بعد وفاته في عام 1980 تحدث عنه الكثيرون مطلقين عليه أوصافا وألقابا يستحقها عن جدارة. فالأديب والصحفي الدكتور عبدالله مناع قال عنه أنه «ليس نيزكاً ولا نجماً عابراً في سماء حياتنا الأدبية والفكرية بل كوكب ساطع شغل الناس طوال أربعين سنة بفكره وأدبه»، والأديب والمؤرخ والشاعر محمد حسين زيدان أخبرنا أنه «عرف أبوللو» وذيل قصائده بهذا اللقب قبل أن تنشأ جماعة «أبوللو» في القاهرة، والأديب الراحل عبدالله الجفري قال عنه ما مفاده أنه كان صاحب أفكار طليعية جديدة وجريئة أثارت الكثيرين من النقاد والمتابعين، وأستاذ الأدب والنقد الدكتور إبراهيم الفوزان أكد على أن صاحبنا قال الشعر المنثور والشعر الحر والمرسل في الثلاثينات من القرن العشرين فسبق بذلك نازك الملائكة التي قالته في الخمسينات حسب اعترافها، والأديب والصحفي محمد سعيد باعشن قال عنه إنه «أحد الأفذاذ الذين عملوا على إيجاد حضارة عقلية وروحية ومادية تقوم على أساس من الخيال العلمي والفكر المستقبلي في مواجهة التغيير المتسارع الذي يسيطر على جميع أشكال الحياة»، أما أحمد زكي أبوشادي صاحب مدرسة أبوللو الشعرية فقد وصفه بـ«قائد الحركة التجديدية في الشعر الحجازي ومن أولئك الشعراء الموهوبين المحسنين».
المعني بما سبق هو الأديب والمفكر الحجازي المرحوم محمد حسن قاسم عوّاد، الشخصية الأدبية الفذة التي تعتبر من الرموز الكبيرة للنهضة الأدبية في منطقة تهامة والحجاز. ولد عواد في جدة عام 1902 ونشأ وترعرع فيها، ابنا لقاسم عواد الذي كان مالكا لعدد من السفن الشراعية الصغيرة وعاملا بميناء جدة، لكن والده توفي في الـ10 من عمره فتكفل برعايته خاله التاجر المعروف محمد عبيد بن زقر.
بدأ عواد مشواره التعليمي بالالتحاق بمدرسة الفلاح العريقة التي أسسها الحاج محمد علي زينل والتي خرّجت معظم رجالات الجيل الذهبي من أدباء ومفكري الحجاز وتهامة وأيضا كبار تجارهما وموظفيهما الحكوميين.
في هذه المدرسة تلقى عواد العلم على يد ثلة من الأساتذة الذين ذاع صيتهم فيما بعد في مجالي الأدب والشعر. وبمجرد تخرجه تم تعيينه بمدرسة الفلاح كمدرس، خصوصا وأنه برهن منذ صغره على الخلق الرفيع والنبوغ والتميز بدليل أنه بدأ نظم الشعر وهو لم يتجاوز 11 عاما، ناهيك عن أنه وضع نصوص أول مؤلفاته المثيرة في عام 1925 حينما كان في مقتبل العمر. لاحقا ترك عواد سلك التدريس في جدة مجبرا ليعمل في مكة في شعبة الطبع والنشر، ثم عاد مجددا إلى جدة للعمل رئيسا لكتاب المحكمة التجارية تحت رئاسة المرحوم سليمان قابل، فمحققا بالقسم العدلي بإدارة الأمن العام بالحميدية في شمال مكة. وخلال عمله الأخير هذا ساهم مع اثنين من أقرانه الشباب (عبدالوهاب آشي ومحمد حسن الفقي) في إدارة وتحرير جريدة صوت الحجاز وقت ظهورها لأول مرة في عام 1932. وحينما تحولت «صوت الحجاز» إلى صحيفة «البلاد السعودية» أدار تحريرها أيضا، ثم عين مديرا عاما لمؤسسة الطباعة والنشر بجدة، وشارك في تأسيس مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر بجدة في الستينات، وكان قد ساهم من قبل في تحرير مجلة «النداء الإسلامي» التي صدرت بمكة في الثلاثينات.
