أكد سفير خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية التشيك نايف بن عبود، أن الظروف الخارجية التي تمر بالمملكة، لم ولن تؤثر على مسيرتها الحضارية. وشدد على أن ما يحدث في المملكة من خطوات إصلاحية وحرب على الفساد، هو في واقع الأمر عودة للأصل، موضحا أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يرفض السماح لأفكار دخيلة أن تشغلنا عن مسيرتنا الحضارية والتنموية.
وقال في حوار مع صحيفة PRAVO التشيكية إن إيران تتعمد من خلال عملائها وأذنابها بث الفتنة وجر المنطقة إلى حرب طائفية على نحو ما يحدث في اليمن وغيرها، وفي ما يلي الحوار:
• المملكة تشهد هذه الأيام حدثاً فريداً أشبه ما يكون بالزلزال السياسي، إذ تم إعلان الحرب على الفساد في وقت تمر فيه بظروف خارجية حرجة، ما الذي يحدث بالضبط؟
•• أود توضيح نقطة مهمة، وهي أن الظروف الخارجية الحرجة التي تتسبب فيها أطراف أخرى وتؤثر على المملكة، لا تعني إطلاقاً أن تسمح المملكة لهذه الأزمات بالتأثير على مسيرتها الحضارية، بل على العكس تماماً، فهذه الأزمات الخارجية تستدعي منك تقوية الجبهة الداخلية بتطهيرها من أسباب التفكك وتشتت الجهود.. والفساد كما تعلم هو مثل السوس ينخر في المجتمع الإنساني، لذلك فهو لا يقل ضراوة عن العدو الخارجي، والحكمة تقتضي أن تصرف جهدك تجاهه بنفس القدر الذي تصرفه تجاه المتربصين بك من الخارج.
• حسناً، ولكن اسمح لي أن أعود إلى حالة محددة وهي الحرب التي تخوضها المملكة في اليمن، فما هو مبررها في خوض هذه الحرب، حيث تقود تحالفاً إلى جانب الحكومة اليمنية منذ 2015 دون الاستناد إلى تفويض دولي؟
•• أود بداية توضيح نقطة مهمة، وهي أن المملكة انطلاقاً من التزامها بواجبها الأخلاقي والإنساني لم تتأخر في تقديم المساعدات للشعب اليمني الشقيق، حيث قدمت أخيراً مبلغ ملياري دولار لدعم العملة اليمنية، وهناك مئات الآلاف من الأشقاء اليمنيين يعيشون في المملكة ويتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع بها أشقاؤهم السعوديون.. هذا من جانب، ومن جانب آخر، أود التنويه بأن المملكة ليست في حرب ضد اليمن؛ إنما هي جزء من تحرك دولي يعمل على إعادة الشرعية المتمثلة في الحكومة المنتخبة وتطهير اليمن من جماعات انقلابية تحاول جر اليمن والمنطقة بأسرها إلى حرب طائفية عبثية. وأما ما يتعلق بملاحظتك أن التدخل في اليمن تم دون غطاء دولي، فإنني أود تذكيرك بقرار مجلس الأمن 2216 الذي يدين التمرد الحوثي ويرسخ شرعية الرئيس اليمني المنتخب، ومن هنا جاءت شرعية تدخل قوات التحالف في اليمن التي استندت إلى طلب رسمي من الحكومة الشرعية التي رسخها القرار الأممي.
• هل يمكن القول إن تدخل السعودية في اليمن هو رد على التدخل الإيراني؟
•• في الحقيقة، هناك دافعان وراء تدخل المملكة في اليمن: الأول أنه جاء كجزء من إجراء دولي يعمل على إعادة الحكومة الشرعية المنتخبة لممارسة سلطاتها الدستورية وكّف يد الانقلابيين عن العبث بأمن اليمن ودول الجوار، والدافع الثاني كما أشرت، هوالتدخل الإيراني في دولة مجاورة للمملكة وتربطها بها علاقات تاريخية وإستراتيجية، حيث إن هذا التدخل الإيراني يهدف في حقيقة الأمر إلى المس المباشر بأمن المملكة واستقرارها، الأمر الذي لا يمكن معه غض الطرف عنه بأي حال من الأحوال.
