سيناريو متخيّل لجريمة "روضة مكة"
الضجر يتسلل إلى قلوب الفتيات الصغيرات، الحياة في خارجها أوسع من أحلامهن، قررن أن يكسرن حاجز الملل، وفرد أجنحة الطفولة إلى ما هو أبعد من المنزل، وطلبن من والدهنّ النزهة قليلاً في أرجاء العاصمة المقدسة (مكة المكرمة)، إذ "كل فتاةٍ بأبيها معجبة"، ذلك الأب الذي يعدُّ خلاصهنّ من منزل يحاصره الملل.
الأب المتعب من ظروف الحياة، والذي وجد في المخدرات ملاذاً من تكالب الحياة، طرق الباب، ودلف إلى أسرته الصغيرة، كان ممتلئاً بالهموم، والوساوس، والسهر الطويل على إثر تعاطي حبوب الـ"كبتاجون". هرعن الصغيرات، تحلقن حول قدميه، وعيونهن الجميلة ترى فيه البطولة المنشودة رغم خوفهن من اضطرابه النفسي وانفعالاته، لكن الخلاص من الملل المحيط بهنّ شجع أكبرهن للقول:
- بابا، ممكن نطلع نتمشى؟
حاول الأبّ التملّص من طلبات بناته، فتّش في جيبه ما يسد رمق النزهة ولم يجد، نهرهنّ بطريقة جافة، وهرع إلى منتصف البيت، وشاهدهنّ يمضين إلى غرفهن منكسرات، طفولة مهشمة، وإحباط يكسو ملامحهن. نهض، لملم أشياءه، وخرج إلى البقالة أسفل المنزل. وأثناء مروره بجيرانه، ألقى التحية، ومضى يفكّر في جملةٍ يقولها بلطفٍ بالغٍ لعامل البقالة الذي يعدّ سنده في الحي، ويوفّر له احتياجاته منزله كلما ضاقت به الحياة.
دلف الأب إلى البقالة، فيما ينهي العامل تعاملاته مع زبائن آخرين. أصوات "الثلاجة"، وهدير "المكيّف" يسند صوت الأب المرتعش، ويقول:
- محمد شفيق.. عندك 20 ريال، ودي أمشّي بناتي.
لم يتوان العامل في تسليفه المبلغ الزهيد، وضع الأب الـ20 ريالاً في جيبه، ومضى إلى بناته، يزف لهن البشرى. فرحن الصغيرات، تعلقن به، ومضين مع أبيهنّ إلى الخلاص من الملل وحصار الجدران، إلى جمال مكة المكرمة، وميادينها، حيث يمتطين الريح في اللعب، وتوزيع البسمات على أرصفة العاصمة المقدسة ومنتزهاتها.
كان البيت مظلماً، أشعل الأب والأم الأضواء، دخلن الصغيرات متعبات، وذهبن إلى النوم، والابتسامة تسترخي على وجوههن، السعادة تحيط بهن كهالةٍ، فرحات بأبيهن الذي تخلّى عن توتره واضطرابه النفسي، لتزويدهن بالسعادة رغم حالته النفسية المتقلبة.
وفي اليوم التالي، تحمل أكبرهنّ دمية لمحاكاة أمها عندما تدلل أصغر أخواتها، تقبل الدمية، وتتخيل أنها أم قادمة، متعلمة، تسعد أطفالها، وتزور أختها الصغيرة في الغرفة المجاورة، ويضحكن، ويطبخن، ويبنين مستقبلهن في الخيال.
فجأة، يدخل الأب مسرعاً إلى المنزل، يحمل سكيناً بيده، لم يدب الرعب في جسد الطفلة، فثقتها بأبيها أكبر من الخوف، فقد يقطّع تفاحةً لبناته، أو يقسمّ حلوى بينهن، لكن الفجيعة أن يقبض بيده القوية على جسدها، ويبدأ في ذبحها، تصرخ الطفلة.
الدم يتسلل من بين يدي أبيها، الموت يهدم أحلامها، ويمزق الابتسامة، ويمضي إلى ذبح أخواتها الصغيرات، فيما الأم المكلومة، والتي هربت إلى غرفةٍ أخرى اتقاء الموت والذبح، فقد هربت خشية أن تموت للمرة الرابعة.