خواطر مصرحة
ويمكن القول إن المنعطف الأبرز في حياة عواد كان إقدامه على نشر كتابه الجريء الموسوم «خواطر مصرحة»، وذلك في عام 1926. حيث وضع في هذا الكتاب، المصنف كأول كتاب نهضوي تنويري في الجزيرة العربية، خلاصة أفكاره وزبدة آرائه حول الأدب والثقافة السائدة في المجتمع والعادات والتقاليد، ناقدا الأحوال نقدا مريرا، ومهاجما الجمود والتخلف والانغلاق والفساد، وداعيا إلى التغيير والانعتاق من قيود الأفكار البالية والسير في دروب الحداثة والتجديد.
وبقدر احتفاء الأدباء والمفكرين خارج السعودية بهذا الكتاب والاستشهاد به كبداية لموجة التجديد في الحجاز على نحو ما فعله عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين والأديب السوري محب الدين الخطيب، فإن الكتاب قوبل في الداخل بصفة عامة بضجة كبيرة وموجة من النقد والاعتراض وصلت إلى حد اتهام صاحبه بالكفر، والتأليب عليه، واستهدافه شخصيا، حيث تم فصله من عمله في التدريس فأضرب تلاميذه تضامنا معه، ثم عينت الدولة لجنة للتحقيق معه فيما ورد في كتابه، خصوصا لجهة ما اعتبره الناقدون بـ«التجرؤ على علماء الدين». وقد تكونت اللجنة من الأمير (الملك) فيصل بن عبدالعزيز، والشيخ محمد صالح نصيف، ومهدي المصلح مدير الأمن العام وقتذاك.
كتاب مثير للجدل
دعونا نقرأ ما كتبه المؤرخ محمد عبدالرزاق القشعمي في هذا السياق في صحيفة الجزيرة (25/7/2005). يقول القشعمي أن عواد كتب موضوعات كتابه المثير للجدل وهو في ريعان شبابه وأوج حماسه، ويستشهد في هذا بما كتبه المؤلف بنفسه في مقدمة الطبعة الثانية من كتابه حينما قال «كنت استقبل السنة العشرين من سني حياتي». ويضيف أن الكتاب طبع في المطبعة العربية بمصر لصاحبها خير الدين الزركلي على نفقة المكتبة الحجازية بمكة لصاحبها محمد سرور الصبان، وقدم للكتاب محمد سرور الصبان وعبدالوهاب آشي.
وتتوالى موضوعات الكتاب بدءا بمقال تحت عنوان «من نافذة الخيال» ثم مقالات تحمل عناوين مثل: مداعبة مع العلماء، البلاغة العربية، أيها المتشاعرون، أمة مهملة، كيف تكونين، فلسفة الحياة العصرية، ابن الحجاز، الأدب في الحجاز، بريشة الفن، الشرق الأقصى، تربية الأفرنجة، بين الجزر والمد، الأمة الفرنسية، الخليج العربي، حاجتنا إلى اللغات الأجنبية، الزواج الإجباري، الحجاز بعد 500 سنة، وغيرها من الموضوعات التي يختتمها بقصيدة عنونها بـ «خاطر من الشعر» قال عنها إنها من إحدى مساجلاته الأدبية مع الأديب عمر أفندي عرب في سنة 1342 للهجرة بهدف الترويج للأساليب العصرية في الأدب الحجازي.