• عودة إلى ما يجري في الداخل السعودي، هل تتفقون مع بعض الآراء التي تقول إن
عملية التغيير الداخلي (كمحاربة الفساد مثلاً) ستواجه مقاومة عنيفة من قبَل المؤسسة الدينية المحافظة؟
•• إطلاقاً، لأن ما يحدث في المملكة ليس تغييراً بقدر ما هو عودة إلى الأسس الأصيلة التي قامت عليها المملكة، فالمنهج الوسطي المعتدل ومكافحة الفساد مثلاً هما قيم من صميم الدين الإسلامي، ولا يشكلان أبداً نقاط صراع مع المؤسسة الدينية، كما أن هذه الإصلاحات تحظى بدعم منقطع النظير من الشباب السعودي الذين يشكلون العمود الفقري للمجتمع.
• رجل أعمال سعودي ثري، كان ينادي بأفكار إصلاحية من قبل، فهل كان لأفكاره تلك دور في توقيفه ضمن المتهمين بالفساد؟
•• هذا الافتراض أيضاً يُخرج المسألة عن سياقها الحقيقي، فالذي حدث ببساطة هو أن عملية مكافحة الفساد كان من مجرياتها التحفظ على مجموعة من الأشخاص بغض النظر عن انتماءاتهم، إذ يواجهون تهماً بممارسة الفساد قد تثبت وقد تسقط، وذلك بعد عملية متسلسلة من إجراءات التقاضي وضمن الحقوق التي يكفلها القانون للمتهم، وفي إطار المبدأ المعروف بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.. ولعلك لاحظت أنه تم إطلاق سراح ثمانية أشخاص من الذين تم احتجازهم، إذ لم تثبت إدانتهم في ما نسب إليهم.
• أود التطرق إلى رؤية 2030 برأيكم، ما هي أبرز نقاط هذه الرؤية؟
•• العنوان الأبرز لرؤية 2030 هو التحول الإستراتيجي من اقتصاد قائم على مصدر واحد للدخل إلى اقتصاد قائم على مصادر متعددة، هذا ما تتداوله الأوساط الاقتصادية والإعلامية. أما لو أردت تعليقي الشخصي، فيمكنني القول إن أبرز ما في هذه الرؤية هو أنها تهدف إلى الاستثمارفي الإنسان باعتباره المصدر الحقيقي للتطور وعمران الكون.
• لقد َتطَرّق ولي العهد خلال تقديم مشروع «نيوم» إلى أن 70% من الشعب الأساسي هم في عمر الشباب دون الـ30 عاماً، وقال: إنه لن يسمح للأفكار المتطرفة بأن تضيع 30 عاماً أخرى من حياة السعوديين؛ هل يمكن توضيح ذلك؟
•• في الحقيقة، إن عبارة ولي العهد هذه تنطوي على تقييم دقيق لـ30 عاماً مضت، واستشراف للمستقبل الذي ينتظر هذا الجيل الشاب، لقد كانت فترة الـ30 سنة الماضية فترة مفعمة بالتناقضات والتجاذبات التي ألقت بظلالها على المجتمع السعودي، فرياح الثورة الإيرانية التي قامت عام 1979 حملت معها بذور العنف والتطرف الفكري ورفض الآخر، وكل ذلك أدى بشكل أو بآخر إلى حدوث استقطاب حاد، وفرض وجود حالة دفاعية متشددة؛ لذلك فإن ولي العهد يرى أن من الخطأ أن نسمح لأفكارالتطرف القادمة من الخارج أن تدخلنا في دوامة من التطرف المضاد، وننشغل بالتالي عن مسيرتنا الحضارية واللحاق بركب الأمم المتقدمة التي تخلصت من عقدة أحقاد الماضي وصبت اهتمامها على المستقبل الواعد.
• كما تلاحظون فإن دول أوروبا في الآونة الأخيرة بدأت في مواجهة الإسلام الراديكالي، والسؤال هنا هو عما إذا كانت المملكة ستكتفي بمواجهة التطرف القادم من إيران فقط، أم أن ذلك سينسحب أيضاً على التطرف الذي يتبناه بعض الدعاة في الداخل؟
•• هذا سؤال جيد، مما يؤسف له أن الدعاية المغرضة وغير الموضوعية استطاعت حجب حقيقة جهود المملكة في الحرب على الإرهاب؛ بينما لو تم إجراء دراسة منصفة لتاريخ المملكة مع الجهود المناهضة للإرهاب، ستجد أنها كانت من أوائل الدول التي حاربت التطرف، وكانت دائماً من أهم المساهمين في المؤسسات الدولية المختصة بمقاومة الإرهاب؛ عدا تبنيها للكثير من المراكز الفكرية والأبحاث المعنية بدراسة ظاهرة الإرهاب وتحديد الوسائل المناسبة لاستئصاله. من جانب آخر، فإن المملكة كانت لها مساهماتها الحقيقية على الصعيد الاستخباراتي بحماية الدول الصديقة من مخططات إرهابية؛ ما أدى إلى منع وقوع الكثير من الهجمات الإجرامية؛ وذلك انطلاقاً من قناعتها بأن الحفاظ على أمن الدول الأخرى هو واجب أخلاقي أصيل.
