية الإنسان حضارياً نحو آفاق أوسع؛ مشيرا إلى أن الرؤية تهدف إلى تطوير قطاع الثقافة والإعلام في السعودية؛ لخلق صناعة ثقافية في مجالات الفنون والآداب والمسرح والسينما، وجعل الثقافة قوةً مؤثرةً للتواصل الإنساني، تدعمها الجوانب الإعلامية بتحقيق محتوى إعلامي إبداعي، يعطي الخطط الوطنية الطموحة ميزة تنافسية دولية». فهو رسم خريطة الدبلوماسية الثقافية السعودية التي تماهت مع آداب السياسة الروسية وتمخضت عن شراكة جيوستراتيجية وثقافية لبناء حوار حضاري لفهم ثقافة الآخر وتكريس قيم التعايش والاعتدال.
هكذا تماهت الثقافة السعودية مع أدب السياسة الروسية.. خلال زيارة الملك سلمان لروسيا.. التسامح يتصدر.