ثورة في المحيط
وحول الكتاب قال الأديب العراقي المعروف الدكتور علي جواد الطاهر ــ طبقا لما أورده القشعمي ــ أن صدوره في ذلك الزمن المبكر من تاريخ السعودية وبقلم شاب ثائر يخوض في مسائل كبيرة كان أشبه ما يكون بثورة في المحيط، مضيفا أن الكتاب ترك صدى كبيرا زاد في ثقة الكاتب بنفسه وزاد في «غروره» الأدبي كذلك. وقد شاطره في هذا الرأي المؤرخ والأديب الحجازي المعروف محمد علي مغربي الذي ذكر في الجزء الأول من كتابه الشهير أعلام الحجاز (ص182 و183) أن الكتاب أحدث ضجة عظيمة في وقته لأنه كان صريحا في معالجته للأمور التي تناولها «بل نستطيع القول: إنه كان جريئا بصورة غير مألوفة». ويضيف مغربي أنه اشترى الكتاب ليقرأه حينما كان طالبا بمدرسة الفلاح فنصحه وكيل المدرسة عمر حنفي بألا يفعل ذلك بدعوى «إنه كتاب سيئ». وفي السياق نفسه يخبرنا مغربي أن مدير المدرسة حسين مطر ألقى كلمة في الطلاب بعد صلاة الظهر قال فيها ما معناه أن عواد كان تاجا على رأس المدرسة، لكنه بعد أن أصدر كتاب «خواطر مصرحة» فقد مكانته فيها.
مقالات إصلاحية
وحول رأيه الشخصي في هذا الكتاب وما أثاره من زوبعة علق مغربي قائلا: «إنه مجموعة مقالات تدعو إلى الإصلاح، وإلى التجديد في كل شيء ولكن بعضها ينتهج أسلوبا جارحا في التعبير وخاصة تلك الموجهة للعلماء، وكان من الممكن التعبير عن هذه الأفكار بأسلوب أكثر هدوئا وأقل اندفاعا، ولكن الكتاب كان مفاجأة مذهلة للناس فاستحق أن يدخل التاريخ إيذانا بابتداء حركة التجديد في الأدب في الحجاز».
والمعروف أن عواد، الذي وصفه مغربي بالأديب العنيد المتصلب برأيه والمستعد لعدم التراجع حتى لو وقف العالم كله ضده، أصدر في عام 1380 للهجرة الجزء الثاني من كتاب «خواطر مصرحة»، لكن على العكس من الجزء الأول لم يثر الجزء الثاني أي زوبعة لأن الناس كانت وقتها قد اعتادت على طروحات الرجل.
والمعروف أيضا أن كتاب «خواطر مصرحة» تمت إعادة إصداره من قبل دار جداول اللبنانية في عام 2012 في طبعة أنيقة بعد مرور 88 عاما على ظهوره الأول لأن المؤلف بحسب الدار الناشرة كابد «من أجل أدب حديث، وتعليم مدني، وامرأة جديدة» ولأن الكتاب توثيق «لمرحلة مهمة من تاريخنا الثقافي».
فارس المعارك الأدبية في ميادين الصحافة
من المحطات الهامة الأخرى في حياة عواد وقوفه هو وزميله عزيز ضياء خلف فكرة إنشاء الأندية الأدبية التي كانت نواتها الأولى «النادي الأدبي في جدة» قبل أن تنتشر الفكرة وتظهر الأندية الأدبية في بقية مناطق المملكة بدعم من الرئاسة العامة لرعاية الشباب ممثلة في رئيسها الأمير فيصل بن فهد. ففي منتصف السبعينات تأسس النادي المذكور، وكان يضم وقتذاك بالإضافة إلى عواد وضياء عددا من الأدباء والشعراء، منهم عبدالعزيز جميل، وحمزة شحاتة، وإبراهيم إسلام، وصالح إسلام، وحسن أبو الحمايل، ويونس سلامة، وأنيس جمجوم، وغيرهم. لكن عواد كان أبرزهم لأنه كان استاذا لمعظم الأعضاء باستثناء حسن أبو الحمايل، ولهذا تم انتخابه كأول رئيس للنادي، فكان ذلك قرارا صائبا وفي محله، حيث منح الرجل ناديه كل وقته وجهده بدليل أنه كان يداوم به صباح مساء. ويـُعرف عواد في الأدبيات السعودية بصاحب المعارك الأدبية، لأنه خاض معارك أدبية صغرى وكبرى مع معاصريه من الأدباء والشعراء، كان سلاحها القصيدة وساحتها صفحات الجرائد. من هذه المعارك: معركته مع أديب المدينة المنورة الكبير وصاحب مجلة المنهل الأستاذ عبدالقدوس الأنصاري الذي نشر قصة بعنوان «التوأمان» فانتقدها عواد نقدا لاذعا، الأمر الذي جعل الأنصاري يرد عليه ويدخل معه في سجال لبعض الوقت؛ ومعركته مع مؤرخ الحرمين وصاحب كتاب «سيد العرب» حسين عبدالله باسلامة؛ ومعركته مع علامة الجزيرة حمد الجاسر؛ ومعركته مع الأديب والناقد المدني (نسبة إلى المدينة المنورة) عبدالعزيز محمد علي الربيع.