وكإجابة مختصرة، فإن المملكة ستحارب التطرف أياً كان مصدره؛ سواء كان داخلياً أم خارجياً.
• أحد الصحفيين -وكان إماماً في السابق- يزعم أن رجال الدين يحاولون توجيه الشباب الكوسوفي إلى التطرف والراديكالية، وكتب أن رجال الدين هؤلاء كانوا يحملون في يد مالاً وفي اليد الأخرى كتباً إرهابية، وأنه في المناطق التي عمل بها هؤلاء كانت نسبة كبيرة قد انضمت إلى تنظيم «داعش» الإرهابي، فما مدى صحة هذا الادعاء برأيكم؟
•• أنا شخصياً لا أستغرب مثل هذه القصص، التي غالباً كان يراد بها الإساءة إلى سمعة المملكة ودعاتها، والحقيقة التي لا مراء فيها أن المملكة لم تدعم أي إمام أو داعية يحمل الفكر المتطرف، وفي ما يخص أزمة كوسوفو، فإن المملكة لم تتصرف فيها إلا وفقاً للمقررات الدولية وفي نفس المسار الذي سلكته الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية.
• في ما يتعلق بـ«البيروسترويكا» التي يتبناها ولي العهد، نلاحظ أن ثمة تغييرات تصب في صالح المرأة ومنحها المزيد من الحقوق، حيث سِمح لها أخيراً بقيادة السيارة، وأيضاً حضور المباريات، وبالطبع أنا أفهم أن التغييرات الكبرى تبدأ بخطوات صغيرة كهذه، ولكن أتساءل عما إذا كنتم ترون أن تحسين وضع المرأة سيستمر أم سيتوقف عند هذا الحد؟
•• أود هنا أن أوضح حقيقة اعتادت البروباغندا المعادية للمملكة إخفاءها، وهي أن المرأة في المملكة تتمتع بمزايا ربما لا تتمتع بها نظيراتها في كثير من الدول، التي تتناسب مع ثقافة وعادات وتقاليد المجتمع السعودي، كما أن مسيرة التحديث لوضع المرأة مستمرة وفي حركة دؤوبة، حيث يجدر التنويه هنا أيضاً بأن تحسين وضع المرأة قد بدأ منذ فترة من الزمن، والدليل على ذلك أن 30% من أعضاء مجلس الشورى هم من النساء، وكذلك فإن عدد المبتعثات السعوديات فاق عدد المبتعثين الذكور؛ أما ما يتعلق بالتغييرات التي تبناها ولي العهد أخيراً؛ فهي تتويج لتلك الجهود السابقة؛ حيث أضفى عليها شجاعة التغيير وروح الشباب.
• قبل بضع سنوات، ذكرت السعودية -حسب بعض المصادر- أنه في حال حصلت إيران على السلاح النووي فإنها ستسعى لذلك أيضاً، فما هو رأيكم بذلك؟
•• المملكة تنظر إلى إيران من حيث المبدأ كدولة مهمة وجارة ذات تاريخ وحضارة عريقة، ولطالما تمنت المملكة ودول الخليج لو استثمرت إيران علاقة الجوار هذه في إرساء السلام الإقليمي والتوجه نحو التنمية الشاملة، إلا أن ما حصل مع الأسف هو عكس ذلك، حيث دأبت إيران على ممارسة الاستفزاز تجاه المملكة ودول الجوار، وكثيراً ما عملت على تصدير الثورة، كما أنها ساهمت -إلى حد كبير- في شق الصف الفلسطيني لإبطاء عملية السلام الشامل، ثم عملت على زرع الفتن بين أبناء المنطقة وإدخالهم في أتون حرب طائفية عبثية، كما يحدث في العراق وسورية وحالياً في اليمن. أما بخصوص موضوع امتلاكها للسلاح النووي؛ فأود أن أذكر أن السعودية ليست منفردة في تقديرها لخطورة امتلاك إيران للسلاح النووي؛ بل إن المجتمع الدولي يحمل ذات النظرة تجاه ذلك، حيث إن الجميع مدرك لخطورة المغامرات الإيرانية التي ستعصف بالسلام والأمن الدوليين. والمملكة عندما تم الاتفاق النووي بين إيران والدول العظمى باركت ذلك، على أمل أن يثمر في المحصلة عن نزع للسلاح النووي قُدماً في إثارة المشاكل والدخول في مسارات جادة لإحلال السلام في المنطقة، ولكن مع الأسف نلاحظ أن إيران مصرة على المضي وتفجير الأوضاع في الشرق الأوسط.
