العيسى متحدثا في منتدى مكافحة الفساد. (عكاظ)
العيسى متحدثا في منتدى مكافحة الفساد. (عكاظ)
-A +A
أكد الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي عضو هيئة كبار العلماء الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى أن الجهود الحازمة في مكافحة الفساد من الأعلى صححت المسار، وعكست صورة إيجابية مستحقة ومُلْهِمَة داخلياً وخارجياً، مفيداً بأن السعودية سلكت المنهج النبوي الكريم في ترسيخ مفهوم محاربة الفساد من الأعلى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»، وهذا يعطي رسالة للجميع بأن لا حصانة لأحد في هذا لكن متى بدأت بالأدنى فربما شعر الأعلى أو غيره بأن الأعلى له حصانة، وفي العكس ستصل الرسالة الوقائية والرادعة للأدنى تلقائياً.

وأوضح خلال المحاضرة التي ألقاها أمس (الأحد) كمتحدث رئيسي خلال احتفال الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد باليوم العالمي لمكافحة الفساد في إطار منتدى «النزاهة في مؤسسات العدالة الجنائية»، أن الحديث عن وقائع الفساد هو فقط لجهة الاختصاص بما تملكه من أدلة مادية وليس لغيرها، وأن مؤسسات العدالة الجنائية في السعودية تضطلع بدور كبير وجاد في مواجهة جرائم الفساد، وأن تفاعل المملكة مع اليوم العالمي لمكافحة الفساد إسهام مهم في الإثراء والتبادل وتأكيد على العزيمة في مختلف مساراتها.


ودعا إلى وضع تصنيف جنائي لوقائع الفساد، مبيناً أن هناك السرقة والاختلاس والتأويل الفاسد والخطأ الإداري والتساهل الإداري والعرف الفاسد وكلها تنتج تكييفاً مهماً يفيد في مباشرة وقائع الفساد في كافة مساراتها، ومع أن هذه لا تشكل فراغاً في السياقات الحالية لكن تحتاج للمزيد من الدراسات والبحوث والمقارنات بحكم التحول والتنوع في وقائع الفساد وهذا يفيد كثيراً للمستقبل.

وشدد على أن مفردة الفساد تشمل عدة معان مثل الفساد في الدين؛ مبينا أن التطرف في مفاهيمه المنغلقة والمحرِّفة لدلالات النصوص يمثل فسادًا فكريًا، ويطال جانب الأخلاق، ويشمل مفهوم قيم العدالة من خلال ممارسات الظلم، ويطال الإدارة والمال، وأنه لا يوجد فساد مالي إلا وهو في غالبه مسبوق بفساد إداري.

وقال العيسى إن الفساد هو الثقب الأسود في التنمية، ومحاربته يعد مقياسا على نهضة الدول، ولذلك توجد قياسات تنافسية تتعلق بعدة مؤشرات كثير منها تصب في موضوع محاربة الفساد وتسهيل الإجراءات والقضاء على البيوقراطية وتعزيز الشفافية، ويوجد ما يطلق عليه بالفساد المركب وهو ممارسة الفساد مع تسويغه، والفساد المنقع أو المغلف المتوشح برداء السياق اللفظي المضلل كالإكرامية والتشجيع والتسهيلات الخاصة وأوسع أبوابه وأخطرها في هذا السياق غسل الأموال.

ثغرات تنجب الفساد

وأضاف أن للفساد أسباباً من بينها: الثغرات النظامية والإجرائية وعلاجها بالتقويم والتحديث المستمر، وبيروقراطية بعض الإجراءات، مؤكداً أنه كلما توسعت الإجراءات وتعقدت كلما فتحت باباً للفساد، وعدم تفعيل النظام والإجراء بكسل أو عدم كفاءة أو تعمد وأن التطبيق الحازم لتشريعات مكافحة الفساد هو العلامة الفارقة بين النظام وفعالية النظام، وعدم شفافية بعض الإجراءات التنفيذية، وتجاهل الشكاوى حيث إن كل شكوى يفترض أن تكون بمثابة قضية مرفوعة لابد أن تُسمع ويصدر فيها قرار، واحتجاب المسؤول وهو ما يصرفه عن مشهد عمله التنفيذي، موضحا إن إصغاء الإدارة للجميع يدعم الجهود في هذا المجال، والتساهل الإداري وأن كل تساهل إداري يقود لفساد مالي، فالفساد الإداري بريد الفساد المالي.

وتابع العيسى: من أسباب الفساد ضعف أو عدم وضوح الإجراءات الداخلية الخاصة والسياسة الداخلية للمنظومة الإدارية وفق السلطة التقديرية للمسؤول، حيث تتطلب كل منظومة ذلك بما ينسجم مع طبيعة عملها وما يلزم له من مرونة تتيحها صلاحية السلطة التقديرية في إطار إمكاناتها المتاحة، وضعف الوازع وهو في مسارين: وازع تربوي ثقافي عام يشترك فيه المؤمن وغير المؤمن، ولذلك توجد دول لا دينية سجلت معدلات متدنية في مقاييس الفساد بسبب الثقافة النابعة من قناعتها القِيَمية والمادية بأن مواجهة الفساد مرتكز البناء والتنمية والتحضر والتقدم في إطار ما يسمى بأخلاقيات العقل المعيشي، والمسار الثاني كذلك لكنه يرتكز على قيم ديننا الحنيف وبالتالي يجعلنا أكثر مسؤولية في هذا المجال.

لا عصمة للمنظرين

وأشار إلى أن الأسوأ أن تجد من يُنظّر دينيا أو محسوب على أي منظومة دينية أياً كان مجالها في أي مستوى إداري فيها ويُسهب في التنظير التربوي وهو أمام حالة انفصام قيمي يباشر نوعاً من أنواع الفساد أياً كان تأويله له وسيكون سيئاً للغاية إذا كان من جملة الفساد المركب، ولابد من أخذه في الاعتبار ولا عصمة لأحد، فما كل من يُنظر دينياً وقيمياً معصوم بمجرد الطرح والتنظير، مؤكداً أن قيمنا الدينية وقدوتنا في هذا تمثل نموذجاً مشرفاً.