أشهر معاركه مع شحاتة.. انتهت بـ«المصالحة»
على أن كل تلك المعارك لا تقارن بمعركته الكبرى الطويلة مع الأديب حمزة شحاتة، والتي وصفت بأنها أشد المعارك الأدبية في تاريخ المملكة العربية السعودية وأكثرها حدة وهجاء وطولا وترقبا من قبل الجمهور الذي كان يتابعها أسبوعيا من خلال صحيفة (صوت الحجاز)، خصوصا بعدما اتخذ بعض أدباء الحجاز جانب شحاتة مثل (أحمد قنديل)، واتخذ البعض الآخر جانب عواد مثل (محمود عارف)، ناهيك عن أن ضراوة المعركة بينهما جعل كل منهما يكتب تحت ألقاب فيها الكثير من التحدي والاستفزاز، حيث لجأ شحاتة إلى استخدام لقبي «الليل» و«العاصف» بينما استخدم عواد لقب «الساحر العظيم». ولعل أحد تجليات الخصومة بين الرجلين أن عواد نظم قصيدة من 500 بيت تحت عنوان «الساحر العظيم» ويقول مطلعها: «عشق الخلد طامحا نزاعا فامتطى فنه إليه طماعا». في هذه القصيدة شن عواد هجوما كاسحا ليس على شحاتة فقط وإنما أيضا على الأنصاري وباسلامة وأحمد قنديل، ويخبرنا الكاتب منصور العساف في مقاله بصحيفة الرياض (مصدر سابق) نقلا عن الأديب إبراهيم فودة أن سبب المعركة التي نشبت بين الرجلين واستمرت طويلا هو أنهما كانا يدرسان معا في مدرسة الفلاح بجدة «وكان حمزة شحاتة يعتد بنفسه كشاعر موهوب، والعواد يكره ذلك، فتولدت بين الأديبين اللامعين غيرة شديدة، ووجدت إدارة المدرسة في خلاف الأديبين النابغين فرصة للتنافس الأدبي الشريف الذي يستفيد منه الطلبة». أما الأديب محمد حسين زيدان فيورد سببا آخر له علاقة بمكان المولد والنشأة، حيث قال ــ طبقا لمقال العساف ــ ما مفاده أن عواد أنكر على شحاتة أن يبرز في جدة ويكون له أتباع ومريدون من الشباب، وهو الذي ولد ونشأ في مكة ولم يأت إلى جدة إلا متأخرا. وهناك رأي ثالث في أسباب الخصومة مفاده أن عواد حينما عمل في القسم العدلي بإدارة الأمن العام في مكة كان رئيسه هو «طلعت وفا»، وهذا كان صديقا لحمزة شحاتة الذي كان يشتكي وينتقد تصرفات وأعمال عواد بصفة دائمة، فأراد وفا أن يجمع الطرفين لتصفية النفوس. وبالفعل اجتمعا في منزل وفا بمنطقة أجياد في مكة، غير أن الاجتماع انتهى بالقطيعة والخصام الشديد بعد أن هاجم شحاتة عواد هجوما لاذعا عنيفا.