• ولكن كيف تقول إن إيران لم تلتزم بالاتفاق النووي مع أن كل المفتشين الدوليين على الأسلحة النووية أكدوا التزامها؟
•• أنا هنا لا أتحدث عن مدى التزامها بموضوع نزع الأسلحة، وإنما أتحدث عن مدى التزامها بروح الاتفاق، حيث إنها في الواقع تستغل الاتفاقية لرفع العقوبات عنها، بينما هي تعمل على تطوير أسلحتها التقليدية، لتصبح قادرة في النهاية على حمل الرؤوس النووية، فكما هو معلوم، فإن الاتفاق الحالي يسمح لإيران في السنوات القادمة بالعودة لممارسة نشاطها النووي، وبالتالي من يستطيع أن يضمن مدى التزامها وعدم العودة مجدداً إلى ممارسة الاستفزاز وتهديد السلام في المنطقة. الحقيقة أن إيران حالياً تسير قدماً في تطوير برنامجها الصاروخي الذي أصبح عنصر تهديد حقيقي لأمن المنطقة، وأقرب مثال على ذلك الهجوم الصاروخي الأخير الذي استهدف عاصمة المملكة، الذي ثبت أنه نتيجة جهد مشترك؛ فهو مصنوع في إيران، وقام بإطلاقه عناصر من الحوثيين في اليمن وتحت إشراف خبراء من حزب الله الذين يعملون مع الحوثيين جنباً إلى جنب بتوجيه من إيران.
وقال في حوار مع صحيفة PRAVO التشيكية إن إيران تتعمد من خلال عملائها وأذنابها بث الفتنة وجر المنطقة إلى حرب طائفية على نحو ما يحدث في اليمن وغيرها، وفي ما يلي الحوار:
• المملكة تشهد هذه الأيام حدثاً فريداً أشبه ما يكون بالزلزال السياسي، إذ تم إعلان الحرب على الفساد في وقت تمر فيه بظروف خارجية حرجة، ما الذي يحدث بالضبط؟
•• أود توضيح نقطة مهمة، وهي أن الظروف الخارجية الحرجة التي تتسبب فيها أطراف أخرى وتؤثر على المملكة، لا تعني إطلاقاً أن تسمح المملكة لهذه الأزمات بالتأثير على مسيرتها الحضارية، بل على العكس تماماً، فهذه الأزمات الخارجية تستدعي منك تقوية الجبهة الداخلية بتطهيرها من أسباب التفكك وتشتت الجهود.. والفساد كما تعلم هو مثل السوس ينخر في المجتمع الإنساني، لذلك فهو لا يقل ضراوة عن العدو الخارجي، والحكمة تقتضي أن تصرف جهدك تجاهه بنفس القدر الذي تصرفه تجاه المتربصين بك من الخارج.
