-A +A
عبدالمحسن الحارثي (الرياض) aalblahdi@
ألقى نائب وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الدكتور توفيق بن عبدالعزيز السديري أمس الأول (الخميس)، محاضرة بعنوان «دور العلماء والدعاة في تعزيز التعايش المجتمعي»، بحضور مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، وذلك في جامع الإمام تركي بن عبدالله (الجامع الكبير) بوسط مدينة الرياض.

وأكد السديري أن التعايش المجتمعي ركيزة أساسية لاستقرار الوطن وازدهاره ونمائه، مشدداً على دور العلماء والدعاة في تحقيق وتعزيز هذا التعايش، وعلى أهمية موضوع تعزيز التعايش المجتمعي، لا سيما في هذا الوقت الذي أصبح واقع لابد منه، وقال: إن الشريعة الإلهية جاءت بتشريع الأوامر التي تحمي أمن الوطن، وتنهى عن كل سبب يؤدي إلى اضطرابه واختلاله، وحديثنا تقع أهميته لكونه يناقش موضوع يتعلق بأمن الناس وحياتهم، ومدى حاجتهم إلى التعايش الذي يحقق لهم مصالح الحياة، ويجنبهم مفاسد التصعيد الطائفي، ومفاسد التعصب بأشكاله كافة، مشدداً على أن الحديث فيه في هذا الوقت خاصة مطلب ملح لمجموعة من الأسباب هي ( أولا - أن العلماء هم ورثة الأنبياء، والدعاة يقومون بوظيفة رسل الله ــ عليهم الصلاة والسلام ــ في إبلاغ دين الله ورسالة التوحيد، ولا يخفى مكانة العلماء والدعاة في المجتمع ومدى تأثيرهم في توجيهه، ثانيا - بيان العلاقة مع المخالف، حيث ظهر بين الناس طرفي الأمور في تلك العلاقة، إما الإفراط أو التفريط، وبيان سماحة الإسلام ورحمته في تشريعاته، وإرادته الخير للناس بتشريع الأحكام التي تكفل السلامة والاستقرار للمجتمع، ثالثا - وجود الاختلاف في المذهب والطائفة في غالب بلاد المسلمين اليوم، وبالتالي فهم محتاجون إلى معرفة أحكام التعايش معهم، وضوابطه وشروطه وعلاقة ذلك بالولاء والبراء، والتعامل مع أهل البدع، مما يحتم بيان أحكام التعايش بدلالة الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة.


وواصل قائلاً: ( السبب الرابع أنه هناك بعض العمومية في أحكام العلاقة مع المخالف، وربما صورها البعض ببعض المواقف الانفعالية غير المؤصلة شرعا، لذا كان من الضروري بيان دور العلماء والدعاة في تعزيز التعايش المجتمعي، الخامس استخدام البعض لألفاظ ذات دلالات فضفاضة تخلط الأمور وتمزج المفاهيم مزجاً مخالفاً لما دل عليه الكتاب، ودلت عليه السنة، وفهم السلف الصالح، مما أكد ضرورة بيان تلك المصطلحات ومفاهيمها الصحيح منها والسقيم.. السادس قلة من تناول أحكام التعايش مع أهل الأهواء وإن تناثرت بعض المسائل هنا وهناك، لذا كان من الضرورة بيان أثر العلماء والدعاة في تعزيز التعايش المجتمعي وفق الدليل الشرعي لكي يتضح للمسلم كيفية التعايش لاسيما في ظل الخلط الموجود في هذا الموضوع ).

وأبان الدكتور السديري أن مفهوم التعايش المجتمعي يهدف إلى تحسين مستوى العلاقة بين شعوب أو طوائف ويعنى بالقضايا المجتمعية، الإنماء، والاقتصاد، والأمن، وهذا التعريف بالمعنى العام مأخوذ من دلالة الكلمة بدون ارتباط في مفاهيم أخرى وبالتالي فإن مفهوم التعايش هو اتفاق بين أطراف مختلفة دينياً أو مذهبياً على حسن المعاملة والعيش بصورة ملائمة وفق قواعد محددة بهدف تنمية المجتمع، وتحقيق أمنه، مع احتفاظ كل بخصوصيته.

وقال: إن على أهل العلم والدعاة واجب التصدي للتعصب القبلي والمناطقي، وبيان مخالفته للكتاب والسنة ومنهج سلف الأمة وكشف أثاره وأضراره، فكل الدعوات التي تدعو إلى غير الانتماء لغير الوطن سواء قبلية أو مناطقية من شأنها أن تفت في عضد الوطن الواحد، كذلك الدعوات الجاهلية والانتماءات التي تخرج أفراد المجتمع عن بناء الوطن البناء الصحيح الكامل، فالعلماء والدعاة مطالبون أيضاً ببيان خطر تلك الحميات والانتماءات والتحذير منها وبيان أخطارها وأضرارها.

وأكد أن الإسلام دين العدل والرحمة، وقد كان ــ صلى الله عليه وسلم ــ القدوة والأسوة في التعامل مع الكفار فضلاً عن المخالفين لنا، كان تعامله ــ صلى الله عليه وسلم ــ مع البشر جميعاً كريماً رحيماً، ولا أدل على ذلك من إقامة اليهود في المدينة وكيفية تعامله معهم مع علمه ــ صلى الله عليه وسلم ــ بأنهم يعلمون أنه رسول الله حقاً وصدقاً، وتعامله مع الأسرى، وتعامله مع رسل الكفار، ومخاطباته للكفار، ولملوك الدول، ورؤساء القبائل، كل ذلك في التعامل الراقي من قبل النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ، لو اهتدينا بهديه لكان المجتمع المسلم مجتمع يحترم دماء المسلمين، كما كان المجتمع الإسلامي الأول يحترم دماء المستأمنين والمعاهدين، ويحترم أموالهم، وأعراضهم غاية الاحترام، كيف لا ورسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ يقول:«من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما»، فمن وقع في ذلك فقد وقع في كبير عظيمة من الكبائر وحرم من رائحة الجنة.

واختتم قائلاً: إن العلماء والدعاة لهم أثر كبير في بيان هذه الأحكام والتحذير من انتهاكها وتجاوزها مما يثمر عن بيانهم، ونصحهم، وتوجيههم، وإرشادهم، تحقيق التعايش المجتمعي في أبهى صورة، وأجمل أشكاله.