على أن معارك الرجلين بين بعضهما البعض توقفت في نهاية المطاف بعد أن اتسع نطاقها وخرجت عن الأصول، وكان المبادر للصلح هو عواد الذي كتب قصيدة اعتذار لشحاتة قال فيها: أخي حمزة كيف الوشاة تغلبوا وكيف تحرانا السخيف المذبذب لك الحب موفورا بنفسي، كامنا تباعده أسـبابه وتقرب فلا تشدد الحبل الذي مد بيننا ولا تعتبرني في الصداقة أكذب وسامح، وأنت المرتجى من تواصلت أوامره، واصفح فإني مذنب، عدا كتاب «خواطر مصرحة» بجزءيه، أصدر عواد دراسة تاريخية عن حياة الخليفة الأموي سليمان بن عبدالملك بعنوان «سليمان بن عبدالملك محرر الرقيق» وكتاب «الطريق إلى موسيقى الشعر الخارجية»، وكتاب «تأملات في الأدب والحياة» إضافة إلى الدواوين التالية: آماس وأطلاس، قمم الأولمب، في الأفق الملتهب، رؤى أبو لون، نحو كيان جديد، وديوان العواد.
وبإلقاء نظرة سريعة على دواوينه نجد أن شعره تنوع ما بين العمودي والحر وتناول أغراضا كثيرة.
* أستاذ العلاقات الدولية مملكة البحرين
المعني بما سبق هو الأديب والمفكر الحجازي المرحوم محمد حسن قاسم عوّاد، الشخصية الأدبية الفذة التي تعتبر من الرموز الكبيرة للنهضة الأدبية في منطقة تهامة والحجاز. ولد عواد في جدة عام 1902 ونشأ وترعرع فيها، ابنا لقاسم عواد الذي كان مالكا لعدد من السفن الشراعية الصغيرة وعاملا بميناء جدة، لكن والده توفي في الـ10 من عمره فتكفل برعايته خاله التاجر المعروف محمد عبيد بن زقر.
بدأ عواد مشواره التعليمي بالالتحاق بمدرسة الفلاح العريقة التي أسسها الحاج محمد علي زينل والتي خرّجت معظم رجالات الجيل الذهبي من أدباء ومفكري الحجاز وتهامة وأيضا كبار تجارهما وموظفيهما الحكوميين.
في هذه المدرسة تلقى عواد العلم على يد ثلة من الأساتذة الذين ذاع صيتهم فيما بعد في مجالي الأدب والشعر. وبمجرد تخرجه تم تعيينه بمدرسة الفلاح كمدرس، خصوصا وأنه برهن منذ صغره على الخلق الرفيع والنبوغ والتميز بدليل أنه بدأ نظم الشعر وهو لم يتجاوز 11 عاما، ناهيك عن أنه وضع نصوص أول مؤلفاته المثيرة في عام 1925 حينما كان في مقتبل العمر. لاحقا ترك عواد سلك التدريس في جدة مجبرا ليعمل في مكة في شعبة الطبع والنشر، ثم عاد مجددا إلى جدة للعمل رئيسا لكتاب المحكمة التجارية تحت رئاسة المرحوم سليمان قابل، فمحققا بالقسم العدلي بإدارة الأمن العام بالحميدية في شمال مكة. وخلال عمله الأخير هذا ساهم مع اثنين من أقرانه الشباب (عبدالوهاب آشي ومحمد حسن الفقي) في إدارة وتحرير جريدة صوت الحجاز وقت ظهورها لأول مرة في عام 1932. وحينما تحولت «صوت الحجاز» إلى صحيفة «البلاد السعودية» أدار تحريرها أيضا، ثم عين مديرا عاما لمؤسسة الطباعة والنشر بجدة، وشارك في تأسيس مؤسسة عكاظ للصحافة والنشر بجدة في الستينات، وكان قد ساهم من قبل في تحرير مجلة «النداء الإسلامي» التي صدرت بمكة في الثلاثينات.
خواطر مصرحة
ويمكن القول إن المنعطف الأبرز في حياة عواد كان إقدامه على نشر كتابه الجريء الموسوم «خواطر مصرحة»، وذلك في عام 1926. حيث وضع في هذا الكتاب، المصنف كأول كتاب نهضوي تنويري في الجزيرة العربية، خلاصة أفكاره وزبدة آرائه حول الأدب والثقافة السائدة في المجتمع والعادات والتقاليد، ناقدا الأحوال نقدا مريرا، ومهاجما الجمود والتخلف والانغلاق والفساد، وداعيا إلى التغيير والانعتاق من قيود الأفكار البالية والسير في دروب الحداثة والتجديد.