• حسناً، ولكن اسمح لي أن أعود إلى حالة محددة وهي الحرب التي تخوضها المملكة في اليمن، فما هو مبررها في خوض هذه الحرب، حيث تقود تحالفاً إلى جانب الحكومة اليمنية منذ 2015 دون الاستناد إلى تفويض دولي؟
•• أود بداية توضيح نقطة مهمة، وهي أن المملكة انطلاقاً من التزامها بواجبها الأخلاقي والإنساني لم تتأخر في تقديم المساعدات للشعب اليمني الشقيق، حيث قدمت أخيراً مبلغ ملياري دولار لدعم العملة اليمنية، وهناك مئات الآلاف من الأشقاء اليمنيين يعيشون في المملكة ويتمتعون بنفس الحقوق التي يتمتع بها أشقاؤهم السعوديون.. هذا من جانب، ومن جانب آخر، أود التنويه بأن المملكة ليست في حرب ضد اليمن؛ إنما هي جزء من تحرك دولي يعمل على إعادة الشرعية المتمثلة في الحكومة المنتخبة وتطهير اليمن من جماعات انقلابية تحاول جر اليمن والمنطقة بأسرها إلى حرب طائفية عبثية. وأما ما يتعلق بملاحظتك أن التدخل في اليمن تم دون غطاء دولي، فإنني أود تذكيرك بقرار مجلس الأمن 2216 الذي يدين التمرد الحوثي ويرسخ شرعية الرئيس اليمني المنتخب، ومن هنا جاءت شرعية تدخل قوات التحالف في اليمن التي استندت إلى طلب رسمي من الحكومة الشرعية التي رسخها القرار الأممي.
• هل يمكن القول إن تدخل السعودية في اليمن هو رد على التدخل الإيراني؟
•• في الحقيقة، هناك دافعان وراء تدخل المملكة في اليمن: الأول أنه جاء كجزء من إجراء دولي يعمل على إعادة الحكومة الشرعية المنتخبة لممارسة سلطاتها الدستورية وكّف يد الانقلابيين عن العبث بأمن اليمن ودول الجوار، والدافع الثاني كما أشرت، هوالتدخل الإيراني في دولة مجاورة للمملكة وتربطها بها علاقات تاريخية وإستراتيجية، حيث إن هذا التدخل الإيراني يهدف في حقيقة الأمر إلى المس المباشر بأمن المملكة واستقرارها، الأمر الذي لا يمكن معه غض الطرف عنه بأي حال من الأحوال.
• عودة إلى ما يجري في الداخل السعودي، هل تتفقون مع بعض الآراء التي تقول إن
عملية التغيير الداخلي (كمحاربة الفساد مثلاً) ستواجه مقاومة عنيفة من قبَل المؤسسة الدينية المحافظة؟
•• إطلاقاً، لأن ما يحدث في المملكة ليس تغييراً بقدر ما هو عودة إلى الأسس الأصيلة التي قامت عليها المملكة، فالمنهج الوسطي المعتدل ومكافحة الفساد مثلاً هما قيم من صميم الدين الإسلامي، ولا يشكلان أبداً نقاط صراع مع المؤسسة الدينية، كما أن هذه الإصلاحات تحظى بدعم منقطع النظير من الشباب السعودي الذين يشكلون العمود الفقري للمجتمع.
• رجل أعمال سعودي ثري، كان ينادي بأفكار إصلاحية من قبل، فهل كان لأفكاره تلك دور في توقيفه ضمن المتهمين بالفساد؟
•• هذا الافتراض أيضاً يُخرج المسألة عن سياقها الحقيقي، فالذي حدث ببساطة هو أن عملية مكافحة الفساد كان من مجرياتها التحفظ على مجموعة من الأشخاص بغض النظر عن انتماءاتهم، إذ يواجهون تهماً بممارسة الفساد قد تثبت وقد تسقط، وذلك بعد عملية متسلسلة من إجراءات التقاضي وضمن الحقوق التي يكفلها القانون للمتهم، وفي إطار المبدأ المعروف بأن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.. ولعلك لاحظت أنه تم إطلاق سراح ثمانية أشخاص من الذين تم احتجازهم، إذ لم تثبت إدانتهم في ما نسب إليهم.
• أود التطرق إلى رؤية 2030 برأيكم، ما هي أبرز نقاط هذه الرؤية؟
•• العنوان الأبرز لرؤية 2030 هو التحول الإستراتيجي من اقتصاد قائم على مصدر واحد للدخل إلى اقتصاد قائم على مصادر متعددة، هذا ما تتداوله الأوساط الاقتصادية والإعلامية. أما لو أردت تعليقي الشخصي، فيمكنني القول إن أبرز ما في هذه الرؤية هو أنها تهدف إلى الاستثمارفي الإنسان باعتباره المصدر الحقيقي للتطور وعمران الكون.