وبقدر احتفاء الأدباء والمفكرين خارج السعودية بهذا الكتاب والاستشهاد به كبداية لموجة التجديد في الحجاز على نحو ما فعله عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين والأديب السوري محب الدين الخطيب، فإن الكتاب قوبل في الداخل بصفة عامة بضجة كبيرة وموجة من النقد والاعتراض وصلت إلى حد اتهام صاحبه بالكفر، والتأليب عليه، واستهدافه شخصيا، حيث تم فصله من عمله في التدريس فأضرب تلاميذه تضامنا معه، ثم عينت الدولة لجنة للتحقيق معه فيما ورد في كتابه، خصوصا لجهة ما اعتبره الناقدون بـ«التجرؤ على علماء الدين». وقد تكونت اللجنة من الأمير (الملك) فيصل بن عبدالعزيز، والشيخ محمد صالح نصيف، ومهدي المصلح مدير الأمن العام وقتذاك.
كتاب مثير للجدل
دعونا نقرأ ما كتبه المؤرخ محمد عبدالرزاق القشعمي في هذا السياق في صحيفة الجزيرة (25/7/2005). يقول القشعمي أن عواد كتب موضوعات كتابه المثير للجدل وهو في ريعان شبابه وأوج حماسه، ويستشهد في هذا بما كتبه المؤلف بنفسه في مقدمة الطبعة الثانية من كتابه حينما قال «كنت استقبل السنة العشرين من سني حياتي». ويضيف أن الكتاب طبع في المطبعة العربية بمصر لصاحبها خير الدين الزركلي على نفقة المكتبة الحجازية بمكة لصاحبها محمد سرور الصبان، وقدم للكتاب محمد سرور الصبان وعبدالوهاب آشي.
وتتوالى موضوعات الكتاب بدءا بمقال تحت عنوان «من نافذة الخيال» ثم مقالات تحمل عناوين مثل: مداعبة مع العلماء، البلاغة العربية، أيها المتشاعرون، أمة مهملة، كيف تكونين، فلسفة الحياة العصرية، ابن الحجاز، الأدب في الحجاز، بريشة الفن، الشرق الأقصى، تربية الأفرنجة، بين الجزر والمد، الأمة الفرنسية، الخليج العربي، حاجتنا إلى اللغات الأجنبية، الزواج الإجباري، الحجاز بعد 500 سنة، وغيرها من الموضوعات التي يختتمها بقصيدة عنونها بـ «خاطر من الشعر» قال عنها إنها من إحدى مساجلاته الأدبية مع الأديب عمر أفندي عرب في سنة 1342 للهجرة بهدف الترويج للأساليب العصرية في الأدب الحجازي.
ثورة في المحيط
وحول الكتاب قال الأديب العراقي المعروف الدكتور علي جواد الطاهر ــ طبقا لما أورده القشعمي ــ أن صدوره في ذلك الزمن المبكر من تاريخ السعودية وبقلم شاب ثائر يخوض في مسائل كبيرة كان أشبه ما يكون بثورة في المحيط، مضيفا أن الكتاب ترك صدى كبيرا زاد في ثقة الكاتب بنفسه وزاد في «غروره» الأدبي كذلك. وقد شاطره في هذا الرأي المؤرخ والأديب الحجازي المعروف محمد علي مغربي الذي ذكر في الجزء الأول من كتابه الشهير أعلام الحجاز (ص182 و183) أن الكتاب أحدث ضجة عظيمة في وقته لأنه كان صريحا في معالجته للأمور التي تناولها «بل نستطيع القول: إنه كان جريئا بصورة غير مألوفة». ويضيف مغربي أنه اشترى الكتاب ليقرأه حينما كان طالبا بمدرسة الفلاح فنصحه وكيل المدرسة عمر حنفي بألا يفعل ذلك بدعوى «إنه كتاب سيئ». وفي السياق نفسه يخبرنا مغربي أن مدير المدرسة حسين مطر ألقى كلمة في الطلاب بعد صلاة الظهر قال فيها ما معناه أن عواد كان تاجا على رأس المدرسة، لكنه بعد أن أصدر كتاب «خواطر مصرحة» فقد مكانته فيها.
مقالات إصلاحية
وحول رأيه الشخصي في هذا الكتاب وما أثاره من زوبعة علق مغربي قائلا: «إنه مجموعة مقالات تدعو إلى الإصلاح، وإلى التجديد في كل شيء ولكن بعضها ينتهج أسلوبا جارحا في التعبير وخاصة تلك الموجهة للعلماء، وكان من الممكن التعبير عن هذه الأفكار بأسلوب أكثر هدوئا وأقل اندفاعا، ولكن الكتاب كان مفاجأة مذهلة للناس فاستحق أن يدخل التاريخ إيذانا بابتداء حركة التجديد في الأدب في الحجاز».
والمعروف أن عواد، الذي وصفه مغربي بالأديب العنيد المتصلب برأيه والمستعد لعدم التراجع حتى لو وقف العالم كله ضده، أصدر في عام 1380 للهجرة الجزء الثاني من كتاب «خواطر مصرحة»، لكن على العكس من الجزء الأول لم يثر الجزء الثاني أي زوبعة لأن الناس كانت وقتها قد اعتادت على طروحات الرجل.
والمعروف أيضا أن كتاب «خواطر مصرحة» تمت إعادة إصداره من قبل دار جداول اللبنانية في عام 2012 في طبعة أنيقة بعد مرور 88 عاما على ظهوره الأول لأن المؤلف بحسب الدار الناشرة كابد «من أجل أدب حديث، وتعليم مدني، وامرأة جديدة» ولأن الكتاب توثيق «لمرحلة مهمة من تاريخنا الثقافي».
فارس المعارك الأدبية في ميادين الصحافة
من المحطات الهامة الأخرى في حياة عواد وقوفه هو وزميله عزيز ضياء خلف فكرة إنشاء الأندية الأدبية التي كانت نواتها الأولى «النادي الأدبي في جدة» قبل أن تنتشر الفكرة وتظهر الأندية الأدبية في بقية مناطق المملكة بدعم من الرئاسة العامة لرعاية الشباب ممثلة في رئيسها الأمير فيصل بن فهد. ففي منتصف السبعينات تأسس النادي المذكور، وكان يضم وقتذاك بالإضافة إلى عواد وضياء عددا من الأدباء والشعراء، منهم عبدالعزيز جميل، وحمزة شحاتة، وإبراهيم إسلام، وصالح إسلام، وحسن أبو الحمايل، ويونس سلامة، وأنيس جمجوم، وغيرهم. لكن عواد كان أبرزهم لأنه كان استاذا لمعظم الأعضاء باستثناء حسن أبو الحمايل، ولهذا تم انتخابه كأول رئيس للنادي، فكان ذلك قرارا صائبا وفي محله، حيث منح الرجل ناديه كل وقته وجهده بدليل أنه كان يداوم به صباح مساء. ويـُعرف عواد في الأدبيات السعودية بصاحب المعارك الأدبية، لأنه خاض معارك أدبية صغرى وكبرى مع معاصريه من الأدباء والشعراء، كان سلاحها القصيدة وساحتها صفحات الجرائد. من هذه المعارك: معركته مع أديب المدينة المنورة الكبير وصاحب مجلة المنهل الأستاذ عبدالقدوس الأنصاري الذي نشر قصة بعنوان «التوأمان» فانتقدها عواد نقدا لاذعا، الأمر الذي جعل الأنصاري يرد عليه ويدخل معه في سجال لبعض الوقت؛ ومعركته مع مؤرخ الحرمين وصاحب كتاب «سيد العرب» حسين عبدالله باسلامة؛ ومعركته مع علامة الجزيرة حمد الجاسر؛ ومعركته مع الأديب والناقد المدني (نسبة إلى المدينة المنورة) عبدالعزيز محمد علي الربيع.