• لقد َتطَرّق ولي العهد خلال تقديم مشروع «نيوم» إلى أن 70% من الشعب الأساسي هم في عمر الشباب دون الـ30 عاماً، وقال: إنه لن يسمح للأفكار المتطرفة بأن تضيع 30 عاماً أخرى من حياة السعوديين؛ هل يمكن توضيح ذلك؟
•• في الحقيقة، إن عبارة ولي العهد هذه تنطوي على تقييم دقيق لـ30 عاماً مضت، واستشراف للمستقبل الذي ينتظر هذا الجيل الشاب، لقد كانت فترة الـ30 سنة الماضية فترة مفعمة بالتناقضات والتجاذبات التي ألقت بظلالها على المجتمع السعودي، فرياح الثورة الإيرانية التي قامت عام 1979 حملت معها بذور العنف والتطرف الفكري ورفض الآخر، وكل ذلك أدى بشكل أو بآخر إلى حدوث استقطاب حاد، وفرض وجود حالة دفاعية متشددة؛ لذلك فإن ولي العهد يرى أن من الخطأ أن نسمح لأفكارالتطرف القادمة من الخارج أن تدخلنا في دوامة من التطرف المضاد، وننشغل بالتالي عن مسيرتنا الحضارية واللحاق بركب الأمم المتقدمة التي تخلصت من عقدة أحقاد الماضي وصبت اهتمامها على المستقبل الواعد.
• كما تلاحظون فإن دول أوروبا في الآونة الأخيرة بدأت في مواجهة الإسلام الراديكالي، والسؤال هنا هو عما إذا كانت المملكة ستكتفي بمواجهة التطرف القادم من إيران فقط، أم أن ذلك سينسحب أيضاً على التطرف الذي يتبناه بعض الدعاة في الداخل؟
•• هذا سؤال جيد، مما يؤسف له أن الدعاية المغرضة وغير الموضوعية استطاعت حجب حقيقة جهود المملكة في الحرب على الإرهاب؛ بينما لو تم إجراء دراسة منصفة لتاريخ المملكة مع الجهود المناهضة للإرهاب، ستجد أنها كانت من أوائل الدول التي حاربت التطرف، وكانت دائماً من أهم المساهمين في المؤسسات الدولية المختصة بمقاومة الإرهاب؛ عدا تبنيها للكثير من المراكز الفكرية والأبحاث المعنية بدراسة ظاهرة الإرهاب وتحديد الوسائل المناسبة لاستئصاله. من جانب آخر، فإن المملكة كانت لها مساهماتها الحقيقية على الصعيد الاستخباراتي بحماية الدول الصديقة من مخططات إرهابية؛ ما أدى إلى منع وقوع الكثير من الهجمات الإجرامية؛ وذلك انطلاقاً من قناعتها بأن الحفاظ على أمن الدول الأخرى هو واجب أخلاقي أصيل.
وكإجابة مختصرة، فإن المملكة ستحارب التطرف أياً كان مصدره؛ سواء كان داخلياً أم خارجياً.
• أحد الصحفيين -وكان إماماً في السابق- يزعم أن رجال الدين يحاولون توجيه الشباب الكوسوفي إلى التطرف والراديكالية، وكتب أن رجال الدين هؤلاء كانوا يحملون في يد مالاً وفي اليد الأخرى كتباً إرهابية، وأنه في المناطق التي عمل بها هؤلاء كانت نسبة كبيرة قد انضمت إلى تنظيم «داعش» الإرهابي، فما مدى صحة هذا الادعاء برأيكم؟
•• أنا شخصياً لا أستغرب مثل هذه القصص، التي غالباً كان يراد بها الإساءة إلى سمعة المملكة ودعاتها، والحقيقة التي لا مراء فيها أن المملكة لم تدعم أي إمام أو داعية يحمل الفكر المتطرف، وفي ما يخص أزمة كوسوفو، فإن المملكة لم تتصرف فيها إلا وفقاً للمقررات الدولية وفي نفس المسار الذي سلكته الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية.