أشهر معاركه مع شحاتة.. انتهت بـ«المصالحة»
على أن كل تلك المعارك لا تقارن بمعركته الكبرى الطويلة مع الأديب حمزة شحاتة، والتي وصفت بأنها أشد المعارك الأدبية في تاريخ المملكة العربية السعودية وأكثرها حدة وهجاء وطولا وترقبا من قبل الجمهور الذي كان يتابعها أسبوعيا من خلال صحيفة (صوت الحجاز)، خصوصا بعدما اتخذ بعض أدباء الحجاز جانب شحاتة مثل (أحمد قنديل)، واتخذ البعض الآخر جانب عواد مثل (محمود عارف)، ناهيك عن أن ضراوة المعركة بينهما جعل كل منهما يكتب تحت ألقاب فيها الكثير من التحدي والاستفزاز، حيث لجأ شحاتة إلى استخدام لقبي «الليل» و«العاصف» بينما استخدم عواد لقب «الساحر العظيم». ولعل أحد تجليات الخصومة بين الرجلين أن عواد نظم قصيدة من 500 بيت تحت عنوان «الساحر العظيم» ويقول مطلعها: «عشق الخلد طامحا نزاعا فامتطى فنه إليه طماعا». في هذه القصيدة شن عواد هجوما كاسحا ليس على شحاتة فقط وإنما أيضا على الأنصاري وباسلامة وأحمد قنديل، ويخبرنا الكاتب منصور العساف في مقاله بصحيفة الرياض (مصدر سابق) نقلا عن الأديب إبراهيم فودة أن سبب المعركة التي نشبت بين الرجلين واستمرت طويلا هو أنهما كانا يدرسان معا في مدرسة الفلاح بجدة «وكان حمزة شحاتة يعتد بنفسه كشاعر موهوب، والعواد يكره ذلك، فتولدت بين الأديبين اللامعين غيرة شديدة، ووجدت إدارة المدرسة في خلاف الأديبين النابغين فرصة للتنافس الأدبي الشريف الذي يستفيد منه الطلبة». أما الأديب محمد حسين زيدان فيورد سببا آخر له علاقة بمكان المولد والنشأة، حيث قال ــ طبقا لمقال العساف ــ ما مفاده أن عواد أنكر على شحاتة أن يبرز في جدة ويكون له أتباع ومريدون من الشباب، وهو الذي ولد ونشأ في مكة ولم يأت إلى جدة إلا متأخرا. وهناك رأي ثالث في أسباب الخصومة مفاده أن عواد حينما عمل في القسم العدلي بإدارة الأمن العام في مكة كان رئيسه هو «طلعت وفا»، وهذا كان صديقا لحمزة شحاتة الذي كان يشتكي وينتقد تصرفات وأعمال عواد بصفة دائمة، فأراد وفا أن يجمع الطرفين لتصفية النفوس. وبالفعل اجتمعا في منزل وفا بمنطقة أجياد في مكة، غير أن الاجتماع انتهى بالقطيعة والخصام الشديد بعد أن هاجم شحاتة عواد هجوما لاذعا عنيفا.
على أن معارك الرجلين بين بعضهما البعض توقفت في نهاية المطاف بعد أن اتسع نطاقها وخرجت عن الأصول، وكان المبادر للصلح هو عواد الذي كتب قصيدة اعتذار لشحاتة قال فيها: أخي حمزة كيف الوشاة تغلبوا وكيف تحرانا السخيف المذبذب لك الحب موفورا بنفسي، كامنا تباعده أسـبابه وتقرب فلا تشدد الحبل الذي مد بيننا ولا تعتبرني في الصداقة أكذب وسامح، وأنت المرتجى من تواصلت أوامره، واصفح فإني مذنب، عدا كتاب «خواطر مصرحة» بجزءيه، أصدر عواد دراسة تاريخية عن حياة الخليفة الأموي سليمان بن عبدالملك بعنوان «سليمان بن عبدالملك محرر الرقيق» وكتاب «الطريق إلى موسيقى الشعر الخارجية»، وكتاب «تأملات في الأدب والحياة» إضافة إلى الدواوين التالية: آماس وأطلاس، قمم الأولمب، في الأفق الملتهب، رؤى أبو لون، نحو كيان جديد، وديوان العواد.
وبإلقاء نظرة سريعة على دواوينه نجد أن شعره تنوع ما بين العمودي والحر وتناول أغراضا كثيرة.
* أستاذ العلاقات الدولية مملكة البحرين