• في ما يتعلق بـ«البيروسترويكا» التي يتبناها ولي العهد، نلاحظ أن ثمة تغييرات تصب في صالح المرأة ومنحها المزيد من الحقوق، حيث سِمح لها أخيراً بقيادة السيارة، وأيضاً حضور المباريات، وبالطبع أنا أفهم أن التغييرات الكبرى تبدأ بخطوات صغيرة كهذه، ولكن أتساءل عما إذا كنتم ترون أن تحسين وضع المرأة سيستمر أم سيتوقف عند هذا الحد؟
•• أود هنا أن أوضح حقيقة اعتادت البروباغندا المعادية للمملكة إخفاءها، وهي أن المرأة في المملكة تتمتع بمزايا ربما لا تتمتع بها نظيراتها في كثير من الدول، التي تتناسب مع ثقافة وعادات وتقاليد المجتمع السعودي، كما أن مسيرة التحديث لوضع المرأة مستمرة وفي حركة دؤوبة، حيث يجدر التنويه هنا أيضاً بأن تحسين وضع المرأة قد بدأ منذ فترة من الزمن، والدليل على ذلك أن 30% من أعضاء مجلس الشورى هم من النساء، وكذلك فإن عدد المبتعثات السعوديات فاق عدد المبتعثين الذكور؛ أما ما يتعلق بالتغييرات التي تبناها ولي العهد أخيراً؛ فهي تتويج لتلك الجهود السابقة؛ حيث أضفى عليها شجاعة التغيير وروح الشباب.
• قبل بضع سنوات، ذكرت السعودية -حسب بعض المصادر- أنه في حال حصلت إيران على السلاح النووي فإنها ستسعى لذلك أيضاً، فما هو رأيكم بذلك؟
•• المملكة تنظر إلى إيران من حيث المبدأ كدولة مهمة وجارة ذات تاريخ وحضارة عريقة، ولطالما تمنت المملكة ودول الخليج لو استثمرت إيران علاقة الجوار هذه في إرساء السلام الإقليمي والتوجه نحو التنمية الشاملة، إلا أن ما حصل مع الأسف هو عكس ذلك، حيث دأبت إيران على ممارسة الاستفزاز تجاه المملكة ودول الجوار، وكثيراً ما عملت على تصدير الثورة، كما أنها ساهمت -إلى حد كبير- في شق الصف الفلسطيني لإبطاء عملية السلام الشامل، ثم عملت على زرع الفتن بين أبناء المنطقة وإدخالهم في أتون حرب طائفية عبثية، كما يحدث في العراق وسورية وحالياً في اليمن. أما بخصوص موضوع امتلاكها للسلاح النووي؛ فأود أن أذكر أن السعودية ليست منفردة في تقديرها لخطورة امتلاك إيران للسلاح النووي؛ بل إن المجتمع الدولي يحمل ذات النظرة تجاه ذلك، حيث إن الجميع مدرك لخطورة المغامرات الإيرانية التي ستعصف بالسلام والأمن الدوليين. والمملكة عندما تم الاتفاق النووي بين إيران والدول العظمى باركت ذلك، على أمل أن يثمر في المحصلة عن نزع للسلاح النووي قُدماً في إثارة المشاكل والدخول في مسارات جادة لإحلال السلام في المنطقة، ولكن مع الأسف نلاحظ أن إيران مصرة على المضي وتفجير الأوضاع في الشرق الأوسط.
• ولكن كيف تقول إن إيران لم تلتزم بالاتفاق النووي مع أن كل المفتشين الدوليين على الأسلحة النووية أكدوا التزامها؟
•• أنا هنا لا أتحدث عن مدى التزامها بموضوع نزع الأسلحة، وإنما أتحدث عن مدى التزامها بروح الاتفاق، حيث إنها في الواقع تستغل الاتفاقية لرفع العقوبات عنها، بينما هي تعمل على تطوير أسلحتها التقليدية، لتصبح قادرة في النهاية على حمل الرؤوس النووية، فكما هو معلوم، فإن الاتفاق الحالي يسمح لإيران في السنوات القادمة بالعودة لممارسة نشاطها النووي، وبالتالي من يستطيع أن يضمن مدى التزامها وعدم العودة مجدداً إلى ممارسة الاستفزاز وتهديد السلام في المنطقة. الحقيقة أن إيران حالياً تسير قدماً في تطوير برنامجها الصاروخي الذي أصبح عنصر تهديد حقيقي لأمن المنطقة، وأقرب مثال على ذلك الهجوم الصاروخي الأخير الذي استهدف عاصمة المملكة، الذي ثبت أنه نتيجة جهد مشترك؛ فهو مصنوع في إيران، وقام بإطلاقه عناصر من الحوثيين في اليمن وتحت إشراف خبراء من حزب الله الذين يعملون مع الحوثيين جنباً إلى جنب بتوجيه من إيران.